على اثر انتقال والدي الى العمل في مصفى تكرير البترول في عبادان انتقلنا نهائيا من مدينة الاهواز الى عبادان وبعد ان اكملت السنة السابعة من عمري دخلت المدرسة الابتدائية التابعة لمنازل شركة النفط ،وكانت تسمى بمدرسة دهقان الابتدائية ، وتقع بين محلة ابو الحسن او حمام الجنة والفيشة وشركة النفط ،وكانت المدرسة قريبة من البيت وعندما دخلت المدرسة شأني شأن الكثير من الطلاب العرب ، كنت عاجز عن الكلام باللغة الفارسية ولم اعرف من مفردات هذه اللغة حتى ما معنى كلمتي ” نان و آب” أي كلمتي الخبر و الماء ،وفي هذا المجال كما هو حال الطلبة العرب واجهت صعوبة كبيرة في تعلم اللغة الفارسية ظلت هذه الصعوبة ترافقني حتى الصف السادس الابتدائي وبسببها كان فهمي للغة الفارسية ضعيف للغاية ،وهنا لابد من الاشارة انه كان آنذاك لا يسجلون الطفل في المدرسة إلا اذا بلغ من العمر 7 سنوات وليس 6 سنوات كما هو عليه في الوقت الراهن .
وفي هذه السنوات أي السنوات الابتدائية، كنت اسافر اثناء العطلة المدرسية الصيفية بمعية افراد اسراتي من عبادان الى مدينة الاهواز لرؤية بيت خالي، وكان السفر آنذاك وبسبب تخلف وسائل النقل وقلتها محفوف بالكثير من المصاعب والإخطار، وكنت اثناء وجودي في مدينة الاهواز العب مع اقراني، وكنت أتذكر جيدا كنا نذهب للعب الى أحد الملاعب الرياضية القريبة من بيت خالي الواقع في الضفة الغربية في مدينة الاهواز.
وبعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية انتقلت الى الاعدادية وهي ليست ببعيدة عن موقع المدرسة وتسمى مدرسة “بيروزي” ،وبعد تخرجنا من الاعدادية كان والدي قد بلغ سن 63 وبسببها احيل الى التقاعد وعلى ما اتذكر عشت 8 سنوات في عبادان، وإثناءها لم يحصل والدي على بيت حكومي بسبب انخفاض مستوى درجته العمالية كونه عامل بسيط ، وقضينا كل فترة تواجد والدي عبادان في بيت ايجار وكانت في تلك الفترة أي في فترة حكم الشاه رضا ومن بعده ( قبل الستينات )ما يقارب ال80% الى 85% من عمال شركة النفط هم من العرب ولكن التفريس في الستينات من القرن الماضي الا انه تطور بشكل رهيب وممنهج مع مجيء الجمهورية الاسلامية ،فلم نشاهد آنذاك تغير في النسيج السكاني ،كما نشاهده اليوم في عهد الجمهورية الاسلامية التي تدعي الاسلام كذبا .
كانت علاقة والدي مع اقرانه من العمال العرب في شركة النفط جيدة ،وقد نسج علاقات اثناءها علاقات صداقة مع الغالبية العظمى منهم وخاصة اولئك القاطنين في القرى بدءٍ من المنيوحي والقصبة حتى عبادان، حيث تنتشر قرى منها ،اشطيط ، الرميلة ، المنيوحي ، اشلاي حج حسين خسرو آباد وكانت قراهم منتشرة على ضفاف الانهار مثل ، نهر ابو فلفل ، نهر ابو عدس ، نهر ابو تمر و… وكان اصحابها يملكون الكثير من بساتين النخيل والكثير من عمال شركة النفط وكانوا من سكان هذه المناطق الذين نسميهم بالحضر، وكنا في موسم جني محصول النخيل لا نشترى البلح( الخلال ) أو التمر او الرطب من الاسواق بل كان اصدقاء والدي يزودننا بها كهداية طيلة فترة الموسم ،وهي انواع ،منها البرحي ،البريم و لقنطار وانو ع التمور الاخرى وكنا لم نشتري أي من انواع التمر من السوق .
وعندما عدنا الى مدينة الاهواز كان عمري آنذاك لا يتجاوز ال15 الى 16 عاما ،حيث اكملت خلالها في دراستي الابتدائية والثانوية في مدينة عبادان ، وكنت اتذكر في الصف الخامس كان هناك معلم عربي اسمه سالم بن مهدي الصالح من بيت شرهان وقد كبرنا سوية في ابوجلاج ، إلا انه انتقل فيما بعد من البسيتين الى عبادان وله اخ اسمه فرج الله وكانت فارسيته ضعيفة مثلي وإثناءها حدثت حرب الخامس من حزيران بين العرب وإسرائيل 1967 وتسمى النكسة خسر العرب في الحرب ابان حكم الزعيم جمال عبد الناصر ، وكان التلاميذ الفرس يقفون الى جانب اسرائيل ويساندونها وكانوا يستهزئون بنا ، وكان الجدال فيما بيننا ينتهي احيانا بيننا الى الصدمات بالأيدي وكان فرج الله من بين اولئك الطلاب الذين يتصدون لهؤلاء التلاميذ الفرس ،وفي الحقيقة التلاميذ الفرس هم الذين فتح عيوننا على كوننا عرب ،كانوا على الدوام يقول لنا انتم عرب ،وهم الذين بثوا فينا روح العداء ضدهم بسبب عنصريتهم ،وبالتالي ممارسة هذه العنصرية ضدنا ،هي التي وعتنا وعززت لدينا الانتماء القومي على قضيتنا منذ الصغر .
وهنا لابد من الاشارة كانت العلاقات الاجتماعية بين العرب جيدة جدا وكانت الرابطة الانسانية اقوى من الرابط القبلية، وكانت الخلافات والنزاعات التي تقع بين الجيران تسوى وديا بعيدا عن التدخلات العشائرية، وليس على اساس قبلي وعشائري، وكانت القيم آنذاك اتكرس الاخلاق لخدمة الجار.
كان حي رفيش اباد ولشكرآباد مناطق شعبية وفقيرة وتفتقد لأبسط الخدمات الصحية، ولم يكن هناك أي اعتناء بهما من قبل البلدية ، فلا مجاري صحية ولا وجود لتمديد شبكات المياه الصالحة للشرب ،وليس هناك اعتناء بمثل هذه الامور من قبل البلدية كان يفصل حي رفيش اباد عن لشكرآباد شارع اسمه انوشه وكان رفيش الذي سمى الحي باسمه قد سكن في بداية الشارع ويعتبر اول من سكن هذا الحي ،اما تسمية لشكرآباد ”منطقة الجيش” فكانت هذه المنطقة مقر للحامية البريطانية ابان الحرب العالمية الاولى وقد فصلت كحي وفقا لخريطة بريطانية خاصة ،و فيما مضى كانت بيوت لشكرآباد خلافا لرفيش مبينة من الطابوق المخفور ،وهي مجاورة لكمبلو وكان البريطانيون ايام الشيخ خزعل لهم معسكر في هذه المنطقة .
عندما كنت في عبادان سمعت بظهور حركة سياسية متأثرة بحركة القوميين العرب وبثورة عبد الناصر و كان اغلب المنتمين للحركة هم من ابناء العشائر ومن الموظفين الكبار في شركة النفط ،وفي الاعوام السابقة لذلك عام 1952 ،تم تأسيس حزب السعادة من اهم شخصياته حداد وطرح برامج للحكم الذاتي ، وقد حصل بينه وبين حزب التودة صدامات ادت الى حرق بيته واستشهاده في فترة حكم ابن الشاه محمد رضا شاه .
اما التنظيم العربي الجديد الذي تأسس عام 1958 فقد سمى نفسه باسم اللجنة القومية العليا وهو تنظيم سري ، إلا انه سرعان حتى انكشف امره وفي عام 1963 اعدم قادته وهم محي الدين آل ناصر ودهراب شميل وعيسى مذخور النصاري في مدينة الأهواز وبعد ان تمت محاكمتهم في طهران نفذ حكم الاعدام بهم فجرا في مدينة الاهواز ،ودفنوا في مقبرة الاهواز التي سويت في الارض في عهد الجمهورية الاسلامية ، وتبدلت الى مصلى رغم ان الصلاة لا تجوز فوق القبور ولكن نظام الجمهورية الاسلامية بعد تدمير قبور بنيت مصلى أي مسجد كبير فوقها .
ومن اهم عناصر هذا التنظيم محي الدين ال ناصر، دهراب اشميل وعيسى مذخور النصاري، حيث كان والد عيسى وهو الشيخ مذخور سبق وان قاد انتفاضة في زمن رضا شاه ولكنها فشلت لأسباب عدة منها كونها حركة عشائرية محصورة في منطقة واحدة وقد اعتقل من تنظيم اللجنة القومية العليا لتحرير عربستان أكثر من 300 شخص وكانت تلك حركتها قد شملت معظم المناطق الأهوازية كافة.
وقد علمنا فيما بعد ان هذه الحركة كشفت بسبب تسلسل بعض العناصر العربية المنظمة من قبل “الساواك” الى داخل صفوفها، وقد عرفنا ايضا من بين هؤلاء العملاء اولاد احمد الزيارة حميد وشايع …...
وبين الذين خانوا الحركة ايضا شخص يسمى …. وآخر يسمى ….. ولكن ابناءه البجاري …..، اولاد جيدين أحدهم محامي قتل، إلا انني للأمانة اقول ان محمود احمد الزيارة وهو أصغر اولاده سواء اختلفت معه بالرؤية السياسية او اتفقت فهو مناضل وطني اختار الانحياز لشعبه ونهجه يختلف عن نهج بعض اخوانه (شایع و حمید) و….
وكان البجاري صهر لأحمد الزيارة، ………… اما ولده شايع بعد اعدام قادة التنظيم عين رئيسا لبلدية البسيتين وهو منصب كان حكرا على الفرس ويمنح احيانا لمن هم في خدمة النظام من العرب، اما حميد دخل استخبارات الجيش ركن 2 وقد اساء كثيرا لأبناء شعبنا العربي وخاصة لسكان ابناء جلدته في البسيتين والخفاجية.
انتهت الحلقة من مذكرات الراحل عدنان سلمان من حي رفيش الأهوازي الى لندن عاصمة القرار السياسي وتليها الحلقة الثالثة.