الحديث عن موت خامنئي وانتخاب خليفة له ليس أمرًا جديدًا، إنما هذا الحديث ارتبط بحالته الصحية كونه مصابًا بمرض عضال لا يمكن الشفاء منه، وذلك بحكم تقدمه بالسن واستفحال هذا المرض رغم جميع التدابير الطبية التي اتخذت بهذا الشأن. لكن الحديث هذه المرة عن موته على ما يبدو جديًا، وذلك حينما أعلن احمد خاتمي عضو مجلس الخبراء والمقرب من بيت المرشد عن تشكيل لجنة سرية أنيط بها مسؤولية مهمة انتخاب مرشد جديد للنظام.
إن موت مرشد النظام أو الولي الفقيه ليس أمرًا عاديًا بالنسبة لبلد مضطرب مثل إيران والذي يعاني نظامه من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، لأن مهمة المرشد في ظل نظام ولاية الفقيه لا تقتصر على الولاية الدينية كما هو الحال بالنسبة للمرجعية التقليدية الشيعية التي ترى أن ولايتها على المسلمين الشيعة هي ولاية دينية، وإنما كلما ما يصدر منها هو من باب النصح والتوجيه وغير مطلوب الالتزام به، بينما في نظام ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتم الجمع فيه بين الولاية الدينية والسياسية معًا وهو ما يشكل جوهر هذا النظام الذي فرضه وطبقه الخميني بعد وصوله للسلطة عام 1979.
إن نظام ولاية الفقيه الذي أقر دستوريًا في عهد الخميني خلافًا لما هو عليه في انتخاب مجلس الشورى أو رئيس الجمهورية الذي يتم انتخابهم مباشرة من قبل الشعب، يتم انتخاب المرشد الأعلى أو الولي الفقيه من قبل مجلس الخبراء، وذلك بموجب المادة 107 من دستور الجمهورية الإسلامية، كما تعطي المادة 117 هذا المجلس الحق في عزله إذا ثبت عجزه. ويتكون مجلس الخبراء من عدد من الفقهاء المؤهلين يصل عددهم 89 عضوًا يتم انتخابهم كل 8 سنوات مرة، وذلك بعد موافقة مجلس صيانة الدستور وهو المجلس المنوط به الموافقة على المرشحين سواء للبرلمان أو مجلس الخبراء ويختار مجلس الخبراء من بين أعضائه 12عضوًا يتم تعيين ستة منهم بالأمر المباشر من المرشد وهؤلاء الأعضاء هم الذين يحددون من هو يصلح ليشغل منصب الولي الفقيه.
ويمنح الدستور الولي الفقيه صلاحيات أكثر بكثير من صلاحيات البرلمان ورئيس الجمهورية الذي يتم انتخابهم من قبل الغالبية العظمى من أبناء الشعب، فعلى سيبل المثال لا الحصر يستطيع الولي الفقيه أن يبطل نتائج أي انتخابات أو أي قرارات تتخذها السلطات الثلاث، بالإضافة انه يعد القائد العام للقوات المسلحة، بالإضافة إلى الشرطة والحرس الثوري والباسيج (قوات التعبئة). ويعين المرشد الأعلى أيضا رئيس السلطة القضائية ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية.
وعلى ضوء الحالة الصحية التي يعاني منه الولي الفقيه تجري التحضيرات الأولية استعدادًا لانتخاب الولي الفقيه في حال موته.
وإن مثل هذه الاستعدادات لم تجرِ بين ليلة وضحاها وإنما قد اتخذت منذ العام الماضي، وذلك على ضوء تدهور حالة خامنئي الصحية وذلك حينما تدارس مجلس الخبراء في جلسته 107 و109مهمة تعيين الخليفة المحتمل، حيث أقر في حينها بالإجماع الموافقة على تشكيل لجنة مكونة من ثلاث أشخاص كان قد تم تشكيلها باقتراح من قبل الولي الفقيه نفسه.
وفي هذا المجال صرح أحمد خاتمي المتحدث باسم الهيئة الرئاسية لمجلس الخبراء وقبل عقد الاجتماع الـ52 للمجلس لوسائل الإعلام وذلك يوم الأربعاء المصادف 4/3/2017 قائلاً: «إن لجنة تعيين المرشد عاكفة في الوقت الراهن على دراسة أسماء الأشخاص المؤهلين لشغل هذا المنصب».
ثم أضاف خاتمي قائلاً: «ليس الأمر هو أن يتخذ مجلس الخبراء قراراته عند وقوع الأزمات وإنما قد اتخذ احتياطاته، وفي هذا المجال شكل لجنة لتتخذ قرارها بشأن انتخاب قائد المستقبل، ولكن لا يعلم أي أحد عن عمل هذه اللجنة ولا عن الأسماء المطروحة، حتى إنني شخصيًا لا أعلم عن هذا الموضوع أي شيء وحتى لم أتابعه لأن هذا العمل يتم في أجواء سرية للغاية».
هذا، ومنذ الإعلان عن مرض خامنئي وعلى ضوء الأحاديث التي تدور هذه الأيام بين أوساط المجتمع الإيراني بات رحيل خامنئي «وان كانت الأعمار بيد الله» أمرًا مؤكدًا، كما أن ما أعلن عنه أحمد خاتمي عن دور مجلس الخبراء وعقد اجتماعاته وتشكيل لجانه ما هو إلا مجرد للاستهلاك الإعلامي لا غير، لأن مجتبى خامنئي والحرس الثوري الإيراني عاكفون على تعيين خليفة للمرشد من شأنه أن يحافظ على مصالحهم ويأتمر بأمرهم وقد مهد موت رفسنجاني الطريق لشخصيتين لتولي هذا المنصب وهما آية الله إبراهيم رئيسي سادن مرقد الإمام الرضا في خراسان والثاني آية الله محمود هاشمي شاهرودي رئيس السلطة القضائية، وذلك لمرحلة انتقالية تمهيدًا لتعيين مجتبى خامنئي بن خامنئي فيما بعد كمرشد للنظام في إيران.
د. جابر أحمد
المصدر: جریدة الأیام البحرینیة