10/05/2024

تشهد الحركة النسائية في اقليم الاحواز كظاهرة نسوية جديدة، تطورا وحراكا ملموسا ومتغيرا اجتماعيا وثقافيا محسوسا مقارنة اليوم بالامس، مقارنة جيل النساء الامهات ربات البيوت والفلاحات الفقيرات الاميات والمعدمات، بجيل الفتيات المتعلمات في زمن عصر المعرفة والثورة المعلوماتية، حيث تقبع الشابات العصريات، حاملات شنط الماركات والنظارات السوداء (كما لحظتها في تلك الفيديوهات العديدة) خلف اجهزة التواصل الاجتماعي ويتواصلن من خلال تلك الاجهزة في المجتمع والبيت والجامعات والثانويات بكل بقعة في العالم، فما عادت الفتاة الاحوازية أو المرأة في المجتمع الاحوازي بشكل عام مجتمع (قرية ماكوندو) التي تخيلها الروائي الكولومبي غارثيا ماركيز كقرية معزولة تعيش عزلتها الابدية منذ مائة عام، قرية تعيش على هامش العالم نائمة في ابدية العزلة والنسيان، اليوم قرية الفلاحية او المعشر او كل القرى والبلدات الصغيرة بالامكان ربطها والتعامل معها من خلال ذلك الكائن السحري والعالم الافتراضي، فقد صارت الاحواز في بؤرة العالم، والعالم دخل أنفاس وشعاب الاحواز، ولن تستطيع سلطات القمع والاستبداد والحرس الثوري عزل المجتمع الاحوازي وحصاره واغلاق منافذه، كما كان يحدث منذ سنوات طويلة او حتى قبل بضع سنوات، فكل معطيات العصر وزخمه المتدفق صارت بوابة الاحواز مفتوحة نحوه، وكل نوافذ الاقليم تتنفس هواء الفضاء المفتوح، الذي صار عابرا للقارات مثل أية ثقافة كونية.

لقد هشمت الثورة المعلوماتية والاتصالات في عصر العولمة، تلك المفاهيم الضيقة للسيادة القومية ومخاوف مقولات قديمة كالغزو الثقافي، فقد بات العالم متداخل يغزو بعضه البعض ويتنافس ساعيا كل طرف على فرض منظومته الفكرية والاقتصادية والثقافية، ولم نعد قادرين على العيش في وهم الانغلاق والتخندق والاحتماء من أي غزو ثقافي خرافي عبر تلك الاقمار الصناعية السيارة في مجرات كوكبنا الخارجي. كل ما يمكننا فعله نحن (الصغار) في صراع الحيتان هو البحث الممكن الواقعي على قدرة ذاتنا في الدفاع عن نفسها في صراعها مع الاخر.

يحاول التيار السلفي في الاحواز والنظام القمعي في طهران، محاصرة مشاركة المرأة في كل مناحي الحياة وببرمجة ما يناسبها ومالا يناسبها وفق هندسة الفكر المغلق والعداء المطلق لحرية المرأة وحقوقها الكاملة.

ونشاهد محاولة تلك التيارات الرجعية السالفة تأبيد هيمنتها على حقوق المرأة بشتى الوسائل والاطروحات المناهضة لدورها كمساهم وشريك ضروري مع الرجل في الحياة والولادة والموت والانتاج، حقها ان تكون كنصف المجتمع المعطل المشلول في أن يغادر جدران البيت الابدية (المغادرة بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي لتقسيم العمل وليس الدلالي لمعنى البيت كعش انساني)، حيث انطلاقة التعليم وانتشاره في اقليم الاحواز لا يستهدف كسر امية الاناث حتى مراحل معينة، فذلك كان يناسب زمن غابر وقد ولي، فالعائلة والمجتمع لن يستقيمان وينموان ويتطوران بتهميش نصف المجتمع كما ان اي مجتمع حر لن يكون حرا والمرأة فيه تخضع لعبودية مزدوجة هي عبودية الرجل والمجتمع. لقد دفعت المتغيرات والتطورات الموضوعية في اقليم الاحواز لتنامي ظاهرة فاعلية ومساهمة المرأة الاحوازية في مجتمعها محاولة تهشيم تابو أن الأنثى (مخلوق ضعيف ومثير وشيطاني!).

تلك الاهانة التاريخية للمرأة باتت من مخلفات الماضي، بل والحديث حولها مدعاة للسخرية والنقيصة لا غير، المرأة هي الجناح الاخر للمجتمع ولن يستطيع (الصقر الاحوازي) الطيران للفضاء البعيد بدون ذلك الجناح الاحوازي الجميل، الماجدات ليس هتافا في التظاهرات وحسب، وانما ماجدات فعلا وعملا وواقعا، بمنحها الحق الكامل وفق الدساتير والمواثيق العالمية التي بات عالمنا متعارف عليها ويتعامل بها في كل المحافل الدولية.

ما اكدته المشاركة الواسعة والنوعية للمرأة الاحوازية في انتفاضة الكرامة الثانية، عن ان الرهان على (الحصان الاحوازي) في سباق الزمن لن ينال مرتبة النصر بدون الفارسة الاحوازية الشجاعة، فهن لسن اقل شجاعة من نظيراتهن النساء في مترو طهران وهن يقرأن نشيد المساواة والعدالة للنساء في يوم المرأة العالمية. لقد برهنت المرأة الاحوازية في انتفاضة الكرامة الثانية، انهــا لــن تقبل المسـاس بكرامتهــا وهويتــها، وبأنهـا لن تكــون مجــرد دميــة فارسـية لمن يهمه الامر.