29/04/2024

ورقة صالح حميد في ندوة ” لا ديمقراطية بدون حقوق القوميات في إيران”

لندن – 17 مارس 2018

 

مقدمة

أظهرت مشاركة القوميات غير الفارسية من العرب الأهوازيين والبلوش والأكراد والأتراك الأذربيجانيين ولو بشكل محدود خلال الانتفاضة الشعبية الأخيرة في إيران بأن أولويات القوميات التي تعاني من اضطهاد مزدوج تختلف عن مطالب المناطق المركزية والمدن التي توصف بالطابع الفارسي والتي شهدت ثقل الانتفاضة الاخيرة كمشهد وطهران واصفهان وأراك غيرها.

واتضح هذا من خلال الشعارات القومية التي رفعت والتي تطالب بتحقيق الحقوق الأساسية ورفع التمييز والعنصرية والحق في التمثيل السياسي وإبراز الوجود، وذلك خلافا للمطالب العامة للمنتفضين الإيرانيين والتي تركزت تحت شعار ” خبز عمل حرية” حول مطالب رئيسية تحدد آمالهم في حال تمكنهم من إسقاط النظام وأهمها الاستفتاء العام حول شكل النظام المستقبلي بعد الاطاحة بنظام ولاية الفقيه وإلغاء الحجاب القسري وحرية وسائل الإعلام والإنترنت وشبكات التواصل وغير ها. لكن مطالب القوميات إلى جانب التركيز على المطالب الموحدة للشارع الإيراني فإنهم ركزوا على رفع الاضطهاد القومي والتمييز العنصري وحقوقهم الاثنية الأساسية التي حرموا على مدى تسعة عقود ومع نشوء ” الدولة – الأمة الايرانية” الحديثة، القائمة على أحادية القومية اللغة والثقافة الفارسية ورسمية المذهب الشيعي، وذلك منذ نظام الشاه رضا بهلوي وابنه وحتى نظام ولاية الفقيه الحالي.

وتضمن شعرات القوميات المشاركة في الانتفاضة الحراك الايراني العام بطرح حقوق القوميات الثقافية والاقتصادية والسياسية وإنهاء التمييز والحرمان والممارسات العنصرية والتعسفية ضدهم.

وبينما ركز أبناء القوميات في الداخل بالمطالب الملحة في رفع التمييز والحرمان واعطاء الحقوق الاساسية، طالبت وتطالب العديد من أحزاب ومنظمات القوميات بنظام فدرالي ديمقراطي يضمن حقوق الشعوب وتنظيمات أخرى تطالب بانفصال القوميات وتشكيل دول قومية مستقلة وتفكيك إيران ويبدوا هذا الحلم بعيد المنال في هذه المرحلة نظرا لتعقيدات السياسي داخليا وإقليميا ودوليا.

وبينما يشبه البعض أوضاع إيران بنهاية حقبة الاتحاد السوفيتي واحتمال تفكك إيران، هناك من يرى بأن هذه الانتفاضة في حال تجددها واستمرارها وهذا محتمل جدا ويحذر منه كبار مسؤولي النظام الإيراني، ستكون بداية نهضة شاملة نحو إسقاط نظام ولاية الفقيه الاستبدادي وبناء دولة ديمقراطية تعددية تمنح حقوق شعوبها وتكون مسالمة مع جيرانها وعنصرا فعالا في المجتمع الدولي وسنتطرق لهذا بالتفصيل في هذه الورقة.

 

مشاركة الأهوازيين في الانتفاضة الأخيرة

وعودة لمشاركة المتظاهرين الأهوازيين خلال الانتفاضة الشعبية الأخيرة في ايران، نجد بأن الجماهير العربية خرجت منذ الأيام الأولى للاحتجاجات في عدد من مدن الإقليم بدءا من مدينة الأهواز عاصمة الإقليم والتي خرجت في ثاني يوم الاحتجاجات في ايران، ومن ثم مدينة الفلاحية خرجت بعد عدة أيام وبشكل واسع ومن كل من مدن عبادان والمحمرة وتستر ومعشور التي شهدت تجمعات محدودة، فضلا عن المدن ذات الأغلبية البختيارية مثل ايذج ومسجد سليمان اليت شهدت تجمعات كبيرة جدا. وأثبتت حضور الاهوازيين أنه في المدن التي توجد فيها فعاليات سياسية وتنظيمية وثقافية تخرج الناس وتشارك بقوة في الاحتجاجات وترفع الشعارات باللغة العربية  كما حدث المدن الكبيرة الاهواز وعبادان والفلاحية، لكن المدن الصغيرة التي لا توجد بها عمل تنظيمي كالخفاجية والحويزه والبسيتين وغيرها لم تشهد تجمعات احتجاجية.

كما أظهرت الاحداث الاخيرة ومشاركة الناس الفعالة في الانتفاضة بأن شعبنا منسجم مع الحراك العام للشعوب الايرانية وليس معزولا كما يدعي البعض ويزعم بأن شعبنا لا علاقة بما يحدث في ايران.

ورغم قيام النظام بقمع الانتفاضة السلمية استمرت الاحتجاجات المتفرقة في الاقليم على شكل تجمعات للمطالبة بتوفير فرص العمل وإعطاء أولوية التوظيف لأبناء الاقليم بدل جلب المهاجرين ومنحهم كافة الامتيازات ضمن استمرار مخطط التغيير الديمغرافي في الاهواز .

والتزم أبناء الشعب العربي الاهوازي خلال الاحتجاجات بمبدأ السلمية واستمروا لعدة أيام بالحضور الفعال بالانتفاضة الشاملة من أجل الحرية والحقوق في إيران بالتركيز على مطالبهم القومية والانسانية.

وبلغ عدد المعتقلين أكثر من 500 معتقل في الاقليم وتم تسريب أسماء 278 شخصاً من المواطنين خلال موجة الاعتقالات في مدن مختلفة من اقليم الأهواز حيث كان هناك 207 معتقل من مدينة الأهواز و 26 من إيذج و 17 من عبادان و 19 من المحمرة و7 من الفلاحية و شخص واحد في الحميدية و آخر في الحويزة.

كما قتل اثنين من المتظاهرين في مدينة إيذج و أثنين آخرين أيضاً في مدينة مسجد سليمان جراء القمع الدموي للقوات الأمنية للمتظاهرين السلميين.

 

ركوب الموجة

علي غرار محاولة بعض التنظيمات الايرانية في الخارج ركوب موجة الاحتجاجات الشعبية ومصادرتها لصالح خطابها الحزبي وتجييرها لخدمة تنظيمها السياسي والظهور بمظهر القائد للاحتجاجات، فقد حاول البعض من التنظيمات السياسية الأهوازية التي يمكن وصفها بـ ” المنفصلة عن الواقع ” ركوب الموجة أيضا، حيث سرعان ما أعلنت بعض التنظيمات في أوروبا عن ” دولة في المنفى ” فور اندلاع الانتفاضة الشعبية الأخيرة في إيران من أقصى شمال شرق البلاد في مشهد، والغريب في عنوان الطرح هو عدم التفريق بين مفهوم الدولة والحكومة وتصوير الأمور كأنها محسومة وأن الاهواز ستتحرر خلال أيام وستقدم لهم على طبق من ذهب ليحكموها وفق تصوراتهم المسبقة.

كما أن آخرين أعلنوا تحرير مدينة الفلاحية بالكامل وطالبوا الشبان بالتوجه إليها على مبدأ ” التحشيد العشائري. وممن يمتلكون منابر اعلامية أعلنوا بأن التحرير أصبح قاب قوسين أو أدني!

وهناك من دعا لأعمال عنف لم تلاقي لحسن الحظ آذانا صاغية من قبل الجماهير المنتفضة التي التزمت بالسلمية في كافة المظاهرات والتجمعات.

 

تجارب سياسية أهوازية

وتدل المشاركة الأخيرة للشعب العربي الاهوازي في الانتفاضة الشعبية الأخيرة في إيران بأن هناك قناعة راسخة بضرورة المشاركة الأهوازية في عملية التغيير في إيران وأن الشعب العربي بات يستفيد من التجارب السابقة خاصة التجربتين المهمتين في تاريخ السياسي لعرب الأهواز بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه والتي طرحت المطالب القومية للشعب العربي الأهوازي من داخل إيران، هما الوفد الثلاثيني (1979) الذي ذهب الى طهران الحكومة المؤقتة لمفاوضة الحكومة المؤقتة لطرح مطالب الحكم الذاتي من 12مادة، وتجربة حزب الوفاق (1997 – 2005) التي كانت فرصة لتجديد الحضور السياسي العربي ومنفذا لطرح الحد الأدنى من المطالب المحقة للشعب العربي الاهوازي ضمن المشروع الإصلاحي الايراني.

واثبتت هذه التجارب الثلاث آنفة الذكر بأن مشاركة عرب الأهواز في أي حراك سياسي او جماهيري إيراني يتمحور بالدرجة الأساس حول المطالب القومية وغير مرتبط بشكل الحكومات الإيرانية المتعاقبة التي اتخذت جميعها سياسة موحدة وعدائية تجاه الشعب العربي الاهوازي ونكران حقوقه ومطالبه.

وبالرغم من أن المشاركة الأهوازية في العملية السياسية داخل إيران منذ بداية حقبة الإصلاحات عام 1997 وحتى القضاء عليها مع بداية حكم الرئيس السابق أحمدي نجاد في عام 2006 كانت بمثابة أداة سياسية متاحة لطرح هذه المطالب، لكنها لم تحقق الأهداف السياسية المرجوة.

ورغم أن مشروعية حزب الوفاق كمرجعية سياسية عربية غير تقليدية تجاوزت الفئات التقليدية من رجال الدين وشيوخ القبائل الذين كانوا يدعون تمثيل الشعب الاهوازي، لكنها بقيت في مساحات ضيقة ولم تتسع لتصبح بديلا لعدة أسباب منها القمع الحكومي وكذلك صعود الموجة الانتهازية، ومع هذا مكنت تلك الحقبة النخب والناشطين العرب من التواصل بشكل مباشر مع شرائح المجتمع وإيصال المطالب السياسية وكذلك تأطير المطالب القومية المشروعة ضمن خطاب سياسي مفهوم على الساحة الايرانية.

ولعل أهم ما يمكن رصده من التجارب السابقة وهو أن الحراك السياسي الاهوازي يستطيع حشد الناس للمشاركة في الحياة السياسية عندما يطرح مطالب محددة وواقعية وقابلة للتطبيق وتناسب المرحلة، كما حدث بالنسبة للوفد الثلاثيني الذي طرح مطالب محددة تلخصت بـ 12 مادة للحكم الذاتي، وأيضا حزب الوفاق الذي لخص المطالب القومية ضمن المشروع الاصلاحي في ايران بـ ” مانيفست” تم تداوله علي شكل واسع خلال ثمانية سنوات من نشاطه إبان فترة رئاسة محمد خاتمي في إيران.

وبينما لم تكن هناك أية ضمانات لتحقيق هذه المطالب، كان النشطاء الاهوازيين سواء خلال فترة الوفاق أو بعدها يركزون على حث الناس على الانخراط في العمل السياسي وتشكيل مجموعات تحت غطاء سياسي معين لكي تبقى جذوة الحراك مشتعلة ومستمرة وكذلك إيجاد أدوات متاحة لطرح ما يمكن طرحه من مطالب الشعب على السلطة والتمهيد لقبوله من قبل صناع القرار عبر تنظيم الضغط الشعبي وتوسيع قاعدة المشاركة العربية وكسب تعاطف الشخصيات المعتدلة في السلطة وخاصة من يرفعون شعار الديمقراطية.

أما في الوقت الحاضر، فتغير جوهر مشاركة المجموعات الاهوازية في العملية السياسية واختصرت على الانتخابات دون التمكن من إيجاد فضاء لطرح المطالب القومية، وبالتالي تحولت المشاركة السياسية من السعي لتحقيق أهداف التوعية والتواصل وبث الخطاب القومي وخلق مرجعية عربية إلى مجرد دعم مرشحين جل غايتهم تحقيق مكاسب ومصالح شخصية.

كما دأبت الحكومة المركزية على دعم اللوبيات غير العربية في الأهواز، لعرقلة أي نفوذ سياسي للعرب في دوائر صنع القرار أو حتى التأثير على السلطات المحلية في التوزيع العادل للثروة والتنمية للمنطقة العربية المهمشة.

 

الحركة الديمقراطية الأهوازية في الخارج

من ناحية أخرى، يمكن القول بأنه بعد فترات الجمود والحقبة المظلمة من القمع والحروب والتصفيات ضد الاحزاب السياسية في إيران، بما فيها قمع الحركة الأهوازية، وكذلك ظروف الحرب الايرانية – العراقية وتبعاتها، تشكلت في الخارج ودول المهجر، حركة موازية للحركة الوطنية الديمقراطية في الاهواز إبان حقبة الوفاق (1997 ـ 2005). وبرز خطاب الحركة الديمقراطية السلمية في الخارج متجاوزا الخطاب التقليدي للتنظيمات الاهوازية التي كانت تعتمد النشاط السياسي السري والعمل المسلح. وأدت جهود الناشطين الذين وصلوا الى قناعة تبني العمل الديمقراطي السلمي الى تكوين جمعيات مثل ” رابطة طلاب وخريجي عرب إيران ” عام 1997 ومن ثم ” منظمة حقوق الانسان الأهوازية” عام 1998 حتى أن تبلورت في قناعة ضرورة تأسيس تنظيم  سياسي تمثل في الإعلان عن تأسيس وانطلاق “حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي” عام 2003.

وبدوره قام حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي وبالتعاون مع أحزاب أخري تابعة للقوميات غير الفارسية بمبادرة نوعية حول تشكيل ائتلاف يطالب بحل قضية القوميات ضمن مشروع التغيير الديمقراطي في إيران وعلى أنقاض نظام ولاية الفقيه، حيث قامت تلك التنظيمات بتشكيل ” مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية” كائتلاف هو الأول من نوعه على مستوى الساحة السياسية الإيرانية وعلى صعيد نضال الشعوب غير الفارسية في ايران وهي تجربة تستحق التأمل والاهتمام والدراسة والدعم والمؤازرة في سبيل توحيد كافة المعارضة للنظام الإيراني وكذلك ايجاد قاعدة أساسية لتحقيق حقوق القوميات على أساس مبدأ حق تقرير المصير.  

 

الاهوازيون ومعركة الوجود

أما بالنسبة للوضع الحالي لما يعانيه الشعب العربي الأهوازي، فبات النظام الإيراني يصعد من سياساته التعسفية ويمضي قدما بمخطط التغيير الديمغرافي بهدف القضاء على وجود الشعب العربي الاهوازي سواء من خلال التهجير والهجرة المعاكسة أو التلوث المتعمد للبيئة بهدف القتل البطيء من خلال انتشار الأمراض الخطيرة التي بلغت مستويات غير مسبوقة بحسب احصائيات الحكومة الايرانية نفسها، بالإضافة إلى محاولتها تسليم الاقليم بيد لوبي الاقلية المهاجرة في الإقليم والذي يعمل على تكريس سياسة معادة العرب ودفع السكان الأصليين إلى الهامش حيث أصبح عرب الاهواز أمام معركة وجود قبل أن تكون معركة حقوق اساسية.

أما الاقصاء السياسي التام والتهميش فأصبح علنا وتجلى ذلك خلال الانتخابات الأخيرة لمجالس البلدية في الأهواز في مايو 2017 حيث تم تزويرها علنا وبشكل فج لصالح المهاجرين من قوميات مختلفة وعلى رأسهم الفرس واللور والبختياريين ليصبحوا بذلك متحكمين بإدارة الإقليم بالكامل.

ويعمل لوبي المهاجرين في الإقليم بدعم مباشر من محسن رضائي، أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني وقائد الحرس الثوري السابق، وبعلم السلطات المركزية في طهران وموافقة واشراف كل من المجلس الأعلى للأمن القومي ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومركز دراسات رئاسة الجمهورية حول سياسات التمييز الممنهجة والتهميش المنظم والإقصاء ضد عرب الأهواز وبذلك يتم تخصيص ميزانيات  لتطبيق سياسة التهجير وإحداث تغيير ديموغرافي والتفريس.

 

نهاية لعبة الإصلاحيين – المحافظين

لعل من ابرز الشعارات التي رفعها المتظاهرون الإيرانيون خلال الاحتجاجات الأخيرة هي ” لعبة الإصلاحيين – والمحافظين انتهت”، وهذا لم يقتصر على المنتفضين فحسب، بل أصبحت هناك قناعة تامة لدى كافة الشعوب في إيران ومنهم الشعب الأهوازي ونشطاءه في الداخل بأن الطريق للخلاص من القمع والتمييز والتهميش لا يتم الا عبر اسقاط هذا النظام برمته لانه اثبت بانه غير قابل للصلاح بأي شكل من الأشكال وما لعبة الاصلاح و الاعتدال والتغيير من داخل النظام سوى أقنعة لاستمرار جوهر النظام الديكتاتوري بوجوه مختلفة وبتغيير الشخصيات وتبادل الادوار في كل مرة.

اما بالنسبة للشعب العربي الاهوازي ثبت بأن كل التيارات الإيرانية متفقة على السياسات المعادية للشعب العربي الاهوازي ولا طريق للخلاص سوى الاعتماد على النفس والتنظيم الذاتي والاستعداد للاستحقاق التاريخي والمشاركة في عملية التغيير الشاملة والبحث عن شركاء من أجل إيجاد بديل أفضل يحقق طموحهم وحريتهم ومطالبهم.

وتجلى عداء كافة أجنجة النظام ضد شعبنا بشكل أكبر عندما تم تسريب وثيقة “المشروع الأمني الشامل لمحافظة خوزستان” أي “طرح جامع امنيتى استان خوزستان”، في نيسان/أبريل 2016، وهو عبارة عن “خطة أمنية شاملة” تهدف الى تنفيذ مشروع في الأقليم على مدى 5 سنوات (من 2014 لغاية 2019) ويقضي على ما وصفها بـ التهديدات والتحديات”.

وتوصي الوثيقة بالاستمرار في تنفيذ مخطط التغيير الديمغرافي وتهجير العرب من مناطق سكناهم” و”جلب المزيد من الفرس وغير العرب من باقي المحافظات وتوطينهم في إقليم الاهواز” بالاضافة الى  بالمخطط الحكومي للتغيير الديمغرافي وكذلك إجهاض الحراك الأهوازي بمختلف الطرق وشتى الوسائل، منها “قمع الحركات السياسية”.

إن هذا المخطط الهادف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في الاقليم جاء استمرارا لسياسة الحكومة المركزية التي وردت في وثيقة مسربة في عام 2005 حملت توقيع محمد علي أبطحي مدير مكتب الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، والتي أدت إلى احتجاجات واسعة سميت بـ “انتفاضة نيسان”، سقط خلالها عشرات القتلى بنيران الأمن والشرطة، رغم نفى أبطحي لصحة الوثيقة.

كما توصي الوثيقة الامنية أيضا برصد النشاط الحقوقي والدبلوماسي الأهوازي في الداخل والخارج بغية عرض قضية العرب على المجتمع الدولي، وكسب المساعدة والحماية الدولية. كما أصدرت الوثيقة تعليمات حول أسلوب قمع أية أصوات تنادي بالانفصال أو الفدرالية وحصر النشاط السياسي الأهوازي في خطاب داخلي وفي أطار النظام الإيراني وأجهزته.

 

الحراك الداخلي الاهوازي

لكن على رغم كل المخططات العنصرية، يستمر الاهوازيون في الداخل بإثبات وجودهم وإبراز هويتهم ومطالبهم بأشكال مختلفة حيث يرتكز الحراك الداخلي الاهوازي في الوقت الحاضر على منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية وبعض  المجموعات السياسية الصغيرة التي باتت تبتعد عن التيارات السياسية الايرانية في ظل فقدان الأمل بأي مشروع أو تيار اصلاحي.

وخلال السنوات القليلة الماضية ظهرت أيضا بعض المجموعات التي تركز على المطالب الثقافية والإجتماعية مثل ” حراك الهوية” الذي يعمل على الحفاظ على الهوية العربية للإقليم وإعادة أسماء المدن العربية السابقة.

أما الحراك البيئي فهو الأبرز لأنه استطاع أن ينظم سلسلة الحزام البشري وهي سلسلة احتجاجات على ضفاف نهر كارون ضد شحة المياه وتغيير مجاري الانهر ونقل مياهها الى المحافظات الوسطى وكذلك التلوث البيئي الناتج عن تجفيف الاهوار والأنهر ومخلفات المنشآت النفطية ومشتقاتها.

وفي نفس الفترة ظهر حراك حماية التراث العربي، ونظم عدة احتجاجات ضد هدم قصور الشيخ خزعل والآثار الأخرى التي تثبت عروبة المنطقة.

وهناك مجموعة ظهرت تحت عنوان “الاصلاح العشائري” التي تحاول تصحيح بعض العادات والتقاليد الخاطئة التي تضر بوحدة المجتمع وتسبب النزاعات الداخلية واستنزاف الاموال والطاقات كما تكرس بعض العادات البغيضة خاصة تلك التي تعادي المرأة.

كما حصل حراك ثقافي واجتماعي يطالب بإصلاحات اجتماعية ويقيم أنشطة ثقافية كمهرجانات الشعر والمسارح والمعايدات العامة ويقيم بعض الحملات على شبكات التواصل الاجتماعي كحملة لغة الأم وغيرها.

أما الحراك السياسي  فاصبح موسميا حيث يتم خلال فترة الانتخابات وينتهي مع انتهائها والذي يشجع على المشاركة في الانتخابات ويؤكد هذا الحراك على أن تكون هذه المشاركة مصحوبة بطرح مطالب وطنية وقومية لكي لا تنحصر مشاركة العرب في الانتخابات مجرد للحصول على بعض المناصب الإدارية فقط.

وفي ظل هذه الظروف، أصبحت هناك تشكيل تيار سياسي  مستقل يعطي الأولوية للمطالب القومية مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات داخل ايران من احتجاجات شعبية متصاعدة وكذلك الصراع القائم بين أجنحة النظام الإيراني والتفكير في بدائل في حالة حدوث تغييرات مفاجئة كخروج الوضع عن سيطرة النظام جراء تجدد الاحتجاجات أو اضطرابات في حال وفاة مرشد النظام علي خامنئي.

كما باتت الافكار تتجه نحو التهيؤ لاية تغييرات دراماتيكية قد تؤدي إلى إسقاط النظام كليا أو وقوع انقلاب عسكري بواسطة الحرس الثوري أو سيناريوهات أخرى مثل تغيير شكل النظام السياسي لصالح الإصلاحيين من خلال تغيير الدستور وغيرها من الاحتمالات.

 

المواقف الدولية من عملية التغيير في إيران

لقد أبدي المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة دعمه الكامل لانتفاضة الإيرانيين وشددوا على ضرورة الضغط على النظام الايراني للسماح للاحتجاجت السلمية وحرية التعبير، كما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب استعدادها لمساعدة المنتفضين الإيرانيين الذين يريدون اسقاط نظام ولاية الفقيه الديكتاتوري بشكل سلمي وفي سبيل بديل ديمقراطي.

كما أصبحت هناك مواقف اميركية – بريطانية – فرنسية متقاربة حيال ضرورة انهاء التدخلات الإيرانية  في الشرق الأوسط والحد من البرناجين الصاروخي والنووي وهناك تهديد بخروج واشنطن من الاتفاق النووي.

أما التوجه الأميركي الجديد فاصبح واضحا وهو يعتمد إستراتيجية “تغيير النظام داخليا” في إيران وقد عبر عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة  في 19 سبتمبر/ أيلول 2017 حيث أكد على دعمه لفكرة تغيير نظام ولاية الفقيه، عندما قال بأنه “نظام ديكتاتوري فاسد أضر بشعبه أكثر من أي أحد آخر”. كما كشف عن استراتيجية جديدة وشاملة حيال ايران في 13 أكتوبر الماضي، وأعلن خلالها عدم التزام إيران بالاتفاق وفرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات شاملة على كافة تشكيلات الحرس الثوري الإيرانية باعتباره منظمة إرهابية واتخاذ واشنطن استراتيجية جديدة حيال دعم النظام الإيراني للإرهاب في المنطقة و استمراره بتطوير البرنامج الصاروخي.

وما تسربت من معلومات أظهرت أن اقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، كان سببها عدم الالتزام بسياسة الرئيس ترمب حيال النظام الايراني.

اصبحت من الواضح للجميع أن استراتيجية أميركا لتغيير النظام في إيران تركز على التغيير التدريجي السلمي وبالاعتماد على القوى الشعبية المطالبة بالتغيير في الداخل، وبعض القوى السياسية في الخارج .

وكان وزير الخارجية الأميركي المقال ريكس تيلرسون، عبر أول مرة  عن سياسية واشنطن الجدية حيال طهران في كلمة له أمام الكونغرس في 15 يونيو/حزيران 2017 قائلاً: “أن  سياسة أميركا تجاه إيران ترتكز على دعم القوى الداخلية من أجل إيجاد تغيير سلمي للسلطة في هذا البلد”.

كما كان وزير الدفاع الأمريكي قد صرح أيضا  في 11 يوليو/تموز، قائلا: “أن تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، يجب أن يسبقها تغيير النظام في طهران”.

كما انتقدت السفير الأمريكية في الامم المتحدة نيكي هايلي، صمت المجتمع الدولي حيال انتفاضة الإيرانيين عام 2009 التي أطلق عليها “الحركة الخضراء”، وأشارت في كلمتها  التي ألقتها أمام مجلس الأمن في أواخر مارس 2017 إلى التجاهل الدولي تجاه قتل الطالبة الإيرانية ندى آغا سلطان، وعشرات المتظاهرين السلميين على يد قوات الحرس الثوري والأمن خلال خلال عملية قمع الاحتجاجات الدموية. وقالت هايلي “إن المجتمع الدولي يجب أن يتحمل المسؤولية تجاه الربيع العربي والحركة الخضراء، ورأت أنه على الأمم المتحدة أن تكون مثل أي مؤسسة أخرى فتقف بجانب تلك الحركات الاحتجاجية”.

وكان مسؤولون أميركيون رأوا بأن تعيين الاستخبارات المركزية الأميركية CIA أبرز مسؤوليها وهو مايكل دي أندريا، الملقب بـ “آية الله مايك” كمسؤول عن الملف الإيراني، يعني أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بات يميل نحو سياسة “تغيير النظام” في إيران بالتركيز على الجهود الاستخباراتية واللوجستية.

لكن هناك تأكيدات من الادارة  الأمريكية أن الهجوم العسكري لتغيير النظام في طهران مستبعد، كما هناك تحذيرات من تقسيم إيران في حال سقوط النظام وحدوث فوضى بعد التغيير، لذا تطالب مراكز الابحاث والدراسات من مراكز صنع القرار الأمريكية بالبحث عن البديل المناسب ليحل محل النظام الحالي في طهران.

 

السيناريوهات المطروحة

منذ أن أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترمب بأن النظام الإيراني بات يهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها تعزز التوجه نحو إسقاط نظام طهران لكن تعددت السيناريوهات وهي:

أولا: سيناريو إلغاء الاتفاق وعودة إيران للبرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم وتصنيع اسلحة نووية وبالتالي تمهيد الأمور لتوجيه ضربة عسكرية قد تخلل النظام وتمهد لتغيير داخلي وهذا ما سوف يتضح بعدما انتهاء مهلة ترمب من 120 يوما والتي منحها لحلفاءه الأروبيين لمراجعة الاتفاق مع ايران والتي ستنتهي في 11 مايو / أيار المقبل.

ثانيا: تقديم مساعدات لوجستية ودعم مباشر للمنتفضين الإيرانيين في حال تجدد الاحتجاجات الشعبية حيث واجه إيران أزمات اقتصادية ومعيشية تنذر بتجدد الاحتجاجات وأهمها تحديات الغلاء وارتفاع الأسعار والبطالة والتضخم وارتفاع الضرائب، مع استمرار الانفاق العسكري على سياسة التوسع الاقليمي ودعم المنظمات الإرهابية وبالمقابل عقوبات دولية جديدة ستؤدي الى شل عجلة الاقتصاد الايراني.

ثالثا: العمل على خلق بديل ديمقراطي من خلال تجميع قوى المعارضة الايرانية المشتتة، ومن المرجح أن يتم عقد مؤتمرات تدعى خلالها مختلف القوى الفاعلة بما فيها القوى التابعة للقوميات.

رابعا: في حال موت خامنئي بشكل مفاجيء وحدوث صراع بين اقطاب النظام أو اشتداد صراع الاجنحة  وخروج احتجاجات عارمة تستدعي التدخل الدولي من الممكن أن تتدخل الولايات المتحدة وبعض القوى لتنظيم استفتاء وتشكيل نظام سياسي جديد بانتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة.

 

والموقف الإقليمي

أظهرت الاحتجاجات الأخيرة تأييدا إقليميا كبيرا لحراك الشعوب في إيران بهدف التخلص من شرور نظام ولاية الفقيه الذي يعبث بامن واستقرار المنطقة ويهدد السلام الاقليمي ويتدخل بشكل مخرب في كافة دول المنطقة. وأيدت الدول المختلفة بشكل إعلامي علي الاقل انتفاضة ايران الشعبية سواء بهدف أضعاف النظام لانشغاله بنفسه أو احتمال الاطاحة به والتخلص منه ومن مشاكله وتهديداته نهائيا،  وتجلي التعاطف الإقليمي في التغطية الواسعة من قبل وسائل إعلام اقليمية سواء كانت عربية او تركية او اسرائيلية او غيرها. كما أن الأنباء التي تحدثت عن سحب قسم من ميليشيات ايران من سوريا والعراق لقمع المحتجين أعطت أملا لشعوب المنطقة لإضعاف النظام ووضع حد لتوسعة الإقليمي.

بالإضافة الى كل ذلك، فقد أصبحت هناك قناعة لدى دول الشرق الأوسط وخاصة لدى دول الخليج العربي، حول ضرورة تغيير النظام في ايران لأنه أصبح يشكل خطرا يهدد الجميع سواء من خلال دعم التمرد والانقلاب في اليمن وتمويل ودعم الميليشيات والمجاميع الارهابية في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغيرها من دول المنطقة أو من خلال البرنامجين النووي والصاروخي الخيرين.

كما اصبح هناك تخوف إقليمي ودولي من أن يتوسع هذا النظام بشكل جيوسياسي وجيو استراتيجي اضافة الى نفوذه من خلال التدخل العسكري والامني والهيمنة على مناطق أخرى من خلال إشعال الحروب الطائفية وتشكيل الخلايا الإرهابية.

 

مواقف المعارضة الإيرانية تجاه القوميات

يلاحظ المراقبون للساحة السياسية الايرانية أن واقع حراك القوميات فرض تغيرات غير مسبوقة على مواقف بعض التيارات والقوى الايرانية ذات التوجه القومي الفارسي، تجاه قضية القوميات وبتأثر بتصاعد نشاط الأحزاب والمنظمات القومية حيث باتت بعض القوى الايرانية ترفع شعار الدولة اللا مركزية كبعض القوى الليبرالية واليسارية. كما أن بعضها أصبحت تؤيد النظام الفدرالي كالجبهة الديمقراطية الايرانية وأخرى تؤيد منح حكم ذاتي للقوميات كمنظمة “مجاهدي خلق”. وتعتبر هذه خطوة كبيرة في سبيل توحيد قوى المعارضة حتى لو كان ذلك الاعتراف على مستوى بعض الشعارات والتصريحات الصحفية وليس من خلال اعتراف فعلي في برامجهم السياسية أو تعاونهم التنظيمي مع أحزاب ومنظمات القوميات. والفضل بهذا الاعتراف يعود بطبيعة الحال لتصاعد نضال القوميات وناشطيهم ومنظماتهم السياسية والمدنية ودورهم في إيصال صوت الشعوب المضطهدة للمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي.

كما أن اللوبيات التابعة للمعارضة الايرانية المتنفذة في وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية التابعة لأميركا وبريطانيا والمانيا وغيرها خاصة ” فردا بي بي سي و صوت اميركا ودويتشه فيليه ” لازالت تفرض تعتيما واقصاءا وتهميشا على قضايا القوميات والاقليات في ايران.

 

الحركة الأهوازية في ظل التوجه الدولي الجديد

إن معطيات كل من الواقع الداخلي والتطورات الاقليمية بالاضافة الى المواقف الدولية من الشرق الأوسط والأزمة الايرانية بدأت تفرض نفسها في صياغة خطاب أهوازي موحد يتجاوز المشاريع والأطروحات الحزبية والتنظيمية كل ما اقتربت الأمور من لحظة التغيير في إيران.

وقد بات من الواضح التفكير بتشكيل ائتلاف أهوازي من القوى الديمقراطية التي تحاول طرح حل مرحلي يكون أكثر قبولا وقابلا للتفاوض والتطبيق بحيث يتيح الامكانية للحركة الاهوازية ان تفاوض الاطراف الايرانية والاقليمية والدولية عليه.

وبما أن حلم الاستقلال وفق الاستفتاء او حق تقرير المصير مازال بعيدا كما حدث لقضايا مشابهة خاصة لدى أكراد العراق وسوريا وكذلك اقليم كاتالونيا في اسبانيا وتجربة استفتاء اسكتلندا، وغيرها، فأصبح طرح هذا المطلب يواجه عقبات دولية بالدرجة الأولى ومن ثم توافق القوى الإقليمية الذي يعارض تقسيم بلدان الشرق الأوسط كما حدث في تجربة استفتاء كردستان العراق.

وبما أن هذه التجارب اثبتت ان ترسيم الحدود وفق اتفاقية ” سايكس – بيكو ” مازال قائما للاسف، وبالمقابل هناك دعما دوليا لفكرة الأقاليم الفدرالية كما هو قائم في العراق وسوريا، فبات مشروع ” مؤتمر شعوب ايران الفيدرالية” الذي يتبناه ” حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي” و13 تنظيما آخرا من القوميات غير الفارسية هو الأكثر واقعيا وقابلا للتفاوض كونه بمثابة استقلال داخلي مرحلي يمكن الشعوب من حكم نفسها بنفسها دون مواجهة المجتمع الدولي والمحيط الاقليمي.

وبينما ليس هناك أي أفق لقبول مطلب الاستقلال لدى مختلف الدول ولم يستطع دعاة هذا الخطاب تسويقه لدى دول المنطقة والمجتمع الدولي، لكن بالمقابل هناك تواصل دائم من قبل ” مؤتمر شعوب ايران الفيدرالية ” مع دول العالم بما فيها الولايات المتحدة وايضا قنوات اتصال مع المعارضة الإيرانية لإدراج قضية الفدرالية كحل للمعضلة القومية في إيران المستقبل في ظل نظام  مدني سياسي تعددي ديمقراطي بعد إسقاط نظام ولاية الفقيه. واعترفت مؤخرا بعض القوى ك ” مجلس الديمقراطيين الايرانيين” وهو اوسع ائتلاف يشمل احزاب من القوميات وتنظيمات فارسية.

وخلال السنوات الاخيرة فتحت نقاشات كثيرة حول أهمية قضية الأهواز في أي عملية تغيير في إيران نظرا لوجود النفط والموقع الجيو – استراتيجي للإقليم ومصالح الدول الإقليمية والبلدان الغربية والشركات النفطية الكبرى، فضلا عن حقيقة أن إيران سوقا استهلاكية كبرى.

وأصبحت هناك قناعة بأن أي خطاب لا يمكن تحقيقه دون ملاحظة تقاطع مصالح الشعب العربي الاهوازي مع محيطه الداخلي والاقليمي وكذلك المصالح الدولية، وبات الجميع يتحدث عن وجوب اعتماد خطاب يراعي الواقع السياسي ويسلك رؤية براغماتية تتجاوز الأحلام والتمنيات والشعارات البعيدة المنال.

واثبتت التجارب الاقليمية أن الدول الكبري تشترط ” تغيير الانظمة في الشرق الاوسط دون المساس بحدود الدول المرسومة وفقا للاتفاقيات الدولية ” وكذلك الحال في عملية التغيير في إيران حيث تتحدث الدول الكبرى عن ضرورة الحفاظ على دولة مركزية قوية بدلا من التعامل مع دويلات ويبدو أنه فضلا عن العامل الاقتصادي ووجود النفط والغاز والاستثمارات وغيرها هناك العامل الأمني المتمثل في انتشار الارهاب خاصة بعد ظاهرة تنظيم ” داعش ” الإرهابي والتنظيمات المتطرفة الأخرى في العراق وسوريا وأفغانستان ودول أخرى في المنطقة.

وبالنسبة لبلدان المنطقة وبسبب وجود الأقليات القومية والإثنية واللغوية والمذهبية، فإنها هي الأخرى تعارض فكرة تقسيم إيران رغم أن بعضها تؤيد حقوق قوميات الشعوب الواقعة تحت الاضطهاد القومي في إيران علنا.

لكن طرح مطلب الاستقلال يوحد القوى الاقليمية الكبرى ضد الشعوب المطالبة بالاستقلال وخير مثال أمامنا هي تجربة كردستان العراق حيث هناك حصار تركي وايراني وعراقي ضدهم، كما لم يحضى استفتاء الاستقلال على موافقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغالبية الدول الأوروبية.

وبكلمة واحدة فإن تجربة الكرد في العراق الذين لديهم حكومة فدرالية والحكم الذاتي في سوريا حاليا  أثبتت أنه لا يمكن طرح مطلب الاستقلال في الوقت الحاضر.

فبالرغم من ان اكراد العراق أجروا استفتاء شعبيا حول الاستقلال ومستعدون لتشكيل دولة مستقلة لكنهم الموقف الدولي لم يوافقهم كذلك اكواد سوريا فبالرغم من الفوضى السائدة وسيطرتهم على مناطق شمال وشرق سوريا وتشكيل حكم ذاتي كانتونات وإدارات ذاتية فانهم لا يستطيعون إعلان الاستقلال وتشكيل دولة في ظل المواقف الدولية رغم ان هذه بمثابة حلم لهم.

وبالنسبة لحق تقرير المصير فقال المجتمع الدولي كلمته في قضية الاكراد وبأنه لا يقبل بتأسيس دول جديدة مهما كانت الظروف وذلك ارضاءا للدول الإقليمية وكذلك خوفا من المعادلات الجديدة في المنطقة وتقسيم النفوذ للقوي العظمي لذلك تم الاتفاق على نوع من الحكم الذاتي والفدرالية في العراق والحكم الذاتي في سوريا.

كما أن الأهم من كل ذلك، فقد خسر أكراد العراق الكثير من المكتسبات التي حصلوا عليها خلال فترة الحكم الفيدرالي بعد موقف الحكومة المركزية في بغداد اخيرا وبدعم من ايران وكذلك في سوريا يوشك الاكراد علي خسارة كل المكاسب بواسطة التدخل التركي.

هذه التجارب الإقليمية تحتم علينا كأهوازيين وقوميات أخرى في ايران أن نتمسك بطرح الفيدرالي الذي هو الأكثر عقلانية وواقعية وقابلا للتطبيق في حال سقوط نظام الملالي لأن مطلب الاستقلال حاليا يعتبر غير مقبول، لا داخليا ولا اقليميا ولا دوليا.

من جهة أخرى، فإن النظام الفدرالي سيطمئن المجتمع الدولي بأنه في حال تغيير النظام في إيران تستطيع الشعوب تتعايش فيما بينها بشكل سلمي، وأن الأمر يحول دون انتشار عدم الاستقرار والفوضى.

وفي الوقت نفسه يمكننا الاقليم الفدرالي من بناء مؤسساتنا الوطنية كالبرلمان والحكومة المحلية وتجربة استلام السلطة وأن الشعب سوف يستطيع ان يدير أموره بنفسه لأول مرة وهذا لا يعني التخلي عن حلم الاستقلال لكنه بدلا من ذلك يمكن أن يمهد الشعب للاستفتاء كما حصل لدى أكراد العراق وشعب كاتالونيا في اسبانيا.

أما النقطة الأهم في النظام الفدرالي وهو أن تكريس الدولة اللامركزية سوف تقضي الى الابد على منطق ” الدولة – الأمة الفارسية” في ايران وتكرس مبدأ توزيع السلطة بين المركز والأطراف للحيلولة دون قيام حكم ديكتاتوري يحتكر القوة والثروة والسلطات في المستقبل، وهذا ما سيقضي على أحلام الامبراطورية التوسعية الايرانية في المنطقة سواء كانت على نمط حكم ولاية الفقيه او ملكية او قومية فارسية متطرفة.

 

النضال السلمي

لقد أثبتت تجارب شعوب المنطقة التي نهضت ضد الانظمة الديكتاتورية بأن النضال السلمي هو أنجع وأفضل الطرق لاستمرار حيوية الحركة الوطنية وجذبها لكل شرائح المجتمع الأهوازي، وكسب تعاطف الرأي العام الداخلي والخارجي وطرح القضية الاهوازية في المحافل الدولية على اعتبارها قضية حقوقية سياسية لشعب ينبذ العنف والارهاب ويرزح تحت نير التمييز والعنصرية والاضطهاد القومي الممارس من قبل النظام الايراني.

وتساهم الأعمال المسلحة العشوائية بشكل كبير جدا في تشويه صورة حركتنا السياسية في المحافل الاقليمية والدولية حيث يستغلها النظام والقوى المعادية للشعب الاهوازي ويعلون على إظهار النظام بأنه ضحية العنف من قبل مجموعات مسلحة وأنه يريد السيطرة علي الوضع من خلال قمع الحركات المسلحة وحملات الاعتقال بزعم الحفاظ على أمن المواطنين وبذلك يبرر القمع ويسكت الرأي العام العالمي والمحلي.

اما تجارب نضال الشعوب في العراق وسوريا وبلدان عربية أخرى، والتي تم تشويه حراكها من خلال مجاميع مسلحة فهي خير مثال على عدم جدوى العمل المسلح وكيف كان يصب في كل مرة لصالح النظام الديكتاتوري.

 

متطلبات المرحلة الراهنة

إن الأحداث المتسارعة على الساحة الايرانية والمتغيرات الدولية وخاصة التوجه الأمريكي الجديد حيال ايران يفرض على القوى السياسية الاهوازية أن تنظم صفوفها بسرعة وتعمل علي تلاحم الداخل والخارج وإيجاد شبكة تنسيق بالسرعة القصوى واعتماد خطاب مرحلي واقعي قابل للتطبيق على أرض الواقع في لحظة التغيير.

والمطلوب في الوقت الراهن تشكيل مجموعات سياسية تستعد للمرحلة المقبلة في سبيل المشاركة في عملية التغيير الجذري القادم والذي من المرجح أن يبدأ بانتفاضة عارمة لاسقاط النظام الايراني.

كما تتطلب المرحلة العمل على تدريب مجموعات تقود الحراك الداخلي عبر مواقع التواصل ووسائل أخرى تنظيمية واستغلال المناسبات المختلفة لحشد الجماهير استعدادا للمرحلة القادمة.

كما أصبح الوضع يتطلب إنشاء شبكة من العلاقات تربط بين أكبر عدد من الناشطين السياسيين والمجموعات ببعضها البعض، وتنظيم واطلاق حملات عبر شبكات التواصل الإجتماعي لتنظيم الأنشطة وبث الخطاب الواعي الذي يستوعب الواقع والتطورات المتسارعة على الساحة الايرانية وما يرتبط بها أو يؤثر بها اقليميا ودوليا.

كما يجب على المجموعات الشبابية أن تخرج من إطار العشوائية والموقف المتفرج للأحداث، وأن تنتقل إلى العمل المنظم والمتواصل بإستلهام التجارب السابقة ودور الناشطين وشبكات التواصل.

ونظرا لحالة الغضب الشعبي السائدة في كافة انحاء ايران على الشباب الناشطين رفع مستوى المطالب العربية في الاهواز وتوعية الناس بما يجري من متغيرات متسارعة. كما يجب التنبيه إلى الابتعاد عن الشعارات التي من شأنها أن تبعد الناس عن الأهداف المرحلية للحراك وتقودهم إلى مواجهات هامشية وتضيع جوهر المطالب الأساسية للشعب العربي الاهوازي.

 

ملاحظة: نشرت هذه الكلمة عبر موقع مركز دراسات الأهواز عبر الرابط التالي: http://www.ahwazstudies.org/Article.aspx?aid=3017