شن حرب ضد الله !!؟ – عادل صوما

عنوان المقال يصلح لمسرحية عبثية، لأن الله ليس له عنوان ولا دولة ولا جيوش ولا عضوية دائمة في مجلس الامن، ومن ثمة  يستحيل ان تُشن حرب عليه، ويستحيل هو ان يخوض معركة حتى لفرض سيطرته حتى أي مجرة لأنه خالق الكون من عدم، لكن السلطات الايرانية الآثمة اتخذت قرار إعدام الشاعر هاشم شعباني  من الاحواز، لأنه اعلن “خوض حرب ضد الله وإعاثة الفساد في الأرض والتشكيك في مبدأ ولاية الفقيه”.

واضح ان مسألة شن حرب ضد الله وإعاثة الفساد في الارض، مجرد مقدمة سخيفة للتهمة الاساسية وهي التشكيك في ولاية الفقيه.

كلهم سواء

قام الرئيس الإيراني حسن روحاني “المنفتح” بزيارة إلى مدينة الأحواز، عاصمة محافظة خوزستان جنوبي شرق طهران، تناول فيها عددا من الملفات الحساسة التي تُركت معلقة في عهد الرئيس السابق محمد أحمدي نجاد، وكان احدها يتعلق بـأربعة عشر ناشطا في حقوق الإنسان كانوا في سجن أحمدي نجاد “العلماني” لأكثر من عامين، وعندما تقلد الدكتور روحاني الرئاسة حولهم من سجن كارون في الأحواز إلى سجن غير معلوم، حكمت فيه محكمة ثورية إسلامية تمثلت في قاض منفرد هو آية الله محمد باقر موسافي، أصد حكما مبرما على المتهمين كافة بالإعدام في يوليو الفائت، بتهمة خوض حرب ضد الله وإعاثة الفساد في الأرض والتشكيك في مبدأ ولاية الفقيه، وقبل مغادرة الدكتور روحاني الأحواز، أعطى الضوء الأخضر بتنفيذ الإعدام. ونُفذ أول إعدامين بشنق هاشم شعباني وهادي راشدي في سجن لم يُعلن عنه.

شعر هاشم شعباني في معظمه باللغتين الفارسية والعربية وكان غير سياسي، خصص معظمه للحديث عن جمال خوزستان(الاهواز)، وفي غنائية له مجّد نهر كارون أكبر أنهار إيران، وكتب قصيدة جميلة جدا عن شمس خوزستان( الاهواز) الشقراء، ورغم عدم السماح بنشر دواوين شعره خلال فترة الثماني سنوات لحكم الرئيس “المعتدل” محمد خاتمي، غضوا النظرعن  جلساته الشعرية في الأحواز وعدة مدن أخرى بخوزستان(الاهواز)، لأنه لم يقل أي شيء ضد السلطة، لكنه كان تحت المراقبة لأنه قاد عددا من الاحتجاجات والمسيرات السلمية اعتراضا على الاعتقالات التعسفية وطرد الأساتذة من الجامعات لأسباب سياسية سنة 2008 و2009، وكان له مدونة دعا فيها إلى المزيد من حرية التعبير الانفتاح السياسي والتفاعل مع الاقليات بدلا من تهميشها.

ثم ظهرت بعد ذلك المواضيع السياسية في قصائده سنة 2010 عندما أمر المرشد العام حاكم إيران الفعلي علي خامنئي بالقيام بحملة قمع ضد الأقليات العرقية، وجميع من يشكك فقهه الذي يزعم بأنه يمثل مشيئة الله على الأرض، وهم امر يستحيل ان يقبله عاقل، ولم يستطع المسيح نفسه ان يقوله، رغم إنه روح من الله وكلمة منه ألقاها لمريم فتجسد على الارض.

كان طبعيا ان يعتُقل شعباني في فبراير 2011 لأنه شكك في إلوهية علي خامنئي، لأنه يمثل مشيئة الله في الارض حسب زعم فقهه. وحسب رسائل شعباني التي هُربت من سجنه، نجد انه تعرض لتعذيب بالغ، كان نتيجته انه ظهر على شاشة تلفزيون “برس تي في”، الذي تديره ميليشيا الحرس الثوري الإيراني ويبث من خلال قمر إصطناعي دوليا، واعترف بتورطه في تنظيم إرهاب انفصالي ودعم حزب البعث والتشكيك في شرعية ولاية الفقيه.

ثم ادعى “برنامج وثائقي” أن شعباني كان على اتصال بالرئيس المصري الاسبق حسني مبارك ورئيس ليبيا السابق معمر القذافي. وورد اسما رئيس الخدمة العالمية لتلفزيون الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتلفزيون الصحافة محمد سرفراز ومدير غرفة الأخبار بتلفزيون الصحافة حامد رضا عمادي، بصفة منتجي ذلك البرنامج الوثائقي، الذي لم يُبث بتاتا!

هشام شعباني ليس الشاعر الوحيد الذي اعدمته السلطان الإيرانية الآثمة، فقد خطفت الشاعر اليساري سعيد سلطان في يوم زواجه، ثم إغتالته في سجن بطهران. وتركت الشاعر رحمن هاتفي، صاحب الاسم المستعار حيدر مهريجان، ينزف حتى الموت في سجن إيفان بعد قطع أوردته. وفي عهد رفسنجاني فشلت محاولة إغتيال شعراء كانوا متجهين لحضور مهرجان أدبي في أرمينيا، بعدما نحج نظامه بقتل شعراء وكتاب. وفي عهد محمد خاتمي “المعتدل” قُتل أكثر من 80 مثقفا، بينهم محمد مختاري وجعفر بوياندا.

تجارة الظلام

الرسالة التالية كتبها هاشم شعباني بعد صدور حكم الاعدام عليه، وتثبت بما لا شك فيه أن الرجل يستحيل ان يؤلف تنظيما إنفصاليا عن إيران أو يكون على صلة بحسني مبارك والقذافي وحزب،  البعث وكل ما في الامر إنه كان يبحث عن مساحة حرية وإحترام للأقليات وإنسانيتها.

“أخوتي وأخواتي الكرام

أتقدم إليكم بفائق شكري تجاه ما قمتم بها من مساع على صعيد إحقاق كلمة الحق وردع الباطل الذي يتلبس بأزياء تسر ناظريها، بينما لا تكون نواياها سوى حرف الأنظار وتحريف المنظر بباطل يرفع كلمات حلوة المذاق، لكنها قد لا تكون سوى سم قتال تدسه أيادي الظلام للفكر والرأي العام العالمي، محاولة تشويه صورة الواقع وطمس الحقيقة.

بدأتُ رحلتي شاهرا قلمي بوجه الطغيان الذي يسعى الى فرض قضبان العبودية على العقول والأفكار، وحاول ان يستعمر العقول قبل السهول ويدمر الأفكار قبل تدمير الأقطار. فقد حاولت إزاحة جميع العراقيل التي تفصل الشارع عن الحقيقة وتجعله يعيش في أوهام بلورها الطغاة لتصميم الحياة حسب إرادتهم. فقد تم تسليط الأضواء في نصوصي على مفردة تثير البغضاء في صدور من يواصلون بقائهم عبر تجارة الظلام الا وهي مفردة “الوعي”.

بذلت جهدي ساعيا كشف المجهول لنفسي أولا وللآخرين. فقد كانت لدي مساهمات عديدة على صعيد الشعر الفارسي مع جرائد “نور” و”فجر” و”عصر كارون”. وبعد دخولي الى جامعة الاهواز (تشمران) في فرع اللغة العربية وآدابها في سنة 2000 قمت بنشر صحيفة طلابية باللغة الفارسية تحت مسمى “نداي بصيرت” فكنتُ المدير المسؤول لهذه الصحيفة وسعيت من خلالها توصيف وتوضيح الحالة المزرية التي يعاني منها المجتمع بأسره، وكشف الستار عن الكثير من الموانع التي تقف سدا منيعا أمام التنمية بشتى أشكالها في المجتمع الايراني بشكل عام والمجتمع الاهوازي بشكل خاص. إذ كنت في تلك الفترة رئيس تحرير لصحيفة طلابية عربية “البصيرة” والمسؤول السياسي لمنتدى الطلاب الاصلاحيين في كلية الآداب والشريعة، مما جعلني أهتم اكثر فأكثر بتوضيح المعاناة والمآسي التي تتكبدها الشعوب الايرانية على الاخص الشعب العربي الاهوازي. في تلك الفترة التي قد فسحت المجال لتحرك الشعوب للتعبير عن آرائها عبر الصحف والمؤسسات، قام عدد من اصدقائي بتأسيس مؤسسة غير حكومية تحت مسمى “الحوار” قمنا من خلالها بأقامة المهرجانات لكن السلطة وقفت حاجزا أمام مسيرتها السلمية.

كنا نطمح بأن القنوات التي بدأت الحكومة الايرانية بفتحها يمكن ان تساعدنا على تحقيق البعض من المطالب الحقة لكافة الشعوب ومن أبرزها حق التعلم بلغة الأم والتمتع بالحقوق المدنية. لكنها لم تكن هذه الاماني سوى سراب إذ تبين لجميع الشعوب بأن الهدف لم يكن سوى كشف كل من لديه مطالب على هذا الصعيد.

بعد عام 2005 قد تم انتباهي بأن هنالك قد بات الطريق مسدودا للحراك عبر وسائل الاعلام الرسمية والمحلية وانتم أدرى بذلك. فقد لجأت الى مواصلة نشاطي عبر النت وعلى هذا الصعيد كنت انشر أشعاري ونصوصي التي كانت تعكس المعاناة التي يواجهها الشعب الاهوازي، عبر المواقع الالكترونية بأسمي المستعار “أبوعلاء الأفقي”. إذ نشرت دواوين شعرية إثنين تحت عناوين “الإعتراف بالأفقية” و”إيقاع مزاريب الدم” وكانت لدي دراسة حول مجزرة الاربعاء السوداء التي بلورها النظام في أيار 1979 لم يسعني الوقت لنشرها. وكنت قد بادرت بمدخل الى دراسة فكرية لغوية على صعيد المجتمع الاهوازي تحت مسمى “ثورة المفردات الشاذة” بقت غير مكتملة إثر إعتقالي وتطرقت عبرها الى الأساليب التي تستعملها السلطات الايرانية لقصف عقل وفكر المجتمع الاهوازي عبر زرع معاناة ثلاثية: 1 – شذوذ في استعمال المفردات، 2 – ثنائية اللغة، 3 – إزدواجية اللغة، ومن خلال استعمال آليات عديدة وأساليب قذرة : 1 – تأطير الفكر، 2 – تجميد الفكر، 3 – تضليل الفكر، 4 – تحديد الفكر، تقف حاجزا أمام تحرير فكر المجتمع.

كنت في هذه الفترة طالبا للماجستير في علم السياسة في جامعة (علوم وتحقيقات) وقد تعرفت على شخصيات أهوازية عديدة عبر النت وكانت مراسلاتي معهم بتسميات مختلفة أبرزها أبوعلاء الأفقي. وأنشر نصوصي تحت مسمى “المقاومة الشعبية لتحرير الاحواز” وأعرف نفسي بأبى وليد الأهوازي المتحدث بإسم هذه الحركة. كانت هذه المراسلات فردية ودون تنسيق مع أي شخص آخر محاولا من خلالها عكس الجرائم البشعة التي تقوم بها السلطات الايرانية بحق الاهوازيين ومن أبرزها “الاعدامات الجائرة والتعسفية”.

كنت من خلال هذه المراسلات ادافع عن الحق المشروع لكل شعب على وجه هذه الكرة الارضية وهو حق الحياة والعيش والتمتع بالحرية والحقوق المدنية. ومع كل هذه المعاناة والمآسي لم يسع لي أن اشهر سلاحا بوجه كل هذه الجرائم البشعة سوى القلم.

في 11 فبراير 2011 عندما كنت في البيت وبعد رجوعي من ثانوية شيخ أنصاري (أنا معلم في مقطع الثانوية والاعدادية في عدة من مدارس الخلفية) تم اعتقالي من قبل المخابرات الايرانية وأول إتهام وجه تجاهي هو تكوين “المقاومة الشعبية” وكما تم ذكره سالفا صرحت للمخابرات الايرانية بأن هذه سمة لم تكن سوى اسما مستعار لي، كنت احاول من خلاله توضيح مشاعري تجاه المآسي التي يتكبدها الشعب، ولكنهم لم يقنعوا بالحقيقة وتحت التعذيب الجسدي وانواع التعذيبات النفسية الأخرى، رضحت الى اوامرهم واعترفت بما كان يُملى علي من جانبهم بأن اصدقائك هم الاعضاء في هذا التنظيم؟! (الوهمي) فقد تقبلت هذا الاتهام وقمت بالتفوه بكل ما يشتهون وبعد خمسة أشهر من التوقيف في الزنزانات السرية للاستخبارات – حيث تلتها شهرين أخرى – تم انتقالي الى سجن كارون، وبدأت أول محكمة في تاريخ 21 مايو 2012 .

في المحكمة تفوهت بالواقع كما كان وبالحقيقة التي كانت قد حاولت المخابرات الايرانية طمسها وصرحت للقاضي بأن التنظيم الذي تزعمون بأنه وجود خارجي، لم يكون سوى شخص واحد وهو انا “هاشم شعباني”. أما في المخابرات فقد اضطررت تحت انواع التعذيب الجسدي والنفسي للإفتراء على الآخرين حسب طلبات المخابرات. وبعد ما تم توضيح المشهد بكل تفاصيله في ثلاث جلسات وقمت بإدلاء تصريحاتي وتصوير الواقع كما كان، تم اصدار حكم اثار دهشتي وجنوني اذ حُكمت انا واربعة من اصدقائي بالاعدام وواجه رحمن عساكرة حكم المنفى لمدة 20 عاما بالسجن. حكم بمعنى الكلمة تعسفي وجائر.

اؤكد لكم بأني لم أدخل في أي نشاط عسكري مهما كانت دوافعه. ولست مع السلاح ما دامت هنالك قنوات يمكن من خلالها تحقيق ما نتطلع ونطمح اليه عبر الحراك السلمي.

اذن هذه مناشدة عاجلة لكافة الأطياف المعنية بحقوق الانسان للتحرك العاجل. وأبرز مطلب منا هو إعادة المحكمة بشكل علني وحيادي، محكمة غير منحازة الى أي جهة وعادلة بمعنى الكلمة. وما اناشدكم به هو بذل كل ما بوسعكم لتحقيق هذا المطلب.

وعلى الله التكلان

مع بالغ تحياتي؛ صديقكم هاشم شعباني”

اسباب الاعدام

كتب هاشم شعباني القصيد التالية بعدما ادرك ان النهاية قريبة.

“سبعة أسباب تكفي لأموت

لسبعة أيام وهم يصرخون بي:

أنت تشن حربا على الإله!

في السبت قالوا: لأنك عربي

في الأحد: حسنا، إنك من الأهواز

في الاثنين: تذكر أنك إيراني،

في الثلاثاء: أنت سخرت من الثورة المقدسة.

في الأربعاء: ألم ترفع صوتك على الآخرين؟

في الخميس: أنت شاعر ومغنٍ.

في الجمعة: أنت رجل، ألا يكفي كل هذا لتموت؟”

وهنا ابيات من قصيدة له سبق الاشارة لها هي “الإعتراف بالأفقية”

کي تذکر أني کنتُ هنا

أبکي ما بین شوارعها

وأذوب خلال الأمطار

کي تذکر أني کنت هنا وسجائرنا

کانت معنا تحترق خلال الأریاف

تحترق لکي تبعث برقا یومض

کي یرمق درب حسین

ثم تموت

اعترف بأنی مهبوت

وأهب سیوفا خشبیة

أعرف لو مت سیقول الشارع

قتلته نصال الأوراق

طعنته سهام العصبیة

لکني أبقی أمضي منفردا

أُدلي بجحیم الأشواق

أکتب عن وجع الأفقیة

عن نکهة حبٍ أزلیة

ودفاتر أشعار الماضي

وسکون لیالي أبريل

—————————————–

عادل صوما

شاهد أيضاً

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …