لم يزلِ الإنسانُ حُرًا ما بَقي الربيعُ أخضرًا، ومهما استنزف العابثون براءة الأرضِ، سيبقى الماءُ فيحضنها يروي الشرفاءِ. وكَم من أرضٍ سُلبت روحها، وباتت منفيَّةً في ذاكرةِ أبنائهَا، تُكابِدهُم الحسرةَ والوجع. وقد شهدت الأحداثُ العالميَّة؛ أنَّ الظُلمَ لايَدُوم، والقهرَ وإن استبَدَّت سنينهُ زائلٌ لا رَيب.
وأرضُ الأهوازِ كفاتنةٍ عربيةٍ كُبلت تُبصرُ أبناء رَحِمِها قهرًا، تحت وطأةِ الإقصاء، ورغِيفٌ صنعتهُ يديها يتقاسمهُ الآخرونَ، وهي تتضورُ جوعًا مع أبنائها.
غيرَ أنَّ الأهوازَ لا تمت حقوقهَا في ذاكِرتنا، إذ إن نِضالَ أبنائها ظلَّ منذُ السنين الأولى للقهرِ وهي عصيَّةٌ على المعادين لهويتها والمتآمرين عليها.
وليعلم القاهرون أننا لسنا بأقل من أؤلئك الأوائل، فإن بدأوا أسطرَ النضالِ بحبرٍ مِدادهُ دِماء الشُّرفاء سنُكملُ الصفحات بكلِ ما نملك، ولن نُرخص على أرضنا الغالي والنفيس.
وعلى الرغمِ من محاولات اعداء شعبنا؛ إلا أن الأهواز تُصِرُّ على عروبتها ولسانها، وها هي بعد كل المحاولات؛ تصرُخُ بآهةٍ عربية، وتتوشحُ بردائها وكوفيتها وعقالها.
وشأنا كهذَا – بأمرِ التاريخ – لن يطول، فكلُ ليلٍ طويل ٍيعقبهُ صباحات مشرقة، ستقهرُ الظلال التي ولدت سفاحًا على أرضنا.
وحتمًا سيجيء اليوم الذي سنحكي به لأبنائنا نضالنا الطويل، ونقول لهم رحلة الأجداد في سبيلِ الحرية، وسنعمدُ إلى صُنعِ نُصبٍ لشهداءِ الحريَّة، على أرضِ الأهواز، ونُزيِّنُ شوارعنا بالقَصَص.
لم نزل نكره الدم وليا لأذرعِ في وطنٍ يجب أن نحيا به بسلام، ولسنا الداعون إلى الإقصاءِ ولا الإزهاق، إنما نحن طامحون إلى أن نتشارك بكلِ إنسانيةٍ مع كل من لا ينظر إلينا على أساسِ تقسيماتٍ عرقيَّة.
لكن مهما نصبوا المشانق في شوارعنا وقطفوا من ابناءنا زهور اعمارهم نبقى صامدين لاستعادة حقوقنا المهضومة.
وسنظلُ نُقبلَ حِبالَ الموتِ بترحابٍ؛ ثمنًا لقضيتنا، وأملاً في أن يعون أننا لا نزال نطمح للحوارِ واسترداد الحقِ بكلِ حضارة.
في أهوازنا ظللنا ردحًا من الزمنِ قارب القرن، وأحوالنا تزداد سواءً يومًا بعد آخر، ومع إطلالةِ كل يومٍ نقول في الغدِ إشراقةُ جديدة، غير أن الطامعين في إرهاق كرامةِ العروبةِ يزدادون شراسةً وإقصاءً وكُرهًا. يستنزفون كل أشيائنا من دونِ رحمةٍ أو هوادة.
لِذا لم يبقَ لنا إلا أن نقفَ في وجوههم لوقفِ هذا الاستبداد، فكلما ازدادوا شراسةً ازددنا إصرارًا على حقنا بكلِ تحضرٍ، قد لا يعيه ضدنا كما نعيه، فمنطقُ القوةِ لا يصمد في وجه قوةِ المنطق.
وفي هذا المؤتمرِ الرابع لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي الذي يُقام في العاصمة البريطانية (لندن) تنضحُ قضيتنا، لنناقشها في المهجرِ تبيانًا لعدالة مانُطالبُ به من حقوقِنا على أرضنا، التي انتُهكت، فقط لأننا ننضحُ بدماءٍ عربية.
والحزبُ وجهٌ مضيءٌ لنا، يُعبرُ عنَّا بكلِ رُقي، ويناقشُ ويُعالجُ قضيتنا بما نأمُل، لذا لن نتوانا عن دعمه والوقوفِ من خلفهِ حتى نُحقق أهدافنا، ونجني ثمار أعمالنا.
ويأتي هذا المؤتمر بعد أشهرٍ على فقد أحد مؤسسيه،الفقيد المناضل عدنان سلمان – رحمه الله -، الذي كان ولم يزل؛ ملهمًا لهذا الحزب وقضيته في حقِ تقريرالمصير. والذي تعلمنا منه أن تقريرَ المصير لا يكون بالدم والقتل، إنما بقوةِ الحجةِ وتبيانِ الحق جليًا.
وإن كان قد رحل عدنان سلمان؛ فقد ترك فينا الألاف ممن تشربوا روحه، وساروا على نهجه، ومصرون على إكمالِ مسيرته النضالية.
وليعلم الجميع أننا نصطفُ جنبًا إلى جنب لكل من يقف مع قضيتنا، ولا نقصي من هم مؤمنين بقضيتنا،
ونضع أيدينا في يد أؤلئك المقهورون من الشعوب غيرالفارسية، تلك التي تعاني كما نعاني من قهرٍ وإقصاءٍ وتمييز.
وليت المتورطون بانتهاك حقوق شعبنا يعون أن إيران ليست لجنسٍ دون آخر، فالوطنُ للجميع، متساوون في الحقوق والواجبات، فإن كانوا أكثريَّةً قليلة، تمثل أقل من ٣٠ في المائة من المجتمع الإيراني؛ فإن السبعون بالمئة في حكم المنفي في وطنه، بلا حقوق، مع مزيدٍ من الواجبات المُثقلة بالجوع والقهر وقلةِ الحيلة.
ولأننا وكل شريف؛ نؤمن أن كل إشكالٍ ينتهي على طاولةِ الحوار، فحمائم السلام تختنق إذا ما اختنقت الأفواه وقُهر الإنسان. لذا نسعى إلى أن تحلق تلك الحمائم في سمواتنا مرةً أخرى، لنحيا في وطنٍ يؤمن بالاختلافات ويمنح الحريات، ويطمح للعدالةِ وللبشريةِ كافة، من دون أي تمييز، ولا أي قهر، ويكره لون الدماء.
وختامًا أؤكد على دورِ المرأة الأهوازية، لأنها لم تزل تلد وترضع أبناءها الصمود والقوة والإصرار، وتُلهم قضيتنا بصبرها وقوتها. كما أن الأهوازيات سيبقين في حياض هذه القضيةِ داعمًا كتفًا بكتف بجانب الأهوازيين، وكلٌ بحسبِ اختصاصه، كي تعود الحقوق،وتصحو العدالة من جديد.
وفي النهايةِ لكم مني خير إجلالٍ وتقدير، وتحيةٍ معطرةٍ بورودٍ ملؤها الحرية.
سحر بيت مشعل