كيف تتجه إيران نحو التصعيد الأمني ضد دول الخليج؟

في ظل التوتر الإيراني الأميركي والوساطات التي تقوم بها عدة دول، خصوصاً اليابان من جهة، والتصعيد الذي تشهده منطقة الخليج العربي والمتمثل بضرب ناقلات النفط في بحر عُمان وإسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة من جهة أخرى، يستمر نظام ولاية الفقيه بالتصعيد لزعزعة أمن المنطقة وخلق الفوضى وعدم الاستقرار.
وفي خضم هذه التطورات الإقليمية المتسارعة، يتضاءل التركيز على ما يجري في داخل إيران بينما يقوم النظام بإعادة بناء الأجهزة الأمنية وتأسيس جهاز جديد ذي بعد إقليمي يضم قيادات فاعلة من «فيلق القدس» الإيراني متصلة بالمخابرات العراقية التي يشكّل قوامها قادة وعناصر الميليشيات الموالية لطهران، بالإضافة إلى جهاز داخل «الحشد الشعبي» العراقي وأجهزة النظام السوري و«حزب الله» اللبناني، وذلك تمهيداً لمرحلة جديدة من التصعيد ضد دول المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي. لقد رسم الأميركيون الخطة من خلال وزير الخارجية مايك بومبيو، وهي إذا قام الإيرانيون بقتل أميركي واحد بصورة مباشرة أو عبر وكلائهم فالولايات المتحدة سوف تعاقبهم عسكرياً.
ورغم أن تسريبات إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والمخابراتية الإيرانية قد ظهرت للعلن منذ منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، فإنها تُعد مرحلة جديدة من التغييرات الأساسية منذ عام 2009 عندما نزل أنصار الحركة الخضراء مطالبين بإسقاط النظام، وهي تغييرات على قدر كبير من الأهمية.
ولعبت الاحتجاجات الشعبية خلال عام 2018 أيضاً دوراً كبيراً في جعل النظام يُعيد هيكلة الأجهزة الأمنية. بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وتصاعد الاستياء العام وخوف النظام من تجدد اندلاع المظاهرات التي عمّت أكثر من 120 مدينة إيرانية. ويعد هذا كله من العوامل التي عجّلت بإعادة بناء أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية.
وتمتلك إيران في الوقت الراهن على الأقل 10 أجهزة استخبارات معروفة، عسكرية ومدنية، ويضم كل جهاز ما يقارب نحو 3000 عنصر من بينهم أجانب، كما أن المؤسسة العسكرية (الجيش و«الحرس الثوري») المتمثلة في الأركان العامة للقوات المسلحة، لها أجهزة استخبارات منفصلة سواء في القوات البرية أو الجوية أو البحرية.
وبطبيعة الحال، فإن وزارة الأمن وأجهزة الاستخبارات تحصل على حصة كبيرة من الميزانية العامة السنوية، كما أن بيت المرشد الذي يديره مجتبى خامنئي نجل المرشد وكبار ضباط «الحرس الثوري»، لديه جهازه الأمني الخاص به، بالإضافة إلى «مجلس الأمن القومي»، الذي كان الرئيس حسن روحاني قد ترأسه لمدة 16 عاماً.
كما أن وزير الأمن الذي من المفترض أن يتم اختياره من قِبل الرئيس والموافقة عليه من قبل مجلس النواب، يتم تعيينه في الواقع من قِبل بيت المرشد، لكنّ وزارته تحتلّ عملياً المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد استخبارات «الحرس الثوري». بالإضافة إلى ذلك، فإن «فيلق القدس» له جهازه الأمني الخاص، وبهذا تأتي وزارة الأمن الإيرانية بعد جهاز الأمن في «الحرس الثوري» الإيراني من ناحية الأهمية.
ويبدو أن النظام الإيراني من خلال هذه التغييرات يحاول تقليد الأميركيين حينما قاموا بإعادة هيكلة أجهزة الأمن والمخابرات بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 للحد من دور القطاعات الإدارية عديمة الكفاءة والفعالية، وأوجدوا تنسيقاً على أعلى درجة من الرصد والتعاون، حيث قاموا بإنشاء مكتب إدارة الإشراف على الاستخبارات الوطنية كافة باعتباره الرأس المدبر للأمن والمخابرات بغية التنسيق بين جميع الأنشطة المخابراتية في الداخل والخارج. وهذه ما فعله الإيرانيون بالضبط ويقف قاسم سليماني (كالقيصر) على رأس كل هذه الأنشطة.
لكن ما حدث في إيران، أمر مختلف تماماً، بحيث إنه على الرغم من أن وزارة الأمن حافظت على اسمها من الناحية الشكلية فإن معظم المهام والقيادة والسلطة نُقلت إلى استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني التي تتبع سياسات ومبادئ نظام ولاية الفقيه والمرشد الإيراني وأسس النظام الثورية. وتعد أهم مهام «الحرس الثوري» الإيراني هي حماية الثورة والنظام، ولذا كانت التغييرات التي شملت جميع المؤسسات الأمنية والاستخبارية قد انطلقت من هذا المبدأ (الحفاظ على الثورة والنظام). وعلى الرغم من أن الوزير محمود علوي وزير للأمن فإنه عملياً لا يمتلك صلاحية اتخاذ القرارات الاستخبارية الكبرى لأن كل أجهزة الأمن والاستخبارات تدار من بيت المرشد وبإشراف مجتب خامنئي وساعده الأيمن قائد «فيلق القدس»، قاسم سليماني.
لقد بقيت مخابرات «فيلق القدس» كما هي ولم تطلها هذه التغيرات، وبقي سليماني هو مَن يعزل ويعيّن موظفي مؤسسته بنفسه وبالتنسيق مع بيت المرشد. وتمكّن سليماني من خلال هذه الصلاحيات الواسعة من تشكيل جهاز استخبارات إقليمي موحد مهمته العمل والتنسيق مع الأجهزة الإيرانية الأخرى وأجهزة الاستخبارات القطرية والعراقية والسورية وذلك من أجل «مواجهة أعداء النظام الإيراني، أي الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة».
ومعروف أن سليماني هو من يتولى ملف تدخلات إيران الإقليمية ويشرف على ميليشيات «الحشد الشعبي» العراقي وميليشيات «زينبيون» و«فاطميون» و«حيدريون» وغيرهم في سوريا، بالإضافة طبعاً إلى «حزب الله» اللبناني وجماعة الحوثي في اليمن.
ويشرف جهاز استخبارات «فيلق القدس» على هذه التحركات، حيث بات لدى قاسم سليماني وفيلقه تجارب داخلية وخارجية في قمع الشعوب المناهضة للنفوذ والتوغل الإيراني في دولها. كما شارك في قمع الشعب السوري وإشعال الحرب الأهلية في اليمن، رأينا مؤخراً كيف جلب سليماني ميليشيات «الحشد الشعبي» و«حزب الله» و«فاطميون» الأفغان لقمع الاحتجاجات في إقليم الأهواز ومناطق أخرى داخل إيران.
وكان مجلس القوى الديمقراطية في إيران الذي هو تحالف واسع من مختلف قوى المعارضة الإيرانية ويضم أحزاب القوميات أيضاً من الأهوازيين العرب والكرد والأتراك الأذربيجانيين والبلوش واللور والتركمان ومنظمات فارسية أيضاً، قد نشر بيانات تندد بدخول الميليشيات الأجنبية إلى داخل إيران وانتشارها تحت غطاء مساعدة منكوبي الفيضانات. كما أرسل المجلس رسائل إلى حكومات العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وباكستان يحذرها من نشر مواطنيها كمرتزقة من قِبل «الحرس الثوري» في إيران وطلب من تلك الحكومات استدعاء مواطنيها.
وفي الواقع يقوم جهاز الاستخبارات الإيراني الجديد الذي تم تشكيله حديثاً بزعامة قاسم سليماني، بتنفيذ الهجمات الإرهابية التي حدثت خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية سواء استهداف الناقلات في الخليج العربي وخليج عُمان، أو استهداف السفارة الأميركية في بغداد، بالإضافة إلى استمرار هجمات الحوثيين الصاروخية ضد المملكة العربية السعودية.
وتهدف إيران من خلال هذه الهجمات إلى زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وخلق فوضى في الأسواق النفطية، ولعل أكبر دليل هو ارتفاع أسعار النفط عقب استهداف ناقلتي النفط في بحر عُمان وقبله 4 ناقلات في الخليج العربي، حيث ارتفعت الأسعار على الفور ما يقارب 4% خلال يوم واحد.
وبرأيي هذه الهجمات الأخيرة، هي رسالة للأميركيين يريد «فيلق القدس» من خلالها أن يقول إن إيران لديها اليد الطولى والإمكانيات لخلق فوضى بشكل سريع لزعزعة استقرار أسواق النفط وتهديد الملاحة البحرية في الخليج.
إذا ما درسنا التكتيكات المستخدمة في الهجمات الإيرانية الأخيرة نرى أنها في جوهرها تندرج تحت إطار أساليب «الحرس الثوري» الإيراني و«فيلق القدس» نظراً إلى نوع الأسلحة المستخدمة وطريقة التنفيذ ومستوى الخبرة اللازمة وتوقيت تنفيذ هذه الهجمات.
ومن الواضح أن المستفيد الوحيد من هذه الهجمات دون أدنى شك هو النظام الإيراني دون غيره، وأعتقد أننا يجب أن نتوقع المزيد من هذه الأنواع من العمليات المحدودة، بالإضافة إلى ربما عمليات اغتيال جديدة ضد قادة المعارضة الإيرانية باستخدام عناصر من «حزب الله» أو جماعات الأفغان والباكستانيين والهنود الشيعة الموالين لإيران والمنتشرين في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة ومناطق أخرى.

Check Also

رفيقنا المناضل مهدي ابو هيام الأحوازي

تلقينا في حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي التغييرات الإيجابية في المكتب السياسي لحزبكم الموقر و الذي …