ترجمة و إعداد : أحمد رحمة العباسي.
هذا المقال كتبه الفقيد الدكتور ( علي الطائي ) أستاذ علم الإجتماع في جامعة كارولينا الشمالية في أمريكا و جاء في كتابه باللغة الفارسية ( نا گفته ها ) و المنشور مؤخرا في إيران و ذلك ردا على شخص إيراني يقيم في امريكا اتهم الفقيد بأنه انفصالي و يتزعم مجموعة انفصالية :
لايمكن إدارة المجتمعات المتعددة القوميات ( كثير الملة ) و التي وجدت منذ القدم في سوريا و العراق و إيران و مصر و الصين و الهند على طريقة الدولة القومية ذات العنصر الواحد ( Nation -state ) و بدلائل سياسية و اقتصادية واجتماعية وثقافية و فلسفية مختلفة.
ففي مثل هذه المجتمعات يجب منح حقوق القوميات التي تراكمت عبر التاريخ و تم رسمها على الأرض و في غير ذلك , فإن الانتماء للدولة أو الوطن و المجتمع متعدد القوميات يصبح أمرا صعبا و لا يمكن التمسك به و لا يوجد ضمان لتنفيذه.
إن التطور و التحول الذي يخضع للأساليب القهرية و القمعية و بصورة ممنهجة من قبل حكومة مركزية مع وجود وعي متزايد و شامل لدى هذه القوميات التي تعيش في تلك الدولة يتعارض كليا مع هويتها و لا يلبي مطالبها في الحصول على حقوقها القومية .
من جهة اخرى النظام السياسي ذات النظرة الأحادية و الشعب الواحد يواجه قضايا و مشاكل جمة و معقدة تحول دون النمو الاقتصادي و الثقافي والاجتماعي و السياسي المطلوب بل تؤثر عليه سلبا ، أي بمعنى آخر مع مجتمع متعدد القوميات و نظام سياسي أحادي التوجه و شعب واحد لن تستقيم الأمور بل يواجه مقاومة و تحدي من قبل الشعوب المتذمرة و تضع هذه الشعوب العراقيل أمامه ، كما أن تدخل الدول المجاورة يصبح من الأمور السائدة .
و علينا أن لا ننسى ان نظام الشاه و بعد 57 عاما من الحكم الاستبدادي ( القومي ) و الانتهاك المتكرر للدستور عجز و فشل في إدارة شؤون القوميات المختلفة على أرض تسمى إيران ، إذ كان من يدير شؤون الدولة في عهد الشاه كانوا غير قادرين حتى على إدارة قضاء و قرية نظرا لوجود مشاكل قومية و وطنية و ثقافية و ملكية ، و في النهاية سقط نظام الشاه سقوطا مدويا على أثر ثورة شعبية عارمة و خرج الشاه باكيا من إيران.
كان لجهل الشاه للتركيبة السكانية في المجتمع الآيراني و تعريف الموالين له و المحيطين به لهذا المجتمع متعدد القوميات و الأعراق كشعب واحد متجانس أي شعب ؛ فارسي ؛ كان من الأسباب الرئيسية في انهيار النظام السابق .
لا يمكن للمجتمع الإيراني الاستمرار في هذه الحالة مع وجود تعدد الأقوام و القوميات و اللغات و اللهجات دون ان يدار في نطاق النموذج الفدرالي مستندا إلى الخصائص المحلية و بعيدا عن التقليد الغربي في مثل هذه الحالات .
في الواقع حتى في عهد الإمبراطوريات الشاهنشاهية و في عهد الإسلام كانت الأقاليم في إيران تدار من قبل السلاطين المحليين ، حيث في عهد الإمبراطورية الساسانية كان إقليم الأهواز يدار من قبل دولةمدينة ( city – state ) أي ؛ ملك العرب ؛ و ؛ ملك ميسان ؛ بالرغم من ان الدولة المركزية الساسانية كانت دولة استعمارية و امبريالية .
و حتى في العهد الإسلامي و الذي يتكون من ؛ قبائل و شعوب؛ متعددة و التي من المفترض أن تشكل؛ الأمة الإسلامية ؛ و ليس ؛ الشعب ؛ دون العدالة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و اللغوية بين هذه الشعوب والقبائل لن يتحقق مفهوم ؛ الأمة الإسلامية؛ ناهيك عن مفردات التقوى و الإخلاص للأمة التي تبحث عنها السلطة في طهران أو في أية عاصمة أخرى.
طرح مؤخرا بعض الايرانيين بدلا من الفدرالية و الحكم الذاتي ، طرحوا ؛ السلطة الذاتية ؛ أي كل المحافظات في إيران تدار بالسلطة الذاتية بعيدا عن القومية و الهوية للقاطنين في هذه المحافظات ، أي بمعنى آخر تجاهل حقوق و مطالب الشعوب ؛ غير الفارسية ؛ .
و بالرغم من صعوبة الوثوق بصدق نوايا أصحاب هذه الأطروحات ، و مع هذا لماذا لا يتم تنفيذ مثل هذا النوع من الحكم ؟ هل ينتظرون الاستخارة حيث في أمر الخير لا حاجة للاستخارة و المجاملة و المماطلة !
و ( هنا يخاطب الفقيد الشخص الإيراني المذكور و الذي اتهمه بأنه انفصالي ) قائلا : في هذه السلطة الذاتية التي طرحتها و اتهمتني من خلالها بأنني انفصالي ، يبدو حتى لم تقرأ كتابي؛ أزمة الهوية القومية في ايران ( بحران هويت قومى در ايران ) و الذي أرسلته لك و استلمته ، حيث جاء في الصفحات 198 – 204 مشروع بسيط و مختصر لحل القضايا القومية المعاصرة في إيران ، و الذي تعرض من قبل العديد من أصحاب النظريات التحررية و الانفصالية إلى النقد و الانتقاد و لم يروا بأنه كافي و شافي و يفي بالمقصود ( و الحق معهم ) لأن في ذلك المشروع حاولت قدر الإمكان الابتعاد عن إثارة المشاكل و الحساسيات دون التطرق للحكم الذاتي و السلطة الذاتية للمحافظات .
و أن المشروع المذكور يشمل كافة محافظات إيران بما فيها محافظ ( يزد) الأكثر تجانسا مع؛ الفارسية؛ و بهذا تستطيع المحافظات إدارة شؤونها الذاتية تحت غطاء حكومة مركزية في طهران و مجتمع و دولة واحدة ، و تبقى اللغة الفارسية اللغة هي الرسمية للدولة و في أي مكان تتواجد قومية أو اقلية عرقية تشكل عدد لا بأس به من سكان تلك المحافظة و تتمتع بهوية متمايزة ، يتوجب إلى جانب المنهاج الدراسي الرسمي يتم تدريس ابنائهم بلغتهم و تمنح إدارة المحافظة لأبنائها.
مازلت متمسكا بمشروعي هذا و أطالب أي شخص و على أي مستوى أن يتحدى هذه الفكرة أو المشروع ، و أن لايوجد مثل هذا ذالشخص فلا يصدع رؤسنا بالشعارات الوطنية الرنانة و ينادي ؛ انا الحق؛ ..!
كما أكدت في كتابي أن لا تتبنى الناس في داخل إيران؛ الأفكار الانقلابية؛ بل يطالبوا بحقوقهم في إطار مجتمع متعدد القوميات و الممالك المحروسة.
كما اطلب من حضرتك و قبل أن تكتب مقال أو افتتاحية حول الإسلام و العرب ، اعمل مكاشفة و مصارحة مع نفسك و قل : ؛ من انا؛ ؟ !