بقلم : الكاتب عمار تاساني ترجمة : الاستاذ جابر احمد - لانغالي اذا قلنا ان المرأة الاهوازية قياسا بنظيراتها من نساء البلدان العربية وحتى الايرانية تعاني من اشد حالات الظلم والاضطهاد ، فهي ورغم التطورات التي شهدها المجتمع ورغم تحمل المرأة اعباء مسؤوليات تأمين حاجات الاسرة ،
لاتزال و في اغلب المناطق وخاصة المناطق الريفية ، محرومة من الكثير من حقوقها ، منها حق انتخاب الزوج ،و الاستمرار الى حد معين في الدراسة، والزواج المبكر ، ناهيك عن تعرضها للعنف الجسدي والتعذيب الروحي ، ولعل هذه الممارسات هي بدورها نتاج الوضع المزري الذي يعيشه الشعب العربي الاهوازي برمته على المستوى الانساني والاقتصادي و الاجتماعي .
مما لاشك فيه ان مسؤولية ايجاد حلول مناسبة لهذه المعضلات ، انما يقع في الدرجة الاولى على عاتق الدولة التي من واجبتها التفكير بحل مشاكل الشعب وتوفير الادوات اللازمة للتنمية الانسانية ، لان هذه التنمية تشكل اهم قاعدة للتقدم و الحداثة في اي دولة من دول العالم .
لقد ظلت الحكومات المتعاقية على دفة الحكم في ايران وخلال العقود الثمانية الماضية وانطلاقا من ممارسة سياسة الاضطهاد القومي غير مبالية تجاه حل المعضلات التي يعاني منها الشعب العربي الاهوازي الذي يتمييز بثقافة وعادات وتقاليد خاصة به ، من هنا فان تنمية المجتمع الاهوازي يحتاج الى تحليل عميق ، وان نظرة عابرة على الاوضاع الراهنة والمتمثلة في اسلوب الحياة ، التعليم والصحة في مختلف المقاطعات الاهوازية اكبر دليل عما نقول .
واذا استثنينا الحكومات ، فان بامكان المثقفين و المبدعين الفنيين الايرانيين الى حد ما الانتباه الى هذه المشكلة عبر جهودهم و نشاطاتهم وانتاجاتهم الادبية الا بداعية والفنية وبالتالي الاسهام في طرحها و توفير اسباب معالجتها .
وفي هذا المجال بامكان السينما باعتبارها وسيلة اعلامية مرئية عامة لها جمهورها الواسع ان تلعب دورا مفصليا وهاما للغاية وذلك من خلال صناعة الثقافة و الوعي لدى العامة من الناس ، كما انها تعد انجع وسيلة في طرح و معالجة الظواهر السلبية في المجمتمع .
لكن ما يدعو الى الأسف ان المثقفين الايرانيون ( الفرس ) لايعطوا اي اهتماما او علاقة بدراسة مشكلات الشعب العربي الاهوازي المحروم بما فيها النساء المضطهدات وحسب وانما حتى انهم وفي بعض الاحيان سعوا الى نكران مثل هذه المشاكل . كما ان البعض منهم بذل جهودا لتبرير السياسات المغلوطة و المغرضة للقائمين على الدولة الايرانية في مواجهتها لمشكلات النساء العربيات الاهوازيات و اعتبروا ما تقوم به الدولة هو عين الصواب .
ونظرة عابرة على دور السينما الايرانية منذ تأسيسها وحتى الآن في معالجتها لمشاكل المرأة الاهوازية يتضح لنا كم هي مقصرة في هذا المجال .
لقد صورت السينما الايرانية المرأة العربية الاهوازية على انها امرأة سوداء ،متنقبة ، منطوية على ذاتها ، تجلس في غرفة منعزلة و تتحدث الفارسية بلهجة عجيبة غريبة واحيانا بتمسخر وهي جالسة الى جانب رجال اشداء يتسمون بقبح المنظر وطول الشنب و يقومون بالاعمال المحرمة و ينتهكون القانون الخ . وهذه الصورة للمرأة والرجل العربي الاهوازي ظهرت في عدد محدود من الافلام التي انتجتها السينما الايرانية .
افلام العهد الملكي :
قبل قيام الثورة الايرانية تضمنت بعض افلام السينما الايرانية مشاهد عن الشعب العربي الاهوازي الا ان الافراد الذين لعبوا ادوارها لم يكن لهم اي دور مفصلي و لا يحملون اي رسالة الى المخاطب . وكأنما الهدف الوحيد للقائمين عليها هو شد انتباه المشاهد من اجل تنوع اجواء الشخصيات وذلك بغية الخروج من الرتابة في صناعة الافلام .
ولعل من بين الافلام التي انتجت في الستينات و التي صورت في عربستان وبين اوساط الشعب العربي الاهوازي هي افلام ” ناخدا وباخد” اي ” الربان و المؤمن ” و” صبح روز جهارم ” أي ” صبيحة اليوم الرابع ” و ” مو سرخه ” اي ” ذات الشعر الاحمر ” جلجراغ ” اي ” الثريا ” و ” جشم انتظار ” اي ” الامل ” و ” حيدر ” و “دلاوران دوران ” اي ” ابطال المرحلة ” هي من اهم الافلام الهامة التي انتجت في تلك المرحلة .
اما صورة المواطن العربي في هذه الافلام غالبا ما تظهر على انه مهرب ، قاتل ، مجرم ، منتهك للقانون ، ولم تشر هذه الافلام الا اللهما في فيلم و واحد او اثنين اشارة جزئية الى المرأة العربية الاهوازية .
واذا اردنا الحديث عن الرسالة التي كانت تحملها افلام تلك المرحلة ، فاننا لم نشاهد فيها الا الاغتراب و ازمة الهوية و ايجاد الخلافات الامر الذي من شانه ان يكون مشجعا اساسيا على زيادة التعصب .
افلام عهد الجمورية الاسلامية :
اما السينما الايرانية في عهد الجمهورية الاسلامية وبسبب اندلاع الحرب بين العراق وايران بقيت لعدة سنوات تركز على انتاج الافلام الحربية ، وكان مخرجوا هذه لافلام قد استفادوا من المواطنين العرب” ككمبارس ” لكي تبدو مشاهد الجبهة والحرب طبيعية لاغير ، في الحقيقية جعلتهم جزء من الديكور و لصناعة الجبهات ولعل افلام مثل ” بل آزادي ” جسر الحرية ، و ” بايكاه جهنمي ” المقر الجهنمي تعد من بين هذه الافلام .
لقد ادخل المخرجين السينمائيين الايرانيين ابان مرحلة الحرب عدد من الشخصيات العربية في افلامهم ، الا ان ادوار هذه الشحصيات كانت ثانويا ، كما ان موضوع هذه الافلام غالبا ما يتناول احداث الحرب وما رافقها .
يبد ان فيلم “عروس أتش ” عروس النار الذي اخرجه السيد خسرو سينائي هو اول فيلم ايراني الذي حاول الى حد ما ان يقترب من طرح مشكلات الشعب العربي الاهوازي الثقافية و الاجتماعية بشكل عام و مشكلات المرأة الاهوازية بشكل خاص . لذلك يمكن اعتبار هذا الفيلم بداية لمرحلة في حال التطور و يمكن اعتباره اثرا جيدا ، و ان كان مخرجوا هذا الفيلم قد قفزوا بشكل اساسي على طرح مشكلات المرأة العربية الاهوازية و تغافلوا البحث في جذورها و بدلا من ان يقوموا بنقد العادات و التقاليد الخاطئة المسيطرة على المجتمع مثل حق انتخاب الزوج ، حددوا المسالة وجعلوها مرهونة بشيء واحد فقط وهو ان المشاكل تظهر عندما تريد المرأة العربية الزواج من غير العربي ، حيث ان هذا الزواج يصطدم مع الاعراف والتقاليد العشائرية العربية . ولم يكلفوا انفسهم عناء البحث في اصل المشكلة و لماذا بقيت هذه الاعراف و التقاليد البالية باقية الى يومنا هذا ؟ من هنا يمكن القول بكل وضوح ان هذا الفيلم عالج المشكلة بشكل سطحي وعابرويعالج فيلم عروس النار قصة فتاة عربية كانت تنوي الزواج من طبيب فارسي زميل لها و لكن ابن عمها و استنادا الى الاعراف و القوانين القبلية القائلة ان ابن العم اولى ببنت عمه يبذل قصارى جهده ليمنع هذا الزواج .
وفي الحقيقة ان هذا الفيلم يحاول ايصال مفهومان ناقصان الى المشاهد ، الاول ان حق انتخاب الزوج من قبل المرأة العربية الاهوازية لا يظهر الا عندما تريد الزواج من غير العربي ،و الثاني هو ان مشاكل غير العرب لا تظهر الا عندما يريدون الزواج من اوساط المجتمع العربي . كما لايشير مخرجي الفيلم الى الدور الحكومي الداعم لبعض القائمين على النسيج التقليدي للمجتمع العربي الاهوازي ونعني به ” شيوخ القبائل ” هذا الدعم الذي يقدم تحت غطاء واهداف سياسية والذي يلعب دورا مهما في بقاء العادات و التقاليد القبلية البائدة .
يبقى فيلم عروس النار يتحدث عن زواية من زوايا معاناة المرأة العربية الاهوازية، لكن ما ينقصه كونه يكتفي بدراسة النتيجة و لا يبحث عن السبب ، فالفيلم لا يشير لماذا بقيت الاعراف و التقاليد القبلية البالية نافذة المفعول حتى يومنا هذا ؟ وما هي الاسباب التي ادت الى كل هذا الاجحاف و الظلم بحق المرأة العربية الاهوازية ؟.
لا يسعى الفيلم الى جر المشاهد الى التفكير الى الاجابة على الاسئلة التالية وهي كيف نتوقع من شعب قضى كل حياته في ظل دولة جعلته في حالة دائمة من الفقرو الحرمان ولا تسعى الى الاقدام على مبادرات من شأنها ان تنمي ثقافته ان يسلك سلوكا آخر؟ . كما ان اي جهد يتخذ من قبل النخب المحلية تسعى الدولة الى خنقه وهونطفة وذلك تحت ذرائع و اتهامات واهية و في مثل هذه الحالة كيف نتوقع من شعب محروم على كافة الاصعدة ان يفكر بأمور اخرى ؟ .
لربما ونتيجة لهذه الاسباب اتهم منتجي هذا الفيلم من قبل النخب العربية الاهوازية على انه يسعى الى اضمحلال هوية الشعب العربي الاهوازي تمهيدا للقضاء عليها .
يعتقد مثقفوا الشعب العربي الاهوازي ان هذا الفيلم يستهدف بالاساس هويتهم الثقافية والقومية و هويسعى الى خلعها من الجذور و لايعرض هويتهم كما هي عليه وانما يعرضها بشكل مغلوط ، لان الدور الاول و الايجابي للفيلم قد اعطي لغير العربي في حين الطرف الآخر وهو العربي اظهره على انه مهرب ، ذميم ، يقوم باعمال مخالفة للقانون . اما بقية الحوارات التي جرت في الفيلم يمكن نقدها على هذا الاساس.
الموضوع الاخر الذي اثار حفيظة المثقفين العرب الاهوازيين تجاه هذا الفيلم وهو لماذا لم يتصل منتجي فيلم عروس النار قبل انتاجه مع اي من المواطنين المحليين والتشاور معهم في مثل هذا الموضوع الحساس ؟.
و تعتقد النخب العربية الاهوازية بان الفيلم هدفه ورسالته الاولى و الاخيرة هي الايحاء للمشاهد ان في ايران يعيش شعبا متخلفا ونصف وحشيا ، يجب ان تصادرهويته وثقافته لصالح هوية وثقافة الشعب المسيطر لانه لايستحق لياقة الاستمرار بالحياة ، و بالتالي يمكن القول ان انتاج هذه الفيلم يصب في مسار سياسية قديمة تم تعيينها من قبل هدفها تمييع الهوية القومية والثقافية لهذا الشعب اكثر فاكثر وبالتالي تهيئة الارضية في السنوات القادمة من اجل القضاء الكامل عليه .
ومقارنة مع عرض الفيلم في عربستان – الاهواز – نشرت الجرايد والمجلات المحلية مقالات عدة تنتقد مضمون هذا الفيلم وهي تعبر عن مواقف كتابها تجاهه . كما ان مجموعة من الشباب الاهوازي الغاضب تجمع امام سينماء افريقيا في مدينة الاهواز وقاموا باشعال النار في بابها احتجاجا على عرض هذا الفيلم .
ان منتجي هذه الفيلم وقعوا في اخطاء جسيمة سواء بعلم منهم او بدون علم وتتمثل هذا الاخطاء في عدم الدراسة والمراجعة الدقيقة فيما يخص ثقافة وادب و اعراف وتقاليد الشعب العربي الاهوازي ، لان الطريق لاي مشكل اجتماعي يبدأ من بحث ودراسة المشكلة نفسها ، فبدون البحث لا يمكننا الاصطدام بجذورها و بدليل وجود العادات والتقاليد ان ندخل واديا حساس كهذا ، في حين كل زواية من زوايا المجتمع الايراني هناك نساء محرومات من ابسط حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية وهن يسعين من اجل الحصول عليها، الا هناك عوامل تؤسس لهذا الحرمان الامر الذي من شانه ان يقف حائلا في وجه النساء من اجل انتخاب حياتهن الحرة الكريمة .
خلاصة فيلم عروس النار :
” احلام ” فتاة عربية تعيش منذ سنوات في المدينة ، تقع في حب شاب فارسي ، حيث يصمم الاثنين على الزواج ، ولكن هذا القرار يصطدم بمعارضة بن عم الفتاة ، حيث الاعراف و القوانيين القبلية العربية الاهوازية تعطيه الحق في اولوية الزواج مع ابنة عمه و بامكانه الى حد ما ان يمنع هذا الزواج ، وفي المقابل فان الشاب الفارسي يقرربدوره الدخول في مناقشات مع شيوخ القبيلة و….