عودة ترامب وتصاعد التهديدات: هل باتت إيران في مرمى المواجهة المباشرة؟

العودة الثانية لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض لم تمرّ كحدث عابر في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط. فالرئيس الأمريكي الذي عُرف بسياساته الصدامية، خصوصًا تجاه إيران، يعود إلى المشهد الدولي أكثر تصميماً على المواجهة، في وقت تواجه فيه طهران تراجعًا غير مسبوق في نفوذها الإقليمي، وتحديات داخلية متفاقمة. فهل يفتح هذا المشهد فصلاً جديدًا من الاشتباك، تكون إيران فيه في قلب العاصفة؟

منذ اللحظة الأولى لعودته إلى البيت الأبيض، أعاد ترامب تصويب البوصلة نحو إيران، باعتبارها الخصم الإقليمي الأخطر للولايات المتحدة وحلفائها. التصريحات الصادرة عن إدارته الجديدة ربطت بوضوح بين نشاطات “أذرع إيران” — خاصة الحوثيين في اليمن — وبين قرار مركزي صادر من طهران نفسها.

هذا التحول في لهجة واشنطن لا يُخفي نية الانتقال من مرحلة استهداف الوكلاء، إلى مرحلة المواجهة مع رأس المشروع الإيراني، سياسيًا وربما عسكريًا.

المؤشر الأبرز على أن واشنطن باتت تمهد الطريق لمواجهة مباشرة مع طهران، هو فشل قناة التفاوض الخلفية التي فُتحت مؤخرًا بعد وصول ترامب، والتي تمثلت بإرسال واشنطن رسالة سياسية واضحة إلى إيران.

إلا أن الرد الإيراني جاء حاسمًا: رفض مطلق لمطالب ترامب، خاصة فيما يتعلق بوقف دعم الفصائل المسلحة، وتجميد الأنشطة النووية الحساسة. وقد اعتبر المراقبون هذا الرد إغلاقًا لباب التفاهم، وتكريسًا لخيار التصعيد.

ما يزيد من ترجيح سيناريو التصعيد، هو سلسلة من الإجراءات الداخلية المفاجئة التي اتخذتها طهران في الفترة الأخيرة، والتي لا يمكن فصلها عن سياق الاستعداد لسيناريو المواجهة، منها:

• رفع القيود الجبرية عن شخصيات سياسية معارضة ذات رمزية تاريخية، مثل مهدي كروبي (رئيس البرلمان الإيراني الأسبق)، ومير حسين موسوي (رئيس الوزراء الأسبق في عهد علي خامنئي)، في ما يبدو محاولة لامتصاص أي غضب شعبي داخلي في حال تعرضت البلاد لهجوم خارجي.

• رفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين بشكل مفاجئ، وهو إجراء اقتصادي يُنظر إليه كخطوة استباقية لتهدئة الداخل الاجتماعي تمهيدًا لمرحلة صعبة قادمة.

• نشر واسع للدفاعات الجوية في عدة مناطق إيرانية، ليس فقط في المواقع النووية، بل حتى في المدن الكبرى، ما يعكس وجود معلومات استخباراتية لدى النظام بوجود خطر وشيك.

العواصم الأربع… خطوط نفوذ تتهاوى

بالتوازي مع هذا التوتر، تواجه إيران تآكلاً تدريجياً في مواقع نفوذها الإقليمي التي كانت تعتبرها خطوط دفاعها الأولى:

• في العراق، تتراجع قبضة الفصائل، وسط ضربات أمريكية ورفض شعبي.

• في سوريا، الغارات الإسرائيلية تقضم مواقع الحرس الثوري بصمت إيراني.

• في لبنان، “حزب الله” يعيش عزلة سياسية وأزمة مالية خانقة.

• وفي اليمن، الضربات الأمريكية والبريطانية أضعفت قدرة الحوثيين، ورفعت الكلفة السياسية على طهران.

كل هذه المؤشرات تعزز القناعة بأن إيران تخسر تدريجيًا شبكة “الوكلاء”، وتُجبر على التفكير بخوض المعركة بنفسها.

إذا ما أُضيفت هذه التطورات الإقليمية إلى التوترات الداخلية المتصاعدة — من احتجاجات شعبية، وأزمة اقتصادية خانقة، وصراع داخلي بين الأجنحة السياسية — فإن المعركة التي حاولت طهران أن تُبقيها خارج حدودها، توشك على الدخول إلى عمقها الاستراتيجي.

وبين ضغوط الداخل واستحقاقات الخارج، تبدو النظام الإيراني في موقف هو الأكثر حرجًا منذ سنوات، خصوصًا مع إدارة أمريكية لا تُجيد المناورات الطويلة.

الخلاصة: من الدفاع إلى الانكشاف

لقد بنت إيران استراتيجيتها لعقود على تصدير المعركة خارج الحدود. اليوم، تترنح هذه الاستراتيجية تحت ضغط الانهيارات المتتالية في “العواصم الأربع”، ومع إدارة أمريكية تقرأ المرحلة بمنطق الحسم وليس التفاوض.

إن الرسائل المتبادلة الفاشلة، التحركات العسكرية، والتهيئة الداخلية الإيرانية، تشير بوضوح إلى أن الطرفين يقتربان من نقطة الانفجار — أو على الأقل، الاستعداد لمعادلة ما بعد الضربة الاولى.

هل ستتمكن طهران من ترميم دفاعاتها وإعادة تموضعها؟

أم أن العقيدة الإيرانية في تصدير المعركة قد ارتدت على أصحابها؟

المستقبل القريب سيحمل الإجابة…

وجدان عبدالرحمن

محلل سياسي

مارس ٢٠٢٥

شاهد أيضاً

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية

الإضربات ودورها في إسقاط الأنظمة الديكتاتورية علي شبيبي لعبت الاضرابات التي قام بها العاملون في …