عروبة شيعة الأهواز تؤرق النظام الطائفي في إيران – صالح حميد

بات المد العروبي لدى الشعب العربي الأهوازي وغالبيتهم من الطائفة الشيعية، يؤرق النظام الإيراني الذي يحاول بكل السبل تحريف المطالب القومية والعروبية لهذا الشعب المضطهد، إلى بؤرة الصراع الطائفي الذي يقوم بتغذيته في المنطقة عبر أحزاب وميليشيات يمولها ويسلحها ويؤلبها ضد هويتها الوطنية والقومية.

ويعتبر عرب الأهواز من أولى ضحايا نظام الجمهورية الإسلامية، حيث قمعت الحكومة المؤقتة التي شكلها الخميني في بداية الثورة عام 1979 انتفاضتهم السلمية التي طالبوا خلالها بإقامة حكم ذاتي لإقليم عربستان (الأهواز).

وقد ارتكب الجنرال أحمد مدني (حاكم الإقليم في حينه) مجزرة راح ضحيتها أكثر من 817 قتيلا،ً وما يقارب 1500 جريح، وآلاف من المعتقلين.

العروبة في مواجهة التفريس

وحافظ الشعب العربي الأهوازي على عروبته في مواجهة سياسة التفريس، وقام بثورات وانتفاضات منذ إسقاط الحكم العربي لإمارة عربستان (الأهواز) عام 1925 بعد أن أسر آخر حاكم عربي للإقليم الشيخ خزعل بن جابر الكعبي على يد الشاه رضا بهلوي الذي غزا الإقليم عسكريا.

وبدأ الشاه الأب ومن ثم الابن (محمد رضا بهلوي) حملة ممنهجة لمحو الهوية العربية وطمس معالم وجودها، أبرزها تفريس أسماء المدن والقرى ومنع الزي العربي واللغة العربية وكل شيء يمت للعروبة بصلة، واستمرت الجمهورية التي تحمل صفة “الإسلامية” على نفس النهج العنصري ضد عرب الأهواز.

وقاوم الأهوازيون التفريس لتسعة عقود، وحافظوا على لغتهم وثقافتهم وانتمائهم العروبي دون أن يشكل المذهب المشترك مع السلطة عائقا للتواصل مع أشقائهم العرب، بل ظلوا متمسكين بالثقافة العربية في عربستان وعلى الساحل الشرقي للخليج العربي.

وكانت آخر انتفاضة عارمة للأهوازيين في أبريل 2005 ضد سياسات الحكومة الإيرانية الرامية إلى تغيير النسيج السكاني للإقليم، وتهجير العرب من أرض آبائهم وأجدادهم واستبدالهم بمهاجرين من الفرس وسائر القوميات، وتحويل العرب في الأهواز من أكثرية إلى أقلية في موطنهم.

ورغم أن السلطات الإيرانية استطاعت أن تقمع هذه الانتفاضة عبر وسائل القهر والتنكيل فإن جذوتها بقيت مشتعلة ومازال المئات من الشباب الأهوازيين يقبعون في السجون إثر الانتفاضات المتواصلة، وقد تم إعدام العشرات من الناشطين سرا وعلنا.

وتأثر الأهوازيون عام 2011 بثورات الربيع العربي، حيث قاموا بمظاهرات سلمية واسعة تزامنا مع الثورة السورية ولكن التعتيم الإعلامي الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني والإهمال العربي والتجاهل الدولي لقضية الأهواز وعدم تغطيتها ودعمها، كلها أمور ساهمت في قمع طهران لهذه الانتفاضة بصمت.

وتعرض الأهوازيون إلى القمع والعنف المنظم بدءا من تصفية النشطاء السياسيين من خلال الإعدامات السرية أو العلنية، وصدور أحكام بالسجن لفترات طويلة وممارسة التعذيب ضد نشطاء المجتمع المدني من كتّاب وشعراء ومعلمين ومثقفين وحتى المواطنين العاديين ممن شاركوا في الاحتجاجات.

انتشار ظاهرة “التسنن”

من جهة أخرى، انتشرت خلال العقدين الأخيرين ظاهرة “التسنن” في المجتمع الأهوازي، والمقصود بها تحول الفرد المسلم من المذهب الشيعي الإمامي إلى المذهب السني، وهي ظاهرة بدأت منذ بدايات التسعينات من القرن المنصرم في إقليم الأهواز بين فئات الشباب بشكل خاص.

ويقول المتحولون من المذهب الشيعي إلى التسنن، إن نظام ولاية الفقيه الذي يدعي زعامة المذهب الشيعي يناقض نفسه عندما يقمع ويضطهد أبناء نفس المذهب من عرب الأهواز فقط بسبب تمايزهم القومي والثقافي.

وتعتقل السلطات من يجاهر بتسننه وتصفه بـ”الوهابي” (وهو الوصف الذي يطلقه الحاقدون على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله الإصلاحية) حيث باتت تهمة توجه للمعتقلين وحتى الناشطين السياسيين، وباتت محاكم الثورة تستخدمها حتى ضد النشطاء العلمانيين، وذلك بهدف ربط أي نشاط عربي أهوازي بالحركات المذهبية في الخارج وبالتالي إدانة النشطاء من خلال القضاء والذي تصفه المحامية الإيرانية، شيرين عبادي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بأنه “غير مستقل ومسيس ويخضع لسلطة الاستخبارات بشكل كامل”.

وغالبا ما يتهم الناشطون العرب في إيران بالترويج للحركات المتطرفة، ويتم سجنهم لسنوات طويلة أو التخلص منهم نهائيا من خلال إعدامهم بتهم “محاربة الله والرسول” أو “الإفساد في الأرض” الواردتين في قانون العقوبات الإسلامية في إيران.

محاولات النظام الإيراني للحد من ظاهرة التسنن

وبذل النظام الإيراني جهودا حثيثة للحد من انتشار ظاهرة التسنن من خلال المؤسسة الدينية الحاكمة ومنابرها المنشرة، وكذلك من خلال الإعلام المرئي والمسموع والمقروء وشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية.

ولهذا الغرض أنشأت السلطات بدعم من مندوب المرشد الأعلى الإيراني في الإقليم آية الله جزائري، قناة “الأهواز” الفضائية التي تبث خطابا طائفيا شيعيا للحد من انتشار التسنن، غير أن القناة وبعد حوالي عامين من العمل وبتمويل ضخم فشلت في استقطاب الشباب الشيعة العرب كما يقول ناشطون أهوازيون، الذين رأوا أن السبب الأساس في فشل هذه القناة هو تبنيها للخطاب الطائفي الذي لم يلق آذانا صاغية لدى الأهوازيين ولاسيما الشيعة منهم.

كما دأبت الحكومة على إنشاء المواقع والمدونات المختلفة التي تتبنى حملة مضادة للتسنن وحتى التشيع العروبي، وتقوم بتزوير الأخبار والحقائق والتركيز على ربط قضية الشعب العربي الأهوازي بالصراع الطائفي الدائر في المنطقة. وتعمل تلك الوسائل الإعلامية التي يشرف على أغلبها أجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري أو وزارة الأمن والاستخبارات على إبراز العامل المذهبي دون التطرق إلى معاناة الشعب العربي الأهوازي وسياسات الاضطهاد القومي العنصري.

وفي مقابلة سابقة أجريت مع آية الله محسن حيدري، إمام جمعة مدينة الأهواز وعضو مجلس خبراء القيادة الإيراني وعضو مجلس قيادة الحرس الثوري في منطقة الأهواز، وهو أبرز عناصر النظام الإيراني في إقليم الأهواز في مجلة فصلية تصدر باسم “راهنما” (الدليل)، قسّم أسباب انتشار ظاهرة التسنن إلى ثلاثة عوامل: ثقافية واقتصادية وسياسية. وأشار حيدري ضمنيا إلى الفقر والحرمان والاضطهاد الذي يعانيه الشعب العربي الأهوازي كأسباب لانتشار الظاهرة، لكنه في الوقت نفسه عزا الظاهرة إلى “تأثيرات خارجية”.

وتقوم السلطات بين الفينة والأخرى بإقامة دورات تدريبية سنوية حول “نقد الوهابية” (المقصود التسنن) من قبل مؤسسة الدعاية الإسلامية في الأهواز، حتى إنها استعانت منذ سنوات بدعوة رجال الدين الشيعة (المؤيدين لسياساتها) من مختلف الدول العربية أو حتى أولئك السنة الذين تشيعوا وإرسالهم إلى الأهواز لإلقاء المحاضرات وتكثيف النشاطات لمواجهة موجة “التسنن”، وذلك في إطار مخطط يهدف إلى “شيطنة” السنة والتحذير من التعامل معهم.

ولم تقف محاولات النظام عند هذا الحد، بل إن السلطات المحلية أقامت لأول مرة معرضا كبيرا تحت عنوان “الأهواز عبر التاريخ”، وحاولت أن تحصر تاريخ المنطقة بالسلالة المشعشعية التي أقامت دولة عربية ذات طابع شيعي في الفترة ما بين (1436 – 1724).

وكان الغرض من إقامة هذا المعرض إثبات أن الأهواز منطقة شيعية، وذلك بتجاهل انتمائهم القومي العربي وتغييب حقيقة تواجد 30% من السنة العرب في الأهواز وعرب الساحل الشرقي للخليج العربي.

خارطة الأهواز الحالية بعد اقتطاع أجزاء منها
خارطة الأهواز الحالية بعد اقتطاع أجزاء منها

متى بدأت ظاهرة التسنن؟

شهدت بدايات التسعينيات من القرن الماضي نشوء حركة تدعو إلى إصلاح المذهب الشيعي في المجتمع العربي الأهوازي من قبل بعض الناشطين الشباب بهدف “إزالة الشوائب والخرافات من المذهب الشيعي الذي غلبت عليه الطقوس والشعائر بدل القيم الأساسية السامية في الإسلام”، حسب ما قال الناشط السياسي الأهوازي كاظم مجدم لـ”العربية.نت”.

وقال مجدم، وهو من مؤسسي حزب “الوفاق” الذي أسسه مع رفاقه إبان الحقبة الإصلاحية في إيران في عهد الرئيس محمد خاتمي (1997-2005)، قال: “إن الحركة التي بدأت كاتجاه إصلاحي في المذهب الشيعي سرعان ما تحولت إلى الدعوة لاعتناق المذهب السني، وقد أخذت هذه الحركة مناحي عديدة بعضها ديني والآخر سياسي”.

ويضيف مجدم: “لعل أبرز المنطلقات والأسباب التي أدت إلى نشوء هذه الظاهرة هي فشل المشروع الديني لنظام الجمهورية الإسلامية في تحقيق شعاراته وأهدافه كالحرية والعدالة الاجتماعية والحقوق العامة لسائر الشعوب في إيران. وبالنسبة لعرب الأهواز إنه عانى من ازدياد التهميش والفقر والتمييز العنصري والممارسات الشوفينية من قبل نظام الجمهورية الإسلامية الذي انتهج نفس النهج الشاهنشاهي بشكل أقسى وأسوأ”.

وعن السبب الأساس لتحول الشباب من التشيع إلى اعتناق التسنن يقول مجدم: “كان عامل المذهب يعتبر عائقا أمام الحركة السياسية الأهوازية من وجهة نظر الناشطين، حيث إن مبدأ التقليد من المراجع كان يحتم على المقلدين في المذهب الشيعي اتباع آراء المراجع في كل صغيرة وكبيرة، وبالتالي أي فتوى من رجال الدين تلزم المواطن العربي الشيعي أن يقف حتى ضد مصلحة شعبه نظرا لطبيعة المعتقد الشيعي حيث ينص على أن من لم يقلد المرجع لا صلاة ولا صيام له”.

ويضيف: “من هذا المنطلق كان الناشطون السياسيون يرون أن عامل المذهب هو ما يربط هذا الشعب بالنظام الإيراني لذا فإنه من الضروري قطع هذه الصلة والعمل على التحول من المذهب الشيعي أو إضعافه لدى الشعب العربي الأهوازي وبالتالي قطع كل الصلات مع النظام في سبيل تحرير الشعب وتوعيته بالنسبة لقضيته وحقوقه وعلى رأسها حقه في تقرير مصيره”.

وبحسب هذا الناشط السياسي الذي ترأس اللجنة المركزية في حزب الوفاق، فقد مرت هذه الحركة التي يصفها بـ”الدينية – السياسية” بثلاث مراحل: “1- مرحلة الإصلاح في المذهب الشيعي 2- مرحلة التحول إلى التسنن 3- مرحلة الانشقاقات والتحولات الجذرية التي أدت إلى توجه غالبية الناشطين نحو خطاب فصل الدين عن السياسة”.

ويقول مجدم إن “الغالبية من أعضاء الحزب والكثير من مناصريه توصلوا إلى نتيجة تؤكد ضرورة فصل الدين عن السياسة والتركيز على إحياء المجتمع المدني ومطالبة حقوق عرب الأهواز وفق القوانين الدولية والمنشور العالمي لحقوق الإنسان، وذلك بعد نشاط دام حوالي 8 سنوات وهو عمر الحركة الإصلاحية في إيران”.

الفقر والتهميش في الأهواز التي تعوم على بحر من النفط
الفقر والتهميش في الأهواز التي تعوم على بحر من النفط

تأثير ثورات الربيع العربي على الأهوازيين

ومنذ ثورات الربيع العربي، خاصة الثورة السورية، تحاول السلطات الإيرانية ربط الحراك العربي الأهوازي بالعامل الطائفي في المنطقة.

ومؤخرا قامت قناة “الأهواز” الفضائية التابعة للنظام بإجراء مقابلة مع أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله، الذي حاول أن يشحذ الهمم لثني الأهوازيين عن معارضة سياسات النظام الإيراني.

وخاطب الشعب العربي الأهوازي بلهجة طائفية يحذرهم فيها بألا ينخدعوا بدعوات الدول العربية، وأن يقفوا إلى جانب نظام الجمهورية الإسلامية حسب تعبيره، متجاهلا اضطهادهم وإعدام المئات من أبنائهم على يد هذا النظام.

وتعليقا على مقابلة نصرالله، قال الكاتب والباحث ومدير مركز دراسات الأهواز، جابر أحمد، في تصريحات لـ”العربية.نت”، إن “النظام ظن بأن الخطاب العاطفي والطائفي لنصر الله يمكن أن يجذب الأهوازيين ولكن الأهوازيين لم ينسوا تأييد حزب الله ومشاركته في قمع انتفاضتهم عام 2005”.

ويرى جابر أحمد “إن القضية الأهوازية ليست قضية صراع بين أقلية دينية “سنية” وأكثرية “شيعية”، بل إن ما يميز هذه القضية منذ نشأتها هي أنها حركة وطنية لشعب يناضل من أجل الحفاظ على هويته ونسيجه السكاني القومي واستعادة حقوقه المشروعة وتقرير مصيره وفقا للقوانين الدولية، وذلك في ظل هجمة استهدفته منذ ما يقارب 9 عقود، حيث يقود هذا الشعب معركته بمفرده دون أي ناصر أو معين، حتى من قبل أشقائه العرب”.

وأضاف: “إن قضيتنا قضية قومية مشروعة وليس قضية دينية أو مذهبية أو طائفية، فمن الضروري التعامل معها من قبل الأشقاء العرب من هذا المنظور وليس كعناوين براقة لوسائل الإعلام ولجماعات وأفراد تحاول استخدامها كأداة ضغط” ضد إيران فقط.

صالح حميد – العربية.نت

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …