تصادف هذه الايام الذكرى الاولى لرحيل القيادي الأهوازي البارز الاخ “عدنان سلمان” الأمين العام السابق لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي والذي توفي في مدينة لندن في أب عام 2015 وذلك على اثر مرض عضال الم به حيث لم يمهله كثيرا، وكان المغفور له من مواليد مدينة الأهواز عام 1955 وقد دخل المعترك السياسي منذ ان كان في ريعان شبابه وفي مرحلة كانت على قدر كبير من الاهمية واستمر بالنضال حتى اخر لحظة من حياته، حيث شهدت الفترة الواقعة ما بين 1965 حتى 1970 حراكا غير مسبوق في تاريخ العمل الوطني الأهوازي، وإذا ما اردنا دراسة الاسباب الكامنة وراء هذا الحراك، نرى ان جيل الستينات من الشباب العربي الأهوازي الذي دخل معترك السياسة، قد تأثر بمجموعة اسباب شكلت منعطفا اساسيا في تاريخ حياتهم السياسية ولعل من اهمها:
اولا: انبثاق اول تنظيم سياسي عام 1958 وما تبعته من تطورات على الوضع الداخلي وخاصة الزيادة الملحوظة في عدد المتعلمين من ابناء شعبنا العربي الأهوازي.
ثانيا: انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 وانعكاساتها في المنطقة وتأثر ابناء الشعب العربي الأهوازي بها.
رابعا: حركات التحرر الوطني العربية والعالمية التي انتهجت الكفاح المسلح وسيلة لتحرير اوطنها.
خامسا: معاناة الظلم الاجتماعي والاضطهاد القومي الذي عانى منهما المواطن العربي الأهوازي على يد النظام الشاهنشاهي البهلوي والأمل الذي كان يراود الاجيال من ابناء شعبنا للتخلص منه.
وقد كنت واحدا من بين هذا الجيل الذي تأثر بهذه الاحداث الهامة، وذلك منذ ان كنت طالبا في الثانوية العامة ،وعندما التحقت بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز بعد تأسيسها مباشرة، كما اننى تأثرت آنذاك بنهج الكفاح المسلح، إلا انني قطعت علاقتي مع هذه الظاهرة في وقت مبكرا، لإدراكي بأهمية النضال السلمي ودور الوعي والحراك الجماهيري في ألتغيير وللأمانة لابد لي من الاشارة ان هذا التحول نحو النضال السياسي السلمي قد اصبح بعد عام 1975 نهجا اساسيا سارت عليه الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان، كما ان المرحوم عدنان سلمان شخصيا، كان قد فك ارتباطه هو الآخر مع أي عمل تنظيمي يمت للكفاح المسلح بصلة منذ وقت طويل (1977)، وقد اعتقد بأهمية النضال السلمي وقد مارسه قولا وعملا ما يقارب اكثر من ثلاث عقود ونيف الماضية.
وتربطني مع الاخ المناضل عدنان سلمان علاقة نضالية تمتد الى ما يقارب أكثر من اربعة عقود وذلك عندما التحق في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز، عندما كان لها تواجد في العراق في حقبة السبعينات (1970-1975) وكان آنذاك أصغر المناضلين سنا وأكثرهم حيوية، عمل ومنذ ذلك التاريخ على تطوير نفسه سياسيا وثقافيا، وكانت تتصف فيه سمات القيادة منذ ذلك الوقت.
وإثناء فترة وجودنا في العراق لم يفرقنا عن بعضنا البعض إلا واجب المهمات النضالية، وكنا نتطلع سوية الى المستقبل، حيث كان آنذاك وفي عز سطوة النظام الشاهنشاهي، يحدثني وكأن سقوط نظام الشاه كان على قاب قوسين او ادني.
لازمته في حياته السياسية فكان مشوارنا ورحلاتنا السياسية مشتركة بدءً من رمال ووديان مشداخ الى هور العظيم ومن ثم ربوع شط العرب، فبغداد ودمشق الى طرابلس الغرب وعدن والكويت الى لبنان، وبما فيها بيروت، صور، صيدا والنبطية وأخيرا لندن عاصمة القرار السياسي.
في عام 1975 وبعد عقد اتفاقية الجزائر بين إيران والعراق عام 1975خرجنا سوية من العراق فحط بنا الرحال في سورية ومن ثم لبنان، ثم التنقل في مهمات تنظيمية والعودة مرة ثانية الى سورية.
بعد سقوط نظام الشاه بوقت قليل، كنا من بين اوائل الأهوازيين من كوادر وأعضاء الجبهة الذين دخلوا الوطن بعد غياب استمر عدة سنوات في الخارج، وإثناءها كان لتحركه دورا مهما في تأطير النضال الوطني للشباب الأهوازي، الذي استعاد هويته النضالية بشكل منظم بعد سقوط نظام الشاه، فترى ابو فاروق يتنقل من الأهواز الى عبادان والفلاحية ثم المحمرة والخفاجية والحويزة والشوش وساير المدن الأهوازية الاخرى، داعيا الجميع الى إدراك اهمية النضال الوطني والمساهمة فيه من اجل احقاق حقوق شعبنا العربي الأهوازي المشروعة.
وعندما انتكست الثورة عبر سيطرة رجال الدين وإعلانهم عن قيام الجمهورية الاسلامية وازدياد القمع ضد شعبنا العربي في الأهواز، خرج من خرج وترك من ترك من رفاقه القدامى في النضال، إذ آثر البقاء في الوطن مواصلا رحلته النضالية الشاقة وقد تعرض اثناءها الى الاعتقال والتعذيب والمنع من السفر لمدة طويلة.
وإثناء وجوده في داخل الأهواز لم تنقطع صلتي به طيلة تلك الفترة والتي استمرت منذ عام 1980 الى حين خروجه من الوطن في اغسطس- اب 2001.
وبعد خروجه واستقراره في بريطانيا، اتصل بي على الفور، وكان يبحث ويتدارس الافكار في سبيل تأطير العمل الوطني الأهوازي، والبحث في افضل السبل للنهوض بالقضية الأهوازية عبر تنظيم سياسي يمتلك البرامج السياسية المبنية على ارض الواقع، وبأساليب نضالية جديدة بعيدة كل البعد عن العفوية والانفعال لأنه كان يؤمن ايمانا راسخا بأننا لا يمكننا ان نطرح قضيتنا سواء على الصعيد الداخلي الأهوازي او الإيراني او الاقليمي او العالمي، دون ان يكون لنا تنظيم سياسي عصري يسترشد بآخر الاساليب النضالية التي توصل اليها المناضلين والتي اعطت ثمارها على ارض الواقع .
ولقد اثمرت تحركاته وبقية زملائه ممن يشاركوه، نفس الافكار، الى تأسيس حزب سياسي يؤطر نضال شعبنا، وقد تتوج هذا الحراك عن الاعلان عن تشكيل حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي الذي عقد مؤتمره الاول في عام 2003، حيث يعتبر ولادة هذا الحزب وما خرج به من صيغ نضالية عبر برنامجه السياسي ونظامه الداخلي حدثا تاريخيا غير مسبوق في تاريخ نضالنا الوطني.
وعندما سنحت الفرصة وسافرت وأسرتي من فنلندا الى بريطانيا، كان هو وأسرته بانتظارنا في المطار فكان لقاءنا وكل منا مع اسرته وأولاده وبعد انقطاع دام عقديين ونيف كان حدثا عاطفيا لا يوصف واستمرت هذا العلاقة ولم تنقطع حتى رحيله.
وخلال تلك الفترة، أي منذ اعلان عن تشكيل حزب التضامن كانت توجه لي الدعوة لحضور مؤتمراته وما عدى المؤتمر ألتأسيسي، كنت حاضرا في جميع المؤتمرات الاخرى، واستمرت هذه العلاقة حتى اخر يوم من حياته.
هذا ومن الناحية السياسية والإعلامية شكل مركز دراسات الأهواز ومنظمة حقوق الانسان الأهوازية وحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي وبقية الاخوة من المناضلين ممن يقتربون من برنامج الحزب ونهجه رافدا واحدا يدعم عبر أحدث الاساليب النضالية بما فيها اسلوب النضال السلمي والمدني، نضال شعبنا في الخارج والداخل.
وعندما بدأت علامات المرض تظهر عليه وتبين انه مصاب بمرض عضال، سافرت الى لندن للاطمئنان على صحته، وكنت الى جانبه طيلة فترة مرضه، وما اثار اعجابي واكباري له هو ليس شجاعته السياسية المعهودة عندما كان يناضل وسط الهور العظيم وفي وديان ورمال مشداخ وحسب، وانما مواجهته للمرض فكان مبتسما ولم اري طيلة وجودي الى جانبه أي علامة وجل أو ضعف او الاستلام للمرض وكان مفعم بالأمل ويردد لمحبيه باستمرار بأنه سينتصر على هذا المرض الأليم وسوف يهزمه.
اما فكرة كتابة مذكراته فكانت قد أتت بطلب من ولده فاروق الذي كان يدرك آنذاك مسبقا خطورة مرض والده، لذلك قال لي يا عمي ان والدي كان يسرد لي الكثير من الاحداث السياسية والتي مر بها في حياته السياسية وإنني اخشى ان يرحل والدي ويضيع معه تاريخ بكاملة، لا ادري ما هي الطريقة التي نستطيع بها ان نحثه على كتابة مذكراته، وبعد ان تدارسنا الوضع معا قلت له ان والدك الان عاجز عن الكتابة ولابد لي من وضع مخطط لكي تستطيع بموجبه البدء في التسجيل، وبعد ذلك جلست في احد استراحات المستشفى في لندن ووضعت له مخطط يتكون مبدئيا من خمسة فصول بدءا من ولادته حتى خروجه الى اوروبا وتشكيل حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي، وبالفعل سلمت المخطط الى ولده فاروق الذي بدء بموجبه الراحل تسجيل مذكراته، وقد نجحت الفكرة إلا انه لم يتمكن اكمال الفصل الاخير من التسجيل حيث اشتد عليه المرض ونقل مرة ثانية الى المستشفى.
وعندما عدت الى فنلندا وبعد خروجه من المستشفى كنت على اتصال دائم معه، اثناءها كان هم شعبه أكبر الهموم لديه ولم يفارقه هذا الهم حتى دخل في غيبوبة الموت.
قبل وفاته بعدة ايام معدودة اتصل ولده فاروق وقال لي عمي اخوك في وضع خطر، إذا اردت ان تلقي عليه نظرة الوداع الاخيرة فتحرك عاجلاً، وفعلا تحركت ولكن عندما وصلت الى المستشفى في لندن كان قد دخل في غيبوبة كاملة، وعندما اردت التحدث اليه وهو مسجى على سريره، قيل لي ان الاطباء يمنعون التحدث اليه، والسبب بأنه لا زال يتمتع بحاسة السمع وربما يولد لديه احساس بالأذى، فقبلته على وجنتيه وبقيت إلى جواره حتى فارقت روحه جسده الطاهر. ولم تنتهي رحلته معه الى هذا الحد بل لازمته حتى مثواه الاخير.
من جهة اخرى كان ولده فاروق فد نجح في تسجيل اهم فترات حياته النضالية ورغم انه كان على حافة الموت الا انه كان يتمتع بذاكرة قوية وبالتالي ما حصلنا عليه من تسجيل يشكل جزءاً مهما من ذاكرة الشعب العربي الأهوازي السياسية.
قام ولده فاروق بإرساله تلك المذكرات مسجلة على قرص لي، وما ان استلمتها حتى بدأت بنقلها من الكلام الى الكتابة ووفق ما تطلبه الحالة الفنية لكتابة تسلسل الاحداث لان التسجيل كان في اللغة العامية، إلا انني اثناء النقل قد كنت امينا الى درجة كبيرة على كتابة تلك الوقائع التي تم تسجيلها والتي اخذت مني جهدا نفسيا وجسديا استغرق وقتا طويلا وقد كانت حصيلة هذا الجهد وترتيب الاحداث حسب تسلسلها الزمني وفرزها وحصرها. كما تطور المخطط السابق وبدل ان يكون خمسة فصول ليبلغ إلى ما يقارب 25 فصلا، ما عدى الفصل الاخير وهو كيفية خروجه من البلاد عام 2001 ووصوله الى لندن حيث لم يمهله الموت من تسجيله.
وكلي امل ان تجد مذكراته طريقها الى النشر لأنني وحسب ما اعتقد بانها سوف تبقى سجلا سياسيا يطلع عليه هذه الجيل من مناضلين شعبنا الذي بدأ اليوم يسطر ورغم ظروف القمع اروع ملاحم النضال البطولي من اجل نيل حقوقه المشروعة للأجيال القادمة ايضا.
نبذة قصيرة عن حياة الاخ الراحل عدنان سلمان
– ولد المغفور له في مدينة الأهواز حي رفيش اباد عام 1955.
– ينتمي الى اسرة عمالية انتقلت مبكرا من الريف الى المدينة، حيث حصل والده على فرصة عمل في شركة النفط الوطنية الإيرانية في عبادان.
– عند السادسة من العمر انتقلت اسرته كليا من مدينة الأهواز الى مدينة عبادان.
– بعد ان اكمل السنة السابعة من عمره دخل المدرسة الابتدائية التابعة لمنازل شركة النفط.
– بعد ان بلغ والده سن التقاعد انتقل الى مدينة الأهواز وسكن في حي رفيش في ذات البيت القديم.
– واصل دراسته في اعدادية وثانوية “25 شهريور” في منطقة الامانية الواقعة في الجانب الغربي من مدينة الأهواز.
– اثناء دراسته تعرف على زملاء له في نفس الثانوية، الذين أصبحوا فيما بعد جزء من تنظيم واحد كان يديره ويشرف عليه المرحوم “سيد فهد” أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير الأحواز – عربستان والذي أعدم ومجموعة من رفاقه عام 1972.
– واصل عمله التنظيمي منذ ان كان شابا، وأصبح عضو في تنظيم الجبهة.
– عندما حس الخطر يداهمه، هاجر هو واثنان من زملائه الى العراق والتحق بصفوف الجبهة في الخارج.
– بقي في العراق حتى عام 1975، حيث خرج من العراق عام بعد عقد اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران.
– تدرج في التنظيم حتى أصبح عضوا في اللجنة المركزية للجبهة، ثم عضوا في مكتبها السياسي.
– سافر بمهمات تنظيمية الى عدد من البلدان العربية منها الصومال ايام “زياد بري”، وليبيا واليمن الديمقراطية بالإضافة الى البلدان الخليجية.
– بعد سقوط نظام الشاه عاد هو وبعض رفاقه من كوادر الجبهة الشعبية فوراً إلى الوطن وذلك عام 1979.
– أحد الأعضاء البارزين في تأسيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الشعب العربي الأهوازي وهي لجنة كانت تسعى الى عقد مؤتمر عام للأهوازيين بعد سقوط نظام الشاه لتكوين تنظيم سياسي موحد.
– ساهم مساهمة فعالة في المظاهرات التي تطالب بحقوق الشعب العربي الأهوازي.
– كان عضو الارتباط بين اللجنة التحضيرية وتقدمي الشعب العربي الأهوازي.
– ساهم في طبع وتوزيع نشرة الكفاح وتحمل الكثير من المشاق في سبيلها.
– من مؤسسي منظمة كادحي الشعب العربي الأهوازي.
– في الفترة الواقعة ما بين 1980- 1983 عاش وعمل في الامارات.
– في الفترة الواقعة ما بين 1983 حتى 1988 حاول ومجموعة من اخوته تشكيل تجمع مدني.
– ألقى القبض عليه وأودع السجن وذلك أواخر عام 1977 وتعرض اثناءها شتى انواع التعذيب الجسدي والنفسي.
– في اغسطس من عام 2001 خرج مجبرا نتيجة لظروف الملاحقة من قبل النظام الإيراني.
– استقر في لندن ومنذ ذلك الحين ساهم في تأسيس حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي وأصبح اميناً عاما له.
– ساهم مساهمة فعالة في تأسيس مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية.
– في الفترة الواقعة ما بين 2006 حتى وفاته عام 2015 شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية.
– مثل شعبه وحزبه في النداوت التي تعقدها هيئة الامم المتحدة.
– متأهل وله عدة اولاد وبنات.
تحية لروح فقيدنا الراحل عدنان سلمان
جابر أحمد
مركز دراسات الأهواز