20/05/2024

تفاجأ الشارع العربي أمس بخبر اعلان دولة الإمارات العربية المتحدة، توصلها لاتفاق تاريخي مع إسرائيل، حول علاقاتهن الثنائية، كدولتين ذات سيادة، وبدء التحضير لتوقيع اتفاقيات مشتركة في مختلف المجالات. أبرزها افتتاح سفارات وتبادل سفراء. لا شك بأنه حدث غير متوقع، في هذا التوقيت الذي اقل ما يقال عنه غير مناسب، اجتماعيا. ألا أنه مدروس وبشكل جيد، بغض النظر عن ردود الفعل المتفاوتة التي شهدناها وسنشهدها خلال الفترة القادمة.

باختصار، للبلدين استراتيجيات شبه واضحة لتطوير علاقاتهم الخارجية. ونعرف عن الإمارات العربية المتحدة، جهدها في ابراز قدراتها الاقتصادية، والعسكرية، والسياسية، والأهم برأيي عملها على الارتقاء بسبل تطوير الفرد الإماراتي من خلال تقديم تعليم قد يكون الأفضل على مستوى الدول العربية كلها. كما كيف قامت هذه الدولة الرائدة التي نهضت بنفسها من تحت رمال البراري إلى أبرز المحافل الدولية، كعنصر قادر على الجلوس ومناقشة القرارات الكبرى. أضافة إلى مستوى تطورها في أهم المجالات التقنية، التي لا يمكن الوصول لها دون وجود استراتيجية حقيقية، قادرة على استيعاب هذه الريادة. لذلك، ولربما لهذا السبب، لم يتفاجأ شارعنا العربي، بأرسال الامارات لرائد فضاء، أو اطلاقها لأقمار صناعية وآخرها المتخصص في رصد بيئة المريخ، ليساهم البشرية في اكتشاف هذا الكوكب البعيد والمهم، أو تشغيلها لمفاعلها النووي، أو علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي، أو حتى ذكائها في الاستفادة الاقتصادية من عدوتها اللدودة إيران، بل تفاجأوا بإعلانها التوصل لاتفاق دبلوماسي مع إسرائيل العدوة.

أولاً، يجب التذكير، بأن الإمارات العربية المتحدة، كانت أوضح دولة في الخليج في علاقاتها مع إسرائيل، وكنا نقرأ عن هذه العلاقة حتى في الصحف الصفراء. وهنا أعني بأن العلاقات الخاصة بين الدولتين لم تكن سرية كما يحاول البعض تصويرها. ولم تكن هذه العلاقات في مجالات كان يمكن التخلي عنها، لدولة ذات سيادة، تبحث عن مصالحها وهذه مفصلية. مصالح الدول تقضي بالاستفادة من كافة الفرص المتاحة، مهما كانت ردود الفعل القابلة للتحكم فيها، أو مجرد اهمالها. وكل متابع لأنشطة الإمارات يعلم بقدرة الإمارات على مواجهة مختلف المشاكل والتسلسل في حلها من خلال فهمها، واستيعابها، والتعامل معها طبقاً للضرورة.

ثانياً، قد يبدو توقيت الإعلان عن هذه العلاقة والبدء بتطويرها، بالعلن، غير مناسب في فترة يشهد فيها العالم انتشار أحد أسواء الجوائح حتى الآن في تاريخ البشرية، أو بعد أيام من حادثة انفجار مرفأ بيروت والذي اُتهمت تل أبيب بالوقوف خلفه، أو وضع أهلنا الفلسطينيون، والانتهاكات الإسرائيلية ضدهم. كل ما سبق يخلق فرصة، والذكي من يستقلها لإظهار قدراته، لا من يهملها.

ثالثاً، لم تكن هناك حرب بين الدولتين، ليتبعه اعلان لوقف دائم لإطلاق النار، وبأن هذه الاتفاقية هي اتفاقية سلام. ولمن للأسف لازالوا يعيشون في أوهام الماضي، الإمارات كدولة ذات سيادة، ليست بحاجة لأطراف خارجية أخرى، لتحارب بالعلن، بالنيابة عنها. مصر ذاتها، التي وقفت الأمتين خلفها، انتصرت في حربها الدفاعية ضد إسرائيل، ومن ثم أعلنت توصلها لاتفاقية سلام، لتركز بعدها على التنمية والتطوير المفترضين. أي وهذا تكراراً، هذه ليست اتفاقية سلام، بل اتفاقية لتطوير علاقة كانت منحصرة في بعض المجالات، أو شبه معدومة بين الدولتين.

رابعاً، نحن نعيش في عالماً، في أشد الحاجة إلى سلاماً. ما الضير في سلاماً، يمكننا من بناء جسوراً؟ نعم، لنتفق بأن نحن العرب في حرب مع إسرائيل. حرب بدأت، ومن التجارب، لم نتمكن من انهائها حتى الآن. ما المشكلة أن نعيين جهات مسؤولة عن التواصل بيننا. قد يتمكنون من إيجاد صيغة جديدة للتوصل إلى حل لمشاكلنا التي بدأنا الحرب بسببها، منذ عشرات السنين. ألسنا أهل سلم وسلام، لمن جاورنا؟ أتودون أن تشتموني؟ أشتموني. ليس لدي مشكلة. بإمكاني تبيان خطأكم، وهذا في وقت آخر.

خامساً، قلت وأكرر، الإمارات العربية المتحدة هي دولة فدرالية ذات سيادة، قادرة على التحرك بمفردها، بدعم غالبية شعبها، لا كله وهذه للأمانة، لاتخاذ قرارات مصيرية، وتاريخية، مهما كانت مفاجئة أو غير مقبولة، أو مرفوضة، من قبل جيرانها، أو أي دولة أخرى في العالم، دام هذا التحرك كان لمصلحتها، وغير مسبب لضرر، لجيرانها، أو للبشرية. وللعامة والمتعلمين، هذه النقطة، أي السيادة التامة على القرارات، هي من أهم ثوابت الديمقراطية.

ختاماً، أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال العقدين الماضيين، قدرتها على التخطيط الدقيق والتنفيذ الرائع لكافة استراتيجياتها التنموية، التي شملت الاقتصاد، والأمن، والسياسة الداخلية والخارجية الفعالة، رغم محدودية الثروات الطبيعية في أراضيها. بينما الدول التي تمتلك مختلف الثروات الطبيعية والبشرية، الأكثر كثيراً، والمجاورة لها، لازلت منشغلة في كيفية التعامل مع الاعتراضات الشعبية ضد ابسط المشاكل الداخلية. لذلك، برأيي لا خوف على الإمارات، إذ لا يصادق الذئب إلا من كان أذكى منه. لذا لنعتز ولو قليلاً، بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة.

عقيل منيعاوي

14 أغسطس 2020

لندن