و في الحقيقة منذ فترة تراودني بعض الأفكار حول هذين الخيارين و مدى نجاح أصحاب هاتين الأطروحتين على الساحة الأحوازية بشكل خاص و الإيرانية بشكل عام، مما بات جليا ً للكثير من أبناء الأحواز إن هناك مشروعان على الساحة الأحوازية و بالتحديد في المهجر من طبيعة الحراك السياسي الأحوازي الرامي لكسب الحقوق المغتصبة للشعب العربي الأحوازي .
عادة للمشاريع السياسية خطط و برامج قصيرة المدى و البعيدة، توضع هذه المشاريع بعد دراسة علمية معمقة و موضوعية تشمل الجوانب الاجتماعية و الاقتصادية في نفس الوقت، و لنجاح هذه المشاريع يجب توافر العناصر التي من شأنها تساعد كحد أدنى لبلوغ الهدف، و التعريف العلمي للمشروع السياسي كما عرفه البعض أن المشروع يضع لنفسه أهدافا ً يسعى لتحقيقها و آليات يتبعها للوصول الى ذلك الهدف … و السؤال الذي قد يطرح يا ترى هل هذه المشاريع السياسية و مكوناتها و عناصرها و مدى نجاحها توافرت في برامج القوى السياسية الأحوازية ؟
من خلال المتابعة الميدانية و اليومية للقوى السياسية الأحوازية و خاصة في المهجر أقول و بصراحة لا توجد معطيات تدل أن هناك برامج سياسية ترتقي للمستوى المطلوب مما ينهض من خلاله الحراك السياسي الأحوازي و خاصة في المهجر، لذلك لم تتمكن بعد القوى و التنظيمات الأحوازية من استقطاب الجماهير لممارسة النشاط السياسي التنظيمي .
فتسمية خيار تحرير الأحواز و خيار فدرالية إيران للقوى السياسية هو الأنسب لغياب المشروع الواضح و الشفاف لهذه القوى السياسية و هي أشبه بالظل بقدر ما تكون قوى سياسية فاعلة .
كي نبسط الأمور لابد من شرح بعض المفاهيم السياسية لخياري التحرير و فدرالية إيران، و إذا أخذنا الجانب العلمي لهذين الخيارين نجد إشكالية حقيقية في توجهات هذه القوى الناشطة على الساحة الأحوازية .
أولا ً : خيار التحرير مفهوم شامل و متكامل و له ايجابياته إذ اتسم هذا الخيار في مشروع سياسي علمي و موضوعي متكامل، و لا يخلو أيضا من السلبيات في الوقت الراهن و ذلك للعقلية السائدة في منطقة شرق الاوسط و تعقداتها، و هذا لا يعني أن يسقط حق أصحاب هذا المشروع إذ وجد تماشيا ً مع روح الديمقراطية في الرأي و الرأي الأخر، لأن روح التحرير تحمل في طياتها نقطتين هامتين هما :
الف : تحرير الأرض، و هذا الأمر يمهد للاستقلال، و بناء الدولة المستقلة في كافة مؤسساتها السياسية و العسكرية و الاجتماعية و الاقتصادية .
ب : تحرير الإنسان و هذا ما يمهد للدولة من خلال مؤسساتها التربوية و الثقافية و غيرها من المؤسسات الأخرى لبناء الإنسان .
فبالتالي هذا الخيار متقدم جدا ً في تحقيق الحلم لبناء الدولة المستقلة لكن يتطلب الشروط التالية و هي :
1- وجود فكر عقائدي نتيجة تراكمات العمل السياسي و هذا لن يحصل إلا من خلال التدوين و النقد العلمي و الموضوعي .
2- تشكيل تنظيمات سياسية منظمة تنظيما ً جيدا ً من حيث الشكل و المضمون .
3- على التنظيمات أن تمتلك مشروع سياسي يرتقي للطموح الذي تسعى من أجله .
4- ضرورة وجود التنظيمات و مشاريعها السياسية في الشارع الأحوازي و بالقوة .
5- بناء قاعدة شعبية واسعة في الشارع الأحوازي من خلال الطرح السياسي الذي تتبناه هذه الأحزاب .
ثانيا ً : خيار فدرالية إيران، للفدرالية في قاموس الأدب السياسي تعاريف كثيرة وعرفها البعض بالإتحاد أو شكلا ً محددا ً من أنواع الإتحاد بين الأقاليم و ليست بالضرورة الإندماج القسري .
الفدرالية هي شكل من أشكال أنظمة الحكم الكثيرة و المتنوعة في العالم و وجد هذا النظام كغيره من الأنظمة الأخرى لتنظيم الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية للمجتمع، مما يأخذ في عين الإعتبار المشاكل و التناقضات العرقية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في حدود الدولة و ذلك من خلال إقامة أقاليم جغرافية و إدارية و سياسية في إطار النظام العام .
النظام الفدرالي في معناه العام و العلمي هو نظام سياسي إجتماعي متنوع يتشكل من كيانات جغرافية سياسية تتمييز عن بعضها البعض حول خصائص مكوناتها .
و من أهم أهداف الفدرالية و إقامتها، احتواء المشاكل القومية والسياسية و الجغرافية و غيرها التي تحدث داخل البلدان المتنوعة في الأعراق أو تحسبا ً من إنهيارها و زوالها كلياً ً .
كما النظم الفدرالية في الأساس هي أنظمة ديمقراطية تقوم على فهم حقوق القوميات و الاعتراف بها و توفير الضمانات و المستلزمات لممارسة هذه الحقوق .
إذا ً الغاية من الفدرالية في ما تسمى إيران الحالية، هل هي إستجابة للمطالبات العادلة للشعوب الراضخة تحت الهيمنة القومية الفارسية أم هو مطلب فارسي بأمتياز للهروب من إنهيار إيران الحالية.
و ما هي معالم هذه الفدرالية الموعودة منذ ست سنوات و إلى يومنا هذا ولم نعرف بعد نوعية هذا النظام الفدرالي و ماهي الأسس التي يمكن أن نبني عليها سياسة المستقبل و تطلعات شعبنا العربي الأحوازي.
و السؤال الذي يطرح نفسه ما هي نوعية هذا النظام و هل هو مبني على أسسس قومية أم جغرافية أم اقتصادية.
و عادة لكل نظام من الأنظمة السياسية دستور ينظم هيكلية هذا النظام و بوضوح شديد كي يكون مفهوما للمواطن بحيث تدرج في الدستور كافة القضايا المتعلقة بشكل هذا النظام الفدرالي من واجبات و حقوق و من أهمها :
1 – ما هي حدود جغرافية هذا الإقاليم .
2- ما هي العلاقة السياسية بين حكومة الإقليم و الحكومة المركزية .
3 – ما هي الضمانات بين الإقليم و المركز و باقي الأقاليم الأخرى .
4 – ما هي المرتكزات السياسة الدفاعية و الاقتصادية و الخارجية التي تسيطر عليها الحكومة المركزية و دور الأقاليم في رسمها .
و في ظل رسم هذه السياسات العامة و الهامة في نفس الوقت مع الشركاء السياسيين من الشعوب في الأقاليم الأخرى، يجب المصادقة على وثيقة عمل مشترك من خلال مؤتمر عام للأحزاب الممثلة لشعوبها تمثيلا ً حقيقيا ً و ذلك أمام الرأي العام الدولي و هذه الخطوة مما تضمن حقوق الشعوب في المستقبل في هذا النظام إذ تحقق فعلا ً .
جمال عبيدي
jamal.obeidi@yahoo.com