19/05/2024

د. عبد الله حويس/ ألمانيا

ود. أحمد حمّود/ لبنان

خاص “المدارنت”..

منذ أيام قليلة، قررت السلطات الألمانية حظر “حزب الله” اللبناني على أراضيها، وحجز أمواله، مصنّفة إياه “منظمة إرهابية”. رغم ذلك فان المداهمات التي قامت بها الشرطة لم تشمل كل المواقع المحسوبة على الحزب في ألمانيا. ووفقا لمصدر ألماني موثوق، فإن هذا القرار أتُخِذَ في أيلول/سبتمبر من العام الماضي لكن تنفيذه تأجل مما أتاح المجال للحزب لتهريب الكثير من أمواله وعناصره ووثائقه خارج ألمانيا. ويبدو ان عدة بلدان أوروبية ستحذو حذو ألمانيا مثل النمسا وبلجيكا واسبانيا وفرنسا أيضاً.

هنا يطرح السؤال نفسه: هل يشكل هذا تصعيداً في إجراءات حصار إيران وضرب أذرعها، على أساس أن الدوائر الغربية تعتبر ان الظروف قد نضجت للضغط على إيران وإجبارها على إعادة النظر في حدود نفوذها وعلى تخفيض سقف مشروعها التوسعي؟

لا شك أن القرار الألماني لم يأتِ من فراغ ولا كردة فعل على حدث محدد ولم يؤخذ بين ليلة وضحاها، وإنما في سياق معادلات وحسابات عديدة متقاطعة. لذلك لا بد من وضع القرار في إطار الظروف بوجوهها العديدة، خاصة أن علاقات تاريخية وثيقة تربط بين البلدين.

في الداخل الألماني، يبدو أن عناصر وجمعيات حزب الله تلعب دوراً مهماً في الإلتفاف على الحصار المضروب على إيران ، حيث انها متهمة بالمشاركة في تجارة المخدرات مع أمريكا اللاتينية وفي غسيل الأموال وتحويلها لصالح إيران وأدواتها عبر دول أوروبية أخرى. وتُتَهم بأنها من أجل ذلك أسست ونسجت مؤسسات وشبكات وعمليات معقدة تتفادى عبرها استخدام الدولار وتدعم إيران والحزب باليورو كعملة صعبة. وهذا يعني بالنسبة للسلطات الألمانية أن هذه المؤسسات التابعة لإيران تُمارس أنشطة غير شرعية ولا تحترم القوانين المرعية.

وفي حقيقة الأمر فإن إيران تعاني من أزمة مالية كبيرة ليس فقط بسبب الحصار، وإنما أيضاً لأن الاقتصاد الإيراني متمحور حول النفط حيث ان 80 ٪‏ من الدخل القومي متعلق بهذا القطاع. فمن أجل تأمين احتياجات شعوبها، يجب أَن تصدر ما يقارب 20 مليون برميل يومياً وهذا ما لا تستطيعه لسببين على الأقل:

أولاً، بسبب تخلف وسائل وصناعة الاستخراج والتصدير، وثانياً، لأنها يجب ان تلتزم بحصتها التصديرية ضمن إطار منظمة الأوبك. وهكذا فإنها مجبرة أن تصدّر من النفط أقل مما يحتاج إقتصادها. من ناحية أخرى، وبعد الاتفاق النووي، راهن حكم الملالي على أن شركات غربية كثيرة ستطلق الكثير من الاستثمارات في إيران، بحيث كانت تتوقع استثمار حوالي 4,6 مليار دولارا عام 2018 وهذا ما لم يحصل. من ناحية ثالثة، أتى انهيار أسعار النفط مع جائحة الكورونا ليفاقم الأزمة، خاصة وأن استثمار الموارد، رغم هبوطها، يتم بشكل أساسي في مجالات السلاح والفضاء والنووي. يضاف الى ما سبق، الفساد المستشري واحتكار المؤسسة الدينية والملالي والحرس الثوري لثروات ضخمة عينية ومالية.

إذن، تعاني إيران من عجز مالي وأزمة اقتصادية وصناعية تنعكس في كل المجالات في الداخل والخارج، مما يؤثر على مواقفها السياسية ومواقف أنصارها وأتباعها، ومن ضمنهم حزب الله والحركات الشيعية الموالية لها. وبشكل خاص، يؤثر على مواقف الإيرانيين بما في ذلك القاعدة الشعبية للسلطة ورجالها وأنصارها في الداخل والخارج. فقد بدأت تتزلزل قناعة هؤلاء بكفاءة وبقدرة السلطة وأركانها على مواجهة مشكلات البلد والمجتمع الاقتصادية والاجتماعية وحتى الكوارث الطبيعية. وقد ظهر ذلك جلياً مؤخراً، حيث خرجت مظاهرات شعبية واسعة شملت الكثير من المدن والمناطق ضد السلطة وأركانها وحتى ضد الولي الفقيه خامنئي. ولم تهدأ هذه المظاهرات إلا بعد أن تعرضت لقمع شديد أدى الى سقوط الكثير من القتلى، وبعد إجتياح الكورونا المتواصل حتى الآن. وقد ثبت عجز السلطة أيضاً في مواجهة هذا الوباء، حيث انكشف ليس فقط تخلف الخدمات في المجال الصحي والاجتماعي، وإنما أيضاً إهمالها لضواحي المدن والأرياف والمناطق بحجة استمرار تعرض إيران للحصار.

على صعيد آخر، يبدو ان الدوائر الغربية بدأت تتبنى الرؤية الأمريكية-البريطانية (بسبب الضغوط أو حرصاً على المصالح وربما الإثنين معاً) بأن إيران تجاوزت الخطوط الحمراء، في اندفاعها لتوسيع حدود نفوذها وخاصة في المشرق العربي. إذ أن هذه الدوائر تشير الى أن هذه الخطوط حددتها اتفاقيات ضمنية بين أميركا وأوروبا من جهة وروسيا وتركيا وإيران من جهة أخرى بما في ذلك حتى النظام السوري. وبالتالي فإنها تعتبر أن إيران، عبر سعيها للعب دور السيّد الأول في المنطقة العربية، تجاوزت السقف الذي تحدده المصالح الأمريكية والأوروبية. ولعل ما يُشجع هذا التوجه الأوروبي في الفترة الحالية، ليس فقط مواصلة وتصعيد ترامب لحصار إيران، وإنما أيضاً الحراك الثوري للشعبين العراقي واللبناني فضلاً عن الهيمنة الروسية في سوريا.