20/05/2024

تشهد الساحة السياسية في اقليم عربستان (خوزستان رسميا) حراك سياسي وثقافي ضيق يتأثر اساسا بما يجري على الساحة السياسية الإيرانية. نقول ضيق وذلك قياسا بما كان يجري في عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي،حيث تشكلت مؤسسات ثقافية ومدنية ومهنية بلغ عددها نحو 26 مؤسسة في الاهواز لم يبقى منها الا اثنين او ثلاث. كما تم تشكيل حزب الوفاق الذي قام بدور بارز في التوعية القومية للجماهير العربية في عربستان. وقد ظهرت طاقات شبابية على طول الاقليم وعرضه اثرنشاط هذا الحزب والمؤسسات الثقافية والمدنية انذاك. غيران المؤسسات التقليدية والاهلية حلت مكان تلك المؤسسات بعد ان تمكن الجناح المتشدد من القضاء على انتفاضة الجماهير العربية وحسم الصراع مع الاصلاحيين لصالحه في العام 2005. وقد هيمن هذاالجناح على كل مرافق السلطة وحل حزب الوفاق واغلق ابواب المؤسسات الثقافية وقتل الشعراء والمثقفين والنشطاء السياسيين. وقد اخذت التناقضات في السلطة الإيرانية تظهر للعلن مرة اخرى بعد ان اصبح حسن روحاني رئيسا للجمهورية في إيران. اذ تحاول فئة من النخب الاهوازية كسائر الفئات المهمشة والمنكوبة في إيران ان تستغل هذه التناقضات والخلافات المتنامية بين اجنحة النظام الديني لصالحها. وعكس هذا صحيح ايضا اي تحاول الاجنحة الإيرانية المتنافسة ان تكسب النخب العربية بواسطة عواملها الاهوازيين. فبينما يقوم الشيخ عباس الكعبي، وهو من المقربين للمرجع المتشدد ايةالله مصباح يزدي، ببعض الانشطة بين النخبة العربية لكسبها الى جانب الاصوليين وليضمن إعادة انتخابة لمجلس الخبراء، يفتح قادة التيار الاصلاحي والمعتدل –الموجودين على هامش النظام الايراني – مكاتبهم للنشطاء الاصلاحيين العرب. اذ قامت مؤخرا مجموعة من هؤلاء، بما فيهم نساء عرب، بزيارة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، والرئيس الاسبق محمد خاتمي، وعدد من سجناء القوى الاصلاحية و”القومية – الدينية” (ملي مذهبي) خلال فترة اجازتهم خارج السجن في طهران. ويقبع هؤلاء في السجون منذ احداث عام 2009 بسبب دفاعهم عن ميرحسين الموسوي ومهدي كروبي في الانتخابات الرئاسية المشوبة بالتزوير انئذ. بل وينتقد عدد منهم ومن داخل السجن بشدة مرشد الجمهورية الاسلامية نفسه لسوء سياساته الداخلية والخارجية.

 وقدنقلت المجموعة الاصلاحية العربية، معاناة الشعب العربي من تمييز وتحقير واضطهاد،وكان دور البرلماني السابق من مدينة الاهواز كيانوش راد (كربلائي) بارزا في هذاالمجال حيث تكلم حول محورين: الوضع الثقافي المزري للعرب ووضعهم الاسوأ في ادارةالاقليم. اذ قال كربلائي ان المواطن العربي الاهوازي لايشعر بالارتياح والامان في مسقط رأسه فيما يشعر بذلك في طهران” مؤكدا ان “المناصب الحكومية في الاقليم كلها بيد غير العرب بشكل لامثيل له في تاريخ هذا الاقليم”. كما اسهب في الحديث عن التمييز في المجالات الثقافية والاجتماعية والمناصب الحكومية وعن المستوطنات غير العربية. وحذر كربلائي في لقاءه مع رفسنجاني عن التداعيات السلبية لتهميش العرب والتمييز ضدهم مؤكدا انه يتكلم بصفته غير عربي عاش بين العرب ولمس معاناتهم.

وفي رده على احاديث الاصلاحيين العربستانيين اشار رفسنجاني الى التمييز ضد العرب مؤكدا “اننا لم نستطع ان نطبق شعار الوحدة ونحن نعيش اسبوع الوحدة في ايران” وفي حديثه عن تجفيف مياه نهر كارون والسدود القائمة على الانهر في الاقليم حاول رفسنجاني رفع الاتهام عن نفسه قائلا “حاولت عندما كنت رئيسا للجمهورية ان ابني سدا على كل نهر لكن الذين جاءوا من بعدي اضافوا سدود اخرى واصبحت القضية سياسية”. فيمالم ينطق محمد خاتمي في لقائه مع الاصلاحيين العرب الاهوازيين بمفردة العرب واكتفى بمخاطبة الجمع بانهم “خوزستانيين”.

وتتصارع حاليا عدة مجموعات وتيارات في الاقليم منهم الجماعة الموالية للتيار المتشدد وعلى رأسها الشيخ عباس الكعبي تضم جماعة “الموسوعة القرانية” وبعض المثقفين الاهوازيين الذين اقاموا مؤخرا “الاهواز عبر التاريخ” بدعم من الشيخ عباس الكعبي ممثل الاهواز في مجلس الخبراء وموسوي الجزائري ممثل المرشد الاعلى في الاقليم وامام مدينة الاهواز. والمجموعة الثانية تضم “مجلس النشطاء العرب في الاهواز” (شوراي فعالان عرب خوزستان) وبعض جماعات يمينية عربية يدعمها امينالمجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني. والمجموعة الثالثة هم “الاصلاحيونالعرب في الاهواز” الذين يحظون بدعم زعماء الاصلاحيين في طهران. وكان للقاءاتهم مع المسؤولين السابقين في الجمهورية الاسلامية صدى في الاعلام خاصة على المواقع الفارسية. لكن هناك ايضا اجنحة صغيرة في بطن التيارالاصلاحي العربي، حيث يتبع كل جناح، احد “الحجاج” الذين كانوا مسؤولين سابقين في السلطة في العقد الاول من الثورة. كما يوجد محور سياسي رابع هو محور الموالين لعبدالحسين مقتدائي محافظ “خوزستان” اي اقليم عربستان، والمعروف باتجاهاته القوميةالفارسية. وتتهم مجموعتي شمخاني والاصلاحيون العرب، مقتدائي بانه يعمل ضد العرب، وقدمنح خلال ولايته على المحافظة معظم المناصب الحكومية للقومية اللورية واليمين المتشدد وذلك رغم تعيينه من قبل روحاني المعتدل. وكما صرح شمخاني قبل فترة انه لايوجد من بين 4 الاف تم توظيفهم خلال الاعوام الماضية في شركة تنقيب النفط في الاهواز(حفاري) الا 10 عرب والباقي اي3990 موظف وعامل هم من غير العرب، فيما يشكل العرب اغلبية السكان في الاهواز.

وقد هاجم مؤيدو المحافظ، تصريحات كربلائي الناقدة له في لقاء الاصلاحيين العرب مع رفسنجاني وخاتمي، واصفين كربلائي بالاصلاحي المتطرف الذي يريد ان يلعب على وتر القوميات، كما اتهموا الاصلاحيين العرب بالقوميين الذين لهم سابقة داكنة في الاقليم. كما وجه اشخاص في الداخل والخارج النقد للاصلاحيين العرب وزيارتهم لرفسنجاني متهمين الاخير بانه قومي سعى لتدمير الشعب العربي الاهوازي اثر احيائه لمشروع قصب السكر في الاهواز ومصادرةالالوف من الهكتارات من اراضي المزارعين العرب وتشريدهم الى مدن الصفيح لتفريسهم.

ويبدو ان الاجواء السياسية في الاقليم لم تسمح لنشاط علني لمجموعات قومية عربية مستقلة حيث يرزح حاليا عدد من هؤلاء في سجون الاهواز على رأسهم المهندس محمد علي العموري والمهندس غازي الحيدري. وفي غي ابالقوى القومية واليسارية في الاقليم، هناك نافذة انفتحت مؤخرا للاصلاحيين العرب للتحرك في اطار ما يقرره النظام الاسلامي في ايران. ان اهتمام مسؤولي الجمهورية الاسلامية بقضايا العرب، بدأءا من رفسنجاني ومرورا بموسوي الجزائري وختاما بعباس الكعبي، لاتنم عن حبهم لهذه القومية المضطهدة بل ناتجة عن خشيتهم من بروز القوى القومية واليسارية والراديكالية العربية في الاقليم كما كانت في السنوات الاولى لقيام الثورة. فهي تتشبث بكل شخص من شيوخ القبائل الذين كانت تنبذهم في العقدالاول من الثورة وبالشخصيات العربية التي كانت مسؤولة في ذلك العقد ونبذتهم في عهداحمدي نجاد. كما تتشبث المجموعات العربية الاهوازية بكل الفرص والإمكانيات المتاحةلطرح مطالبها. ولاشك بانه يجب ان نحبذ التعددية في المجتمع الاهوازي ونشيد بالايجابيات وننقد السلبيات بما فيها التعويل على شخصيات شاركت خلال وجودها في السلطة في قمع جماهير شعبنا العربي والحيلولة دون نيل حقوقهم المشروعة حتى في إطار الدستورالايراني. وها هو روحاني الذي وصل الى السلطة بسبب اصوات القوميات والاقليات الاثنية واثر وعوده بتلبية اقل مطالب هذه القوميات، اي تدريس لغاتهم في المدارس،خيب آمالهم بعد عامين من ولايته. نحن نتفهم ظروف النشطاء السياسيين في الداخل وتشبثهم بكل امكانية للنشاط العلني حيث لايمكن العمل بشكل مستقل، لكننا لانوافقهم على كل ما يقومون به ونتوقع ان يؤدي الحراك هذا الى انبثاق قوى سياسية ومدنيةقومية ويسارية مستقلة عن السلطة – كما نشاهده في طهران – تقوم بواجبها القومي للمطالبة بحقوق شعبنا المهضومة. فلاننسى ان الظروف في إيران والاقليم تغيرت قياسابعهد خاتمي ولهذا اتصور ان خارطة القوى السياسية في الاقليم ايضا ستشهد بدورهاتغيرا اذا انفتحت الاجواء السياسية في ايران.

نقلاً عن إيلاف

http://www.elaph.com/Web/opinion/2015/1/974814.html