يبدوا أن الوضع الإيراني الداخلي بعد إنفراج أزمة الإنسداد السياسي و إنتخاب حكومة جديدة توصف بالمعتدلة و النجاحات الأولية في الملف النووي تتجه نحو إيجاد الحلول لحل الازمات الداخلية و على رأسها قضايا التضخم الاقتصادي و الغلاء المعيشي و أزمة القوميات و مطالبها الملحة.
من خلال قراءتي لزيارات المسؤولين الايرانيين وعلى رأسهم زيارات الرئيس “حسن روحاني” ومساعده لشؤون القوميات والاقليات “علي يونسي ” و كذلك ” علي شمخاني ” رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي و أيضا زيارة ” محمود علوي ” وزير الاستخبارات، أعتقد بأن إستراتيجية النظام تجاه قضايا القوميات تحولت من الاحتواء المباشر من خلال القمع و الترهيب الى إستراتيجية التعامل السياسي من خلال الانفتاح الجزئي بعد ما رأت الفشل الذريع و استفحال الازمات نتيجة لسياسة القمع المباشر التي إنتهجتها حكومة أحمدي نجاد طيلة السنوات الثمانية الماضية.
واعتقد بأن هذه الاستراتيجية الجديدة تنبع من التغيرات الداخلية المتسارعة و تزايد الضغوط الشعبية في مناطق القوميات إضافة الى التأثيرات الإقليمية و رياح التغيير الكبرى في المنطقة التي تلقي بضلالها على الداخل الايراني بقوة.
و يمكن تحليل أبعاد هذه الاستراتيجية وفق تحركات الحكومة الجديدة في الأهواز بدءا من زيارة الرئيس روحاني الى زيارات باقي المسؤولين ووعودهم بحل الأزمة الامنية في الاقليم والبت بايجاد حلول للمشاكل المستفحلة و تقديم مختلف المسؤولين خطابا مغايرا نوعا و مضمونا عما هو سائد من خطاب إقصائي و قمعي و إستعلائي على العرب الأهوازيين.
ووفق هذه الرؤية نشاهد بأن الحكومة الجديدة ترسل وزير إستخباراتها الى الأهواز قبيل زيارة روحاني ليجتمع بشيوخ القبائل و المسؤولين المحليين و بعض الشخصيات السياسية و النخب و المثقفين ليطلب منهم مساعدة الحكومة في ضبط الامن و الاستقرار و في المقابل يعد هذا الوزير بالانفتاح على القوى السياسية التي تريد أن تعمل في إطار النظام و القانون، ومن جهة أخرى ترسل يونسي مساعد الرئيس لشؤون الاقليات القومية و الدينية ليتحدث عن التسامح و الحوار و عن نية الحكومة لحل مشاكل العرب الاهوازيين و تغيير التعامل الأمني مع القوميات و منحهم حقوقهم على رأسها السماح بتدريس لغة الام و استلام بعض المناصب القيادية. كما إنتقد يونسي في تصريحات له التعامل غير المنصف تجاه العرب في الاقليم من نظرائهم من القوميات الاخرى و تفضيلهم في المناصب و الدوائر و المهام الحكومية.
أما الرئيس الروحاني فوضع اقليم الاهواز في مقدمة زياراته الداخلية و خاطب الناس بكلام عاطفي مملوء بالشعارات الحماسية و يقدم وعودا كثيرة بالاعمار و التمنية و حل المشكلات و الأزمات . و في نفس الفترة يأتي علي شمخاني المسؤول العربي المحسوب على رأس النظام و يعطي وعودا بإنهاء الأزمة الأمنية و حل المشاكل المستفحلة كالبطالة و البيئة و المياه و التوظيف و الحلول السياسية و غيرها و يدعوا الناس الى التفاوض مع النظام مهددا النشطاء العرب بأن البديل عن الجمهورية الاسلامية هم القوميين العنصريين المعادين للعرب و على الاهوازيين الاختيار بين الجمهورية الاسلامية و التيارات المعادية للعرب على حد قوله.
زيارة روحاني حملت رسائل طمانية لكسب الثقة
زيارة روحاني ففسرها الكثيرون على أنها زيارة توجيه رسائل للشعب العربي الاهوازي تريد أن توحي لهم بان نهجها يختلف عن سابقاتها و رأينا بان خلال هذه الزيارة التي إستمرت لمدة ثلاثة أيام زار فيها روحاني مدن الأهواز و عبادان و المحمرة و ألقى كلمة باللغة العربية في اليوم الأول لزيارته أمام عدد من المواطنين في مدينة الأهواز مستهلا خطابه الحماسي بالثناء على الشعب العربي و كرمهم و شجاعتهم قائلا بأن البيت المشهور للمتنبي ” الليل و الخيل والبيداء تعرفني / و السيف و الرمح و االقرطاس و القلم ” ينطبق على الشعب العربي الأهوازي . و أضاف روحاني في كلمته بأن مدينة الأهواز تعتبر تاريخيا مدينة العلم و الأدب التي إحتضنت شعراء كبار أمثال أبي نؤاس الأهوازي و دعبل الخزاعي و تطرق خلال كلمته الى المشاكل التي تواجه الاقليم مشيرا الى أن حكومته الجديدة لا تقبل بالتمييز ضد أي من القوميات في ايران. لكن النشطاء الاهوازيين يعتبرون كلمات روحاني هذه مجرد دغدغة لمشاعر الشعب العربي الاهوازي حيث لم يتطرق روحاني الى وعوده الانتخابية بإعطاء القوميات حقوقهم ضمن مشروعه الذي طرحه ضمن عشرة بنود لرفع التمييز عن الأقليات الدينية والقومية في برنامجه الانتخابي.
وطالب عدد من الجامعيين والمثقفين و الفنانين الأهوازيين خلال لقاءهم بروحاني بالإلتفات لمطالب الشعب الملحّة ومعالجة الأزمات المستفحلة كالبطالة والإدمان والتلوث البيئي وحل مشكلة مياه الشرب ورفع التمييز في منح فرص العمل بالنسبة للمواطنين العرب وتخصيص جزء من عائدات النفط لإعمار الإقليم. وتحدث الدکتور عادل الحیدری فی كلمته التي خاطب بها الرئیس روحانی عن مطالب الشعب في هذه الزيارة ملخصا إياها بستة بنود و هي : 1- تعیین المحافظه منطقة تجاریة حرة 2- ايقاف مشروع نقل میاه کارون 3- السماح للمواطنين العرب الاهوازيين بإرتداء الزي العربي فی الدوائر والجامعات والمدارس و احترام هويتهم و ثقافتهم 4- السماح بتدریس اللغة العربیة فی الجامعات والمدارس 5- توظیف شباب العرب ورفع التمييزو الاحتكار في الوظائف و فرص العمل 6- إحترام حقوق القومیات والشعوب کافة.
ورافق الرئيس في زيارته كل من ” علي شمخاني ” رئيس المجلس الاعلى للامن القومي الايراني و “محسن رضائي” عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام و عدد من الوزراء و مساعدي الرئيس . وكان الحراس المرافقين للرئيس يحملون حقائب مضادة للرصاص لفتت إنتباه الناس ووسائل الإعلام.
هذا و قد سبق وزير الاستخبارات ” محمود علوي ” و مساعد الرئيس لشؤون الأقليات القومية و الدينية ” علي يونسي ” بزيارة الاقليم قبل قدوم روحاني و عقدوا اجتماعات عدة مع المسؤولين المحليين وشيوخ العشائر العربية قبل و أثناء زيارة روحاني مطالبين إياهم بضبط الأمن و المساعدة في إستقرار الاوضاع في الاقليم لإحباط مؤامرات الأعداء على حد وصفهما كما جاء في وكالات الانباء.
و أنهى روحاني زيارته بعقد مؤتمر صحفي في مدينة عبادان موعدا بالعمل على تقليل نسبة البطالة في الاقليم. و حول تخصيص 2% من عائدات النفط لإعمار إقليم الأهواز الذي يؤمن 90% من انتاج النفط الايراني قال روحاني بأنه لا يستطيع أن يقطع وعودا حول ذلك.
لعل أهم ما جاء في هذه الزيارة كما يراها الكثير من المتابعين للشأن الأهوازي هو كلمة روحاني المقتضبة باللغة العربية أمام الجماهير الأهوازية ومخاطبتهم بمصطلح ” الشعب العربي ” وهي نقطة ايجابية تحسب له و لكن ما يؤخذ عليه هو عدم تطرقه للمشاكل والازمات الجدية التي تواجه هذا الشعب العربي الذي بات اليوم بحاجة الى أفعال و سياسات تخفف من معاناته و ترفع عنه حالة القمع و تعالج اسباب الحرمان و تفشي الامراض و الاوبئة و الفقر و تدني مستوى المعيشة و انعدام فرص الحياة بدل دغدغة مشاعرهم بخطب حماسية أو إطلاق بعض الشعارات.
يبدوا أن تهدئة الوضع في اقليم الأهواز يحتاج الى خطوات عملية تتجاوز التصريحات و الخطابات و على الحكومة الجديدة أن تعمل على وقف انتهاكات حقوق الانسان و في مقدمتها وقف الاعدامات الجماعية و اطلاق سراح السجناء السياسيين الاهوازيين و كذلك فتح المجال أمام القوى السياسية و فعاليات المجتمع المدني لبدء نشاطاتها و ذلك من أجل إثبات حسن نواياها لكي تبين إن تعاملها مع مطالب هذا الشعب تختلف عن سابقاتها و يجب عليها أن تبدأ برفع حالة القمع و البدء بالتعامل الايجابي البناء من خلال تنفيذ الوعود الانتخابية او الشعارات التي اطلقت خلال زيارة الرئيس روحاني و مشؤولي حكومته و على رأسها تخصيص مبالغ لاعمار الاقليم و العمل على ايجاد فرص العمل و البدء بتدريس اللغة العربية في المدارس كما وعد مساعد الرئيس لشؤون القوميات و غيرها من المطالب التي من السهل على الحكومة تنفيذها في هذه المرحلة.
زيارة شمخاني تتحدث عن إستراتيجية الحكومة الجديدة
زيارة شمخاني الاخيرة للأهواز في الاسبوع الماضي و التي جاءت بعد يومين من إنتهاء زيارة الرئيس حسن روحاني وفريقه الحكومي، حملت في طياتها تفاصيل وأبعاد كثيرة ومهمة، ولقد جاءت مكملة لزيارة روحاني التي تهدف بالدرجة الاساس إلى تهدئة الأوضاع الداخلية والانفتاح النسبي من أجل ضبط الوضع الأمني و الاحتقان الشعبي بعد ما رأى النظام بان سياسات الحكومة السابقة لم تنجح في إحتواء القضية الأهوازية و الاحتقان الشعبي المتصاعد من خلال أساليب القمع و الإحتواء.
و مما يفهم من هذه الزيارات المكثقة أن إستراتيجية الحكومة الجديدة و خططها المستقبلية تجاه اقليم الأهواز تتجه نحو نوع جديد من التعامل السياسي بدل القمع المباشر. إن إهتمام الحكومة الكبير بالجانبين الأمني و السياسي في الاقليم يوحي بان النظام بات يدرك بأن هذه الأزمات المستفحلة لا يمكن حلها من خلال القمع و التجاهل و التهميش و يمكن ملاحظة ذلك التطور النوعي في نظرة الحكومة الجديدة و سلوكها من خلال التركيز على قضايا هامة على صعيد الشارع الأهوازي كقضية الوعي القومي و تصاعد المطالب الشعبية و كذلك قضية الانتماء المذهبي و إزدياد ظاهرة التسنن و البدء بالبحث عن حلول جذرية بدل ربط هذه التطورات بالتدخلات الخارجية و الصراعات الاقليمية.
أما زيارة شمخاني الاخيرة فجاءت لتؤكد بشكل واضح الخطوات العملية للحكومة الجديدة ببوادر التعامل الجديد مع القضية الأهوازية. لقد بادر شمخاني بطرح رؤية و إستراتيجية الحكومة الجديدة تجاه الشعب العربي الاهوازي من موقعه كرئيس للمجلس الأعلى للامن القومي الايراني و قد ابلغ عدة رسائل و خطط من جانب الحكومة موجهة الى بعض النخب و المثقفين و عدد من الوجهاء و الشیوخ و زعماء العشائر العربية و رجال الدين ممن إستجابوا لدعوته في حسينته في شارع 24 متري في مدينة لاهواز بمناسبة إحياء ذكرى ميلاد الرسول في الساعة الساعة 9 مساء يوم السبت 18 يناير2014.
في بداية ذلك الإجتماع إستمع شمخاني الى كلمات مقتضبة لبعض الضيوف المتحدثين الذين طالبوه بالالتفات لمطالب الشعب والتدخل من أجل التخفيف من معاناة الناس كونه يحتل منصبا قياديا في الحكومة و يستطيع أن يحل الكثير من المشاكل و الأزمات المستفحلة كالبطالة و التمييز و صور الفقر و الرحمان و التعامل الأمني مع مطالبات الناس الاساسية.
من ثم ألقى شمخاني كلمة تطرق فيها إلی الأوضاع الإقلیمیه و ما یحدث فی الشرق الاوسط قائلا : إن هناک مشاریع تقسيم كثيرة ترید تفکيک البلدان الاسلامیة، و إن هذه المشاریع و الخطط ليست جديدة و لها تاریخها و ستستمر في المستقبل ايضا، و بالتأكيد فإن هذه المشاريع تؤثر على منطقتنا( الأهواز) و تطرح قضية الانفصال و إن أهم ما نواجهه حاليا هو التحدیات القومیة.
و صرح شمخانی في حديثه بأنه ” لیس هناک بدیل أفضل من الجمهوریة الاسلامیة بالنسبة للعرب الأهوازيين،لا في الماضي و لا في المستقبل”. و أضاف في حديثه : ” أقولها بکل جرأة بأن السلطة البدیلة عن الجمهوریة الاسلامیة فی ایران هی سلطة القومیين الفرس المعادین للعرب “.و يرى شمخاني بأنه لا خيار أمام العرب الأهوازيين إلا التفاوض مع النظام قائلا : ” إن التفاوض هو طریقنا الوحید لرفع التحدیات التي نواجهها، فلابد لنا ان نتفاوض مع السلطة و نقول لها بأننا قدمنا 22 الف شهید في المحافظة إبان الحرب 16 الف منهم عرب، و هذا یدل بأننا ضحينا من أجل الثورة و أثبتنا هذا عملیا فی الحرب ، أثبتنا هذا في المحمرة و في الهور و في كل مكان، فهل بعد كل هذا تأتون و تقولون لنا باننا وهابيين ؟!!
وفي مكان آخر يلقي شمخاني باللائمة على العنصريين المتنفذين في السلطة و يحملهم مسؤولية التمييز العنصري الممارس ضد العرب قائلا في كلمته بأن ” هناك من العنصريين و الحاقدین على العرب الاهوازيين الذین کانوا و مازالوا یقومون بأعمال و تصرفات تمییزیة وعنصریة ضد العرب تحت ذريعة مکافحة النزعة الإنفصالیة، و إن هولاء صحيح أنهم من الفرس و من الشیعة و یصلون و یصومون و لکنهم عملاء للاستخبارات السعودیة و الاماراتية من حيث يعلمون أو لا يعلمون، علی سبیل المثال لقد علمت بأنه تم توظیف ما یقارب 4000 شخص فی شرکة النفط فی الأهواز فی حين أن 7 أشخاص من بينهم عرب فقط، فاذا صح هذا الخبر فإنه بمثابة المساس بالأمن القومی و ستتم ملاحقة كل العنصريين الذین شارکوا أو ساهموا فی هذا العمل الإجرامي ضد العرب “.
و حول زيارة الرئیس روحانی للأهواز قال شمخانی بان إختیار محافظة خوزستان(الأهواز) من قبل الرئیس روحانی كأول زيارة له للمحافظات کان مهما للغایة و قال بأن الحکومة الجديدة لديها خطة لاعمار و إنعاش المنطقة و فی مقدمة هذه الخطة التي جاءت ضمن كتاب تؤكد علی رفع التمییز و يتحدث الفصل الاول من الکتاب علی قضايا التنمية الاقتصادية و الاهتمام بالزراعة في المحافظة و استصلاح 540 الف هکتار من الاراضی للزراعة بمیزانیة تعادل 1.5 ملیار دولار،وايضا سيتم الإعلان عن منطقتي عبادان و المحمرة بانهما مناطق تجارية حرة، فغالبیة السکان هناکمن العرب و هذا سيساهم في تحسين أحوالهم المعیشیة. و قال بأن الفصل الثالث من الکتاب یخص موضوع الطاقة و هناک لائحة من قبل حکومة روحانی تنص على ضرورة تخصیص 3% من دخل الانتاج النفطي لإعمار المحافظة و هذه اللائحة سوف تطرح فی المجلس الشوری الاسلامی للتصويت.
فی نهاية حديثه دعا شمخانی العرب الاهوازيين الى الوحدة و نبذ الانقسامات القبلية والمناطقية متحدثا باللهجة الأهوازیة: لا تگول انا من قبيلة العنافجة ،انا من بنی طرف ، من الکرخة ، من کارون.. گول انا عربي و کل عربی من یطیح ( يسقط ) انا طایح. و ختم شمخاني حديثه بعبارات نالت إعجاب الحضور و تصفيقهم قائلا : أنا علي شمخاني مسؤول الأمن القومي الایراني، اقول لکم لقد ولی ذلک الزمن و تجاوزنا الحالة و النظرة الأمنیة علی منطقتنا.
كان هذا ملخصا من خطاب شمخاني المطول و الذي يستشف منه بأنه يلعب دور الوكيل في تعامل الحكومة الجديد مع القضية الأهوازية و إن حديثه الشعبوي و بيع الشعارات البراقة و قطع الوعود بحل الآزمة الأمنية تدل على أنه مكلف بهذه المهمة الحكومية . أقول ذلك لأن تصريحات شمخاني هذه المرة و لحن خطابه يختلفان عن السابق شكلا و مضمونا و إعتقد إنّ إختيار الحكومة له لإدارة هذا الملف لم يأتي عبثا، فهو رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة و رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني في الحكومة الجديدة و لديه تجارب كثيرة سواء في الحرب أو السياسة أو القضايا الأمنية و بما أن تقسيم المهام هذه المرة لمعالجة أزمة القوميات قد أحيل الى المجلس الاعلي للامن القومي بدل الملف النووي الذي أحيل لوزارة الخارجية فإن أفضل و أجدر شخص لادارة هذا الملف ” العربي الأهوازي” هو شخص عربي من قلب النظام الحاكم كـ ” علي شمخاني “.
من ناحية أخرى فإن مرافقة كل من شمخاني ومحسن رضائي ( عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام )و علي يونسي( مساعد الرئيس لشؤون الاقليات القومية و الدينية) و محمودعلوي(وزير الاستخبارات) للرئيس روحاني في زيارته الأخيرة و عقدهم إجتماعات مكثفة و منفصلة مع الناس و الشخصيات الدينية و العشائرية و بعض النشطاء السياسيين و النخب و مطالبتهم هذه لشرائح الاجتماعية بالمساعدة بضبط الوضع الأمني و الاستقرار و دعم الحكومة و النظام من خلال التركيز على القضايا الأمنية و المتغيرات السياسية في ايران و منطقة الشرق الاوسط ،كل ذلك لم يأتي عبثا، بل يشير بوضوح الى حجم تطور قضيتنا و مدى تاثيرها على القضايا السياسية و المتغيرات الداخلية الايرانية و لذا نشاهد كل هذا الاهتمام الأمني المتزايد بالنسبة لتطورات القضية الأهوازية على الصعيد الداخلي.
و بناء على هذه المعطيات لا يمكننا تحليل هذه الاستراتيجية الجديدة تجاه القضية الأهوازية التي تعتمد على التعامل السياسي المباشر، بمعزل عن التطورات الإقليمية ورياح التغييرالكبرى في المنطقة التي ألقت و تلقي بضلالها على الداخل الايراني بقوة.
أما حول أسلوب التعامل الذي إتخذته الحكومة الجديدة فانه يؤكد بان النظام يريد مرة أخرى أن يقدم بعض التيارات العربية المحسوبة على النظام كممثلين عن الشعب العربي الاهوازي من خلال افساح المجال لهم و اعطاءهم بعض الامكانيات لتنفيذ بعض الوعود الجزئية و كل ذلك من أجل أن يتجنب التعامل مع القوى السياسية و النخب الموجودة على الساحة التي من شانها ان تعبر عن إرادة الشعب و طموحها و مطالبها.
أما شمخاني الذي جرّب حظه مع الشعب العربي الأهوازي في الانتخابات الرئاسية في العقد الماضي و فشل فشلا ذريعا عندما إختبر مدى شعبيته المتدنية، و أثبت الشعب في حينها بأنه يفضل شخصا غير عربي ( كخاتمي ) يدعو للديمقراطية و تحقيق المكاسب الجزئية – ولو ظاهريا- يفضله على شخص عربي يعتبر من أركان النظام المعادي للعرب.
لكن من جهة أخرى يجب الملاحظة بأن خطاب شمخاني هذا ليس فقط موجها للعرب بل موجه للسلطة ايضا، حيث أنه يريد ان يقول بانه من الأفضل للنظام التعامل مع المطالب العربية بدل القمع و المواجهة و هذه نقطة لصالح شمخاني و لصالح الشعب العربي، لكن التحديات اليوم تبدوا صعبة للغاية أمام مهمة شمخاني الجديدة، فهل سينجح في إختباره الجديد أمام هذا الشعب الذي بات اليوم بين مطرقة الأمن القومي و سندان الأزمات المعيشية و الكوارث البيئية و الصحية؟
ماذا سيقدم شمخاني لكسب ثقة الشعب وهو لم يقدم شيئا على مدى ثلاثين عاما من وجوده في رأس هرم النظام و تسلمه مناصب عسكرية و أمنية عديدة على مدى ثلاثة عقود؟! هل الأدميرال شمخاني سيفي بوعوده بإنهاء الأزمة الامنية في الاقليم بإعتباره رئيسا للمجلس الاعلى للأمن القومي و سيقوم بإطلاق سراح سراح السجناء السياسيين و سجناء الرأي و العقيدة من المناضلين العرب الأهوازيين كإثبات لحسن و صدق نواياه و حكومته؟! هل سيقرن أقواله بالافعال و يبادر بطلب من الحكومة السماح بغنشاء مؤسسات ثقافية و اجتماعية و إحياء المجتمع المدني الأهوازي ؟ وهل سيساعد في تلبية المطالب الملحة كإيقاف مشروع مياه كارون الى اصفهان إستجابة للاحتجاجات الشعبية التي تمثلت في سلسلة الحزام البشري؟
الآن وقد أصبح شعبنا رقما صعبا في المعادلة السياسية الايرانية الداخلية هل سيلعب شمخاني دور الوسيط لحل الأزمات من أجل إنقاذ أبناء شعبه أم سيلعب دور عراب النظام في إستراتيجيته الجديدة من أجل ممارسة المزيد من القمع و الاحتواء بدل الإستجابة لمطالب الشعب العربي الأهوازي؟
ربما الأيام القادمة ستكشف عن دور شمخاني و مدى صدقه في أقواله و نواياه من خلال المطالب المراد منه تنفيذها على المستوى القريب.