قام مركز المزماة للدراسات والبحوث الموقر بنشر دراسة تحت عنوان (الفيدرالية في حدود إيران السياسية (المصطنعة) بين الواقع الداخلي والنظام العالمي) لكاتبها السيد عادل الطائي، استوجبت الرد عليها ولو بشكل مختصر.
استهل الكاتب دراسته بمواضيع ومفاهيم يستنتج منها رؤية مناقضة تماماً وعنوان الدراسة.
لعل الكاتب أراد من خلال مقدمة تعريفية عن السياسة والدولة أن يُغني مادته، فكتب عن السياسة، وعرّف أسمى معانيها في إدارة الدولة، وهذه المفاهيم متفق عليها في علم السياسة، وتعتبر نقطة إيجابية في هذه الدراسة. ولكن رغم ذلك نسي الكاتب أن هذا التعريف والمقدمة لا تنطبق على واقع الشعوب التي تعيش في جغرافية إيران، حيث إنها تفتقد دولها، فهي تخوض مرحلة النضال الوطني بغية كسب حقوقها المشروعة، لذلك فإنّ التعريف الذي جاء به الكاتب في الواقع في غیر محله من حيث الوحدة الموضوعية للدراسة، كما أنّه لم يرتبط بطرح مطلب الفيدرالية، والحالة التي تمر بها الشعوب غير الفارسية في إيران. فهناك تعاريف للسياسة وينبغي أن ينسجم ويتلاءم التعريف حسب الظرف والحالة التي تعيشها هذه الشعوب لأنّها تمر بمرحلة النضال الوطني.
وانطلاقاً من الحالة التي تعيشها الشعوب الساعية إلى الخلاص، فيستوجب عليها أن تستغل الأدوات والوسائل اللازمة للتعاطي مع المرحلة. فهناك من يرفع شعار الاستقلال والتخلص من إيران نهائياً بإقامة دول مستقلة، الخيار الذي باعتقادي يبتني على قاعدة المغامرة التي تقول “الكل أو لا شيء” وهي قد تعني في النهاية “لا شيء”. وهناك أيضاً من يعتقد بالنضال المرحلي، وأن السياسة فن الممكنات والمفاضلة بين أفضل الخيارات.
وهذه المفاضلة لم تأت حسب مزاج الأحزاب أو قياداتها، بل هي نتيجة معطيات تفرض نفسها على واقع الأرض وتفرزها الظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية على الساحة السياسية، لذا تضطر الأحزاب والحركات السياسية بتغيير تكتيكاتها واستراتيجياتها من أجل المواجهة والاستمرارية في النضال نتيجة لتلك التغييرات. وبناء على ذلك فرضت المتغيرات نفسها عبر التاريخ على الكثير من الحركات التحررية في العالم من عهد انهيار الدولة العثمانية إلى انهيار الاتحاد السوفييتي حتى يوغسلافيا وغيرها.
انطلاقاً من هذه البديهيات في عالم السياسة لست بصدد تعريف المفاهيم، ولكن أريد من خلال هذا الرد وضع بعض النقاط على الحروف، كي لا يكون ردّي كلمة حق يراد بها الباطل على أن أدخل في صلب الموضوع وهو أسباب تبني مشروع الفدرالية.
الكاتب لمح بأن مشروع الفيدرالية في إيران غير قابل للتطبيق، واستند على ذلك بأن إيران بلد مصطنع والشعوب لا تريد سوى الاستقلال.
أولاً: للاستقلال ظروف موضوعية ثلاثة يجب أن تنضج كي تتمكن الشعوب من الحصول عليه وهذه الظروف الموضوعية ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها البعض، وهي الظروف: الدولية، والإقليمية والداخلية.
ألف: الظرف الدولي
بالنسبة للظرف الدولي فهو ليس مهيئاً، وغير مستعد لتقسيم إيران في الوقت الراهن، هذا ما نراه ونلمسه على الأقل في المشهد السياسي الدولي واضحاً وضوح الشمس، ولا يمكن في ظل إيران كدولة متماسكة طرح شعار أو مطلب الاستقلال، ولأن هذا المطلب كما أشار اليه السيد عادل الطائي نفسه في مقاله، يجب أن يُطرح في الأمم المتحدة وتحت قانون ومادة (حق تقرير المصير) وبما أن الأمم المتحدة تتشكل من أعضاء الدول وليس الشعوب، وأكثر الدول لديها تنوع قومي ومذهبي لذا لا تريد الأمم المتحدة الدخول في نقاش هذا المطلب، ولا أدري إن كان يعلم صاحب الدراسة أن ممثلي الأحزاب التي ذكر اسمها في مقالته، كانت قد اقترحت من خلال منظمة (يو أن بي أو) تطبيق المادة المختصة بحق تقرير المصير على الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن كانت الدول العربية الثلاثة (مصر والمملكة العربية السعودية وسوريا) أول من عارضت الطلب ورفضته رفضاً قاطعاً في جنيف، ثم تمّ رفضه من قبل الهند وباكستان والعراق و..، الأمم المتحدة هي مؤسسة متشكلة من أعضاء الدول والدول المحيطة بنا متكونة من شعوب مختلفة القوميات والأديان والمذاهب، وبالتالي ترى هذه الدول، تقسيم إيران قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها وتقسيمها دول مثل تركيا والعراق وباكستان والهند وأفغانستان. التخوف الذي تدركه الدول العظمى لاسيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والشاهد على ذلك رد الخارجية الأميركية بعد أن تقدم أحد أعضاء الكونجرس “دانا روهرا باکر” في يونيو 2012 بمشروع إلى هذه الوزارة بتبني تقسيم إيران يبدأ بانفصال آذربيجان لمواجهة النووي الإيراني، فكان الرّد من متحدثة الوزارة الخارجية الأمريكية السيدة ” فيكتوريا نولاند” في حينها خلافاً لما يتوقعه الكثير من السياسيين عندما قالت: “على النائب “باکر” أن يعرف مواقفنا (أمريكا) تجاه الحدود الدولية في الشرق الأوسط “. والأمثلة في هذا السياق كثيرة جدّاً لا تحتاج إلى تذكير أي متابع.
ب: الظرف الإقليمي
إقليمياً وللأسف الشديد لم نجد أي دولة عربية أو غير عربية على خارطة المنطقة المحيطة بنا وخاصة العربية، تعترف ولو اعترافاً ضمنياً في حقوق الشعب العربي الأهوازي أو تتبنى مشروعه الوطني أو تدافع عنه، بينما في الجانب الإيراني، طهران قامت بتقديم شكوى رسمية عبر وزير خارجيتها آنذاك (علي أكبر صالحي) في الأمم المتحدة ضد المنامة بعد الأحداث التي حصلت في البحرين عام 2011 والتي كان لإيران دوراً سلبياً فيها.
وهنا يجب أن أُشير أن بعد أحداث انتفاضة الشعب العربي الأهوازي في 15 نيسان 2005، أدانت المنظمات الدولية إيران أكثر من 10 مرات ومنها منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ووزارتي خارجية بريطانيا وألمانيا بالإضافة إلى برلمان الاتحاد الأروبي والبرلمان البريطاني، ولكن في المقابل لم نر إدانة أو تصريح واحد من أي جهة عربية وليس فقط على الصعيد الحكومي بل حتى من قبل المنظمات الشعبية والمؤسسات المدنية. إذن الرهان على الظرف الأقليمي كذلك يعدّ حالياً رهاناً خاسراً. حيث أن الموقف الرسمي للدول الإقليمية التي تتعاطى مع قضايا الشعوب المضطهدة سواء في إيران أو غيرها تنطلق من مصالحها في المعادلات السياسية. أما على الصعيد غير الرسمي أي المجتمعات المدنية والمؤسسات غير الحكومية فالبعض منها ترى في إيران نموذجاً يجب الاقتداء به، والمثال على ذلك مؤتمر القوميين العرب الذي انعقد في المنامة عام 2007 عندما اعتبر رئيس المؤتمر في حينها أن “إيران حليفة وصديقة تقف في جبهة واحدة لمقارعة الإمبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة” على حد قوله!!
د: الظرف الداخلي
أشار الأخ الطائي إلى كلً من دولة مهاباد التي تأسست عام 1946 وأنهارت بعد 11 شهراً، وجمهورية آذربيجان الجنوبية عام 1945 والتي انتهى حكمها إثر التفاهمات الإقليمية، دون أن يبحث ويكتب عن أسباب انهيار هذين الدولتين، ولهذا السبب سوف أشرح الأسباب وبشكل عابر ليكون تعريفاً للظروف الداخلية وترابطها بالظروف الإقليمية والدولية.
تأسست دولة مهاباد عام 1946 على يد قاضي محمد وبدعم سوفيتي، التي كانت تسيطر على المناطق الشمالية من إيران بما فيها إقليمي كوردستان وأذربيجان وساعد في ذلك الفراغ السياسي، وغياب رئيس الدولة في إيران نتيجة إبعاد رضا خان البهلوي من الحكم بواسطة بريطانيا بسبب كشف محاولاته للارتباط بالألمانين، ولكن رغم ذلك لم تدم دولة مهاباد سوى أحد عشر شهراً بسبب الظروف والأسباب الدولية والإقليمية التي لعبت دوراً في نشأتها وسقوطها، أيضاً رغم الكفاح المتواصل من أجل نيل تلك الفرصة التاريخية فتمّ إعدام مؤسسها في 31 مارس 1947 في الساحة العامة بعاصمتها مهاباد.
ملخص القول والاستنتاج هو أن الظروف الدولية والداخلية لها كلمة الفصل في مثل هذه القرارات، ولها الأهمية القصوى في تغيير المعادلات السياسية لذا تؤخذ بعين الاعتبار لا يمكن الهروب من هذه الحقائق من خلال إطلاق الشعارات الثورية التي تتأجج حيناً وتخمد أحياناً.
إذن هناك ارتباطٌ وثيق بين تحقيق مطلب الاستقلال ونضوج الظروف الثلاثة التي أشرت اليها، أما التعقيدات التي ذكرها الكاتب وعزا انهيار دول كوردستان وأذربيجان لها فهي اليوم أصبحت أكثر وأعظم تعقيداً بسبب تكريس واقع قانوني داخلي ودولي على هذه المناطق لا يمكن تجاهله. قد يقول البعض إنّ الشعوب هي التي تهيئ الظروف بنضالها أو ترغم الدول الكبرى على إيجاد المناخ للظروف ولكن التجربة من الثورة الفلسطينية والثورة السورية بكل تضحياتها الجسيمة أثبتت غير هذه الرؤية، وحتى أكراد العراق لولا الظرف الإقليمي الدولي والداخلي الذي حصل بعد هجوم صدام حسين على الكويت. لما استطاعوا الحصول على ما لديهم اليوم من حكم فدرالي ومطلب الفدرالية له أذن صاغية في المؤسسات الدولية وحتى إقليمياً نرى اليوم حتى في ليبيا مطروح ويناقش رغم أن الشعب الليبي شعب متماسك.
ونظراً لما سبق وكمثال، أقول أن أكراد العراق أكثر استعداداً من كل الشعوب الأخرى في حال تهيأت تلك الظروف الدولية والإقليمية لإعلان دولتهم خصوصاً وأنهم الآن يمتلكون سلطة وعلم وبرلمان وجيش ومؤسسات وحكومة وطنية معترف بها عالمياً، وبإمكانهم أن يعلنوا عن دولتهم من منصة البرلمان الكوردي في إقليمهم كردستان كما فعل الوزير الكوسوفي قبل سنوات، ولكن هناك ظروف إقليمية ودولية تحول دون ذلك.
وللتنويه: عندما رفع بارزاني علم كردستان وأنزل العلم العراقي سنة 2009 احتجت الولايات المتحدة الأمريكية وهددت عبر وزيرة خارجيتها آنذاك (كوندليزا رايس) برفع الغطاء عن الأكراد كما هددت تركيا باحتلال كردستان العراق ناهيك عن إدانة الحكومة المركزية في بغداد والتهديد بالتدخل العسكري.
ولأن الكثير من بلدان العالم تتمتع شعوبها بحرية وحقوق متساوية من خلال نظام فيدرالي كــ بريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وباكستان وكندا وماليزيا والسويد والإمارات العربية المتحدة، فيبقى خيار الفيدرالية مطلباً ممكن تحقيقه وهو الخيار المتاح والأفضل في ظل الظروف الحالية.
وهنا يجب الإشارة إلى أن الفيدرالية ليست نقيضة للاستقلال بل هي في نظر الكثيرين حتى عند من يعارضها مرحلة تمهيدية للاستقلال، حيث أنها تهيئ الظرف الداخلي لتكريس حق تقرير المصير من خلال تأسيس دولة وطنية قائمة على مؤسسات مدنية وديمقراطية حقيقية للانطلاق نحو تأسيس الدولة المنشودة على أساس قومي جغرافي التي تطالب بها الأحزاب الكبرى في معارضة الشعوب، وعلى رأسها حزب الديمقراطي الكردستاني وحزب كوموله وحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي المنضوية تحت “مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية” وذلك على أنقاض الدولة المركزية اللاشرعية الحالية.
كما يجب القول أن هناك ارتباط بين الحصول على هذه الحقوق ونوعية النظام إن كان ديمقراطي اتحادي فيدرالي يتعاطى مع هذه المطالب، أما إذا كان النظام كــ ولاية الفقيه سوف لن يتحقق مطلب الفيدرالية أو الاستقلال ولكن هذا لا يعني أن أصحاب مشروع الفيدرالية يستجدونها من نظام ولاية الفقيه القائم حالياً في إيران، وإنما يناضلون من أجل تحقيق هذا المطلب من خلال السعي إلى تأسيس نظام فيدرالي لامركزي على أنقاض الدولة المركزية اللاشرعية، بواسطة مشروع متزن وواضح المعالم، تطالب به الأحزاب المنضوية تحت مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية أن يكون على أساس قومي جغرافي.
وأخيراً يجب الإشادة بالسيد عادل الطائي الذي قام بتقديم هذه الدراسة حيث من شأنها أن تفتح باباً للنقاش في القضايا الجوهرية التي يواجهها نضال الشعب العربي الأهوازي والشعوب المضطهدة الأخرى في إيران، بدل المهاترات التي اعترت الساحة الأهوازية على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما الفيسبوك في الأشهر القليلة الماضية حيث أضاعت الوقت وأوجعت النفوس وأهدرت الطاقات لأسباب غير معلومة حتى الآن.
عقیل منیعاوي
لندن-20-11-2013
نقلا عن موقع المزماة للدراسات