ما الفرق بين قواعد و أصول التوجه نحو التكويّن الوطني عند الشعوب والتكويّن العشائري عندنا و كيف نشأ وتجمد و تحنط تاريخنا منذ لحظة الكاتب علي نعمة الحلو ليومنا هذا ؟
إننا ارتكبنا خطأ قاتلا عندما حاولنا بجهل معالجة قضايا معاصرة بروح و مرجعية تراثية هي القبيلة،و هذا حصل في مجالين مهمين التاريخ و السياسة، ونستدل على قولنا هذا في مجال التاريخ هنا و في السياسة في حلقة قادمة، فنبدأ بالتاريخ ونؤكد في البداية على قولنا عن إن نظرتنا لتاريخنا الأهوازي المكتوب – المقروء في العصرالحديث والمعاصر إجمالاً،هي تصب في كشف أمور كثيرة و تبيّن غياب أولاً: الطريقة الجديدة وثانياً: مضمون الخطاب الوطني ،باعتبارهما المقومين في بناء أي تاريخ وطني ودونهما لا يُعد التاريخ المكتوب بمثابة مرجعية متينة وموثوق فيها.وهذا يعني شيئاً واحداً وهو أن المطلوب إعادة تأسيس الوعي التاريخي الأهوازي من جديد،والتأسيس له يحتاج في المرحلة الأولى إلى نقد الموجود،ولا بناء جديد للوعي إلا على انقاض الموجود.
والتاريخ المتداول عندنا نقسمه الى ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول- فارسي و نطلق عليه الاتجاه المهاجم لثقفتنا،الاتجاه الثاني:عربي هو المدافع عن ثقافتنا في مواجهة الطعون الفارسية و ردها و لكن سلك مسلكاً خاطئاً و الاتجاه الثالث:هو الأهوازي الذي استنسخ الاتجاه الثاني العربي بكل ما حمل من أخطأ في محاولة رد و مواجهة الطعون الفارسية و بناء الذات و فشل في المجالين و لم يضف بدوره جديداً ولا استطاع بناء خطاب تاريخي أهوازي وطني يلائم وضعنا و يعالج أزمتنا معاً،إنما مارس أقتباس واستنساخ خطاب الاتجاه العربي و هو الممزوج ما بين (الروح العشائرية والنظرة الرومانسية والحلم الثوري كما وضع الأسس له الكاتب العراقي علي نعمة الحلو).والأهوازيون أطالوا الكلام في نفس مواضيع حنطها وجمدها الكاتب علي الحلو،ومن بعده لم يرتقي الكلام في التاريخ لا في التحليل ولا في التجديد إلى مستوى يكون بمثابة مرجعية تاريخية وطنية.
وهذا التوقف خطير و خاطئ ، فأحداث الماضي يجب أن نربطها بوعينا لتخدم حاجاتنا المعاصرة .أما الأحداث المعاصرة يجب تسجيلها و توثيقها و الرؤية يجب أن تكون واحدة لتخدم قضيتنا و لا تمزق وعينا و تشرذم فهمنا كما هو حاصل اليوم،فالتاريخ عندنا بدل أن يساعدنا في حل أزمتنا و يكون مرتكز للتطور أصبح هو أزمة بذاته تخرج إلينا منه مواضيع و قضايا شكلت الفوضى و الجهل وأصبح المكتوب عندنا لا يسعفنا ولا يساعدنا عند الرجوع إليه في معالجة هذه المواضيع المطروحة علينا اليوم، حيث إنها تتخذ من التاريخ مرتكز لها كما هو،و بالتالي نعيد الفوضى من جديد لتحكم وعينا و فهمنا وهذا خطأ عائد إلى توقف الإنتاج و الوعي الفكري و البحث الجاد في موضوع التاريخ.
ولدينا جملة قضايا تاريخية علينا فهمها فهم معاصر لنا وفق قواعد جديدة في الطريقة و الخطاب بعيداً عما يرتكزعليه خطابنا الموجود من طريقة و خطاب لتكون مرتكز للتواصل مع تاريخنا ونجملها بالتالي أولاً- النظر والتوثيق أو حسب تعبير أبن خلدون القواعد و الأصول ،ثانياً- الاتجاه الفكري الحديث الذي يدفع بكاتب التاريخ نحو بناء الروح الوطنية وهي مولود جديد في اللغة و الفكر بالنسبة لنا وبالتالي تعتبر مكوّن أساسي لثقافة هذا العصر الذي نعيش فيه،ثالثاً- التخلي عن طريقة الإتباع ونسخ ما كتبه غيرنا عن تاريخنا. رابعاً:معالجة اللبس وعدم الوضوح الذي يلف كثير من القضايا التي الآن يدور حولها اللبس والفوضي أو عدم الانتباه لها وهي مهمة في فهم و بناء رؤيتنا لتاريخنا.
و نلاحظ أن ما يزيد من أزمتنا و الفوضى التاريخية التي نغرق فيها و الجهل بالماضي و الحاضر و بقاء ثقافتنا تعيش تمزق بسبب العشائرية و يعود جانب كبير منه إلى جهلنا بأهمية دور التاريخ و طرحه، وبالتالي دون هذا الفهم لن نتمكن من معالجة جملة من المشاكل حددنا بعض منها و ليس كلها،،نذكرأمر مسمى الثورات عندنا، فكل حدث حصل في تاريخنا أصبح ثورة، ولكن لم ننتبه و نتساءل لماذا لم نطلق مسمى ثورة عن أحداث حصلت عندنا عام 1980،و بعدها عام 2005 ،وكانا الحادثان من ناحية الأهمية و التأثير ليس أقل من أحداث أطلق عليها مسمى ثورات،أنظر أحداث حصلت في المحمرة تسمى ثورة الغلمان 1925،فيما أسمينا الأولى الاربعاء السوداء أو أحداث المحمرة 1980،وأسمينا الأخيرة إنتفاضة 2005 . إن الأحداث هي من تعطي للمسمى معنى وليس كل الأحداث يناسبها اللفظ والمعنى نفسه ،بغض النظرعن المكان و الزمان. ونفس الأمر ما يخص اللبس و الغموض حول جوانب من تاريخنا المعاصر،نذكر ما يخص أحداث فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، فأحداث وفكر الشهداء الثلاثة الذين اعدموا عام 1964(أعضاء اللجنة القومية العليا)، لا نعرف عنها شيء سوى ما كتبه نعمة الحلو الذي دونه تاريخ الثورات و التنظيمات و قال “بأعدامهم مات سر الثورة معهم”.
و نشير أيضاً إلى موجة الفوضى في الخارج حول طرح المسميات (الأحواز، الأهواز، عربستان)، حتى تحولت إلى هوية يتسمى كل طرف وفقاً لها و يعرف من خلال الأسم و ليس من خلال وعيه السياسي و فهمه للقضايا و هذا منحدر سقوط لا نستوعبه، ونفس الأمر في ما يخص جهلنا و تخندقنا حول أمر نشوء دولة أو نشوء حكم ذاتي في فترة ما قبل عام 1925، واختلط على الأغلبية الفهم السياسي و الفهم التاريخي، وتعاملنا مع هذه المواضيع بمواقف و دوافع ليس تاريخية ولا موضوعية ، بقدر ما عصبيات و تشنجات وهي وحدها من ينتظم فيها وعينا اليوم ، وهو وعي بالتأكيد لا يصل بنا يوماً إلى فهم مشترك ولا حتى آحادي لطبيعة مشاكلنا ،ولذلك نرى الحاجة تتجه نحو فهم و تعدد في الآراء في قضايانا هي تُعد في صلب و مكونات الفكر و مفهوم الوطنية و كلاهما يتطلبان تعامل فكري موضوعي وليس تشنجات و عصبيات.
وهي فوضى على صعيد فهم التاريخ بمثابة أزمة في وعينا ،حيث يعتبر الجانب الفارسي المسؤول الاول عن وضع قسم كبير منها، ولا ننسى دورنا و مسؤوليتنا في القسم الآخر منها.وبالتالي جهلنا للفكر والوطنية و نتائجه و أثره واضحة علينا و تبرزها مجموعة من الأخطاء لم ننتبه إليها ليومنا هذا،فعندما كتبنا و تناولنا تاريخنا لم نميز بين طريقة و خطاب التكويّن العشائري و بين طريقة و خطاب التكويّن الوطني،وما يثير االدهشة حقاً هو أن الذين جهلوا مفهوم و خطاب الوطنية في كتابة تاريخنا هم بالأساس عملوا في السياسية عندنا ،فهل هذا يعني أن الخطاب السياسي عندنا اعتمد القبيلة دون الوطنية ، فانتسب للقبيلة يثبت هويتنا و يمارس السياسة من داخلها دون أن يفرق بين استبداد القبيلة في السياسية وتمزيقها للهوية و مفهوم الوطنية معنى آخر. إن مفهوم الفكر السياسي الجديد والوطنية كانا غائبان أساساً في عملنا و وعينا السياسي ولم يفرق السياسي بينهما، رغم أن الاختلاف واضح بين الأثنين على صعيد المرجعية و التناول،فالهوية الجديدة لا تستقي مكوناتها من العشيرة ولا يتخذ الخطاب المرجعية التراثية له ،بل يتخذ المرجعية الحديثة في صياغة الهوية و نفس الأمر يكون بالنسبة لتعريف الشعب و بناء الثقافة الوطنية.
وهكذا كتبنا و فهمنا تاريخنا فهما ملتبسا و محنطا بمسلمات جامدة ،فالبحث التاريخي الموضوعي والجاد و الجديد الذي يعتمد على الوثائق والتحاليل لتثبيت ما يصب في فهمنا لتاريخنا غائب من جانبنا ، وحسب وجهة نظري ليس علينا إنكار أحداثه و تزويرها، إنما نشك في التحاليل و نراجع مصداقية المعلومات و نتثبت من الوثائق و يبقى تاريخنا هو ذاتنا يمثل هويتنا وهو يبقى فعل و إنتاج مجموعة بشرية تخطئ و تصيب. و الإنتاج البشري لا يقدس و لا يذم ، بل يحتاج إلى مراجعة و تصحيح ونقد أوليس النقد هو سد الثغرات ؟ نعم هو تاريخنا بما حمل لنا من سلبيات و ايجابيات كما يقول العرب.
و كان من المفروض أن يبدأ قبل عقود من السنين و يتخذ الكاتب طريقة جديدة له في التعامل مع الوثائق وتناول الأحداث التاريخية منها التي تخص الماضي و الحاضر ويقدم فهم جديد في تعريف أسباب حصول الأحداث السياسية منها و الثقافية ،بخطاب وطني يتخذ المرجعية الحديثة مرتكز له ولا يندفع نحو الماضي بدون وعي جديد.حيث إن عصرنا تمثل بالنهضة للخروج من التخلف و التردي، و هذه الاخيرة نجد أن مهمتها تتمثل في معالجة التخلف و فهمه الخاص بالذات و كذلك مواجهة الغزو الثقافي الخارجي . فالتاريخ يلعب دوراً محورياً في عملية النهوض و تطور الوعي الجماعي عند أي شعب.وهذا الاتجاه الأخيرهو الغائب في وعينا وبالتالي غيابه أدى إلى الجمود التاريخي الذي نعاني منه.
وهذا الجمود عائد إجمالاً لسببين أولهما- فقدان الطريقة ،وثانيهما- غياب الرؤية أوالاتجاه الفكري الجديد وهما مكونا الخطاب التاريخي الوطني الذي كنا و لا نزال نحتاج إليه ، ومهمته تتمثل في أمرين الأول معالجة قضايانا التاريخية وفق رؤية معاصرة لنا والمساهمة في بناء الوعي بالذات وتأسيس الهوية الوطنية و النهوض بها، الأمرالثاني – مواجهة الفكر الفارسي بسلاح جديد يتوافق و روح عصرنا وفق أسس وطنية و فكرية وليس إحياء العشائرية واللجوء إلى الرومانسية. إننا بدل أن نتجه نحو ذلك المسلك في كتابة تاريخنا توهمنا أو جهلنا أن التاريخ والكتابة هي فقط إحصاء ونقل وعرض البضاعة التاريخية الجامدة والانطواء داخلها والانبهاربالمعروض التاريخي.
وننبه بأننا عندما عرضنا الاتجاهات الثلاثة أعلاه لا ننشغل بالاتجاه التاريخي الأول الفارسي والسبب كونه لا يمثل مرجعية لنا في فهم تاريخنا وبناء ذاتنا،وكذلك لم نكن نمثل مكوّن ذاتي له حتى يحمل حلول لمشاكلنا و يساهم في البناء لذاتنا ،إنما نظر رواد الفكر الفارسي بشكل عام و المؤرخ منهم بشكل خاص إلى وجودنا كمانع في بناء الذات الفارسية على الصعيد الثقافي وعلى صعيد الوحدة السياسية و الجغرافية ،ولذلك وجه نحونا الطعون و التشكيك و شكلت و صنعت الطعون أزمتنا الثقافية .وبهذا يكون الاتجاه الفارسي نقيض لوعينا الوطني، فلا نعتمد عليه،بل نستبعده ،وبالتالي نؤكد أن قراءة الطعون الفارسية الموجهه ضد ثقافتنا و نقدها شيء،واعتبار ذلك الخطاب التاريخي ضمن المرجعية التي نفكر فيها في بناء ذاتنا كسلاح فكري هو شيء ثانٍ، وهما سلاحان مختلفان لا يمكن الجمع بينهما من الناحية الفكرية لصعوبة الاتصال. أما الاتجاه العربي هو من يمكن أن نتصل معه، والسبب كونه ليس نقيض لنا،بل رغب مساعدتنا و لكن فشل و أخطأ في بناء وعينا. إذاً نهتم فقط هنا بما هو أولاً – ليس نقيض و طاعن لنا، ثانياً رغبنا أو رفضنا يعتبر فعلاً الاتجاه العربي مرجعية تاريخية لنا نعتمدها في فهم تاريخنا رغم أن أسس هذه المرجعية التي بنيت عليها ضعيفة بسبب الأخطاء و الهفوات و النقوص الحاملة لها،وهذه المرجعية التي وضع لها الطريقة أوالأسلوب والخطاب الكاتب العراقي (علي نعمة الحلو).
إذا نسجل خلاصة أولية و هي: لدينا مرجعية تاريخية نفهم تاريخنا من خلالها و من وضع لها الطريقة و الخطاب ليس كاتب أهوازي، بل كاتب عربي والخطأ ليس في هذا، إنما يكون في القبيلة التي اعتمدها كمرتكز في الخطاب و أصبحت مرجعية ومجال للتفكير في إثبات هويتنا في هذا العصر و ليس مفهوم الوطنية ،بمعنى آخر اعتمد المرجعية القديمة التراثية العربية في تعريف الشعب العربي الأهوازي دون المرجعية الحديثة الوطنية و هي سمة عصرنا . وهذا خطأ لم ينتبه إليه ليومنا هذا كل من كتبوا من الأهوازيين في التاريخ و اتبعوا الرجل بدون وعي وحان الوقت للمراجعة و القطعية مع هذا الاتجاه الأهوازي الذي هو ليس سوى اتجاه الكاتب نعمة الحلو هذا أولاً ، و الأمر الثاني ليس تكرار، إنما تأكيد و توضيح لا نعتبر الاتجاه الفارسي ضمن مرجعيتنا لذلك نستبعده في البناء لتاريخ جديد ندعو إلى تدوينه يخص ثقافتنا المعاصرة.
و هنا يواجهنا سؤال لماذا نعتمد تحديداً على الكاتب العراقي علي نعمة الحلو دون سواه من الكتاب العرب ولا نعتمد على مؤرخ أهوازي ننطلق منه؟ الإجابة نقول فيها إن الذين كتبوا من العرب عن تاريخنا و بالذات من نفس بلد صاحبنا الحلو، نذكر منهم فقط دون الحصر مصطفى عبد القادرالنجار،و عبد المجيد إسماعيل حقي، والباحث المختص المقتدرصالح أحمد العلي – الجميع كتب عن فترة خاصة من تاريخنا، فالنجار كتب عن مرحلة حكم شيخ خزعل بن جابر 1897- 1925 ونال عنها رسالة الماجستر من القاهرة عام 1970، وعبد المجيد إسماعيل حقي- كتب بحث عن الوضع القانوني لإقليم عربستان في القواعد الدولية تناول نفس الفترة وحصل على الدكتوراة من القاهرة عام 1971.أما الأخير أحمد صالح العلي رأى الدراسات عن تاريخ الأحواز الحديث كثيرة ،غير أنها لم تفصل في دراسة العصور الإسلامية وفق تعبيره ،فكتب ” الأحوازفي العهود الإسلامية الأولي” ،إما الحلو فكتب بدوره عن تلك العصور كلها و هذا ليس وحده السبب لنبدأ منه هنالك أسباب أهم نأتي لها لاحقا.
أما عدم البدء بكاتب أهوازي ننطلق منه من هؤلاء الذين كتبوا،باللغة العربية أوالفارسية كذلك وبغض النظرعن عددهم و العناوين التي اختاروها لكتبهم أقول إن السبب ليس نفسه الذي كان وراء اختيار الحلو من بين باقي الكتّاب العرب ،أي تفرد كل كاتب أهوازي في تناول فترة تاريخية بعينها، كلا. إن السبب غير هذا أو مختلف هنا وحسب أسلافنا العرب لكل مقام مقال هو أن الذين كتبوا عن تاريخنا من الأهوازيين عملوا استنساخا وتقليدا واقتباسا اتجاه نعمة الحلو،فساروا واتبعوا الرجل النعل بالنعل كما يقول المثل العربي دون أن يبدعوا ويفكروا ببناء أسس متينة وإعادة النظر في البضاعة المعروضة التاريخية ،لا في الطريقة ولا في الخطاب، وبقاء الإنتاج والكلام في التاريخ كما هو كلام الحلو ينسخه و يردده هؤلاء – أنظر الكاتب الأهوازي (جابر خليل المانع ومن بعده أقرانه من الأهوازيين ليومنا هذا يعرضوا نفس البضاعة القبلية كما نبرز هذا لاحقاً)، وهي بضاعة أصبحت لا تصلح لتكون معاصرة لنا وتلائم حاجاتنا ولا تساعد في حل كثير من مشاكلنا المتعلقة في التاريخ،حيث إن الإهمال وعدم التجديد الذي أصاب تاريخنا أوقعنا في جهل وعراك غيرموضوعي حول بديهيات تاريخية فشلنا في وضع قول يسنده التوثيق و التحليل.
سنتبع الطرق التالية في إثبات ما قلناه و قد ارتأينا الأخذ بطرقتين ،الأولى – نسجل جملة من الملاحظات ونقاط نستدل ونثبت من خلالها أن الأسس المعمول فيها في التعامل مع تاريخ الشعوب الحديث اتخذت مساراعتمد على المرجعية الحديثة، بالتحديد أسس الوطنية أو القومية ، وهذا هو المسمى الخطاب التاريخي الحديث . الطريقة الثانية – نكشف بها هشاشة خطابنا التاريخي الأهوازي الذي لم يرتقي إلى مستوى الخطاب الحديث ، بل هو نقيض روح عصرنا ،بسبب عدم متانة و جدية الرؤية الوطنية المتماسكة و الواضحة ولا نشعرفيه هو يعبرعنا ويمثلنا بوضوح،حيث اعتمد العشائرية و الروح الرومانسية في نظرتنا ليس للتاريخ ، وإنما لثقافتنا وللسياسة وهل يمكن أن نفصل بعضها عن بعض،و كشف الخطاب يمر من خلال البدء أولاً بمن وضع الطريقة و المضمون لأسس تاريخنا الأهوازي و بعدها نأتي للكتب الأهوازية.
إذاً نبدأ بالطريقة الأولى بجملة ملاحظات من خلال طرح هذا السؤال ما هو هذا الخطاب التاريخي الحديث متى نشأ وما هي أسسه لنستدل فيه حتى نثبت ضعف خطابنا التاريخي الأهوازي ؟
أولى الملاحظات نبدأ بالتذكير بما صرحنا فيه من قبل وهو أن كل موضوع نريد إثباته و طرح رأي بشأنه يخص تردي ثقافتنا الأهوازية و قضاياها ندخل عليه من جانبين – الأول نظري،والثاني- احضارشواهد من واقعنا الأهوازي نفسه،وكلاهما متلازمان لا يمكن أن نبتعد و نستغني عنهما وإما السبب الأول- هو أن التحليل النظري بواسطة الفكرحاجة يقرها العقل، مثلما كذلك التحليل لا يكون على بياض،إنما يحتاج شواهد يُستدل عليها من الواقع المدروس نفسه و الآراء تبنى وفقاً لها. وأما السبب الثاني- أن من يقرأ الثقافة الأهوازية لا يواجه مشكلة واحدة بعينها، بل عدة مشاكل تقف أمامه حاضرة و يواجهها عند البحث عن حلول أو نقول إنها إشكالية ، بمعنى آخر إن كل مشكلة من مشاكلنا لا تجد لها حلاً، إلا في حلول لباقي المشاكل الآخرى،بسبب ترابط و تداخل مشاكلنا، فالتاريخ مرتبط بالدولة وتجديد الثقافة يكون من داخل النهضة و بناء الوعي يكون وفق العصر،والوعي القبلي والديني كما هما عندنا يكونان أسس ثقافتنا الحية و السائدة ، و يكون البناء بالنقد والتجديد العقلاني و ليس الرومانسي والسحري،فلا تنهض ثقافة برؤية رومانسية أو سحرية ،وهذه مهمة النخبة الفكرية التي تمارس التفكيروفق قواعد وحسب أولويات. والبناء الجديد للثقافة،لا يكون الكلام عنه ذو معنى دون فهم هذه الإشكالية وإدراك أوّلوياتها، و فهم التاريخ يأتي في مقدمة أولويات التجديد للوعي، ووفقاً لهذه الرؤية ننظر و نتعامل مع تاريخنا الحديث و المعاصر بمنظارعصرنا و بحضور الفكر.
الملاحظة الثانية – أن كتابة التاريخ دائماً في الماضي و الحاضر يقف وراءها توجيه فكري وفق قواعد وأصول تلبي حاجة ذلك العصر الذي ينتمي إليه من يكتب التاريخ و بوحي من أحداثه وفكره ينطلق المؤرخ ،فالمسعودي كتبه بوحي انطلاقة الدولة العربية الإسلامية ،وأبن خلدون كتبه من بعده بوحي التراجع والانحدارالذي وصلت إليه الدولة العربية الإسلامية. الرجلان كانا يعتمدان في الكتابة التاريخية قواعد وأصول،وكاتب المقدمة يؤكد على هذه الأصول فيقول: ” صاحب هذا الفن أي التاريخ – يحتاج إلى العلم بقواعد السياسة و طبائع الموجودات واختلاف الأمم والبقاع و الأمصار في السير والأخلاق والمذاهب وسائرالأحوال والاحاطة بالحاضر والقيام على أصول الدول والملل و مبادئ ظهورها وأسباب حدوثها،واقفاً على أصول كل خبر يعرض الخبرعلى ما عنده من القواعد والأصول”.
أما اتجاه و روح عصرنا الذي انطلق من أوروبا كان المؤرخ يعتمد مفهوم الوطنية أو القومية ،ويبقى التاريخ ليس خارج سؤال الدولة التي وجودها يؤدي إلى تقسيم الناس بين الحاكم و المحكوم ولا بعيد عن روح العصر و واقع الثقافة التي يكتب عنها المؤرخ، وإذا أخذنا تعبير الجابري أن ” الفكرة العامة التي وجهت فلاسفة التاريخ الألمان تدورحول قطبين الوحدة و التقدم” . أو تأكيد عبدالله العروي في كتاب مفهوم الدولة ص 78 ” مضمون التاريخ مجسد في الدولة – أوكان المؤرخون ولا يزالون يربطون ظهور الدولة الحديثة…بظاهرة القومية …يمكن أن نضع ازدهار الوعي القومي أساساً لنشأة الدولة العصرية”.
إذا كان التاريخ ما قبل الحديث ولا يزال له قواعد وأصول و اتجاهات، فهذا ليس مختصرعلى التاريخ الإسلامي القديم ولا الأوروبي كما نقلنا ،باختصار،إنما عالمنا العربي الحديث أنشأ التاريخ وفق قواعد و اتجاهات فكرية و كذلك الانطلاقة الفارسية الحديثة ، وهنا نسجل باختصار ما حدد له صاحب كتاب “نحن والتاريخ”، المفكرالعربي قسطنطين زريق،في كتابه الذي صدرعام 1959،أربعة تيارات سادت وهيمنت على كتابة تاريخ العرب الحديث والمعاصر.
وهي- أولاً: التيارالتقليدي الديني،ثانياً:التيارالقومي، ثالثاً: التيارالماركسي،رابعاً: التيارالعلمي.وهذه التيارات إذا فصلنا التيار الديني عنها،فإن الثلاثة الآخرى من مسمياتها هي تنتمي أساساً للفكر الحديث أو الأوروبي بكل وضوح.
و نشأة الوعي الفارسي حول التاريخ واتجاهه نحو النظرة الجديدة في بناء تاريخهم ونشوء الأمة الفارسية أنظر كتاب ” إيران بين الثورتين “، لصاحبه يرواند آبراهاميان صدرعام 1998 الطبعة الثانية ص 80. عندما وضع ثلاثة مبادئ رئيسية اعتمدها المثقف الفارسي في بناء إيران الحديث .
(1- المشروطة،2- العلمانية، 3،ناسيوناليسم)، وهذه الأخيرة إيديولوجية قومية متطرفة تختلف عن الوطنية التي لا تنشأ أساساً على تفضيل العرق،والمهم أنه كان هنالك دافع واتجاه فكري انتظمت فيها النخب الفارسية اتجاه مصدره النظرة الفرنسية للتاريخ و هي مسار التقدم البشري بدون وقفه والتقدم ليس فقط ممكن و مطلوب،إنما سهل المنال إذا تم تجاوز الاستبداد، النظرة الدينية،والهجوم الخارجي، فالتاريخ لا يتوقف ويسير باستمرار للأمام حسب روح العصر.وهذه الرؤية اعتمدت عليها النخبة الفكرية الفارسية في كتابة التاريخ والتأليف فيه ، بمعنى فهموا التاريخ كونه يسيردائماً نحو الأمام والتقدم ، بروح العصر،لتكون المرجعية الفكرية والتاريخية تقف على عمود مفهوم الوطنية.
ونضيف أن الاتجاه الفارسي في التاريخ تمركز حول مفهوم القومية أو الوطنية الفارسية على أساس العرق الفارسي دون سواه،و مساره لا يصب في خدمتنا وكان مدفوع بروح عنصرية تمارس المركزية ليومنا هذا ،الطعن والتحريف لكل ما له صلة في ثقافتنا العربية وأسلوبها ليس سوى التحريف والتزييف، وإذا كنا ننتظرغير ذلك نكون نجهل دوافع هذا الفكر،والذي تبنى أولاً – الدفاع عن كل ما يتصل بالذات الفارسية وإثبات ذلك بشتى الطرق،ثانياً- إخراج ونفي كل ما لا صلة أو لا يخدم الذات الفارسية من التاريخ، وهذا هوالمنهج المتبع لدي أصحاب هذا الفكرلا يحيد عنه أحد قيد أنملة. والتاريخ حسب الفهم الفارسي وجه من وجوه الفكر وأهم أسس الحافظ على الهوية الثقافية والتاريخية،والنظرة تجاه التاريخ ليس سرد الأخبار وفن جمع المعلومات وهي الطريقة القديمة ،إنما تحول التاريخ من فن إلى علم وأدوات ومفاهيم تناسب كل عصر و الأخذ بها،وهذا ما فهمه وفعله الجيل الأول من النخبة الفارسية وعملوا على بناء وتأسيس الوعي القومي الجماعي و إعادة بلورة هويتهم الجديدة منذ وقت مبكر،حتى قبل بناء دولتهم الحديثة و التي بدورها أخذت تدعم هذا الاتجاه ليكون خطابها حتى إن أول كتاب وضع عن تاريخنا ظهر في بداية نشأة الدولة وهو كتاب أحمد كسروي.
الملاحظة الثالثة – أن بناء التاريخ القومي والوطني للشعوب نشأ في أوروبا كروح جديدة و كانت المكونات القومية أوالوطنية أو الأمة ،كل هذه المكونات تسمى الروح الجماعية أو الثقافة الجماعية المشتركة لشعب ما يحدد بوعي هويته الخاصة أو الوطنية نسبة للأرض (الوطن) أو الوعي الجماعي لمجموعة بشرية ، ومن كتبوا تاريخهم الحديث اتجهوا نحو هذه الروح لبناء مرتكزات الثقافة الوطنية عليها،وكتابة تاريخ الشعوب في تاريخنا الحديث تعتمد أصول و قواعد وفق توجيه فكري يتبع منهج خاص، و المادة الأساسية هي الأحداث باعتبارها ثقافية تدخل ضمن مكوناتها الحالة النفسية والمجتمعية و السياسية والاقتصادية واللغوية،يتم ربط وبناء كل تلك المكونات، بمجموعة بشرية واحدة عاشت في تواصل مستمرعلى جغرافية واحدة ومعلومة هي أرض الآباء والأجداد تتميزعن غيرها وهويتها تكون على هذا الأساس المشترك الذي تختلف فيه عن غيرها ليكون كما يسمى الخصوصية،وتبقى الأحداث ليست منفصلة بعضها عن بعض،إنما متصلة وليس مجزئة الجغرافية كانها جزرمتباعدة،بل مترابطة وذاك المتصل الثقافي وهذا المترابط الجغرافي يكونان روح إنتاجها وهو الوعي الجماعي ،لمجموعة بشرية وفق مشتركات ينشئ منها بناء الهوية الجماعية والثقافة الوطنية،وأما التفاصيل التاريخية النقل والتوثيق والإجماع والتحقيق من النصوص والرسائل والبناء والتركيب تصب جميعاً في مصب واحد يخدم قضية شعب ما،من أجل ترسيخ مفهوم الوطنية أو تكويّن الأمة حسب تعبيرالمؤرخ عبد العزيز الدوري.
كانت تلك الملاحظات الثلاثة بمثابة معبرا لنا حتى نخلص إلى قول إن تاريخ الشعوب في عصرنا الحديث والمعاصر كتُب وفق قواعد و شروط فكرية أهمها مفهوم بناء الهوية و الثقافة الوطنية، بصيغة ثانية خطاب وطني دفع المؤرخ نحو المرجعية الحديثة ليبني وفقاً لها أسس التاريخ من خلال توظيف الماضي بما يستجيب لحاجات الحاضر و يخدمها. أما تاريخنا المكتوب – المقروء لم يكتب وفق نظرية واضحة الاتجاه أو لم يُكتب على هذه الأسس لذلك لم نستطع تكويّن ثقافة وطنية ولا مرجعية تاريخية تدفع نحو اتجاه التكويّن الجديد لمفهوم الوطنية.
كيف و متى تأسس الاتجاه التاريخي الأهوازي وما أسسه ؟
الكتابة عن تاريخنا لم تصدر أولاً – من جانبنا ،وثانياً- ظهرت في وقت متأخر تاريخياً نسبة لمشكلتنا،أي بعد أربعة عقود من تلك المشكلة و بعد ستة عقود منذ اتجاه الفكرالفارسي في طرح التاريخ القومي. حيث إن أول كتاب تاريخي صدرعن تاريخنا كان عام 1966، أي وعينا بدور التاريخ بعد ستة عقود و هذا الوعي المتأخر ليس من جانبنا نحن ، إنما قام فيها الكاتب العراقي علي نعمة الحلو،حيث وضع الجزء الأول من أجزاء بلاد الأحواز.ونشير أنه ليس خطأ أن يكتب تاريخنا كاتب عربي مخلص ومدافع عن حقنا في الحياة،إنما نتكلم عن ما قلناه إننا لم نستوعب الفكر ولا تنهض ثقافة و لا تنجح سياسية دون فكر أو الفراغ في كل المستويات ومنها التاريخ.
كما و أن الاتجاه العربي لم يعتمد أسس فكرية و منهجية بقدرما اعتمد الرومانسية الحالمة والثورية غير الواقعية،والعشائرية ودوافعه لا تناسب واقعنا الذي كان يحتاج نهوض فكري ثقافي بالدرجة الأولى لمواجهة إيران الصاعدة والتي كانت قد بنت نظام فكري قومي متماسك تدعمة الدولة ،فيما نحن نعيش تأخرنا الذاتي ولم نتجه نحو البناء الوطني على صعيد الوعي السياسي والمجتمعي،ودورالتاريخ في التغييرعلى صعيد الوعي بالنسبة لنا هو المقدمة الأولى نحو التغييرعلى مستوى الواقع المجتمعي أو السياسي. وهذا ما كنا نحتاج إليه مشروعاً ثقافيا وسياسيا يؤسس ويبني لوعينا لمواجهة التأخر و ليس حلم رومانسي ثوري أدواته العشائرية و مرتكزه الانبهار بالتاريخ.
وبالتالي سار نحونا بشكل خاطئ و ليس ضدنا فالتاريخ الأهوازي أول من كتب عنه كمدافع و بشمولية هو الكاتب نعمة الحلو،لذلك نوضح أمراُ و هو أن ما صدرعن تاريخنا قبل كتب الحلو لم تصل الى مستوى أن تكون منطلق تاريخي و اقصد منها كتاب (خليل التميمي الكفاح العربي في عربستان منشورات الجبهة القومية لتحرير عربستان – صدر في سوريا 1966)، وهذا الكتاب ضعيف و ركيك و ممتلئ بالأخطاء .أما كتاب تاريخ الكويت السياسي رغم ما جاء فيه عن فترة من تاريخنا لمؤلفه حسين خلف خزعل هو أساساً مؤلف لا يتناول تاريخنا،بل تاريخ الكويت السياسي كما هوعنوانه، وهذه فقط معلومات نسجلها للتوضيح و لرفع اللبس.
إذاً لا نستطيع أن نستغني عن كتب الحلو و نحن نتطرق لتاريخنا المعاصر ،ولسببين مهمين أولهما هو من وضع طريقة اجتمعت فيها (الرومانسية و الثورية الحالمة والعشائرية) في آن معاً. فيما غاب عن وعيه بمعرفة منه أو بدون معرفة مفهوم حاجاتنا للخطاب الوطني،نعم إن الرجل كان يحلم بالتحرير و بوحي من هذا الحلم تناول تاريخنا ومجتمعنا جمع و حشد كثير من المعلومات المختلفة حتى (ألعاب الأطفال الشائعة واكلات الإقليم الشائعة والنادرة )،حسب تعبيره،ثانيهما الطريقة التي وضعها كأسلوب تم استنساخها من جانب الذين كتبوا عن تاريخنا من الأهوازيين، والكاتب الأهوازي استعان بهذه الطريقة دون أن يحيد عنها قيد إنملة وتجمد و تحنط تاريخنا منذ لحظة هذا الكاتب ليومنا هذا،فلم نجدد و نضف،بل نسخنا ورقعنا ما وضعه علي نعمة الحلو، ولكن هل يتحمل الرجل مسؤولية ما كان يجب أن يفعله الكاتب الأهوازي من قبله و بعده و أين الخطأ في ما وضعه الرجل؟
الإجابة حول مسؤولية الكاتب الأهوازي نؤجلها إلى حين التطرق للكتب الأهوازية نفسها،أما عن الخطأ الذي أرتبكه نعمة الحلو في كتابته لتاريخنا أمامنا جملة أمور تؤكد على اتجاه هذا الكاتب في تعامله مع تاريخنا أولها- قال- ” دونا …قبائل المنطقة و عشائرها…فبلغت …أكثر من مئة وعشرين قبيلة و عشيرة … و أشرنا إلى روابطها بأصولها في العراق… و تطرقنا إلى تاريخ نزوحها و أسبابه. و قد كلفنا هذا عملا أكثر من سنة بحثاً و هذا بالطبع عمل غير سهل جندنا نفسنا له خدمة لهذا الشعب، وإبرازاً لعروبته، وهذا ما يميله علينا الواجب القومي …أن جهات أجنبية تمانع بشدة في الكتابة عن القبائل العربية و تاريخها و مواقفها لأن ذلك رداً على مزاعمها القائلة بفارسيبة المنطقة و كشفاً لهوية هذا القطر العربي”، ص 4 المقدمة الجزء الرابع من بلاد الأحوازعام 1970. اتجاه عشائري أسس له لا لبس فيه ولا غموض و غياب كامل لمفهوم و معنى الوطنية ، فالقبيلة و إحياءها مصدر لهويتنا و تعريف شعبنا وهذا ما فعله من بعده كاتب أهوازي جابرمانع كما نأتي إليه لاحقاً، حتى جهل هذا الكاتب و ذاك معاً بأن الفرس لم ينكروا أننا قبائل وعشائر ولم ينكروا نزوحنا و هجرتنا إلى المنطقة ،بل قالوا بهذا وشجعوا ولم ينكروا و يمانعوا إما السبب حتى يثبتوا أننا ليس بشعب ، وذلك وفق تعريف مفهوم الشعب الحديث الذي يتقاطع و القبيلة و استمروا بمخاطبتنا بالعشائر و هذه الجملة معروفة في الخطاب الفارسي السياسي وهي “عشاير غيور عرب خوزستان” ليومنا هذا حقاً مفارقة تحتاج تأمل و مراجعة. وهل نقول إن الرجل علي نعمة الحلو كان جاهل بمفهوم بناء الهوية و الشعب و جاهل بالخطاب الفارسي تجاهنا كذلك.
ثانيها :أراد الرجل أن ينجز و يحرر الأحواز أولاً – قبل أن يؤسس و يبني ما يساعد على ما طلب،بمعنى انشغل بحلم التحرير و ليس التأسيس برومانسية كيف لا و الرجل كان يعيش في أيام شعارات التحرير و الكفاح العربي فقال في مقدمة كتابه الأول عام 1966- ( اليوم … ونحن في اشد مراحل كفاحنا العربي يجب أن نتوجه الى شعب الأحواز الثائر بقلوبنا، ومشاعرنا). ويضيف في مقدمة نفس الكتاب الطبعة الثانية القول- (لقد كان صدور الجزء الأول إلى السوق العربية اشارة لبدء المعركة العربية على شواطئ دجيل كارون و تحفيزاً لقوى الثورة العربية لتنطلق نحو الأحواز العربية لتخوض معركة التحرير… ، الأحواز – عربستان في أدوارها التاريخية القسم الأول من الجزء الثاني المقدمة ص 3- 1967)،وثانيهما كان اهتمامه أو خطابه منصب نحو تذكير العرب بمعاناة الشعب الأحوازي وكان يأمل توجيه انتباه العرب نحو ما رغب حيث قال (وايمانا مني بمواصلة الكفاح و النضال … أن أجعل قضية هذا الشعب تعود إلى الظهور …وهذا الظهور والتحسس لا يتم – والعرب يجهلون معالم هذا الأقليم العربي … إن أجعل الأحواز عربستان تعيش في اذهان العرب… كما تعيش اختها فلسطين” ، ص 7 مقدمة الجزء الاول 1966.
إن ما يهمنا و يعنينا أولاً خطابه – حلمه ،(القبيلة هويتنا، التحرير برومانسية، مخاطبة العرب ثلاثة ركائز) و ثانياً- طريقة تناول تاريخنا عدم التكوين الوطني و البناء و التأسيس لوعي يناسب وضعنا ،و كانا متناقضان مع العصر الجديد و مع واقعنا خطابه الحالم الرومانسي و طريقة تناول تاريخنا ونبيّن أمراً وهو أننا نميز بين المعلومات التي سجلها خصوصاً في كتابه الجزء الخامس الأحواز ثوراتها و تنظيماتها حيث إن مصدره في تدوينها من الأهوازيين، فيما المصدر الآخر كتب و مراجع وهذه إشارة حتى لايحصل خلط بين المعلومة وبين تناقض خطابه و هو الذي يهمنا بالدرجة الأولى . وهو تناقض إدركه بعد حين و صرح عنه هذه المرة ليس تحرير و معركة ، إنما ثورة بشروط بعيدة عن الرومانسية كما كان الكلام عام 1966،عند ما أكد و قال – ” وفي تصوري أن أي ثورة لا يكتب لها الادامة و النجاح ما لم تضع أمامها:1- توفر المناخ الازم للثورة،2- طرح قضية عربستان قومياً و دولياً،3- التخلص من زمرة الانتهازيين،4- دعم الحكم الثوري في العراق “،(أنظر- عربستان قطر عربي أصيل علي نعمة الحلو ،صدرعام 1972 عن دار الحرية – بغداد).
ولكن نضيف إذا تراجع عن الرومانسية و التحرير و انتبه للذات الأهوازية و ضعفها بقى أسلوب التحشيد و الجمع في تناول تاريخنا دون تحليل موضوعي يضع بنظر الاعتبار واقعنا نحن و ليس ينطلق من واقع العرب و يطبقه على واقعنا و أرى صاحبنا هو الناقل وليس المحلل و المدرك لحاجاتنا للبناء الثقافي و السياسي وفق ظروفنا بعيداً عن الرومانسية وجهله ببعض القضايا منها عدم معرفته باتجاه الفكر الفارسي الحديث و المعاصر و هناك سببين نذكر لهما باختصار وراء قولنا هذا ،السبب الأول – أن نعمة الحلو اعتمد في كتابه الأول على مصادر فارسية معروفة في اتجاهها القومي المعادي لتاريخنا ومنها كتاب أحمد كسروي، السبب الآخرعند ما خلط بالقول في كتابه الآخير عربستان قطر عربي أصيل ص 18عند ما قال” شهد القرن التاسع عشر بوادر نهضة ادت إلى فكرة القومية العربية التي اصطدمت بفكرتين- الأولى فكرة الجامعة الإسلامية التي عدت الأحواز جزاء من الأمبراطورية العثمانية. والثانية فكرة القومية الإيرانية التي تغلبت على الأولى…ان التنازع العثماني الإيراني ..يمثل التصادم بين الفكرتين ،وكان التيار الثاني اقوى من الأول. إذ كان الموقف العثماني رخوا في المباحثات عام 1847 في ارضروم”…
وهذا القول الذي جاء به صاحبنا خاطئ ،حيث إن دارس الفكر القومي الفارسي يدرك أنّ الاتجاه القومي الفارسي أو (فكرة القومية الإيرانية) بتعبيره لم يظهر، كاتجاه فكري إلا في أواخر القرن التاسع عشر وحتى “ملكم خان”، وهو أول رواد النهضة الفارسية وكان له دور في الدولة القاجارية لم يكون موجود في تلك الفترة التي قصدها الحلو وظهر في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر و كان اتجاهه ليس قومياً، بل اتجاهه كان نحو إدخال التنظيمات للدولة أو القانون،وكخطاب سياسي وإيديولوجية للدولة يرتكزعلى القومية كنظرة لم يُمارس إلا في عهد رضا خان عام 1923.عندما تم تضخيم الإيديولوجية القومية الفارسية من جانب الجيل الثاني من مثقفي الفرس في بداية القرن العشرين – أنظر دراسة (نادر انتخابي مجلة نكاه نو- فارسية ،1371-1992م) . و أخيراً وليس أخراً الرجل عندما يعمل مقارنات حول ما يخص تاريخنا يخطئ فيها كما فعل مقارنة بين ” صقر قريش ” ، كما أسماه ؟ و معروف بعبد الرحمن الداخل الذي أسس الدولة الأموية عام 137 هجري في الأندلس وبين “محمد بن فلاح المشعشي” الذي أسس دولته في الحويزة عندنا في منتصف القرن الخامس عشر ميلادي ،منتصف القرن التاسع هجري،واتهام الأخير بالسحر وهل تؤسس الدول على السحر و الخرافة؟ وبهذا حتى لم يذهب من ناحية فهم مسار التاريخ كما ذهب كاتب فارسي تناول تاريخ محمد بن فلاح المشعشي، حيث إنه قال بأصلين اعتمد عليها محمد بن فلاح الأول: مهدوي- نسبة للإما المهدي، و الثاني: إلهي،أنظر باللغة الفارسية كتاب (مشعشعيان…محمد علي رنجبر- ص 202، 1382 تهران- 2003م)، وإذ صح أو خطئ صاحب هذا الرأي، فهو لا يتناقض مع الأصل و المبدأ وهو أن رجال السياسة و اصحاب المشاريع في تلك العصور وظفوا الدين لخدمة القضية السياسية و السياسة تحتاج عقيدة لتكون شرعية و السحر ليس عقيدة كما جهل الحلو مسار الفكر العربي الإسلامي السياسي مثلما جهل الفكر الشيعي الذي يوظف الدين للسياسة ومحمد بن فلاح ليس استثناء من تعاليم الشيعية أو خارج عنها.
هذه الطريقة أو الخطاب عشائري البُعد والتكوين وليس وطنية البعد و التكوين رومانسي و ثوري حالم دون سلاح فكري ولا واقعي وباختصارنشير في هذا السياق بأننا لا ننظر إلى نعمة الحلو حسب شعوره القومي و الوطني تجاه شعبنا ذلك نعتز فيه ولكن ننظر إلى طريقة تناول تاريخنا و تعامله مع الأحداث،وهو ما يهمنا بالدرجة الأولى هنا،فالرجل لم ينطلق من أسس متينة في البناء لخطابه ولا انطلق من واقعنا. فاختار طريقة اختزال التاريخ وليس تنهيض التاريخ أو حسب تعبير قسطنطين زريق الانبهار بالتاريخ. أما الواقع واليقضة عاشها المفكر الفارسي الذي كان يقبض على واقع الأحواز،فالحلم والرومانسية عند المؤرخ القومي العربي لتاريخنا يعيشها المؤرخ الفارسي في الواقع بتضخيم العرق الفارسي و أسطورة التفوق ، وبالتالي لم ينجزالكاتب العربي لنا ما يصّب في تغيير الأوضاع عندنا على أقل تقدير في الوعي،بل إنه فشل في أنّ يقدم بضاعة مفيدة لنا على صعيد الكتابة في التاريخ لا في الطريقة ولا في الاتجاه .أما شعارالرومانسية والتوجه العشائري وشعارالثورة الحالمة المعركة والتحرير وهي ثلاثية أطالوا الكلام فيها العرب عند كتابة تاريخنا دون إرادة فكرية و بجانبها وعي وطني،هذا الاتجاه بحذافيره هوالمعتمد عندنا إلى يومنا هذا ونسخه الذين كتبوا من الأهوازيين تاريخنا كتاباً و مقالاً.
هشاشة و ضعف خطابنا التاريخي الأهوازي
نسجل عدة ملاحظات قصيرة عن الكاتب الأهوازي الذي تناول جوانب من تاريخنا – فنبدأ القول إن – هنالك ثلاثة مكونات حاضرة وأخذت المركزية والاهتمام وأطالوا الكلام فيها وهي،1- الانبهاربالتاريخ منذ عيلام ،2-العشائرية،3- النسخ والتقليد.أما المكونات الثلاثة الغائبة عن تاريخنا والتي لم تحضى بنفس الاهتمام هي 1- الموضوعية والتوثيق المتماسك،2- التوجية الفكري بوحي من الأزمة الثقافية التي نعيشها،3- النهوض والتكويّن الوطني وفق المرجعية الوطنية.
الملاحظة الثانية – الكاتب الأهوازي كانت أولى مهماته ليس إحياء العشائرية بقدرما احضار مكونات الوطنية لكن غياب الوعي السياسي الحديث و ضعف البنية الفكرية وعدم أطلاعه على مفاهيم الفكر الجديد لها أثر واضح في هذا الخلط أو الجهل .و يندهش المرء حقا حين يعلم أن الذين كتبوا عن تاريخنا جميعاً عملوا في السياسة بشكل أوآخر،ونضيف أن الاتجاه نحو العشائرية ما كان له مبرر ولا حاجة تدفعنا نحوه ،فالوعي و الشعور العشائري ما كانا مفقودان كما هو الشعور و الوعي الوطني في ثقافتنا ، حتى يكون مبرر لإحياء الروح العشائرية وإبرازها و تصبح مرجعية يبدأ بها كل صاحب كتاب عن تاريخنا بذلك الاهتمام و الكثافة ،وإما الرجوع للماضي والتاريخ شيء مبررلأية نهضة للبناء عليه ولكن النهضة الفكرية و مواجهة أزمة الهوية عند الشعوب اعتمدت على المرجعية الحديثة وإلا لا معنى لمفهوم النهضة . أما العودة للماضي يكون وفق قواعد و شروط يفصح عنها الخطاب و يؤكد الحاجة واحضار الانتماء لأمة ما وبجانبه المنتج الثقافي أو لنقول التراث.
الملاحظة الثالثة- لم يحصل وعي كافي لدى الكاتب الأهوازي بشكل عام و من كتب عن تاريخنا بشكل خاص حتى استعصى علينا التجديد في ممارسة الكتابة و هي الممكن في أقل تقدير،وجمدنا الزمان الذي نعيش فيه بوعي منا أو دون إدراك هذا الأمر و أكتفينا بتقليد و نسخ ما كتب من جانب غيرنا . وهنا حتى نرفع اللبس نميز بين الكاتب الذي يستند على من سبقه ،و يوظف مفاهيم وكما يقال لا يمكن (الكتابة على بياض )،ومن لا يعمل هذا لا يستطيع أن يبتكر ويجدد، وبين من ينسخ المنسخ حسب تعبير المفكر العربي طه عبد الرحمن .والكتّاب من الأهوازيين الذين نقصدهم لم يوظفوا ويستندوا وبعدها ابتكروا،بقدر ما كان عملهم فقط استنساخ و ترقيع و اضافة معلومات ،ولم يبذلوا الجهد الفكري وفق رؤية و خطاب ينظم وعينا تجاه أهم فترات تاريخنا السياسي.
وتحديداً أثناء حكم الدول الثلاثة وهي: المشعشعية، القاجارية،والدولة الحديثة الفارسية،فهو كما بين أيدينا تاريخ مشوه و مجزء وأحداثه غير مترابطة في الصعيدين التواصل الزمني والحضور الجغرافي، حيث إن حضورنا التاريخي السياسي وعلاقتنا مع كل واحدة من تلك الدول يشوبه اللبس و الغموض على صعيد وعينا نحن كجيل، وليس الوضوح و الترابط ، و الوعي تزودنا فيه هذه الكتب التاريخية التي بين أيدينا وإذا تركنا الكتب الفارسية بسبب اتجاهها . تبقى لدينا كتبنا و هي أدت إلى أن تكون الكتابة التاريخية من جانبنا نحن ضعيفة الأركان والمضمون وتعاني من نقوص و ثغرات . وكتابة التاريخ لا ندعي أننا نقوم بها هنا ،بقدرما نضع من جانبنا مساهمة و قولاً في موضوع يحتاج إلى بذل مجهود فكري يشارك فيه أهل التخصص. وفق رؤية جديدة تأخذ خصوصيتنا و حاجاتنا كاتجاه نحو كتابة تاريخنا.و لا نحشد التاريخ والأحداث ،بل نميز بين كل فترة وهنا فقط تلميح يخص مفعول القبيلة و مواقف شيوخ العشائر عندنا في ثلاثة فترات فترة خزعل بن جابر 1987 1925، و فترة حضور رضاخان بهلوي بين 1925 -1942،و فترة الشاه محمد بهلوي من بعده حتى عام 1979. فالمواقف السياسية لم تكون واحدة و نتائجها مختلفة و قراءتها خارج واقعها الثقافي و المجتمعي كما فعل الحلو و من بعده أصبح خاطئ ،وبالتالي افراغ تاريخنا من خصوصيتنا والنظر إليه برومانسية و اختزال.
أما الخصوصية التي كانت غائبة عن الوعي التاريخي في الأمس و اليوم لدى الكاتب العربي و الأهوازي سواء بسواء نحددها في أمرين – الأول : وضعنا الثقاقي و المجتمعي وغياب الفكر و مشروع التجديد غياب الشعور في المشاركة و الدفاع الجماعي،الثاني: مسار الدولة وبنية الفكر الفارسي. و الجهل فيهما يعني الجهل بأسس مشكلتنا والبناء التاريخي دونهما يقوض نفسه بنفسه، و يصبح مجرد تكرار و هذا هو ما وصل له تاريخنا في الكتابة عنه من جانبنا. و لنا في تراثنا نظائر، فبعد عصور الإبداع العربي الإسلامي جاءت مرحلة تسمى “طريقة المتأخرين”،وأصحاب هذه الطريقة فقط يعيدوا ما وضعه “القدامى من المبدعين” وهي كتب لا يطالها النقاش و البحث والسبب غياب الرأي و خلوها من الكلام الجديد. وهنا نكتفي فقط بتسجيل بعض الملاحظات نثبت فيها أولا – أن الكتب التي وضعها بعص الأهوازيين بعد كتب علي نعمة الحلو في التاريخ لا رأي فيها و لا كلام جديد و أولها لا يختلف عن آخرها. وهي كتب لا حاجة أن نكرر ما قلنا إن مواضيعها ثابته مستنساخه بطريقة واحدة فقط الاختلاف في تقديم هذا الموضوع و تأخير ذاك وإذا وجدنا موضوع تم درجه ، فهو لا يمثل خطاب بقدر ما تابع و يعبر عن الأصل أو يزيد في إظهاره أي إنتاج القبيلة ، وكذلك الفاصلة التاريخية (أنظر مسيرة القبائل – جابر خليل مانع 1970،الذي يعطي تعريف مفهوم الشعب وفق القبيلة،أي المرجعية التراثية عرب العاربة يعرب بن قحطان و أعراب المستعربة نسل عدنان).و بالتالي الوعي بالذات يستمد مرجعيتة من التراث.أما النهضة و القومية و كذلك الوطنية لا مفكر فيه و المدهش هؤلاء كتبوا و هم في احضان بلد يمثل القومية في عنفوانها العراق – حزب البعث العربي .
أو من الناصريين القوميين، كاتجاه صاحب كتاب (وثائق جبهة تحرير عربستان أوعروبة الأحواز و خرافات حكام إيران – أحمد الجزائري 1972)، يختلف العنوان لكن الطريقة نفسها والخطاب . أما كتاب الأحواز الماضي و الحاضر و المستقبل – لنصار الخزعل عام 1990،حمل نفس الاتجاه وهذه الكتب الثلاثة صدرت خارج الوطن، واصحابها خاضوا في السياسية بشكل أو بأخر.أما الكتب التي صدرت داخل الوطن كان الأول (قبائل و عشاير عرب خوزستان لصاحبه – يوسف عزيزي بني طرف عام 1372 فارسي 1993م، و عنوانه واضح رغم اتجاه صاحبه اليساري )، بعده بسنتين صدر كتاب (تحت عنوان تاريخ جغرافيائى عرب خوزستان – للكاتب موسى سيادت 1373- 1995 م ،ومزج بين تاريخ العشائر و منتج العشائر وأحداث تاريخية،و صدر لنفس الكاتب سيادت كتاب آخر عام 2000 عنوانه باللغة الفارسية(تاريخ خوزستان از دوره افشاريه تا دوره معاصر، أي تاريخ خوزستان من المرحلة الأفشاري حتى المرحلة المعاصرة جزءان) . وآخر تلك الكتب باللغة الفارسية من داخل الوطن كتاب (تاريخ بني كعب… صاحبه عليرضا صداوى عام 1379إيراني – 2000م) ، وهذا الأخير لم يشذ عن القاعدة قال في المقدمة هنالك نقص حول تاريخ عشائر بني كعب يحتاج إلى ملئ ذلك الفراغ.
أما بشأن ما صدر في الخارج حول تاريخنا كانا كتابان الأول عنوانه (القضية الأحوازية- لصاحبه عباس عساكره صدر عام 2005،، و كاتبه استنسخ مقولة ” الدولة الكعبية” التي وضعها الكاتب العراقي عبد المجيد إسماعيل حقي الذي جاء ذكره ، وله كتاب – بحث تحت عنوان الوضع القانوني لإقليم عربستا وفق القواعد الدولية عام 1971 القاهرة . أما الكتاب الثاني و الأخير الذي صدر في الخارج عام 2006 تحت عنوان (عرب الأهواز – واقعهم ، طموحهم و تطلعهم نحو تقرير المصير- لصاحبه جابرأحمد، وهو كتاب صحيح يختلف في وضع عنوانه ولم يكتب عن العشائر ولكن الرؤية لم تختلف عن أقرانه من الأهوازيين جمعه و رقعه مجموعة ما بين معلومات سياسية و مقالات ترجمها من هنا و هناك و لا تمثل خطاب جديد في تناول فهمنا للمشاكل.
ما رغبنا أن نقوم بإحصاء و جرد للكتب فقط كنا نحتاج أن نضع إلى جانب قولنا ما يشهد لنا من نفس الموضوع الذي نتطرق له ربما هنالك من يحتج بأننا لم نقم بنقل فقرات من هذه الكتب حتى نستدل على ما نقول مثلما فعلنا مع الكاتب علي نعمة الحلو ،فنؤكد أن اصحاب هذه الكتب لم يطرحوا آراء جديدة و لا خطاب، ولا طريقة مبتكرة في تناول و تبويب المواضيع ،ولا كذلك أضفوا رؤى جديدة ،بل تبعوا ومارسوا التكرار و الاجترار ،وحسب تعبير أبن خلدون “طريقة المتاخرين” نسخ ما وضعه من سبقهم الحلو ،وبالتالي لا نريد أن نخرج عن ما وضعنا من رؤية وهي أننا نهتم بالخطاب الوطني و الطريقة الجديدة لفهم و معالجة مشاكلنا المختلفة من جانب من يكتب تاريخنا وليس حشد المعلومات و نقلها من هذا المصدر و من ذاك الكتاب ،وكلاهما مفقدان في كتبنا التاريخية .وهل نحتاج نسجل قولاً هو إن تاريخ الشعوب الحديثة اعتمد فكر جديد والخطاب التاريخي ليس مجرد عملية التوثيق و التحقيق من النصوص وفق عصور الأحداث السياسية و ظهور الدول و تدهورها حسب ابن خلدون.
و هذا المجال الأخير التوثيق بمختلف عصوره و مجالاته لم نشتغل عليه و نهتم فيه، بل تناول جوانب كثير منه حول تاريخنا من غير الأهوازيين ذلك الذي يخص الماضي أنظر بحث أحمد صالح العلي كما جاء ذكره أعلاه، كذلك دراسة كريم عبد الرحمن اللامي ” الأدب العربي في الأحواز 1985″، وعن التاريخ المعاصر ما قام فيه الدكتور علاء نورس من دراسة أوضاع تاريخنا في فترة الحرب العالمية الثانية – ” أنظر: عرض وثائقي الدكتور علاء موسى كاظم نورس العشائر العربية والسياسية الإيرانية 1982 “. و إننا لا نقوم بترجمة البحوث التي تكتب عن تاريخنا و قام بمهمة الترجمة غيرنا، ” أنظر: حكم شيخ خزعل بن جابر و احتلال عربستان دراسة وثائقية وضعها: ويليام ثيودور سترانك ،عام 1977- ترجمة د.عبد الجبار ناجي”. و أخيراً و ليس أخراً تاريخ سيد علي بن عبدالله الموسوي الحويزي المشعشي مخطوط (تاريخ مشعشيعان؟)لا يزال حبيس لم تحقق بعد من جانبنا حسب علمي ليومنا هذا بشكل مستقل.
وبالتالي الكاتب الأهوازي اعتمد غير هذا المسلك و اتجه نحو واقعنا القبلي ، وهذا الواقع لا إنكار له ولكن تم تغيب المنتج الثقافي في تاريخنا بعدم ربطه بواقعه و ظروفه السياسية لبناء رؤية جديدة يرتكز عليها الوعي ، وهذا الوعي بالذات و الهوية يصبح ذات معنى عند ما يُقرأ بفكر النهضة التي لا إنكار أنها هي سمة عصرنا و مهمة النخبة الفكرية التاريخية ليس الخضوع للواقع الثقافي الموروث كما الواقع السياسي المفروض ،بل إن التغيير وما قراءة و فهنم الماضي إلا جزء من مشروع النهضة الذي اعتمد المرجعية التراثية والمرجعية الحديثة.
والنهضة التي جهلنا الانخراط فيها هي مجال للتفكير و فهم الماضي و الحاضر ،وبما انها مجال للتفكير الارتباط فيها ليس مرحلة واحدة ،إنما هي مجال مفتوح يمكن الانطلاق في أية فترة تاريخية ولكننا لم نبدأ بخوض التفكير طوال أكثر من قرن مضى .و يبقى الفرق عند تصنيف وعي الشعوب مرهون بين المرحلتين ما بعد النهضة و ما قبلها،حيث إن فكر النهضة كفاحا لتجاوز الخطاب و الواقع في المجتمعات وإذا نحن لم نستطيع تجاوز الواقع السياسي المستبد و المجتمعي المتخلف بسبب عدم تمكننا من المشاركة في القرار السياسي ولا التمتع بثروة وطننا مرة بحكم منطق القبيلة في فترة حكم خزعل بن جابر، ومرة بسبب منطق الدولة الفارسية بعد خزعل و ليومنا هذا ،لكن النهوض على مستوى مجال التفكير كان المفروض أن نشعر بحاجة ذلك على أقل تقدير في الخطاب و التأليف في مجال التاريخ و مجال السياسة.
وبالتالي ما وصلنا إليه بشأن تاريخنا لا يتناقض و قولنا إن الثقافة لا تنهض و السياسة لا تنجح دون فكر يسندها، إنما هو قولاً يمثل واقعنا بكل جوانبه التاريخ كما السياسة عندنا نظرنا لها و فهمنها بوحي من أصول و فصول القبيلة و العفوية التي تعيش في الذاكرة و الوعي والواقع والتاريخ الذي مثلها كمرجعية لنا إما المرجعية الحديثة و منها مفهوم الوطنية تم التغيب له ليس في مجال التاريخ ، إنما في السياسة و كيف حصل هذا في السياسة ؟ الإجابة في الحلقة القادمة.