17/05/2024

كان الخميني من ضمن رجال دين شيعة وجهوا فتاوى “جهادية” للقضية الفلسطينية قبل أن يستلم السلطة في إيران في بداية عام 1979 عقب الثورة المعروفة التي أطاحت بنظام الشاة، وكان ينادي بـ”تحرك” الجيوش الإسلامية باتجاه القدس، ولكن عندما أصبح قائدا عاما لأحد هذه الجيوش الإسلامية في إيران، وبدلا من التوجه إلى القدس، حرّك جيوشه وحرسه تجاه العراق ودخل في حرب طاحنة استمرت 8 سنوات، خلقت توازنات جديدة في المنطقة آلت نتيجتها لمصلحة الكيان الصهيوني.
فهذه طبيعة النظام العمائمي الحاكم في إيران منذ مجيئه وحتى اليوم، يطلق شعارات رنانة للقدس والقضية الفلسطينية، ولكن عكسا لهذه العربدة السياسية، جميع أفعاله تدخل في مصلحة إسرائيل!
وأثناء الحرب العراقية-الإيرانية كان يهتف نظام الولي الفقيه يوميا بأن “طريق القدس يمرّ من كربلاء”، وفي الوقت نفسه كان يستورد السلاح الأمريكي عبر إسرائيل من خلال صفقة سرية عُرفت بـ”إيران غيت” أو “إيران – كونترا”، حسب شهادة روبرت مك فارلين مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، وأوليفر نورث أحد ضباط المجلس الأمن القومي الأمريكي الذي رافق فارلين في زيارته إلى طهران في الثمانينيات من القرن المنصرم، ورتّب الصفقة السرية التي انكشفت عام 1986 وكان لها صدى مدوٍ في الإعلام الغربي.
وحسب مجريات هذه الاتفاقية السرية، وقع كل من الجانبين الأمريكي والإيراني على الصفقة السرية في العاصمة الفرنسية باريس وبحضور “آري بن ميناشيا” مندوب المخابرات الإسرائيلية الخارجية “موساد”.
وبعد كربلاء، فتحت إيران محطات أُخرى في طريق القدس، من حمص إلى الزبداني ومرورا بحلب، ثم انتقلت إلى صنعاء وباب المندب، وقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” ومليشياته، تحارب في كل مكان إلا القدس. وفي هذا الطريق، كل محطة دخلها، حوّلها إلى حطام وجحيم وأطلال على أهلها، يظهر الحقد الفارسي الدفين ضد العرب والمسلمين، والباقي في صدورهم منذ آلاف السنين ويطرحونه من جديد في الوقت الراهن تحت عناوين مضللة كـ”الدفاع عن الحرم” أو “المزارات المقدسة”!
ومن خلال شعاراتها حول القدس، لعبت إيران العمائمية وما زالت تلعب بمشاعر العرب والمسلمين، والرئيس الأمريكي بقراره الأخير تجاه القدس، قدم لها ولشعاراتها المكشوفة اندفاعا جديدا، ستوظفه في سياستها الإقليمية في تمزيق الوطن العربي وتفريق شمل المسلمين ورعاية الحركات الإرهابية في المنطقة.
وبعد فشل دبلوماسيته في المنطقة على الصعيدين العربي والإسلامي، وحصول اصطفاف عربي-دولي جديد في وجه تدخلاته المدمرة في المنطقة، سيتشبث الولي الفقيه بقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس كورقة كان يحلم بها، من أجل العبث الأكثر بوضع الشرق الأوسط وإعادة نفسه دبلوماسيا بعدما تطاول على السفارة والقنصلية السعوديتين، وأخلاقيا بعدما سقط تماما في الشارعين العربي والإسلامي عقب ذبح وقتل الشعوب العربية، وعلى رأسها الشعبان السوري واليمني. وبهذا الإطار سيركز نظام الولي الفقيه على النقاط التالية:
1- يسعى إلى إرجاع نفسه للصف الإسلامي بعدما واجه عزلة إسلامية نتيجة اقتحام السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، من خلال مشاركته في اجتماعات “حماسية” تعقد هنا وهناك باسم القدس، دون أن تحرك ساكنا يقف ضد إسرائيل في إجراءاتها ضد القدس وباقي المدن الفلسطينية. وإيران لديها باع طويل في المناورة واللف والدوران حول القضايا الرئيسية ودفع الآخرين للانزلاق في أمور هامشية معروضة لخدمة المصالح الإيرانية.
إيران التفت على الثورة السورية وحولتها من انطلاقة سلمية من أجل الكرامة والحرية إلى صراع بين النظام السوري والإرهاب، بعدما خلقت قصة داعش ووظفتها في منظور المصالح الإيرانية، وحولت الثورة اليمينة من منصة تجمع مختلف الأطياف السياسية إلى حرب أهلية طاحنة تخدم مصالحها. وللعارفين بتحركات إيران الملالية، واضح أن في الوقت الراهن، تسعى إيران إلى توظيف قرار ترامب الأخير حول القدس في الخانة نفسها والأهداف نفسها، ومن وثق بالولي الفقيه في هذا الطريق، سيندم في آخر المطاف.
2- إيران من خلال مظاهراتها المنافقة وشعاراتها الجوفاء حول القدس، تسعى إلى تنظيف قذارتها في سوريا واليمن والعراق ولبنان، وطي صفحتها الدموية في قتل وذبح الشعوب العربية. بقدر أن الوطن العربي لا يمكنه نسيان المجازر التي ارتكبت على يد الإسرائيليين بحق الشعوب العربية، بقدر ذلك لا يمكن غسل يد إيران الملطخة بدماء السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين والأحواز وغيرهم تحت رفع راية النفاق باسم القدس والشعارات الرنانة التي يطلقها نظام الولي الفقيه من أجل الاصطياد في الماء العكر.
3- الخطأ الذي اقترفه دونالد ترامب بحق القدس يُعَد خطأ تاريخيا تجب مواجهته بكل الوسائل المؤثرة حتى الرجوع منه. ولكن في الوقت نفسه الرئيس الأمريكي يشكل سياسة ضاغطة على إيران في الملف النووي وتدخلاتها السافرة في شؤون بلدان المنطقة؛ فإيران ومن خلال التلاعب بقضايا القدس وشعاراتها حول قرار ترامب الأخير، تسعى لخلط الحابل بالنابل وارتباك وغموض الأمور، تسحب من خلالها الورقة الأمريكية الضاغطة عليها باسم القدس، دون أن تقدم أي شيء جديد يدخل في مصلحة الفلسطينيين.
الواقع أن إيران لا يهمها ماذا يحصل للقدس، وهي وحروبها الطائفية تعد جزءا أساسيا مما آلت اليها الأمور من ضعف ووهن في العالمين العربي والإسلامي، أدت إلى وضع القدس في ظروفه الحالية، ولكن ما يهم الولي الفقيه، هو: كيف يمكن انتزاع شرخ في الاصطفاف العربي-الدولي الجديد ضد تدخلاتها في دول المنطقة. كل ما نسمعه في طهران من صراخ وشعارات، يصب في اتجاه هذا الهدف، والقدس بوضعه الجديد ومن ضمن السياسة الإيرانية، أصبح غطاءً جديدا لمآرب الولي الفقيه التدميرية في المنطقة. والحقيقة، القدس والفلسطينيين سيكونان أفضل بعدم الانجرار وراء سياسات الولي الفقيه.
المصدر العين الاماراتية