من يريد الحرب… أميركا أم إيران؟

لعل السؤال الذي يشغل الرأي العام العالمي هذه الأيام يدور حول التوتر الإيراني – الأميركي المتصاعد ومن يريد الحرب، وأي طرف سيكون الخاسر، ومن سيكون المستفيد إذا اندلعت.

من الواضح أن الولايات المتحدة أبدت جدية فائقة في رغبتها لوضع حدّ للسلوك العدواني الإيراني، خصوصاً حول إنهاء تدخلاتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهذه هي الأولوية القصوى لإدارة ترمب لأنها تعدّ أن إيران باتت تعرض مصالحها ومصالح حلفائها للخطر.

ولم يعد الملف النووي الإيراني على رأس قائمة أسباب القلق الأميركي. حسب التقديرات الأولية، فإن إعادة تجهيز نظامها النووي لتخصيب اليورانيوم بنسبة عالية إلى ما كان قبل عام 2015، ليست وشيكة، خصوصاً بعد توقف صادرات النفط وقلة الموارد المالية لدفع ثمن التكنولوجيا المستوردة. كما أن نظام إيصال القنابل النووية أبعد من ذلك عن تخصيب اليورانيوم لا يمكن أن تطوره على المدى القصير. إضافة إلى ذلك، تمتلك الولايات المتحدة القدرة والإمكانات الكافية لمراقبة البرنامج النووي الإيراني سواء من خلال الأقمار الصناعية أو رصد الحركة أو الحرارة، وأي جهود أو تحركات في اتجاه الأنشطة النووية المشبوهة.

منذ اكتشاف محطات «فوردو» و«ناتانز» ومنشآت أخرى تحت الأرض في أعماق الأنفاق وتحت الجبال،

طورت الولايات المتحدة سلاح اختراق عالي السرعة (HVPW)، مثل «القنبلة الحركية العملاقة – ألف باوند» الضخمة المخترقة للذخائر (MOP) المصممة لتدمير الأهداف المدفونة مثل المستودعات والأنفاق العميقة تحت الأرض.

لكن القضية التي تحتل الأولوية القصوى لدى الإدارة الأميركية الآن هي استمرار تمدد إيران ودعمها الإرهاب في المنطقة، ومنذ أن بدأ وزير الدفاع السابق الجنرال ماتيس مشروع لجم إيران وإعادتها إلى حدودها، استمر هذا المشروع حتى بعد رحيله، حيث يتفق الجنرالات الكبار في البنتاغون على أن ذلك هو الأولوية القصوى.

وفي رأيي؛ هذا هو السبب الأساسي وراء رغبة الولايات المتحدة في إرغام إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات بشرط قبول خطة بومبيو المؤلفة من 12 بنداً، والتي لا تشمل الردع النووي فحسب، بل في مقدمتها الانسحاب من جميع دول المنطقة، ووضع حد للسلوك العدواني ودعم الإرهاب، والتوقف عن سياسة تصدير الثورة البائسة.

من جهة أخرى، تعد تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز مجرد شعارات فارغة غير قابلة للتحقيق. إن تهديد «الحرس الثوري» الإيراني بإغلاق المضيق سيعرضها لعواقب قانونية وحقوقية جراء عرقلة الملاحة الدولية، وبالتالي ستكون يد الولايات المتحدة مفتوحة لأي خيار. هذا صحيح أن يمنح الدستور الأميركي

الكونغرس سلطة إعلان الحرب لكن يستمد الرئيس القدرة على توجيه الجيش في جميع الأوقات، سواء كان هناك إعلان حرب رسمي أم لا، وفقاً لقرار عام 1973، يعترف ويعطي الرئيس سلطة تدبير الهجمات ضد الولايات المتحدة ويجعل الرئيس مسؤولاً عن قيادة القوات المسلحة.

يتراوح عرض مضيق هرمز بين 50 و90 كيلومتراً، ووفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أو معاهدة قانون البحار الدولي لعام 1982، والتي في عام 2016 انضم إليها 167 موقعاً، بما في ذلك إيران، فإن جميع الدول لديها حق الملاحة في مضيق هرمز. تنص الاتفاقية على أن مرور السفن في مضيق هرمز يحظى بدعم القواعد الدولية لسيادة السلام والأمن في الدول الساحلية، وبالطبع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سوف يتخذ موقفاً حازماً ضد هذه الخطوة، وربما يكون مصحوباً بعمل عسكري.

كما أن واشنطن قامت بقوتها الدبلوماسية بتشديد العقوبات ضد إيران، وحظرت بيع النفط الإيراني، وهذه قضايا لا تبرر لـ«الحرس الثوري» إغلاق المضيق بطرق عسكرية. هذه قضية قانونية، وإذا أرادت إيران حلها، فيجب أن تفتح معركة حقوقية مع الأميركيين في محاكم دولية.

مؤخراً جادل علي رضا تنغسيري، قائد القوات البحرية في «الحرس الثوري»، قائلاً: «إذا منعت إيران من استخدام مضيق هرمز، فإننا سنغلقه (المضيق) بلا أدنى شك». وقال محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، يوم الأحد، 8 مايو (أيار) الحالي: «إذا لم يعبر نفطنا المضيق، فمن المؤكد أن النفط من الدول الأخرى لن يعبر المضيق أيضاً». هذا يذكرنا بشعارات «الحرب… الحرب، حتى النصر» من قبل وخلال الحرب مع العراق من الجنرالات أنفسهم، لكننا رأينا أن عليهم إقناع الخميني بتناول السم.

كما أن قيام ترمب بوضع «الحرس الثوري» في قائمة التنظيمات الإرهابية العالمية التي تهدد السلم والأمن، يمنحه المبررات القانونية اللازمة للقيام بعمل عسكري ضده، وفق الدستور الأميركي، وسيمنحه الكونغرس سلطة إعلان الحرب.

لكن هناك أسباباً أخرى لعدم رغبة إدارة ترمب في الدخول في حرب مباشرة ضد إيران؛ أهمها أن الأميركيين لا يريدون حرباً أخرى بينما يشاركون في أطول حرب في أفغانستان.

كما أن لديهم وسائل أخرى غير الحرب بإمكانها كبح جماح الإيرانيين؛ من خلال استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، حيث يعتقد الأميركيون أن هذه الضغوط ستؤدي في النهاية إلى إسقاط النظام في طهران بتآكله وبتصاعد انتفاضة الشعوب في داخل إيران.

الأمر الآخر هو قرب موسم الانتخابات التي يطمح أن يفوز بها ترمب مرة أخرى ولا يريد التخلي عن وعده بالانسحاب من التدخلات الخارجية. بالطبع هذا إذا لم تقم إيران بعمل عدواني لدرجة تجعل ترمب يستطيع إقناع جمهوره الانتخابي بأن المصالح الأميركية في خطر.

هنا تجدر الإشارة إلى أن إيران حركت جماعات اللوبي الذي يعمل لصالحها مثل NIAC وغيره، وشركات المحاماة المستأجرة لشن حملة كبيرة ضد ترمب، منذ أن جاء ظريف إلى نيويورك قبل أسابيع وبدأ يروج أن هناك من يحرض إدارة ترمب على الحرب وأن إيران هي الضحية، ويطلق تصريحات ومعلومات مضللة تتلاعب بالصحافيين والمحللين والمسؤولين الغربيين.

كما أن بعض اليسار الأميركي وبالتعاون مع لوبيات النظام الإيراني بتعليمات مباشرة من ظريف، إلى جانب بعض اليسار الإيراني التقليدي المتطرف، بدأوا كالعادة حملة بشعارات «مناهضة الإمبريالية» بحجة مناهضة الحرب، خصوصاً مع وصول حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن»، إلى الشرق الأوسط.

ولدى متابعتي أبعاد قضية إرسال حاملة الطائرات والسفن الحربية وباقي التجهيزات والمعدات إلى الخليج العربي، اتصلت شخصياً بصديقين مقربين لي من الطيارين الذين يعملون ضمن تلك الأساطيل، وأكد لي كلاهما أن هذه المهمة كان مخططاً لها منذ عام تقريباً، وجزء منها مكون من أربع طائرات B – 52 لمراقبة سطح المحيطات، ويمكن أن تساعد القوات البحرية في عمليات مكافحة السفن وزرع الألغام ضد عمليات نشر مناجم قوارب «الحرس الثوري» الإيراني.

إن إرسال هذه التعزيزات وكذلك إرسال الجنود الإضافيين إلى المنطقة، لا يعني الدخول في حرب مباشرة، حيث لو أرادت واشنطن ذلك فلديها القوات الكافية؛ بدءاً من الأسطول الأميركي الخامس في الخليج، المكون من مجموعة حاملة الطائرات، ومجموعة برمائية جاهزة، ومقاتلات وغواصات، إلى الدوريات البحرية وطائرات الاستطلاع والسفن اللوجيستية… وغيرها، وهي كافية لتدمير إيران. هذا فضلاً عن القوات الموجودة في قطر والعراق وسوريا وأفغانستان وتركيا وبعض دول المنطقة.

إذن إرسال هذه التعزيزات هو لاستعراض القوة لردع إيران وليس للدخول في الحرب مباشرة مع إيران كما تروج لوبيات النظام الإيراني وأجهزته الإعلامية.

أما إيران؛ فهي أيضاً لا تريد الحرب لأسباب عدة؛ أهمها عدم تكافؤ القوة العسكرية وحتمية هزيمتها أمام القوة العسكرية الأميركية. كما أن أي مغامرة لها في الخليج العربي أو في بحر عمان ستكون انتهاكاً لقانون البحار الدولي وقواعد السلوك العرفية؛ حيث يمكن أن تثير حتى غضب حلفائها، مثل الروس والصينيين.

وتعرف إيران عجزها أمام قدرات الأميركيين التي يمكنها أن تشل كل قدرات جيشها وحرسها الثوري منذ اللحظات الأولى، ولذا يطلق نظام الملالي كل هذه التهديدات والضجيج للاستهلاك الداخلي فقط، وذلك على عكس حكمة الرئيس الأميركي الراحل ثيودور روزفلت، الذي قال: «تحدث بهدوء ولكن احمل عصاً غليظة خلف ظهرك «Speak softly but carry a big stick behind you».

وفي النهاية، لا يريد الطرفان الحرب، لكن أميركا تعوّل على التغيير من الداخل؛ وهو الخيار الصحيح، لأن الشعوب الإيرانية جاهزة للتغيير، وأثبتت خلال العام الماضي أنها مستعدة للتضحية للتخلص من نظام قمعي فاشل وفاسد، دمر حياتهم وسرق حياة الأجيال خلال 40 عاماً من الحكم الكهنوتي، لكنهم بالتأكيد يحتاجون إلى مساندة ودعم المجتمع الدولي، خصوصاً دول المنطقة المتضررة من شرور نظام الملالي الإرهابي.

دکتور کریم عبدیان بنی سعید

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …