التمييز والتهميش الذي تعاني منه القوميات الايرانية ،وبخاصة العرب ،والبلوش، الاكراد ، التركمان وحتى في بعض الحالات الاتراك الاذربايجانيون في شمال غرب ايران ،هو مخطط موجود منذ عهد رضا شاه ومستمر اليوم تحت غطاء ديني يضم الهلال الشيعي ،وذلك من اجل السيطرة على المناطق الشيعية في منطقة الشرق الاوسط ،مستفيدة من تجارب نظام الشاه السابق ،ومن اجل الحفاظ على السلطة الاقتصادية والسياسية في داخل ايران ،لذلك يعزف النظام بشدة على وتر التمييز ،وينفذه بشكل منظم وسري .
ومن خلال نظرة قصيرة الى الاوضاع الاجتماعية الايرانية الراهنة ،والدعاية الشاملة للثقافة واللغة الفارسية والاستفادة من ابناء القومية الفارسية في جميع شؤون البلاد الادارية والعسكرية المقترنة بتهميش القوميات ،وبخاصة العرب الاهوازيين ،البلوش ، التركمان والأكراد ،نستطيع ان نشاهد سياسة التمييز العنصري بكل وضوح .
السؤال الذي يطرح نفسه بكل سهولة هو ، لماذا جميع الوظائف في الجيش وخاصة في القوى الجوية وطيران البلاد ،وبصورة عامة جميع الطيارين العسكريين والمدنيين ،منذ زمن الشاه وحتى اليوم هم من ابناء القومية الفارسية ومن المناطق المركزية في ايران ؟ لربما هناك من يقول ان عددا من الطيارين هم من الاتراك ،ولكن هذا لا يغير من المعادلة بشيء ،لان الحصيلة النهائية وحسب الاحصائيات الرسمية الحكومية السرية ،تشير الى ان اكثر من 95% من الطيارين هم من الناطقين باللغة الفارسية ، وهل تعرفون عربيا او بلوشيا او كرديا سنيا او تركمانيا قد اصبح طيارا؟ او وصل الى رتبة عسكرية او قضائية عليا؟ او كان مسئولا اداريا رفيع المستوى ؟ الخ .
ربما هناك من يقول ان علي الشمخاني هو عربي، ولكن هذا اقرب الى المزاح منه الى الحقيقة ،ان يكون عربيا واحدا يحتل مرتبة في النظام الايراني !!! ولكن ينسى ان الشمخاني هو جزء من النظام و عموده الفقري ،وقد تزوج ثانية من امرأة فارسية من اصفهان ،وانه احد المسؤولين الذين شاركوا في قمع الشعب العربي الاهوازي ،وكلما حدثت ازمة فان علي الشمخاني هو الشخص الاول الذي يمسك بالهراوة لقمع الشعب العربي وشبابه .
فالتمييز العنصري بحق العرب وصل اليوم الى حد حتى ان بعض مدراء شركات النفط الذين يأتون من المناطق المركزية بالطائرة الى اقليم الاهواز يجلبون معهم حتى نوادلهم، واستنادا الى التقارير الاعلامية الحكومية انهم يجلبون نوادلهم معهم و يتجنبون استخدام النوادل المحليين .
وإذا ما تطرقنا الى امور اخرى مثل الموسيقى ، الافلام السينمائية ، تدريس لغة الام ، الاستخدام في الجيش و كلية الطيران ، والبعثات الدراسية في الخارج ، والشؤون الثقافية ( كلها حكرا على الفرس ) كما في عشرات الامور الاخرى التي يمارس فيها التمييز العنصري بشدة و على نطاق واسع .
وتعتقد الغالبية العظمى من دول العالم ،ان العنصرية هي من اخطر آفات العصر الراهن ، وهي احد عوامل التخلف في البلدان التي اصيبت بالتمييز العرقي او الديني – الطائفي ، ومن وجهة نظر اخصائي العلوم الاجتماعية ، يعتبر التمييز العنصري الحاجز الاول في تنمية جميع بلدان العالم .
في الحقيقة ان التشخيص الدقيق لمستوى التمييز العنصري هو امر في غاية من الصعوبة ، لان هذا التمييز في اكثر الحالات لا يمارس بشكل علني ، حتى ان بعض استطلاعات الرأي العام هي الاخرى لا تعترف بعنصريتها ، لأنها اعتادت عليه ، حتى ان بعض الافراد لا يعلمون اساسا انهم عنصريين .
وفيما يخص ايران والتي تعد من اهم البلدان في منطقة الشرق الاوسط ،هناك الكثير ممن يطرحون هذا السؤال ،وهو لماذا تدافع ايران عن رجل قاتل ومجرم مثل بشار الاسد ؟ الم تكن ايران في حرب و صراع مع حزب البعث العراقي ؟ لماذا تعمل على بث الفوضى والقتل بحق شريحة واسعة من ابناء الشعب العراقي ؟ ترى من اين تستمد جذور تدخلها في اليمن و بلدان الخليج العربية الاخرى ؟ ان الكثير من هذه الاجوبة ممكن ان نجدها في نظرة التمييز العنصري وسياسة التمييز الديني للنظام في ايران ،والتي عششت في الادب والحياة السياسية للمجتمع الايراني الفارسي ، وتبدلت الى قوى مادية في عقل نخب المثقفين الفرس .
لا يمكن القول ان الاتهامات الموجه للنظام الايراني بممارسة التمييز العنصري القومي والتمييز الديني في المجالات السياسية انها من مجرد دعاية اعلامية خالية من الحقيقة ،لان البحوث واستطلاعات الرأي العام المعتبرة قد اثبت ذلك وازاحت الستار عن هذه الحقيقة السياسية والثقافية المرة .
حددت جريدة ” واشنطن بوست ” مؤشر التمييز العنصري ،وذلك على ضوء معرفة القيم العالمية ،ان ميزان التعامل بين الأعراق القاطنين في بلد واحد هو التسامح و قبول الاخر .
ان الاستطلاع الذي تم من قبل مجموعة من الباحثين السويديين ،والذي يطرح اسئلة حول مستوى العنصرية للشعوب ،و يشمل اهم الاسئلة المطروحة حول الشعوب والهوية القومية منها الرغبة بالعيش بجوار احد ينتمي للأقليات العرقية الاخرى.
وعلى ضوء نتائج الاستطلاع الذي تم في 80 دولة ، من الجانب الباحثون السویدیون، تبين ان الشعب الهندي من الناحية الدينية فقط هو من اكثر الشعوب عنصرية ، ولا يبدون إلا قليل من الصبر والتسامح تجاه بقية المذاهب في بلادهم و ما جاورها ، هذا في حين احتلت نيجريا المرتبة الاولى من حيث التمييز الديني والعرقي و احتلت ايران في المرتبة الثانية للأسباب نفسها.
وخلال العقود الخمسة الماضية فان الانظمة الايرانية ومن خلال التبشير الاعلامي الاعمى الذي لا يستند الى أي أسس علمية وإنما يبنى على اسس التفوق العرقي الآري الموهوم يعلم في المدارس و عبر اصدار الكتب الادبية والتاريخية و الشعرية حيث تظهر بأنهم افضل من شعوب دول الجوار !! ان هذا النموذج من تفكير الافضلية تبدل الى ثقافة لدى النخب القومية الفارسية ،كما تأصل وخلال ال 50 عاما الاخيرة في المجالات السياسية ايضا .
ولعل من اهم النماذج البارزة للتمييز العنصري في ايران والذي اعتادت عليه الحكومة و فئة كبرى من نخب المجتمع الايراني ( الفرس ) كثقافة ،هو معاداتهم للعرب الاهواز و العرب السنة ،وهذا ما يشاهد في الحياة اليومية العادية للإيرانيين الفرس .
على سبيل المثال مع الاخذ بعين الاعتبار بأن العرب يشكلون 10% من سكان ايران ،ولكن هذه القومية لا تزال محرومة من ارتداء زيها الرسمي العربي ، و تسلم المناصب الادارية والتعلم بلغة الام يعني العربية ، والدخول الى كليات الضباط والطيران ايضا .كما ان الجمهورية الاسلامية الايرانية واستمرار للسياسات المعاصرة الايرانية ، بدلت جميع الاسماء التاريخية العربية للمدن و لمناطق وقرى الاقليم من العربية الى الفارسية .
بالإضافة الى ما ورد ،فان ايران تمارس سياسة التمييز العنصري في مجال التعليم العالي و تحول دون دخول العرب الى المراكز التعليمية العليا ، او تعيينهم في المناصب القضائية والعسكرية و الاقتصادية و غيرها . اما معاداة السنة في ايران فقد اخذت ابعادا اخطر من التمييز القومي ،بحيث اعدمت ايران و منذ عام 2011 وحتى اليوم ما يقارب 400 مواطن من ابناء السنة .
ورغم وجود ما يقارب 22 مليون من سكان ايران هم من اهل السنة ، الا ان السنة لا يزالون ليس لهم مكانا في المؤسسات الحكومية او البرلمانية ، وحتى لا يوجد لديهم أي مسجد في طهران ، ولا يزال بيع الكتب السنية في ايران يعتبر جرما .
ان معادة العرب والتي تعتبر سياسة اساسية في عهد الشاه والخميني ،دخلت واستقرت في الادب و الثقافة الفارسية ،وأصبح يروج لها في السنوات الاخيرة بشكل علني عبر المنابر الحكومية والمؤسسات الثقافية المرتبطة بالحكومة ،الامر الذي حمل المعارضين القوميين العرب المبادرة الى تأسيس مركزا باسم ” مركز النضال ضد معادة العرب في ايران ” بالإضافة الى تشكيل منظمة حقوق الانسان الاهوازية والاحزاب السياسية المنسجمة مثل حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي ،حيث قاموا وبالتعاون مع الاحزاب السياسية لأبناء القوميات الاخرى ،وعبر تواجدها في المحافل الدولية بفضح السياسة العنصرية للتمييز الديني والقومي للنظام الايراني .
ياسين الأهوازي
جولای 2016