القوى الثورية في سوريا تحشد كافة طاقاتها القتالية لتسديد ضربتها الحاسمة وشن هجومها النهائي ضد نظام بشار الأسد المهترئ، وتهدف هذه الضربة معاقل النظام في العاصمة دمشق التي بات سقوطها مسألة وقت؛ حيث سقوط عاصمة أي بلد كفيل بإنهاء وجوده شريطة أن لا يتبقى أي جزء من عمقه الإستراتيجي في حين الشرط غير متوفر لنظام بشار الأسد الذي فقد سيطرته على حوالي 80 بالمائة من البلاد.
وتعتقد طهران التي تنكرت الثورة السورية منذ إنطلاقتها رغم مزاعمها بدعم الربيع العربي الذي تصفه حسب ادبياتها بـ”الصحوة الإسلامية”، تعتقد بوجود “ترويكا” دولية وإقليمية مكونة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والجمهورية التركية، تهدف القضاء على نظام الأسد لأنه يشكل عمق نظام ولاية الفقيه الإستراتيجي.
ثمة اسئلة تطرح نفسها هنا بإلحاح، ما الإستراتيجية التي تتبناها طهران لإنقاذ حليفها أو بالأحرى “عمقها الإستراتيجي” على ضوء تقدم الثوار المضطرد في سوريا ؟ هل تستطيع طهران التغلب على اوهامها وتقرأ الظروف الميدانية قراءة موضوعية؟ وهل يتمكن نظام الاسد من الصمود بوجه العاصفة الثورية التي عقدت العزم على تطبيق “اما النصر وأما الشهادة”؟ والسؤال الأهم والأخير، إلى متى تريد طهران إنعاش جسد نظام الأسد الذي مات سريريا منذ فترة طويلة، فلو لا الصدمات بالدعم العسكري وحقن المساعدات المالية والعلاجات المليشاوية الطائفية، لشاهدنا الموت البيولوجي لهذا النظام وحضر الجميع جنازته لتدفن إلى الأبد ويصبح صفحة سوداء في التاريخ.
ولكن بعد قرار طهران المتمثل في إرسال المزيد من مليشياتها الإيرانيين والعراقيين والأفغان والباكستانيين إلى سوريا يبدو إنها لم تقرر بعد التخلي عن الأسد، حيث أقدمت على ذلك بالرغم من صعوبة المفاوضات النووية التي باتت قاب قوسين أو أدنى من الإنتهاء؛ إلا إذا حدث تحول دراماتيكي في الموقف الأميركي والغربي من شأنه إفشال المفاوضات.
وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين امير عبداللهيان في مؤتمر صحفي له في موسكو مؤخرا أن حكومته ستستمر في الدعم الكامل للدول التي باتت “ضحية الإرهاب من قبيل اليمن وسوريا والعراق” على حد تعبيره.
ونستشف من هذا الموقف أن طهران تريد التلويح بأنها خلافا للاستنتاجات الاقليمية والدولية لن تتخلى عن الأسد ولن تضحي به ككبش فداء على مذبح التوافق النووي الذي طال أمد التوصل إليه؛ سيما وأن نظام ولاية الفقيه يقف برجلين حافيتين على أحر من الجمر للتخلص من العقوبات ومضاعفاتها على الحياة المعيشية التي تنذر بثورة الجياع ولكن بالرغم من هذا التلويح ثمة مراقبون يعتقدون أن طهران تتخلى عن الأسد بعد التأكد من الغاء العقوبات وهذا خلافا لنظرائهم الذين يؤكدون أن الغاء العقوبات سترفد الخزانة الإيرانية بالمليارات المجمدة في المصارف الغربية خدمة لماكنتها العسكرية التي توفر لها المزيد من التوسع في المنطقة والإصرار على دعم حلفائها ومنهم الإبن المدلل بشار الاسد وهذا هو المتوقع لأنه اقرب إلى واقع النظام الإيراني المؤدلج.
نعيد هنا إلى الأذهان مواقف قادة الحرس الثوري والمسؤولين السياسيين التي اكدوها مرارا وتكرارا بأن “سوريا الأسد” تشكل العمق الإستراتيجي لنظامهم الذي يعيش حلم الإمبراطورية الفارسية التي التقت مصالحها بمصالح المؤسسة الدينية الحاكمة وهذا يثبت ما يخلج ويتوارد في صدور قادة نظام ولاية الفقيه. ولتبرير دعمهم للأسد لدى مخاطبتهم الشارع الإيراني يدعون بأنهم يدافعون عن شرعية النظام السوري من جهة ومن جهة أخرى يضربون على وتر تخويف الإيرانيين من نقل المعارك الإقليمية إلى الداخل الإيراني الأمر الذي من شأنه القضاء على الأمن والاستقرار ويضربون ما يحدث في كل من العراق وسوريا واليمن مثلا لإقناع المواطنين بأسلوب مراوغ في حين ما يحدث في هذه البلدان هو بفعل تدخلاتهم وبسبب دعمهم للمليشيات وحشدهم للمرتزقة في هذه البلدان.
فمن هذا المنطلق تعمل ماكنة نظام ولاية الفقيه الإعلامية دون كلل لتوهم المواطن العادي بأن من ينعتهم بـ”التكفيريين” و”الجهاديين الإرهابيين” يريدون القضاء على النظام السوري ليأتي دور إيران ويتسخدم نظام ولاية الفقيه افعال وتصرفات داعش الدموية كفلم رعب يعيد عرضه على الانسان العادي في إيران ليبرر هذا الانسان مع نفسه مواقف النظام المتحكم فيه تجاه الأسد، كضامن لأمنه وإستقراره من خلال التدخل وراء الحدود وهنا تدخل محاولات طهران لنحت تثمال لقاسم سليماني كبطل مغوار يحمي عرض الإنسان الإيراني وماله وحياته بوجه “القتلة الإرهابيين التكفيرين”.
وبهذا يروجون لهذا الإنسان العادي أن المملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج والولايات المتحدة وحتى إسرائيل وتركيا هي اللاعب الاساسي التي تريد إنهيار دفاعات الشعب الإيراني على الأراضي السورية من خلال دعم الثوار السوريين الذين تصفهم طهران بـ”الإرهابيين”لكي يشنوا في القريب العاجل هجومهم الحاسم على دمشق والقضاء الكامل على بشار الاسد وبالتالي حزب الله والمليشيات العراقية التي تشكل الدفاعات الأقرب إلى الحدود الإيرانية.
النظام الإيراني بالمقابل يتحدث بين الحين والآخر عن الحل السياسي في سوريا في اطار مراوغة سياسية ولعبة ديبلوماسية غير جادة لأن طهران تعلم علم اليقين بأن أي حل سياسي عادل لا يقبل به الثوار إلا إذا كان بدون الاسد ونتيجة الحرب ايضا ستقضي على الاسد لذا هذان سيان بالنسبة للنظام الإيراني لأنهما بالتالي يؤديان إلى نفس النتيجة، عليه تعتقد طهران بأن كافة معارضي الاسد بغض النظر عن إنتمائاتهم التنظيمية والعقائدية ما هم إلا عملاء دول الخليج والغرب، يريدون قطع يد طهران في المنطقة.
ائتلاف حلفاء إيران في الدفاع عن الاسد
وترى طهران أن إعادة حشد وتنظيم حلفائها للدفاع عن الأسد بات ملحا أكثر من أي وقت مضى وتؤكد أن مثل هذا التحالف كفيل بكسر حلقات الحصار التي تطوق بشار الأسد من كل حدب وصوب وتطلق على ائتلاف حلفائها بـ”الحلف ضد الإرهاب” ويضم هذا الحلف ميدانيا فيلق القدس الجناح العسكري للحرس الثوري وحزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية الطائفية ولو لا عاصفة الحزم لرأينا إنضمام عناصر الحوثيين إلى هذا الحلف أيضا.
ولكسر الحصار المفروض على نظام بشار الاسد يتبع نظام ولاية الفقيه الإستراتيجية التالية:
الف- فتح جبهة لبنانية قوية تحول دون تحالف قوى لبنانية مع الثوار في سوريا وهذا ما يفسر زيارة المستشار الأعلى للمرشد ووزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولايتي إلى بيروت ويعتقد الإيرانيون أن السعودية هي التي تدعم وتسلح اللبنانيين من مؤيدي الثوار السوريين من جهة وتسليح الجيش اللبناني من جهة أخرى لالهاء حزب الله وبالتالي إكمال حلقة الحصار من جانبها الغربي وما تخندق حزب الله في القلمون وحشد القبائل الشيعية إلا في هذا الإطار.
ب- ومن فصول إستراتيجية طهران حشد أكبر عدد ممكن من المتطوعين الشيعة لمواجهة الثوار في سورية والابتعاد عن خوض معارك تقليدية واستخدام أفضل اساليب حرب العصابات ومن ضمنها عدم الاشتباك مع قوات الثوار في حال كانت أكبر عددا وأفضل تسليحا وبالمقابل اللجوء الى توجيه ضربات سريعة وموجعة لهم والانسحاب إلى قواعد آمنة لأن المعارك الكلاسيكية التي خاضها حزب الله إلى جانب الجيش السوري كبلته خسائر كبيرة في الاسلحة والافراد، عليه من المتوقع أن تزداد في سوريا أعداد المليشيات التي دربتها وسلحتها إيران تحت إشراف وقيادة الحرس الثوري لهذه الغاية.
ت-وبعد الانتهاء من الضربات المتوالية ضد الثوار من المتوقع الانتقال إلى المرحلة اللاحقة عبر جر المعارك إلى عمق اراضي الثوار في سوريا وتراهن طهران كثيرا على انفراد تنظيم الدولة الإسلامية وصراعه مع فصائل الثورة السورية، وايضا قد توسع إيران الدائرة من خلال القيام بأعمال تخريبية في المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج وحتى تركيا.
هذا ما تسعى إليه طهران ميدانيا ولكن مما لا شك فيه فإن استراتيجية طهران تتغيير حسب المؤثرات الخارجية وخاصة مواقف الدول الإقليمية التي قررت دعم الثوار دون تردد ناهيك عن موقف المجتمع الدولي حيال القضية السورية والذي في مجمله ليست لصالح بشار الاسد على المدى البعيد ولكن بالرغم من هذا كله فأن العناصر الاساسية للإستراتيجية الإيرانية في سوريا ثابتة ولم تتغير بعد، لذا ستستمر طهران في دعم الاسد وسوف تحث روسيا لتكون أكثر صرامة وهي تنتظر ليتضح الموقف الروسي الذي يمكن القول بأنه ضبابي بعض الاحيان وتحاول طهران إقناع موسكو بأن سقوط الاسد يعني سقوط افضل حليف لها على البحر الابيض المتوسط لأن بدون روسيا ستكون فاتورة دفاع نظام ولاية الفقيه عن نظام البعث في سوريا مكلفة للغاية.
اللجنة الاعلامية في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي