التکليف الرسمي لحيدر العبادي، العضو القيادي في حزب الدعوة من جانب الرئيس العراقي فٶاد معصوم، لتشکيل حکومة جديدة، وضعت حدا للجدل و النقاش بشأن موضوع ترشح المالکي لولاية ثالثة، وأنهت أحلامه و قضت عليها بالکامل. خلال الاشهر القليلة الماضية، شرع المالکي بحملة غير عادية في سبيل ضمان ترشحه لولاية ثالثة.
وقد سلك مختلف السبل و بذل کل مابوسعه من أجل تحقيقه ذلك الهدف، ولم يبدأ المالکي حملته هذه مبکرا إلا لأنه کان يدرك و يعي جيدا، بأنه و بسبب من سياساته المشبوهة المعادية لآمال و تطلعات الشعب العراقي، غير مرغوب فيه عراقيا مثلما أن سياساته ساهمت في إبعاد العراق کثيرا عن محيطه العربي و تراجع دوره على المستوى الدولي، وقد رافقت حملة المالکي هذه دعاية إعلامية واسعة النطاق قبل و أثناء و بعد الانتخابات الاخيرة، بحيث سعى المالکي من خلال حملته هذه الايحاء بأنه باق و المستحيل خسارته او إزاحته عن منصبه.
تزايد نفوذ نظام ولاية الفقيه في العراق و جعل مصالح و أهداف هذا النظام فوق مصالح و أهداف و غايات الشعب العراقي، خصوصا عندما ساعد المالکي کثيرا هذا النظام في الالتفاف على العقوبات الدولية بجعله العراق ممرا للتهريب ناهيك عن توريد الاسلحة و الاعتدة و المرتزقة لدعم و اسناد النظام السوري، وتنفيذه لتسعة هجمات دموية ضد اللاجئين الايرانيين في معسکر أشرف و ليبرتي و إرتکابه مجازر بحقهم يمکن إعتبار بعضها في مصاف جرائم بحق الانسانية، مضافا الى ذلك إنتشار الفساد بمختلف صوره الامر الذي صار حديث الساعة في العراق و إنتهاءا بالاجواء الطائفية التي إختلقها المالکي بسياساته اللاوطنية و اللامسٶولة،.
کل هذا أرهق کاهل الشعب العراقي کثيرا، وساهم في التأثير سلبيا و بصورة واضحة جدا على الاوضاع الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الامنية، وکل هذه المسائل قد تمخضت و تبلورت خلال فترة ولايته الثانية التي جلبت الويلات و المصائب على الشعب العراقي. النتائج السيئة لولايتين متتاليتين للمالکي و التي إعتمدت على نهج شبه إستبدادي سعى لإقصاء الآخرين او تهميشهم بطرق و اساليب مختلفة، قادت العراق في نهاية المطاف الى مفترق طرق لم يکن يٶدي سوى لحرب أهلية طائفية لايعرف عاقبتها سوى الله سبحانه و تعالى، ولذلك، فقد توسعت دائرة رفض ترشح المالکي لولاية ثالثة و إشتد عودها أکثر من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من أن نظام ولاية الفقيه بذل جهودا مضنية في سبيل دعم المالکي و إسناده لأنه کان من أكثر ساسة العراق حرصا على نفوذ و مصالح هذا النظام و تنفيذ مخططاته، لکن هذا النظام وعندما رأى بأن بقاء المالکي و إستمراره سيعني توسع دائرة ثورة العشائر و إنتشارها في سائر أرجاء العراق، فقد رکب تيار رفضه و شرع خلال الايام الاخيرة بتسريب أنباءا و تقارير تٶکد مساعيه بهذا الاتجاه، خصوصا تلك الاجتماعات التي عقدها قاسم سليماني قائد قوة القدس مع أطرافا سياسية مختلفة و أکدت على أن نظام ولاية الفقيه مع الجهود المبذولة لإختيار شخص آخر غير المالکي لمنصب رئاسة الوزراء. التکليف الرسمي لحيدر العبادي لتشکيل حکومة عراقية جديدة، أسدل الستار على حقبة المالکي و أنهاها الى الابد.
وسوف تشهد الايام و الاسابيع القادمة کتابات و تحليلات مستفيضة عن تلك الحقبة التي لم تجلب للعراق سوى الدمار و الفوضى و عدم الاستقرار و إراقة دماء أبناء الشعب العراقي عبثا و من دون طائل، ومن الواضح سوف يتم تسليط الاضواء على الکثير من النواحي و الامور التي کانت طوال الفترات الماضية بعيدة عن الاضواء و الانظار، ومن الواضح سيتم إماطة اللثام عن الکثير من الانتهاکات و الخروقات و الاخطاء الفاحشة، وهو ماسيدفع بالضرورة لطرح موضوع محاکمة المالکي من أجل إحقاق الحق. نهاية المالکي بهذه الصورة، و الاحتمالات المختلفة التي في إنتظاره و التي جميعها ضده و ضد مستقبله السياسي، يجب أن تصبح عبرة و درسا للآخرين، کي لايسيروا على طريقه و يتبعوا نهجه الخاطئ جملة و تفصيلا، وکما قال الرسول الاکرم”ص”: ” السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اعتبر بنفسه”.
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان