ويدخل الصراع مرحلة جديدة وخطيرة في ضوء ما نشرته صحف ايرانية عدة أمس منها صحيفة “أفتاب” الأربعاء 2 نوفمبر في شأن تحذيرات من استمرار تبادل “نشر الغسيل” بين المتخاصمين، أحمدي نجاد والحكومة والبرلمان المنتقد له.
وقالت “أفتاب” إن النائب الاصولي المنتقد لأحمدي نجاد (صهر رئيس البرلمان) والمطالب بمساءلته علي مطهري قال في جلسة البرلمان الأربعاء مشيرا الى خوف هيئة رئاسة البرلمان من الملفات التي يحملها الرئيس تحت إبطه (اي التي يمتلكها)،”إن هيئة رئاسة البرلمان لا تملك الجرأة المطلوبة لمواجهة أحمدي نجاد، وتفضل التعامل معه كما يريد وبحسب رغبته حتى ينهي فترته الرئاسية”.
وينظر المراقبون الى النائب علي مطهري، وهو نجل المفكر الراحل مرتضى مطهري الذي اغتيل في 1980 من قبل منظمة الفرقان التي يقول معارضو احمدي نجاد ان الرئيس يحمل أفكارها المنحرفة والتي تدعو الى التعجيل بظهور المهدي المنتظر، بأنه من أكثر الذين يلاحقون الرئيس ويراقبون أداءه وأعضاء حكومته، وأنه هو أيضاً يملك وثائق تدين نجاد كما نقلت مرارا صحف ايرانية.
وتشير تصريحات مطهري الى مايعرف في إيران بـ”برونده سازى” أي تنظيم ملفات شخصية عبر جمع المستندات و الوثائق حول الأفراد لفضحهم بها أو اعتقالهم، وهو أمر شائع بين الإيرانيين منذ احتلال السفارة الأمريكية في طهران في الرابع من نوفمبر العام1979 ونشر الطلبة الثوريين “السائرين على نهج الامام” الخميني وثائق وملفات أسقطت حكومة مهدي بازرقان الليبرالية الوطنية، وتسببت في اعتقال وفرار الكثير من “المنافسين”.
عليّ و على أعدائي
ومنح البرلمان الثقة وبصعوبة لوزير الاقتصاد بعد أن أبلغ أحمدي نجاد أعضاء لجنة المادة تسعين الذين التقى بهم قائلا: “كنت أعلم منذ البداية أن اللائمة ستلقى علي و على حكومتي، و لهذا حضرت لنفسي لأسوأ الاحتمالات. ليس لدي أي مانع من قراءة التقرير أو استجواب وزير الإقتصاد. إلا أنني سأشارك في جلسة الاستجواب و انا اخبرت الوزير بأن يحضر الملف الخاص بالقضية و يقوم بنشر الأسرار المتعلقة به”.
و قال أحمدي نجاد لأعضاء اللجنة: “إذا اتجهت القضية إلى إدانتي كما أعددتم لها سأقوم بالكشف عن باقي أسرار القضية، و لن أخسر اللعبة وحدي – عليّ و على أعدائي”.
و ذكرت مصادر خاصة: أن السلطات اعتقلت نجل النائب في البرلمان الإيراني “محمد دهقان”، بالإضافة إلى أن القضاء استدعى رئيس لجنة الأمن القومي و السياسة الخارجية “علاء الدين بروجردي” و إبنه للتحقيق معهم في القضية. و يقول المراقبون إنه قد يتم التحقيق مع باقي أبناء “بروجردي” بذات القضية و قد توجه إليهم تهم بالإشتراك في القضية.
أي ملفات يخفيها نجاد؟ [2]
أي ملفات يخفيها نجاد؟
و أوضح مصدر برلماني أيضا أن تقرير البرلمان أشار إلى تورط الرئيس أحمدي نجاد و رئيس مكتبه “إسفنديار رحيم مشائي” في القضية إلا أن تهديدات أحمدي نجاد دفعت اللجنة و النواب إلى تغيير محتوى التقرير بحيث لا توجه أصابع الإتهام إلى أحمدي نجاد مباشرة .
و يصف خامنئي و المقربون منه “إسفنديار رحيم مشائي ” و الآخرين من حلقة المقربين من الرئيس الإيراني بالتيار المنحرف. و المرشد علي خامنئي الذي يخشى من أن أي مواجهة لحكومة أحمدي نجاد له، تهدد صلاحياته، أعلن قبل أيام و أثناء زيارته إلى كرمانشاه غرب إلبلاد إلى احتمال حذف منصب رئاسة الجمهورية في المستقبل.
وهدد الرئيس الإيراني بالكشف عن أسرار اختلاس الثلاثة مليارات دولار من أكبر بنكين في البلاد و هما “صادرات” و “ملّي”، متهما “مجتبى خامنئي” نجل المرشد علي خامنئي الذي دعمه في الانتخابات الماضية، بأنه الضالع الرئيس في القضية، وأن البرلمان و السلطة القضائية يحاولان إلصاق هذه التهمة به و بحكومته من أجل التمهيد لعزله عن رئاسة البلاد”.
ملفات الرئيس!
ويتساءل الايرانيون هذه الأيام تحديدا بعد أن “انتزع” أحمدي نجاد الثلاثاء الماضي ثقة البرلمان على وزير الاقتصاد “سيد شهاب الدين حسيني” رغم كل ما قيل عن تورطه في فساد مالي كبير، عما إذا كان أحمدي نجاد يملك بالفعل مستندات ووثائق تدين أو تحرج النخب السياسية النافذة في النظام و التيار الأصولي المقرب من المرشد علي خامنئي، ويتمكن من استخدامها كورقة للضغط على أعلى منصب في النظام وهو المرشد من أجل مسايرته و تخفيف الضغط عنه و المقربين منه حتى إنهاء فترة رئاسته في أغسطس 2013؟
وكان موضوع الفساد شغل الرأي العام الايراني طوال الأربعة أشهر الماضية بعد انتشار معلومات متضاربة حول “ولاء” الرئيس الإيراني و حلقة المقربين منه للنظام وللمرشد وعموم المؤسسة الدينية، حيث أخذ تيار خامنئي الذي يطلق عليه التيار الأصولي يستخدم تسمية “التيار المنحرف” للإشارة الى الرئيس وحلقته، و في نهاية الأمر جُمعت التواقيع اللازمة من أعضاء البرلمان من جديد لمسائلة أحمدي نجاد تحت قبة البرلمان.
لكن وسائل الإعلام المقربة من أحمدي نجاد أخذت من جهتها توجه تهديدات مباشرة و أخرى غير مباشرة للتيار الأصولي، عن امتلاك التيار المقرب من أحمدي نجاد لمستندات ووثائق تدين بعض كبار المسؤولين في النظام في قضايا الفساد، فيما تحدثت صحف أخرى مباشرة عن “انقلاب عسكري” يخطط له الرئيس الذي اتهمته بتقديم ذرائع للغرب ليوجه ضربة عسكرية لإيران.
140 ألف وثيقة ضد 314مسؤولا!
ويشير عارفون الى التهديد الذي أثار ضجة كبيرة بين الرأي العام و في الأوساط السياسية المختلفة في البلاد، وهو ما نشرته صحيفة “إيران” الحكومية في 17 أكتوبر الماضي، وهي تابعة لوكالة الأنباء الرسمية (إيرنا) الخاضعة للرئاسة، وهو تهديد جاء في صيغة أبيات من الشعر، ادعت الصحيفة فيه أن لدى الرئيس الإيراني أكثر من 140 ألف وثيقة يمكن أن يستخدمها ضد 314 مسؤولا رفيع المستوى في النظام، و إنه قد ينفد صبر أحمدي نجاد يوما بسبب الضغوط المتزايدة عليه وسينشرها في العلن.
ونُشر التهديد المذكور بعد ثلاثة أيام فقط من اتهام التيار الأصولي المقربين من الرئيس الإيراني بالضلوع في قضية “اختلاس الثلاثة مليارات دولار” و حذّر المقال المذكور “أن صمت الحكومة حيال الهجمات الشرسة و المغرضة لن يطول أمده و ستكشف المستور يوم ما”.
وقد اهتمت وسائل الاعلام الايرانية بالجدل الدائر حول مساءلة الرئيس وقالت إنها ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الرئيس الإيراني مسؤولي النظام بفضح أسرارهم و الكشف عما يسميها بتجاوزاتهم، فمنذ توليه الرئاسة في عام 2005 طرح أحمدي نجاد تهديدات مماثلة لمسؤولين في النظام.
و يقلل منتقدو الرئيس من هذه التهديدات ويقولون إنه و حلقة المقربين منه طرحوا تهديدات مماثلة مرارا من دون أن يقدموا وثائق تدعم و تثبت إدعاءاتهم .
ونقلت صحف المعارضين لأحمدي نجاد المؤيدة للمرشد، أنه قام لأول مرة في مايو / أيار 2007 باتهام شركة “إيران” للتأمين بتجاوزات مالية و أمر (أحمدي نجاد) وزير اقتصاده السابق بعزل أعضاء مجلس إدارة الشركة، لكنه و بعد يومين ومع إتضاح الصورة و عدم إستناد هذه الأدلة لأي دليل قانوني قام بتعين أحد أعضاء مجلس الإدارة الذين أقالهم من قبل رئيسا للشركة.
وأشار أصوليون الى أن “آخر تلك الادعاءات التي طرحها أثناء مؤتمر صحفي شارك فيه قبل فترة خلال هذا العام و قال فيه بأنه أرسل برسالة إلى رئيس السلطة القضائية” صادق لاريجاني ” ضمت أسماء 250 شخصا قال إنهم متهمون بارتكاب تجاوزات إقتصادية، و بعد أشهر أي في سبتمبر/ أيلول الماضي أعلن لاريجاني أن ما قاله أحمدي نجاد لا يتعدى كونه مناورة و بروباغندا سياسية و قال: “كنا نتوقع من رئيس البلاد أن يُضمّن قائمة الأسماء التي قدمها لنا بأدلة قاطعة وأن تكون التهم قد تمت دراستها بشكل مهني”.
تواريخ رئيسية في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن [3]
تواريخ رئيسية في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن
و يقول محللون قريبون من نظام الجمهورية الاسلامية إنه لا يمكن تجاهل تلك التهديدات حتى لو كان أحمدي نجاد لا يملك أدلة قاطعة، فهي تظل على الأقل، تشغل الرأي العام في إيران بها من جديد، وتثير شكوكه حول مصداقية المسؤولين و نزاهتهم، و بهذا سيفقد الشارع ثقته بمسؤولي النظام حينما يشاهد هكذا تهما يتم تبادلها من قبل المسؤولين.
و يرى محللون آخرون بأنه قد لا تستند تهديدات أحمدي نجاد إلى أي أدلة قانونية و أنها مجرد فقاعات إعلاية للتنفيس عن الخلاف الذي نشب بينه و بين المرشد حول عزل وزير الإستخبارات “حيدر مصلحي”.
فترة الاعتكاف
وقال النائب السابق في البرلمان الإيراني “محمد خوش تشهرة” إن المقربين من الرئيس أحمدي نجاد قاموا بإخراج ملفات خاصة من وزارة الإستخبارات في الفترة التي عرفت بفترة اعتكاف الرئيس وهي الأيام التي عزل فيها وزير الاستخبارات ومنعه من الدخول الى الوزارة في نيسان/ أبريل المنصرم.
و حذر “خوش تشهرة” في صحيفة “ملّت” في 22 اكتوبر الماضي أن المقربين من أحمدي نجاد في الحكومة سيلجأون إلى إستخدام هذه الملفات ضد خصومهم من مسؤولي النظام .
غير أن موقع “آينده” الذي أعلن قبل يومن توقفه، وهو القريب من الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، كان نشر أن أحمدي نجاد – كما تقول – مصادر للموقع في وزارة الاستخبارات، سيطر على الكثير من وثائق وزارة الاستخبارات، عندما تولى إدارتها بعد أن أجبر وزيرها السابق غلام حسين أجئي على الاستقالة العام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة التي يشكك الاصلاحيون بنتائجها.
و يقول منتقدو أحمدي نجاد إن تلك الفترة القصيرة التي غاب فيها وزير الإستخبارات عن وزارته، استغلت من قبل الرئيس وحلقته للسيطرة على ملفات خاصة و بأعداد كبيرة حول عدد من المسؤولين الكبار في النظام.
و قط سارعت وسائل الإعلام المقربة من التيار الأصولي و الأجهزة الأمنية إظهار ردود أفعال منددة بما حصل.
ففي الثامن عشر من أبريل/ نيسان الماضي حذر موقع “جوان” المقرب من الحرس الثوري من قيام التيار المقرب من أحمدي نجاد بإستغلال هذه الملفات سياسيا، و تهديد المسؤولين في النظام عامة و في الأجهزة الأمنية خاصة من أجل تحقيق مكاسب سياسية خاصة بهذا التيار.
و بعد ثلاثة أسابيع من الواقعة، قال النائب الأصولي في البرلمان و أحد القياديين السابقين في الحرس الثوري “إسماعيل كوثري” بأنه سيتولى إدارة وزارة الإستخبارات مؤقتا إلى أن يتولى شخص آخر المهمة.
و أوضح “كوثري ” في إشارة الى فقدان الثقة بأحمدي نجاد : “إن المرشد علي خامنئي قد تدخل في الموضوع لأن الرئيس (أحمدي نجاد ) كان ينوي إدارة وزارة الإستخبارات بنفسه”.
لكن “كوثري” لم يوضح على أي أساس تدخل المرشد علي خامنئي لمنع أحمدي نجاد من تولي إدارة وزارة الإستخبارات شخصيا و ما خلفيات هذه المواجهة التي نشبت مرتين بين المرشد و أحمدي نجاد منذ تولي الأخير رئاسة البلاد حتى الآن.
لكن في حال صحة هذه الرواية التي لم يتم نفيها من قبل خامنئي أو أحمدي نجاد حتى الآن يمكن توقع تأجج الصراع بين خامنئي و أنصاره من جهة و أحمدي نجاد و حلقة المقربين منه من جهة أخرى خصوصا قبل الانتخابات التشريعية المقررة في أذار/ مارس المقبل