الکلمة الهامة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، للأمتين العربية و الاسلامية، و للمجتمع الدولي، لفتت الانظار مرة أخرى الى الدور الريادي المميز الذي تضطلع به المملکة العربية السعودية في صراعها و مواجهتها و مقارعتها ضد الارهاب، وأثبت مرة أخرى حرص الملك و تفانيه من أجل إبقاء اسم و سمعة الاسلام بعيدا عن العنف و التطرف و الحقد و الضغينة.
الدور المشرف للسعودية بکافة مؤسساتها و أجهزتها في مکافحة الارهاب و سحب البساط من تحته، هو دور نال شهادة إعتراف دولية و حاز على إعجاب مختلف الاوساط الدولية به، خصوصا وان النهج الذي إتبعته السعودية(المناصحة ) في مکافحة الارهاب، کان نهجا يتسم بالواقعية و العمق و التأن، فهو قبل أن يبدأ بالهجوم مهد الارضية و الاجواء المناسبة لعودة المغررين بهم الى جادة الصواب و الحق وقبل ذلك کله الى عقولهم، وهي تجربة فريدة من نوعها کانت السعودية صاحبة إبتکارها و کذلك تطبيقها.
لکن وفي نفس الوقت عندما بدأت السعودية حملتها فإنها شنت حملة کبيرة حققت نجاحات شهد بها العالم جميعا و نظفت المملکة من رجس الارهابيين. قيام الملك عبدالله بالربط بين الارهاب و مايحصل حاليا من سفك دماء و حرب رعناء ضد أشقائنا في فلسطين على يد آلة الحرب و الدمار الاسرائيلية، و وصفه مايحصل هناك بجرائم حرب و جرائم ضد الانسانية دون وازع إنساني او أخلاقي، انما کان بمثابة جرس إنذار و إنتباه للمجتمع الدولي و خصوصا الدول الکبرى من جهة، وتأکيد للأمتين العربية و الاسلامية على المدى و المستوى الذي تهتم فيه المملکة بالقضية المصيرية و المرکزية للعرب و المسلمين.
خصوصا عندما أشار الى تأثيرات و تداعيات الصمت عن هذه الحرب المجنونة التي تشنها إسرائيل و کذلك الصمت الدولي عن مايحدث في المنطقة بأسرها، من شأنه أن يؤدي الى”خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضا السلام، ومؤمنا بصراع الحضارات لا بحوارها”، وهو تحذير بليغ و ذو معاني عميقة لأن الخطر الذي يحدق الان بمنطقة الشرق الاوسط، سوف يقرع کل الابواب مالم يتم تدارکه بالطرق الموضوعية و الواقعية و مبادرة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه کل مايحصل و ليس أن يکتفي بمراقبة و متابعة سلبية ثم ينأى بنفسه عن کل مايجري. ماأشار إليه الملك عبدالله من أن المملکة قد دعت منذ عشرة أعوام في مؤتمر الرياض الى إنشاء(المرکز الدولي لمکافحة الارهاب)، والذي حظي بتإييد العالم أجمع في حينه.
لکن وکما وصف الملك بأن المملکة أصيبت بخيبة أمل بسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي بشکل جدي مع الفکرة، و اننا نرى من المهم جدا أن تلتفت دول المنطقة و العالم مجددا الى هذا المقترح خصوصا وان التطرف الديني و الارهاب بمختلف أنواعه يحدق ليس بالمنطقة لوحدها وانما العالم بأسره، وان تفعيل دعوة خادم الحرمين الشريفين، مهمة إنسانية قبل کل شئ و تحمل على عاتقها قضية الدفاع عن مبادئ حقوق الانسان و المبادئ و القيم الحضارية و التواصل و التعاطي بين الشعوب و الجماعات. إشارة الملك التحذيرية في کلمته المؤثرة بقوله:” واليوم نقول لكل الذين تخاذلوا أو يتخاذلون عن أداء مسؤولياتهم التاريخية ضد الإرهاب من أجل مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، إنهم سيكونون أول ضحاياه في الغد، وكأنهم بذلك لم يستفيدوا من تجربة الماضي القريب، والتي لم يسلم منها أحد.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)”، يمکن إعتبارها نصيحة حکيم و مجرب في آن واحد، لأن المملکة برجالها و مسؤوليها و شعبها لم ينأوا بأنفسهم أبدا عن المشاکل و الازمات التي عصفت بالمنطقة و کانوا السباقين دائما للدفاع عن مصالح الامتين العربية و الاسلامية مثلما کانوا السباقين في مواجهة ظلامية و إجرام الارهاب فإدوا واجبهم و لايزالون يؤدونه بأمانة، لکن المشکلة أن دائرة الارهاب واسعة وبحاجة الى جهد و تنسيق و تفاهم و جدية من أجل إيجاد خارطة طريق عملية للقضاء عليه، وان کلمة الملك قد أکدت على هذا الجانب الحيوي و الهام للعالم کله، وان الکرة الان في ملعب من عناهم خطاب الملك، فهل سيأخذون بنصيحته قبل أن يفوت الاوان؟! .
*العلامة السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.