دمشق تحتفي بجابر أحمد.. مناضل أهوازي في زمن الحرية

دمشق تحتفي بجابر أحمد.. مناضل أهوازي في زمن الحرية

لم يكد يمر شهران على سقوط نظام بشار الأسد حتى بدأت دمشق تستعيد روحها الثقافية الحرة، محتفية بمناضليها ومن عانوا من الديكتاتوريات التي دعمتها العائلة الحاكمة لعقود. ففي التاسع من فبراير/شباط الجاري، شهدت “دار أوبرا دمشق”، التي استعادت اسمها بعد عقود من حملها لاسم “دار الأسد”، عرض الفيلم الوثائقي “الابن السيئ” للمخرج السوري غطفان غنوم، والذي يتناول سيرة حياة جابر أحمد، المناضل الأهوازي الذي قضى عمره محاربًا الأنظمة القمعية في إيران وسوريا.

من السجون إلى السينما.. تكريم متأخر في دمشق المحررة

لم يكن اختيار قصة جابر أحمد لافتتاح أول عرض ثقافي في دمشق بعد سقوط الأسد مجرد مصادفة، بل كان إشارة رمزية إلى أن العاصمة السورية تنفض عنها إرث القهر والاستبداد. فجابر، الذي بدأ نضاله في السبعينيات ضد سياسات الشاه ومن ثم ضد القمع الإيراني، وجد نفسه لاحقًا مطاردًا من نظام الأسد بسبب دعمه للقضية العربية الأهوازية، وهو ما جعله يتنقل بين المنفى والسجون والمنافي، حتى استقر به المطاف في أوروبا.

الفيلم، الذي استغرق إنتاجه عشر سنوات، لا يروي فقط سيرة جابر أحمد، بل ينسج عبرها خيوطًا تاريخية متشابكة، تربط بين صعود الثورة الإسلامية في إيران، وانقلابات حزب البعث في سوريا، وتحولات القضية الفلسطينية، وتحالفات الأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط. كما يُظهر كيف أن مصير المناضل الأهوازي تداخل مع قضايا كبرى، بدءًا من نضال الأهوازيين ضد التهميش الإيراني، وصولًا إلى انتفاضات الشعوب العربية ضد الطغاة.

دمشق تضحك بعد عقود من التصفيق الإجباري

لم تكن الأجواء داخل قاعة العرض مشابهة لما اعتاده السوريون في ظل النظام البائد. فبدلًا من التصفيق القسري عند ظهور صور حافظ أو بشار الأسد، علا ضحك الجمهور عندما ظهرت لقطات توثق لحظات محرجة للأسد الابن في شبابه، مرتديًا لباسًا عسكريًا لا يتناسب مع بنيته الهزيلة. هذا التحول في ردود الفعل يعكس كيف تحررت دمشق من الخوف، وكيف باتت اليوم مدينة تعيد قراءة تاريخها بعيدًا عن روايات السلطة.

بين سوريا والأهواز.. تاريخ مشترك من القمع والمقاومة

ربما لم يكن غنوم يتوقع أن يُعرض فيلمه في دمشق، حيث كان النظام السوري حليفًا وثيقًا للسلطات الإيرانية، بل كان النظامان وجهين لعملة واحدة في قمع المعارضين. لكن سقوط الأسد كشف المستور، وأتاح المجال لأصوات كانت مطاردة لعقود، ومن بينها صوت جابر أحمد الذي مثل نضاله صورة مصغرة عن معاناة الشعوب العربية المضطهدة.

في حديثه عن الفيلم، قال غنوم: “إنه ليس مجرد وثائقي عن مناضل أهوازي، بل هو شهادة على التداخل بين نضالات شعوب المنطقة، فكما واجه جابر أحمد القمع الإيراني، واجه السوريون نظام الأسد، وكما قُمع الأهوازيون وسُلبت حقوقهم، قُمعت الثورة السورية ودُمرت مدن بأكملها. لكن في النهاية، لا الطغاة ولا أنظمتهم تدوم.”

من الشتات إلى الشاشة.. ذاكرة لا تموت

يعرض الفيلم، الذي حصد جوائز في مهرجانات عالمية، جوانب إنسانية من حياة جابر أحمد، بما في ذلك زواجه من فلسطينية لاجئة، وإنجابه لابنة أصبحت لاحقًا زوجة المخرج غنوم، مما جعل القصة تتخذ بعدًا أكثر تعقيدًا وترابطًا بين المصيرين السوري والأهوازي.

لقد كانت سوريا لعقود ملجأً للمناضلين، لكنها أيضًا كانت سجنًا لمن رفضوا الاصطفاف مع نظام الأسد. واليوم، مع بداية عهد جديد، يبدو أن دمشق تعيد تعريف نفسها، لا كمجرد عاصمة سياسية، بل كمنصة لإحياء قصص الذين ناضلوا من أجل الحرية، سواء كانوا سوريين أو أهوازيين أو فلسطينيين.

ختامًا.. ذاكرة الثورة لا تمحى

ما حدث في دمشق، وما شهده عرض “الابن السيئ”، ليس مجرد فعالية سينمائية، بل هو إعلان بأن زمن الصمت قد انتهى. فدار الأوبرا التي كانت منصة لتلميع صورة النظام، أصبحت اليوم ساحة لعرض قصص أولئك الذين حاول هذا النظام طمسهم. وبينما كان الجمهور يخرج من القاعة، كان هناك شعور مشترك بين الحاضرين بأن هذا ليس مجرد عرض سينمائي، بل هو خطوة أخرى في استعادة ذاكرة الثورة، وطي صفحة الظلم، واستعادة حق السوريين في أن يرووا قصتهم.. بأنفسهم، ولأنفسهم.

شاهد أيضاً

اعتقال سعيد إسماعيل، الكاتب والباحث العربي في الأهواز

اعتقال سعيد إسماعيل، الكاتب والباحث العربي في الأهواز أعلنت منظمة حقوق الإنسان الأهوازية (أهرو) عن …