لا أحد ينكر أو يشكك في تردي الوضع الذي تعيشه الأمة العربية، ولكن للأسف لا يعير العرب أي اهتمام لما يجري لبعض أبناء جلدتهم في أنحاء مختلفة، إنهم فقدوا لواء الإسكندرونة السوري في أواخر الثلاثینيات، ثم أعقبته النكبة التي حلت بفلسطين عندما طردوا من بلادهم عام 1948، نتيجة لفشلهم في صد العدوان.
واليوم نشهد صمتا مطبقا تجاه معاناة شعب عربي آخر يرزح تحت القهر ويواجه التطهير العرقي والتمييز الثقافي والاقتصادي، وهو الشعب العربي الأهوازي الذي يشكل ثالث أكبر تجمع سكاني عربي في منطقة الخليج، بعد السعودية والعراق. ومن سوء الحظ قد أصبح إقليم الأهواز الذي يقع في الجانب الشرقي من شط العرب ضمن حدود إيران الجغرافية، وفي عام 1925 أطاح رضا خان بحكم الأمير الشیخ خزعل الكعبي آخر حاكم في الإقليم، وقتله في عام 1936 بعد أسره لمدة أحد عشر عاما في طهران، ولم يحرك العرب ساكنا أو لم تكن لديهم رغبة في القيام بأي خطوة لمساعدة أشقائهم .
وفرضت الحكومات الإيرانية منذ سيطرتها على الإقليم واقعا جديدا على الشعب العربي الأهوازي لعزله عن امتداده القومي وارتباطه التاريخي بالأمة العربية من خلال التعتيم المطلق على معاناة هذا الشعب – وكما هو معروف لم يعط النظام الإیراني أية إحصائيات، تكشف عدد العرب في إيران لكن تؤكد الدراسات الميدانية للنشطاء الأهوازيين أن عددهم يتراوح بين 6 إلی 8 ملايين نسمة، فهناك ما لا يقل عن 5 إلى 6 ملايين عربي يعيشون في أرضهم التاریخية – أي إقلیم الأهواز، وكذلك العرب الذين يقطنون في موطنهم الأصلي في الجانب الشرقي للخليج العربي (عرب الهولة أو كما يسميهم البعض بعرب فارس) فهؤلاء أيضا شملتهم سياسات التطهير العرقي والتمييز طيلة العقود الماضية.
ويقول المؤرخ والأکادیمي الأمیرکي، ویلیام سترنغ في کتابه “حكم الشيخ خزعل بن جابر واحتلال إمارة عربستان”: “كان العرب يشكلون خلال الفترة التي رافقت اكتشاف النفط في عام 1908 ما نسبته 98% من سكان الإقليم” أما اليوم قد تقلص العدد إلى 70% بسبب الهجرة الممنهجة وسياسات تغيير النسيج السكاني. وبعد وقوع الإقليم تحت هيمنة الحكم الإيراني الفارسي أصبحت الحكومات الإيرانية المتعاقبة تصف سكانه العرب بالأقلية، كما تطلق أيضا على الشعوب غير الفارسية الأخرى منهم الكرد والترك والبلوش والتركمان بالأقليات القومية بالرغم من أنهم يشكلون الغالبية في البلد.
ويعاني الأهوازيون في الوقت الحاضر من الإقصاء السياسي في إقليمهم كما يفتقدون إلى تمثيل حقيقي في الحكومات الإيرانية التي انتهجت سياسات التطهير العرقي الممنهج ضدهم من خلال الاستيلاء على أراضیهم والهجرة الممنهجة من الأقاليم الفارسية المجاورة إلى الأراضي العربية بهدف تغيير التركيبة السكانية لصالح الفرس الوافدين.
وتقدم السلطات الإيرانية حوافز للوافدين وتوفر لهم جميع إمكانيات العيش مثل السكن والتوظيف في المؤسسات والدوائر الحكومية وغير الحكومية، بينما تحرم العرب منها بشكل ممنهج. كما لم تعمل لإعادة المشردين من حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق إلى موطنهم بل نقلت أعداد كثيرة من الفرس لتوطينهم وإسكانهم في المناطق والمدن الحديثة التي شيدها النظام لتغيير النسيج السكاني مثل مدينة رامين 2 شمالي مدينة الأهواز العاصمة ومدينة شیرین شهر في القرب من عبادان، فضلا عن المشاريع السكنية التي يقوم بها في مختلف المناطق من الإقليم لتوطين الفرس.
واغتصبت الحكومة أكثر من 450 ألف هكتار من الأراضي الزراعية العائدة للسكان الأصليين العرب ووزعتها مجانا على المستوطنين الفرس.
بهذا الشكل تمارس السلطات الإيرانية بشكل رسمي سياسة طمس الهوية القومية للشعب العربي وصهرها في بوتقة القومية الفارسية، وهناك أدلة كثيرة تكشف الواقع المرير الذي يعيشه الأهوازيون بسبب هذه السياسات، منها منعهم من تسمية أبنائهم بأسماء عربية تاريخية – ماعدا الأسماء المتداولة بين أتباع المذهب الشيعي- وكذلك حرمانهم من التعليم والدراسة بلغتهم العربية في المدارس والمؤسسات التعليمية الرسمية، ومن نتائجه تفشي الأمية والبطالة بين العرب حيث تشكل الأمية بينهم 4 أضعاف والبطالة 6 أضعاف المعدل العام على صعيد إيران، مما يفقد الشباب الأهوازيين إمكانية التنافس الاقتصادي مع المواطن الفارسي.
أما المناصب العليا والرئيسية في الإقليم فهي من نصيب الفرس ومحظورة على العرب بسبب التوجهات الأمنية التي تتبناها السلطات في التعامل مع القضية الأهوازية. وخلال حكم أحمدي نجاد تم إقصاء العدد القليل من المسؤولين العرب من مناصبهم.
يوفر إقليم الأهواز أو عربستان وحده نحو 80% من موارد إيران من النفط والغاز، لكن الأصحاب الحقيقيين لهذه الثروات الهائلة يحرمون من خيرات أرضهم ونصيبهم منها التلوث وتفشي الأمراض الخطيرة خاصة السرطان الذي بدأ ينتشر بشكل واسع في الإقليم بسبب النفايات والغازات السامة المنبعثة من المنشآت النفطية والبتروكيمياوية وغيرها من المعامل التي تنتج المواد الصناعية المضرة. أما الأمطار الحمضية الأخيرة التي هطلت في الإقليم سببت في مراجعة أكثر من خمسين ألف مواطن إلى المستشفيات وهي تمثل دليلا واضحا على التلوث البيئي في الأهواز.
أما الغريب في الأمر فهو أن الحكومات الإيرانية المتعاقبة لم تخصص حتى واحد بالمائة من عائدات النفط والغاز والبتروكيماويات للمشاريع المعمارية وتطويره، والأنكى من ذلك رفض البرلمان للمرة الرابعة مشروعا قدمه نواب الإقليم في البرلمان الإيراني لتخصيص 1.5% من الموارد النفطية لمشاريع الإعمار في الأهواز، بتوصية من النظام نفسه.
والسؤال الذي يوجهه النشطاء الأهوازيون إلى العالم العربي دائما، هو لماذا كل هذا الصمت تجاه ما يتعرض له إخوتكم وأبناء جلدتكم في إيران؟! يبخل العرب حتى من إصدار بيانات تدين الإعدامات التي تحصد أرواح الشباب الأهوازيين المطالبين بحقوقهم المغتصبة. والإهمال هذا يشمل حتى المؤسسات الإنسانية في العالم العربي حيث لم تتخذ أي منها موقفاً مماثلاً للمؤسسات الغربية والعالمية التابعة للأمم المتحدة، حيث تدين باستمرار هذه الإعدامات وما يتعرض له الأهوازيون من اضطهاد وتطهير عرقي، خاصة أن العديد من الدول العربية هم أعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حاليا مثل (الكويت، والمملكة العربية السعودية والجزائر، والإمارات العربية المتحدة)، إضافة إلى العضو العربي في مجلس الأمن للأمم المتحدة أي الأردن.
العامل الإنساني والأخوي يدعو إلى طرح القضية الأهوازية في مجلس حقوق الإنسان الدولي ليتم تداولها بشكل رسمي على الصعيد العالمي وكذلك في الجامعة العربية لمساندة النشطاء العرب الأهوازيين في المحافل الدولية. أتوقع أن العرب لن يخسروا شيئا إذا خصصوا منحا دراسية للطلاب الأهوازيين في جامعاتهم كما يفعل إقليم كردستان العراق لأبناء جلدته في البلدان المجاورة كما لن يخسروا إذا ما دعموا القوى الأهوازية الناشطة لتأسيس مراكز دراسات للتوثيق، ووسائل إعلامية لطرح قضيتهم وإيصال صوتهم إلى العالم من خلال فضح السياسات الممنهجة التي يقوم بها النظام الإيراني كما تفعل ايران نفسها للهزارة الأفغان بحجة انتمائهم للعرق الفارسي حيث أنشأت لهم 160 صحيفة ومؤسسة إعلامية خلال العقد الماضي. لكن أين أنتم يا عرب؟
كريم بني سعيد عبديان