بدر عبدالملك
لا نعرف حتى الآن من هو الشخص أو الجماعة التي أطلقت على الواتساب ظاهرة فنية وثقافية واجتماعية تمزج بين الدعابة والمرح والبذاءة وأطلقت عليها تسمية «هلا بالخميس».
وقد تم اختيار يوم الخميس كونه اليوم الأخير من أسبوع العمل الممل والمضني، فبعدها سينعم النشطاء والكسالى بيومين او يوم ونصف من الإجازة، لذا باتت الساعات الأخيرة من يوم الخميس تحمل في طياتها دفقة من المرح والفرح، حيث ستغلق الادراج والمكاتب.
الخميس قوس قزح يتلون بروح مميزة في البحرين ودول مجلس التعاون لهذا يستقبل الناس ساعات الدوام فيه بنوع من المعنويات الخاصة والحيوية الخفية، فالخميس صار مشروعًا للمساء، ومشروعًا للتسوق والرحلات والزيارات والتنزه في اليوم الآخر بعد نوم عميق وسهر بثرثرة الاهل والاصدقاء.
هذا اليوم «هلا بالخميس!» تحول على الواتساب بعدد لا يحد من التعبيرات والاستخدامات، بعضها تبلغ حد الوقاحة والاسفاف لصور خليعة فيما البعض فضل بإخراجه وقفشاته مونتاج تراثي جميل يحمل من اللمسات تلك الروح الإبداعية لصاحبها.
امتزج فرح الواتساب بفرح اليوم ذاته، فالجميع يتفق دون خلاف على الترحيب المميز، وبالخلاص من اليوم الأخير في الدوام، خلاص من شقاء الأوراق البيروقراطية والمراجعات التعيسة مع موظف لم ينفض عن عينه كسل الليلة الفائتة ولا خمول الأيام الماضيات في عبث الساعات الضائعة.
هؤلاء جميعهم كما قلنا النشطاء والخاملين سواسية يعتليهم فرح صامت او ظاهر فلا أحد يرفض او ينزعج من ساعات الفرح القادم. الخميس هو حافة الزمن بين مسافة العمل والإجازة، هو الفراغ الاجتماعي والحياتي للبشر في كل الدول فأيام الراحة هي إعادة تنشيط قوانا لعملية الإنتاج المستمرة وبجعل معنوياتنا وأرواحنا تعيش دائرة السعادة الصغيرة.
ولكن هذه المرة الخميس سيكون مختلفًا عن كل أنواع الخميس في رزنامة السنة، خميس ايراني يحمل في جنباته عيد النيروز الشعبي لانتفاضة تفجرت فجأة دون علم السلطات وأجهزتها المنتشرة بين جفون الناس وتحت جلدتهم كالشيطان الرجيم. في الثامن والعشرين من ديسمبر عام 2017 سيكتب المؤرخون عن ذلك الخميس العاصف المميز، حيث اندلعت «شرارة» الانتفاضة في شوارع مدن ايرانية، تطالب بحقوقها المنهوبة في ظل غلاء فاحش، وليصبح بعدها الخميس الايراني أياما متتالية من الحرائق الساخطة والاصوات المنتشرة في أزقة الاحياء والبلدات.
بات الخميس الايراني الثوري والشعبي المنتفض كالدم في العروق والشرايين حدثًا عالميًا تناقلته وكالات الانباء، لتصبح الجمهورية الاسلامية في لحظتها هي بؤرة الحدث العالمي. الخميس الايراني كان لحظة من لحظات القشعريرة الشعبية التي استقبلتها شعوب العالم الحر بفرح بالغ، وهي في داخلها تتمنى بسعادة خاصة رحيل نظام الظلام، غير ان هناك قشعريرة أخرى تبدت في كيان المؤيدين وحلفاء وأصدقاء النظام فأصيبوا بنوع من الدهشة والجمود والخوف والقلق على بيتهم المقدس وثورة المستضعفين التي أوهمتهم بسحرها وكبلت أعناقهم برزمة الدولارات وأوهمتهم بمشروع خيالي شطح بعقولهم نحو تخوم المستحيل، أوهمهم بامبراطورية الثورة الجديدة في مواجهة الاستكبار العالمي.
الخميس الايراني قد يكون نقطة فاصلة في التاريخ القادم الجديد من التغيرات الكبرى، وقد يكون تمرينًا عامًا لم تستكمل كل مهماته وشروطه بتحقيق حلم الثورة.
على الشعوب ان لا تفقد الأمل عند تراجع منحنى الانتفاضة من الصعود المستمر والاتساع والزخم والحماسة، ربما الانتفاضة اندلعت شرارتها دون حسبان القوى السياسية المنظمة لتلك المفاجأة، فالبعض في الشارع الايراني يعلل احيانًا سبب الخفوت النسبي بتبدل في مزاج الناس وقلة حيلتهم فيما الشعب المفعم بالأمل يراه هدوء قبل الطوفان، وقد نسميه التقاط الأنفاس لقراءة التكتيكات القادمة وتقدير الموقف ومراجعة القوى والامكانيات المتاحة.
الأمل هو روح كل ثورة شعبية منتفضة، وهي كالجنين وليس على الشعب فقدان الأمل في اية لحظة من لحظات المواجهة، فهناك طاقات كامنة وخلاقة داخل كل شعب، والذي في أحلك ظروفه يتعلم من دروس كل انتفاضة، وقد سمى لينين ثورة عام 1905 في روسيا بأنها كالتمرين العام لثورة 1917.
الثوري الحقيقي لا يعرف اليأس بفشله مرة او مرتين وثلاث، ولكنه في الاخير ينتصر في المعركة التاريخية الحاسمة.
«هلا بالخميس» الايراني في الشتاء والربيع، فشعوب الأرض جميعًا وشعوب دول الجوار تنتظر الانهيار الكبير.