مشاركة كاظم مجدم و صالح الحميد في ندوة “القضية الأهوازية بعد تسعة أعوام من الأنتفاضة النيسانية” التي أقامها حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي في العاصمة البريطانية لندن يوم السبت الثاني عشر من أبريل/نيسان 2014.
في هذه المناسبة التي يحييها الأهوازيين كل عام، نتذكر الحدث الجماهيري العظيم المتمثل بالانتفاضة النيسانية و نحيّي تضحيات شعبنا و دماء الشهداء الذين سقطوا من اجل الحرية و آهات السجناء و معاناة شعبنا و نضاله من أجل الخلاص من الاضطهاد و نيل حقوقه الوطنية و الانسانية.
تسع سنوات مضت من عمر الانتفاضة النيسانية التي سطر فيها شعبنا الأبي أروع الانجازات بالحضور السلمي المدني في الساحة و رفع صوته عاليا بوجه الظلم و الاضطهاد و سياسات التمييز العنصري و الحرمان و القمع التي تهدف الى طمس هويته و محو وجوده.
كانت المواجهة العنيفة والشرسة للسلطة القمعية من نتائج الانتفاضة النيسانية السلمية، حيث قامت الاجهزة الأمنية و القضائية بحظر نشاط الاحزاب والتجمعات السياسية في الداخل وتجميد نشاط المؤسسات الثقافية وفعاليات المجتمع المدني، ولكن بفضل استمرار تضحيات شعبنا ووقوفه وصموده جاءت هذه النتائج معاكسة لما توقعته السلطات الايرانية في إسكات صوت الشعب الاهوازي المطالب بحقوقه والمعترض على سياسات التمييز والاضطهاد القومي المستمرة.
ومع مجيء حكومة احمدي نجاد كانت حملات القمع قد بلغت ذروتها حيث قتل العديد من المتظاهرين السلميين ونفذت الاعدامات بحق العشرات المناضلين المطالبين بالحرية، خاصة وأن عسكرة الانتفاضة من قبل بعض الجهات أعطت الذرائع والمبررات الاضافية للسلطات في القمع وضرب كل من يعمل على الساحة بيد من حديد بحجة مواجهة العنف واحتواءه،تم منع أبسط أشكال النشاط السياسي أو الثقافي أو المدني وزج مئات الناشطين في السجون.إضافة الى ان السلطات زادت من وتيرة عمليات التفريس و التهجير و مشروع التغيير الديمغرافي للمنطقة.
وبالمحصلة كانت السنوات التسع الماضية بمثابة حقبة عصيبة تلقت فيها الحركة الاهوازية في الداخل أقسى الضربات وتضرر الشعب العربي الأهوازي كثيرا في سبيل المطالبة بحقوقه و نهضته السياسية الثقافية و الاجتماعية.
تعتبر هذه الحقبة السوداء (السنوات التسع الماضية) بمثابة إنقطاع تاريخي لصيرورة التحولات الاجتماعية السياسية والثقافية التي بدأت منذ منتصف التسعينات والتي أنتجت جيلا واعيا مواكبا لتحولات العصر أبدع في مجالات مختلفة كالشعر والادب والصحافة واحياء التراث والهوية القومية وبدأت تنشأ بوادر لتشكيل نواة المجتمع المدني الأهوازي من خلال الحراك الاجتماعي والسياسي والثقافي على مدى عقد من الزم تقريبا.
أما حكومة روحاني الجديدة التي جاءت لتطرح خطابا جديدا مغايرا يستند على استراتيجية التعامل بدل القمع و حاولت ان تبرهن على ذلك من خلال إطلاق وعود بتدريس لغات القوميات في المدارس وكذلك السماح ببعض النشاطات الثقافية و إعطاء ترخيصات لإنشاء منظمات المجتمع المدني، إلّا ان الوضع العام لم يتغير و مزال على حاله.
ورغم التأكيد على إشارات الحكومة بالنسبة لنيتها بتغير التعامل الامني مع الاقليم في زيارة الرئيس روحاني الاخيرة و مسؤولي حكومته للأهواز حيث صرح علي شمخاني رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي بأن النظرة الأمنية من قبل الحكومة تجاه القضية الأهوازية قد تغيرت وهناك مرحلة جديدة من التعامل الايجابيـ إلّا أن استمرار القمع وتنفيذ الإعدامات السياسية وعدم إطلاق سراح السجناء السياسيين الأهوازيين تقوض وعود شمخاني و روحاني وبشكل عام إستراتيجية الحكومة الجديدة اذا استمرت الاوضاع على هذا المنوال، وذلك بالرغم من ان “علي يونسي” مساعد الرئيس لشؤون القوميات والاقليات يحمل جهاز القضاء الذي يهيمن عليه اليمين المتشدد مسؤولية استمرار الاعدامات ويقول بأن مسلسل الاعدامات الجديدة يأتي بهدف إضعاف الحكومة بأن الحكومة الجديدة لم تتخذ الخطوات اللازمة نحو الانفتاح السياسي و تغيير الوضع الموجود.
لكن رغم وجود كل هذه المعطيات و المستجدات فان الوضع الداخلي الايراني يتجه شيئا فشيئا نحو بعض الانفتاح النسبي بفضل تزايد الضغوط الشعبية وانتشار التكنولوجيا الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي سهلت انعكاس الاخبار و الازمات المعيشية و حالة القمع الى الخارج. يترافق كل ذلك مع ازدياد الضغوط الدولية على ايران لحثها على وقف انتهاكات حقوق الانسان وايجاد انفتاح في السياسية الداخلية أسوة بالسياسة الخارجية الجديدة مما جعل الأجواء تتغير بشكل نسبي وهناك بصيص أمل طفيف ببداية حراك في الاوساط السياسية والثقافية والاجتماعية.
وفي الاهواز نرى بأن هناك بداية جيدة لعودة النشاطات الثقافية المتمثلة في إقامة المهرجانات والندوات الثقافية والفكرية ويتجدد الأمل في إحياء المجتمع الاهوازي حتى شاهدنا حراكا سياسيا لافتا للنظر في فترة الانتخابات البلدية و الرئاسية الاخيرة، وأنّ أحداث ونشاطات الأشهر الأخيرة في مختلف مناطق اقليم الاهواز تدل على الكثير من المعاني والمؤشرات توحي بإمكانية مواصلة النشاط الثقافي ولو بوتيرة أقل وبشكل مختلف عما كان سابقا.
فعندما نرى مظاهر الاحتجاج بالآلاف من أجل وقف سرقة مياه كارون و كذلك الاحتفاء بالشعراء والمثقفين، حيث شاهدنا خروج عشرات الآلاف في مسيرة لتشيييع جثمان شاعر من أوساط الشعب كالملا فاضل السكراني وتكريمه بمهرجانات شعرية وندوات أدبية ومناسبات ثقافية، فإن هذا التطور الثقافي والاجتماعي يعطينا من الدروس والمؤشرات على تزايد الوعي الاجتماعي وترسيخ المفاهيم والقيم الوطنية و يدل على أن شعبنا بدأ يكرّم رموز الأدب و الثقافة اكثر مما يهتم بالطقوس القبلية و الاهتمام بشيوخ العشائر و المراجع الدينية او الشخصيات المحسوبة على النظام.
إنّ إعلاء قيمة الثقافة والشعر والأدب والفن والتراث من شانه أن يمهد الأرضية لنشر الفكر الحداثي والنشاط المدني المواكب لقيم العصر وفتح الباب امام المواطنين للمشاركة في صنع مستقبلهم وعدم الوقوف على هامش حركة التاريخ وتطور المجتمع.
نحن نعتقد بان الآن المجال مفتوح أمام الناشطين لاستغلال الظروف المتاحة و العمل ضمن مجال الشعارات التي تطرحها الحكومة الجديدة في نيتها ايجاد الانفتاح والرغبة في التغيير. من يريد تكرار تجارب الماضي في الحرك السلمي الديمقراطي عليه ان يستغل هذه الفرصة وان يتقدم بخطوات واثقة من اجل تأكيد حقوقه المشروعة.
قد يقول البعض إن هذا المتنفس من قبل الحكومة ياتي لإنقاذ نفسها وهذا أمر لايختلف عليه احد ولكن ما يهمنا نحن أن تخلق الارضية المناسبة لإعادة النشاط الثقافي و الاجتماعي و السياسي وإحياء مؤسسات المجتمع المدني على رأسها المؤسسات والجمعيات الثقافية.
إن الحقبة الغنية منذ منتصف التسعينات و حتى الانتفاضة النيسانية عام 2005 قد قطفنا ثمارها ونتائجها الايجابية من خلال الحراك المدني السلمي وليس من خلال بعض المغامرات التي لم تجلب لنا سوى الويلات وضياع الطاقات وخسارة الوقت و الجهد مقابل اعطاء مبررات كافية للسلطات في القمع المستمر.
في الختام نتمنى ان تتكرر مظاهر الحراك المدني المطالب بحقوق الشعب العربي الاهوازي في الذكرى التاسع للانتفاضة و باسلوب الترويج لثقافة الحياة و الاستمرار والأمل و النشاط وليس بثقافة اليأس والموت والعمل العشوائي الذي لا يصب في مصلحة شعبنا و قضيته العادلة.
صالح الحميد – كاظم مجدم.