16/05/2024

تدفع الاستهدافات المتكررة لقواعد النفوذ الإيراني في شرق سوريا مؤخراً إلى التساؤل حول ما يتعلق بقدرة الحرس الثوري الإيراني على التصعيد انطلاقاً من سوريا، بخاصة في ظل التوترات الأخيرة بعد مقتل قائد “فيلق القدس” لـ “الحرس الثوري الإيراني” قاسم سليماني.

ولعل القصف الذي طال اليوم الجمعة، ويوم أمس الخميس، عناصر تابعون للحرس الثوري في منطقة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور، من أبرز الاستهدافات للنفوذ الإيراني في سوريا بعد مقتل سليماني، حيث استهدفت طائرة مسيرة (مجهولة الهوية) مقراً لقوات “لواء فاطميون” في بلدة المجاودة بريف البوكمال، حيث يأتي هذا القصف بعد يومين على استهداف طائرات مماثلة مقراً للحرس الثوري الإيراني في ذات البلدة.

وفي الوقت الذي لم تتبنَ أي جهة مسؤوليتها عن عملية القصف، فإن الاستهدافات التي طالت مناطق انتشار الحرس الثوري كانت تشير مصادر عدة إلى أن الجهة المستهدفة كانت إما الولايات المتحدة أو طيران الاحتلال الإسرائيلي، كذلك فإن غارات جوية لطيران مجهول استهدفت شحنات أسلحة للنفوذ الإيراني، كما استهدفت أيضاً مستودعات لصواريخ بالستية في في مدينة البوكمال، يوم الأربعاء الفائت، بينما قالت وسائل إعلام النظام إن القصف استهدف مواقع الحشد الشعبي العراقي على الحدود السورية.

هذا وقد أعادت القوات التابعة للنفوذ الإيراني انتشارها خلال الأيام الماضية في ريف دير الزور بعد اغتيال سليماني، خشية تعرضها لغارات جوية أميركية.

هل ترتفع حدة التصعيد الإيراني من سوريا؟

الكاتب والمحلل السياسي أحمد الهواس، اعتبر خلال حديثه لـ “روزنة” أن الصراع بين إيران و الولايات المتحدة لا يتعدى عن كونه صراعاً في الإعلام فقط، مشيراً إلى أن ما يحدث من استهداف لقواعد إيرانية في سوريا يدخل في الخداع الاستراتيجي، وفق تعبيره.

وتابع “لقد نفذّت إيران المطلوب منها في المنطقة سواء في التدمير والتهجير أو في النزاع المجتمعي وتمكين الأقليات؛ فضلا عن التغيير الديمغرافي وهذا يصب في مصلحة إسرائيل، وبقي أن تخرج من سوريا بعد أن تترك ظلالها على الأرض ومنهم نحو مليوني شيعي تم تجنيسهم في سوريا، وقد قاربت سوريا أن تنتهي إلى كيانات متجاورة، وهذا ربما يسرع في ظهور القوس الدرزي في الجنوب”

من جانبه استبعد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، وجدان عبد الرحمن، أن يقوم الحرس الثوري الإيراني في المرحلة الحالية لا اتوقع بأي ردود أفعال إن كانت في سوريا أو حتى في أماكن أخرى، وذلك بعد الضربة الموجعة التي تلقاها الحرس الثوري إثر مقتل سليماني والقادة الامنيين الذين كانوا معه في العاصمة العراقية بغداد، في الثالث من الشهر الحالي.

ورأى خلال حديثه لـ “روزنة” بأنه ورغم إستمرار “الحرس الثوري الإيراني بنشاطاته الإرهابية بوجود خليفة سليماني، وهو إسماعيل قاآني، إلا أن المرحلة الحالية تفرض على طهران عدم القيام بأي تصعيد.

وأضاف “إذا ما تابعنا التصريحات والقرارت التي اتخذت في صباح يوم الرابع من الشهر الحالي في اجتماع القادة الايرانيون ومن بينهم رأس النظام خامنئي، بعد مقتل سليماني لاتخاذ قرار الرد، حيث تم تقسيم هذا الاجتماع إلى شقين، الشق الأول يتعلق بالجانب السياسي و الشق الثاني يتعلق بالجانب الأمني… أما في الجانب السياسي كانت هناك قرارات بأن يقوم فيلق القدس باستمرار الخطوات والإجراءات التي كان يقوم بها قاسم سليماني في كل من العراق و سوريا و اليمن ولبنان، و ألا يكون هناك أي تغيير بالنسبة لسياسة فيلق القدس في هذه الدول وتابع في سياق مواز بأن “إيران منذ عام 1979 تقوم سياستها على التغول في الدول التي لديها إمكانية التوسع فيها، ومنها كان سوريا، وهي (إيران) صرفت المليارات من الدولارات على هذا المشروع، لذلك بكل تأكيد تريد الحفاظ على ذلك، لكنها أصبحت اليوم ضعيفة جدا بحكم ما حصل في بعض الدول العربية وهذه الدول كانت موقعا استراتيجيا بالنسبة لايران مثل العراق و لبنان، لذلك لا أعتقد أن لإيران القدرة على التوغل في سوريا أكثر مما وصلت إليه”.

الباحث في الشؤون الإيرانية ختم حديثه بالإشارة إلى الموقف الروسي من الدور الإيراني المتنامي في سوريا، حيث لفت عبد الرحمن إلى أن روسيا لا تريد أن يكون لإيران دوراً أكبراً مما هو عليه في الوقت الحالي، “إن روسيا تريد تحجيم إيران في سوريا، وكذلك أن تبعد النظام الإيراني من الأماكن الحساسة مثل الحدود السورية الإسرائيلية و كذلك من العاصمة أيضاً… رغم أن إيران ليس من السهل أن تترك هذه المواقع التي سيطرت عليها، ولكن الضربات المتوالية من إسرائيل و الولايات المتحدة على هذه القواعد سيضعف الموقع الإيراني في سوريا”.

من ناحيته رأى الباحث في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، في حديث لـ “روزنة” بأن الوجود الإيراني بحد ذاته في سوريا يمنح موسكو ورقة جيدة يمكن من خلالها إقناع واشنطن والاحتلال الإسرائيلي وغيره من القوى الدولية المتخوفة من النفوذ الإيراني؛ بأهمية الوجود الروسي في سوريا إذ هو يمثل في حده الأدنى ضمانة للحد من تحركات القوات الإيرانية في سوريا.

وتابع حول ذلك: “ليس بمقدور إيران أن تقدم تنازلات كبيرة على المستوى الاقتصادي في سوريا، إذ لا يمكن أن تتراجع عن طموحها الاقتصادي بعد كل ما أنفقته من مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية في سوريا”.

حيث أرجع ذلك إلى سببين رئيسيين” الأول أنها في حاجة قوية وماسة إلى تعويض هذا الإنفاق في ظل الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها الآن، والثاني أنه لا يمكن أن تتجاهل رد فعل الشارع الإيراني الذي كان في حالة احتقان دائم من الدور الإيراني في سوريا فيما كان رد النظام أن ذلك سيعود بالفائدة على الإيرانيين”.

كما لفت بأن ما يمكن أن تقدمه طهران في هذا الملف هو التخفيض من التواجد العسكري الإيراني؛ سواء فيما يخص عناصر الحرس الثوري أو العناصر التابعة للقوات الموالية لها، فضلا عن إعادة توزيع هذه العناصر وتحديد مناطق وجودها.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قال في كانون الأول الماضي، إن إيران تحاول تدشين قواعد عسكرية لها في الأراضي السورية، وإن الجيش الإسرائيلي سيعمل على عرقلة هذا الأمر بأي شكل كان.

ونقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، -آنذاك- عن بينيت قوله: “إن سوريا ستصبح “فيتنام” للإيرانيين، وأضاف بينيت، أن إيران تعمل على إشعال النيران في البلاد حولها، بدعوى أنها متمركزة في لبنان، وتعمل على تأسيس قواعد في سوريا وقطاع غزة.
المنبع روزانه