18/05/2024

بدر عبدالملك

كتب المناضل التشكيي الذي اعدمته سلطات الغزو النازية بعد تعذيبه في مذكراته بعنوان تحت اعواد المشانق، تلك العبارة التاريخية التي حملها كل مناضلو العالم على اكفهم وهم يقاومون انظمة الاستعمار والغزو والاستبداد، حيث قال «أن المناضلين رجال موتى في اجازة من الموت». كان الاحوازي احمد نيسي امين عام حركة النضال العربي التحرري في انتظار تلك اللحظة كل يوم وكل ساعة، فمسافة المنفى لا تبتعد عن مسافة الوطن ففي كل التضاريس النضالية تبقى زناد المسدس الصامت من السلطات الايرانية المعروفة بسجلها الاسود تلاحق المعارضين، وهو سجل حافل وموثق في كل المنظمات الدولية وعند اقسام البوليس في الاتحاد الاوربي بل وفي اقطار شتى لا يمكن تعدادها. ذلك الزناد الذي ينتظر الاوامر في اختيار هدفه وقائمته السرية.
كل معارض للحكومة الايرانية في الخارج أو الداخل عرضة للتصفية الجسدية. وحسب اهمية الدور السياسي لكل شخصية معارضة يتم الاستهداف والملاحقة بعناصر وخلايا مدفونة في جميع البلدان، خاصة حيث تتكاثر عناصر المعارضة وتنظيماتها. لم يكن اغتيال احمد نيسي الاحوازي ناتج عن محض الصدفة فقد كان باستمرار يدور في حلقة تلك العناصر الاستخباراتية الايرانية في الاتحاد الاوربي. الجديد وهو المهم التوقيت المترافق مع هستيريا المخابرات الايرانية وقوات القدس في الحرس الثوري ازاء التصعيد المتبادل بين ايران الملالي والمملكة العربية السعودية حيث اشعل الصاروخ الباليستي الموجه لشمال الرياض نفاذ صبر المملكة بعد أن اختارت ايران عبر اذرعها في اليمن كالحوثيين واذرعها في لبنان كحزب الله، مما وضع ايران في خانة مكشوفة من التورط والاعتداء الثالوثي المشترك، فايران هي الممول المالي وللعتاد العسكري فيما يمارس حزب الله الدور التقني في التدريب والتركيب على تلك القطع لتكون جاهزة لللانطلاق من منفذين هم اقل مرتبة في الثالوث وهو الذراع الحوثي.
الصراع اليوم يحمل طابعا واسعا من الاحلاف والفرز بين الاطراف وفي كل ساحة هناك معركة قائمة وتنتظر الاتساع والمواجهة الشرسة. في ظل تلك التسريبات الاعلامية والدبلوماسية يصبح مصير الجمهورية الايرانية في صلب الهدف القادم، ولن يكون دون المرور بالساحات الاخرى، التي تم فيها خطف الحكومات والمجتمع بقوة السلاح والاموال المتدفقة من ايران على حساب فقر وبؤس الشعب الايراني. يشكل اغتيال احمد نيسي رسالة واضحة من هستيريا النظام الايراني للمعارضة في الخارج، والذي بات يخشى الحراك السلمي والمسلح داخليا في الاطراف، فالاكراد والبلوش والعرب وغيرهم من اكثر الاقليات العرقية تعيش احتقانا واحتجاجات يومية قد يؤثر على المدن الرئيسية في ايران، مثلما تنعكس حراكات تلك المدن الرئيسية وحيويتها على الاطراف المحتقنة والتي تعيش حالة استياء واسع وعميق. وقد استنكرت كافة الاحزاب والقوى والمنظمات الاحوازية في الخارج ذلك الفعل المشين، وطالبت السلطات في هولندا حماية الاحوازيين في اراضيها، فقد كشفت تلك الممارسة البشعة عن عودة الاستخبارات الايرانية لملاحقة كل من يعارضها بقوة السلاح والقتل.
بعد الاغتيال مباشرة صرح مصدر من فيلق استعلامات الحرس الثوري بأن نيسي قد اغتيل من قوة القدس للحرس الثوري. واكد مراسل صحيفة «امد نيوز» الايرانية والتابعة لخط وجماعات احمدي نجاد، بنشر تلك التصريحات، وهي جريدة معروف عنها بأنها كشفت عن ملفات الفساد في الحكومة قبل سنوات. ومن المعروف «ان قوة القدس في الحرس الثوري الايراني والحكومة الايرانية تعهدوا بأنه بعد اغتيال القادة الاكراد في مطعم ميكونوس ببرلين وفي النطاق الجغرافي للاتحاد، بأنهم لن يقوموا بأي عملية اغتيال داخل حدود اوربا». وتحاول الاستخبارات الايرانية ربط وتبرير اغتيال احمد نيسي بلقاء مجموعة من رفاقه في جنيف بالامير بندر بن سلطان، وتشير «امد نيوز» عن ان ذلك اللقاء تمخض عن دعم عسكري ولوجستي لللاحوازيين اثر حديث مع نيسي الذي وصفته الجريدة «بالزعيم الانفصالي الاقليمي» حيث تستهدف تلك العبارات امرين هما تأجيج الراي العام الايراني ضد المملكة بأنها تتأمر على النظام الايراني، وان احمد نيسي شخصية احوازية انفصالية بحيث يستنفر ضده الرأي العام القومي في ايران، وبذلك يكون تبرير قتله امرا مشروعا يؤيده الايرانيون.
هذا الترويج الكاذب والادعاء الفاضح بزج الاسماء وفبركة اللقاءت السرية دليل اضافي على شعور السلطات الامنية في ايران عن مدى تعاون المعارضة مع كافة الجهات التي ممكن تسند قضيتها العادلة. ونلاحظ كلما حدث تقارب بين المعارضة ودول مجلس التعاون استنفرت ايران قواها للانتقام بشتى الاشكال. ولم تسمح تلك الجمهورية الاسلامية باداء طقوس العزاء المفتوح في عائلة نيسي فتم حجز والده عندما رفض الانصياع لضغوطهم كما تم اعتقال شقيقيه (حمد وحسن) ثم تم الافراج عن حمد واحتفظوا بحسن الذي سبق وان سجن لسنوات في سجون النظام.
وذكر بعض الاشخاص الذين حضروا العزاء عن حالة اغلاق قوات الامن المنطقة كما دمرت الخيام والسقالات التي اعدت للمناسبة، الى جانب حضور رجال الامن بملابس مدنية ورسمية حيث منعت القراءة في العزاء باللغة العربية. منعت الاستخبارات وصول زرافات الناس المعزية للشعيبية، رغم ان دم احمد نيسي اختلط في لاهاي بالتوليب الهولندي، بلون تلك الزهور الحزينة على موته، وقد نست السلطات في ايران ان عروقه ودمه ينساب مع نهر قارون برغم الرصاصات الثلاث الغادرة