17/05/2024

يصادف يوم 15 نيسان ذكرى حدث تاريخي دقيق ومصيري، صنعه أبناء الشعب العربي الاهوازي دفاعا عن هويتهم القومية والوطنية، ليصبح هذا الحدث، حلقة الوصل بين كفاح الأجيال السالفة وكفاح الجيال التابعة، وبهذا شكلت إنتفاضة نيسان منعطفا تاريخيا ضروريا على طريق النضال للحفاظ على الهوية، والإنطلاق نحو تحقيق طموحات شعبنا المشروعة.
ومن أجل تمكين الاجيال التي لم تشهد تلك الهَبّة الجماهيرية التي فاجأت الصديق قبل الخصم، من مواصلة الطريق، وتذكيرهم بالثمن الذي دفعها من سبقوهم، نحتفل بهذه المناسبة المباركة التي تخضبت بدماء أبناء شعبنا الغيارى، ونؤكد على أن أجيال شعبنا وبالرغم من القمع المفرط والعنف الممنهج الذي مارسته وتمارسه الحكومات المركزية المتعاقبة، لن تتراجع عن المطالبة بحقوقها المنهوبة، ولن تكف عن الدفاع عن هويتها الجريحة بفعل الأنظمة الشوفينية التي تعاقبت على الحكم الشديد المركزية في إيران.
وفي واقع الأمر، من أهم منجزات انتفاضة نيسان المجيدة، هو فتح الآفاق لتطور النضال القومي والوطني الأهوازي في سبيل بلوغ الحرية وضمن العمل لتحقيق الديموقراطية لكافة الشعوب المضطهدة في إيران، كاملة وغير منتقصة.
وكان المساهمون الأبطال في إنتفاضة نيسان الجماهيرية، قد بعثوا رسالة للأجيال العربية الأهوازية وأبناء كافة الشعوب في إيران، تحمل المغزى لتلك الحركة الباسلة، ألا وهو أن شعبنا العربي الاهوازي لن يرضخ لإملاءات السلطة المركزية الظالمة، وأن كافة فئاته الاجتماعية من عمال وفلاحين وموظفين ومعلمين وطلاب وبنسائه ورجاله، ترفض إستمرارية الوضع الشاذ الذي يحكم الأهواز منذ سقوط الحكم المحلي في سنة 1925 وضم الإقليم إلى سلطة شديد المركزية بقيادة رضا شاه، السلطة التي قررت القضاء على معالم وجود شعبنا، وحاولت بكل ما اوتيت من قوة، صهرنا في ثقافته ولغته وهويته الرسمية الأحادية الإنتماء، في بلد مكون من شعوب وثقافات ولغات ومذاهب عدة.
وبما أن شعبنا كان ولا يزال متمسكا بهويته العربية ووطنيته الأهوازية المميزة، بات من المستحيل التسليم للطبقة الحاكمة في طهران، لذا صنع من خلال إتفاضة نيسان، سدا منيعا أمام نوايا الشوفينية بأجساد ابنائه البواسل، تلك النوايا المعادية التي أرادت أن تتلاعب بمصائرنا بالوسائل والأساليب القمعية تارة والتطميعية تارة أخرى.
وفي هذا الخضم انفجر بركان انتفاضة نيسان من تراكم الجروح والآلام والحرمان، وتبلور في البحث عن الحرية والمساواة والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، كضمانات تؤكد هوية شعبنا العربية والإنسانية على أرضه، وفي واقع الأمر كانت نيسان صرخة مدوية في في نفق الشوفينية المظلم وفي عتمة الإستبداد العدواني ومن خلال تلك الوقفة البطولية رفع الحاملون أرواحهم على أكفهم، شعار “الأصبح آت لا محالة”.
بهذه المناسبة المجيدة يؤكد حزب التضامن الديموقراطي الاهوازي بأنه لن يتحقق التغيير الديمقراطي العميق في حياة الشعوب في إيران إلا أذا ترافق مع ذلك، الإعتراف الكامل والفعلي بحقوق الشعوب في نظام ديموقراطي لا مركزي، يضمن الحريات الفردية والإجتماعية ويدافع عن المضطهدين والكادحين والطبقات المحرومة ويطور ثقافاتها ولغاتها ويسمح بنمو هوايتها بعيدا عن نظام الثقافة واللغة الواحدة.
وهذا هو الضمان الوحيد للوحدة الطوعية بين الشعوب في إيران وعلى أي جهة ترفض هذا الحل العادل، أن تتحمل وحدها مسؤولية التفكك الذي قد يفصل الشعوب قبل الجغرافيا في إيران.
ونحن كشعب تعلمنا الدروس والعبر من انتفاضة نيسان وأول ما تعلمناه هو أن شعبنا مستمر في السير وفقا للظروف الموضوعية بغية تحقيق التحولات الديمقراطية في سبيل ترجمة طموحاته القومية من أفكار إلى أفعال، ولن يعود هذا الشعب إلى الوراء بتاتا ويرفض مؤسسات الحكم الغارقة في الفساد والاحتكار والتسلط والنهب الفاحش لثروات شعبنا، جملة وتفصيلا.
كما تعلمنا في مدرسة نيسان أن النظام السياسي الحاكم في طهران وبكافة تياراته وأجنحته، لا يمكن إصلاحه، وأن الطبقة الحاكمة ومعها بعض الجهات التي تطلق على نفسها زورا وبهتانا إسم المعارضة، متفقة على معاداة العرب في إيران وخارجها.
فمن هذا المنطلق، يبذل حزب التضامن الديموقراطي الأهوازي جهودا جبارة للتحالف مع تنظيمات بارزة ومؤثرة لكافة الشعوب المضطهدة في إيران، تلتف حول خطة الحد الأدنى وتتحاور لتبني خارطة طريق تتجاوز النظام الحالي، ساعية لإقامة نظام ديموقراطي لامركزي، يتساوى فيه العرب والفرس والكورد والتورك والتوركمان والبلوش واللور البختياريين والجيلك والمازيين والطالشن، وفقا لمبدأ المشاركة التعددية في تكوين الحكم وتحترم فيه السنة والشيعة والمسيحيين والأرمن والكلدان والأشوريين والصابئة والزرادشتيين، وفقا لحرية المعتقد.
ونحن في حزب التضامن الديموقراطي الأهوازي، إستلهمنا الدروس من نيسان، ووفقا لهذه الدروس نؤكد رفضنا لإدراج مضاعفات تلك الإنتفاضة في قائمة الإخفاقات، إستنادا لما تعرض له شعبنا من تنكيل بواسطة الآلة القمعية للنظام التي فرضت العسكرة على حراكنا الشعبي، بل نتعبرها معركة فتحت الباب لتمكين كافة مكونات وطبقات وفئات المجتمع العربي الاهوازي، من النضال السلمي مع حق الدفاع عن النفس، ليصوغ هذا الشعب الأبي مستقبله ويحمي مصالح الاجيال الصاعدة.
ولقد برهنت انتفاضة نيسان 2005 المجيدة وما تلاها من إحتجاجات عاصفة بين لحين والآخر، ان الأنظمة المركزية لا يمكنها الإستمرار في اللجوء إلى القمع بحجة الأمن والاستقرار، خاصة وأن كافة الأدوات القمعية تتحطم على صخرة مقاومة الشعوب.
كما أن التجارب المستخلصة من إنتفاضة نيسان، تضع الأحزاب والتنظيمات الحقيقية والنخب الاهوازية المسؤولة جميعا، أمام إعادة قراءة مشاريعها وخطاباتها وتقييمها من جديد، مع أخذها بعين الإعتبار الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لتبحث عن أفضل الطرق الواقعية وبعيدا عن المثاليات والتي بإمكانها أن تقودنا إلى تحقيق أهدافنا المرحلية، وعلى الجميع أن يسخر خطاباته كعوامل مساعدة لقضية لشعبنا بعيدا عن اليأس والإحباط نتيجة لشعارات جميلة وبراقة ولكن فاقدة أدوات التطبيق.
ولتحقيق هذه الغاية من الضروري فتح أبواب الحوار الواسع والصريح بين كافة الاهوازيين لمعرفة “أين نقف نحن”، وما هي “الخطوة العملية” التالية على طريق تحقيق طموحات شعبنا.
علينا أن لا ننسى بأن وطننا الأهواز مرتبط مباشرة وبحكم الواقع بأحداث إيران الداخلية من جهة وتطورات المنطقة والعالم من جهة أخرى، وأن النضوج النيساني يستدعينا إلى التحلي بالشجاعة لخوض نضالات دقيقة وحساسة وملموسة بإستمرار حتى نمنح قضيتنا مكانتها الضرورية في خضم الاحداث والتطورات المتلاحقة.
أن نضالنا الوطني الواعي، يفرض علينا أيضا أن نأخذ بعين الإعتبار الحياة المعيشية اليومية للمواطنين الاهوازيين، ومعاناتهم من التمييز في فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية والتي تلقي بثقلها على كاهل الطبقات الفقيرة والكادحين من عمال وفلاحين ومعلمين وموظفين صغار.
فالمواطن الأهوازي في الوقت الذي له الحق في التتمع بثقافته ولغته والتمسك بهويته الوطنية، له الحق أيضا في العمل والتعليم والعلاج والحياة الكريمة في نظام ديموقراطي لا مركزي يتكون من جميع الشعوب.

عاش الشعب العربي الاهوازي
عاش نضال الشعوب المضطهدة في إيران