20/05/2024

تفاجأ العالم يوم أمس الرابع من أغسطس 2020، بانفجار ضخم بمرفأ بيروت، هز العاصمة ولبنان بأجمعه مادياً ومعنوياً، ومنطقة الشرق الأوسط والعالم سياسياً. انفجار قادر على إطلاق شرارة حرب أو حروب طويلة، سوف تكتب كأخطر حادثة متكاملة التأثير والقوة، اجتماعياً، وسياسياً، وعسكرياً، في الشرق الأوسط، خلال القرن الواحد والعشرين.

في البداية، سوف تتوجه أصابع الاتهام لحزب الله، وأن الانفجار ليس ألا رسالة للبنانيين والعالم، وتحديداً للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، للبت بنتائج التحقيقات الخاصة باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، المغدور رفيق الحريري، والتي من المقرر اعلان حكمها في السابع من أغسطس الجاري. الحكم الذي من المحتمل جداً أن يدين حزب الله، ورسالة الأخير، بأن أن صدقت أو كذبت المحكمة الدولية في حكمها الذي من المرجح جداً ادانتي فيه، لدي من القوة الكافية التي ستحرق الجميع، في أكثر الأماكن والأوقات ألماً للكل، حتى ولو كنت من ضمن المتضررين. لذلك ليحذر الجميع، بما فيهم إسرائيل العدوة في الجنوب.

أما العنصر الثاني الممكن اتهامه بالوقوف وراء تفجير بيروت، ستكون إسرائيل. وأن صدقت النظرية، ستكون خطة تل ابيب البدء بإشعال نار ينتج عنها اتهام الطرف الأكثر ممكناً أدانته بهذا التفجير، وكذلك اتهامه باغتيال الحريري بعد ثلاثة أيام بالتحديد، وهو حزب الله. أما هدف الخطة، هو أولاً، اشغال الحزب بكارثة أكبر من طاقته الحالية لاستيعابها، اثناء انشغاله في تأمين الحدود الجنوبية للبنان، ومعاركه في سوريا للحفاظ على طريق امداداته من حليفته الكبرى إيران، والوضع السياسي المنفلت في لبنان، ومحاولة إعادة الدعم الشعبي له في الشرق الأوسط، وكذلك معاركه في ساحة السياسة الدولية، حفاظاً على نفوذه ومصادر تمويله في الخارج. كل ما سبق يخلق فرصة أقل ما يقال عنها ذهبية لإسرائيل، الباحثة منذ ما يقارب الخمس سنوات، أي وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم وانشغال أمريكا في شؤونها الداخلية، وانحسار التأثير السياسي المدروس والقوي للأخيرة على مألات الأحداث الكبرى في الشرق الأوسط، لتتمكن تل أبيب أولاً من تحطيم السياسة اللبنانية وبالتالي جر البلاد إلى حرب داخلية جديدة. وكذلك الأهم، اجبار حزب الله على حرب ترمي فيها القضاء عليه، وأن كانت ستدمر لبنان، مهما كانت وخامة العواقب.

وبخصوص القائلين بأن حجم الجريمة أكبر من قدرة إسرائيل على تحمل عواقبها، عليهم النظر إلى الهدف النهائي وحجم الجائزة الكبرى التي ستحصل عليها تل أبيب، أذا قامت بالقضاء على حزب الله، أي نظرية المستفيد الأكبر. لا يمكن تطبيق نظرية المستفيد الأكبر هنا، إلا إذا كان هناك هجوم خفي كبير وكثير التأثير، محدثا لدمار عظيم قادر على خلق مختلف ردود الفعل بهدف إلهاء الكل، بغية تحطيم غريم واحد، ذو قدرات أكبر من قوة باقي الأعداء جمعاً، قد يتمكن من الانقضاض علي في أي لحظة. وفي الأخير القول للخصوم والأعداء، والأصدقاء والحلفاء، بأن نعم نحن متمكنون وقادرون على الاستفادة من الكل وتحدي الجميع، في أي وقت ووضع، في سبيل الوصول إلى غاياتنا بشكل عادل أو غير عادل.

نظراً لذات النظرية، حزب الله قد يخرج من دائرة المتهمين، كون أضرار العمل أضخم من طاقته على تحملها، أضافة إلى أن للحزب استراتيجية اذكى من أن تقبل أو تحتوي على خطة لمثل هذا العمل الطائش، المؤثر على الكل ومن ضمنهم الحزب ذاته، حيث من آثارها المؤكدة هو حرق الأخضر قبل اليابس، أثناء أوضاع اجتماعية، وسياسية، وعسكرية، وعالمية، غير مناسبة بتاتاً، لتحمل اتهامات جديدة، بإمكانها تهشيم عظامه.

وأما بخصوص، صور الفيديو التي تظهر حريق كبير ناجم عن خطأ أو انفجار، ثم تسلسل أضواء انفجارات صغيرة وسط كتلة الدخان، والتي من ثم أدت إلى الانفجار الأضخم، أي الكارثة، قد تساعد التحقيقات بإثبات الانفجار حادثاً عرضياً تسبب بهذا الدمار، وهذا من السهل جداً استنتاجه. ولكن يجب الانتباه قد يكون حادثاً مفتعلاً. إذ من شبه المستحيل حصول مثل هذا الحادث لعتاد عسكري أو مواد صناعية بهذه الشدة من الحساسية، دون تدخل بشري. خصوصاً وهي في عهدة سلطات، احتجزتها منذ سنوات وحافظت عليها كل هذه المدة لإشعاراً آخر، لخطورتها الهائلة، وحجم تأثيرها المعنوي أي السياسي في حال عدم الحفاظ أو السيطرة عليها. وأقول تدخل بشري خفي، كون المستفيد الأكبر، لا يرغب بأي أثر له في افتعال الشرارة الأولى، بغرض الاستمرار في باقي مراحل الخطة دون الحاجة للتوقف كثيراً أو لفترات أطول في بداية عمله.

وما يمكن الاستناد أليه نظرياً، طبقاً للتجارب السابقة والقدرات الاستخباراتية الفائقة والمعروفة لدى المستفيد الأكبر، والتي مكنته في السابق من اختراقات خطيرة في حزب الله نفسه، ليس من الصعب الحصول على وثائق ذو ست سنوات، قد تكون سرية حتى في لبنان، حول عتاد عسكري أو مواد خطيرة قابله للانفجار، مصادرة أو محتجزة أو بانتظار نقلها، واستخدام تلك الوثائق لرسم خطة كبرى بهذه الدقة المشار أليها.

وأما أفضل خيارات لبنان وحزب الله على وجه التحديد، هو عدم الانجرار لهاوية هذه الخطة، باختيار الصمت وعدم التصعيد تجاه إسرائيل، أو أي طرف داخلي من المستحيل ضلوعه في هذا التفجير، حيث لا يوجد هناك أي عنصر لبناني مستفيد من هذه الكارثة، أن كان حزب الله أهلاً لمواصلة البقاء في الساحة.

وأتمنى عدم صحة تحليلي هذا، ليتبين لاحقاً، لا جهة أو شخص ذو تأثير على عناصر اللعبة كان مسبباً لهذا الانفجار، لتهدئ النفوس دون أي تصعيد من أي جانب. إذ حجم الكارثة بحد ذاته، يكفي لبنان والمنطقة عذاباً لسنوات طوال. لذلك الوحدة، الوحدة، الوحدة أيها اللبنانيين، والدعم كل الدعم لهم أيها العالم.

وفي الأخير، خالص التعازي والمواساة لأهلنا في لبنان، والبشرية جمعاً، بهذا المصاب الكبير، والرحمة والمغفرة للمتوفين أثر هذه الجريمة، والشفاء العاجل للجرحى، والستر والأمان للمتضررين، ولعنة الله على الفاعلين، أياً كانوا.

عقيل منيعاوي

5 أغسطس 2020

لندن