من الصعب على المرء أن يتلقى نبأ رحيل من يحب عبر الهاتف ،خاصة إذا كان مناضلاً جارت عليه الأيام وقيدته الظروف بعد أن كان حراً طليقاً حاملاً هم شعبه ويتنقل به من صبرا وشاتيلا في بيروت عاصمة النضال الوطني آنذاك إلى حي الشيخ عثمان وكريتر في عدن قلعة الثوار، ومن ثم البتاوين في بغداد الى حي ركن الدين في دمشق الى الشويخ في الكويت وبلدان الدول الخليجية ،ناهيك عن بعض عواصم العالم الحر ،متحديا العوائق ، حيث كانت تحدوه الرغبة من اجل اللقاء بالمناضلين من امثاله وطرح قضية شعبه عليهم .
ان هذا المناضل القدير هو احمد الحاج خضير ابو عارف وكان رفيق نضال لى عندما كنا نناضل معا في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز –عربستان- في حقبة السبعينيات ضد نظام الشاه ،حيث كنا نتطلع في تلك الأيام الى إزالة نظام الشاه الديكتاتوري وإقامة نظام ديمقراطي بديلاً عنه تتاح في ظله الحرية والديمقراطية وتحقق فيه الشعوب الإيرانية بما فيها الشعب العربي الاهوازي ذاتها عبر الحصول على حقوقها القومية المشروعة .
من هنا كانت عودتنا الى الوطن بعد سقوط نظام الشاه مقرونة بهذه الآمال ، التي تبخرت بعد استيلاء رجال الدين على السلطة والاستئثار بها .
شاءت الأقدار وبعد أن تم الاعلان عن حل الجبهة الشعبية لتحرير الاحواز – عربستان – عام 1979 ، فبينما آثر هو البقاء في وطنه وفي مسقط رأسه مدينة الفلاحية أو الدورق ،فأما انا حكمت علي الظروف بالهجرة مرة اخرى ،ورغم أنني لم ألتق بالأخ أبو عارف منذ الثمانينيات بحكم اقامتي الاجبارية خارج الوطن ، إلا أنه ببركة العولمة و شبكة التواصل الاجتماعي لم تنقطع اتصالات فيما بيننا ، واستمرت طوال تلك الفترة ،حتى كان آخر اتصال لنا قبل أسابيع من وفاته ، حيث كان حاضرا الحفل الذي أقيم في مدينة الأهواز بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل الفقيد عدنان سلمان أبو فاروق الأمين العام لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي الذي وافته المنية هو الآخر في لندن العاصمة البريطانية في تموز من عام 2015 .
ورغم الظروف الصحية الصعبة التي كان يعاني منها المناضل أبو عارف لكنه كان يمتلك إرادة قوية عزيمة لا تقهر ، فكان عالي المعنويات لم تنل من عزيمته مما يشاهد حوله من نكسات مؤلمة و أوضاع مزرية فكان ينظر للمستقبل وهو مفعم بالآمال و يرى على أنه قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هذه الآمال .
لقد فوجئت كما تفاجأ الكثير من محبيه عندما سمعت أن السكتة الدماغية لم تهمل الأخ المناضل الأهوازي أحمد الحاج خضير” أبو عارف “فرحل مبكراً يحمل أحلامه وآماله معه وإلى الابد .
وبهذه المناسبة أصدر حزب التضامن الديمقراطي الأهوازي وبالمشاركة مع كل من مركز مشداخ الثقافي ومنظمة حقوق الإنسان الأهوازية ومركز دراسات الأهواز بياناً مشتركاً نعوا من خلاله هذا المناضل القدير مع تقديم نبذة عن حياته وقد جاء فيه ما يلي :
بقلوب يعتصرها الألم والحسرة ننعي إليكم إبن الشعب العربي الأهوازي البار المناضل الفذ أحمد الحاج خضير الذي وافته المنية صباح يوم عيد الأضحى المبارك المصادف 23 /9/2015 وذلك في مسقط رأسه بمدينة الفلاحية، وقد كانت وفاته خسارة كبرى لا تعوض لأبناء شعبه ورفاق دربه في النضال ولكل محبيه .
لقد عاش المناضل أبو عارف في الأيام الأخيرة من عمره ظروفاً صحية صعبة وذلك بسبب إصابته بالجلطة الدماغية ، إلا أنه رغم ذلك كان على تواصل مع أبناء شعبه فكان شريكاً لهم في أفراحهم حتى تغلب عليه المرض، فكانت وفاته خسارة كبرى للجميع .
وبهذه المناسبة إذ نعزي أنفسنا وأسرة الفقيد نتقدم بخالص التعازي ألى أبناء شعبنا العربي الأهوازي كافة وإلى كل أصدقاء الفقيد ومحبيه بهذا المصاب الجلل، ونعاهده بالسير على طريقه حتى تحقيق أهداف شعبنا العربي الأهوازي المشروعة .
*****************
نبذة مختصرة عن حياة المناضل أحمد الحاج خضير أبو عارف
المغفور له المناضل أحمد الحاج خضير المعروف بأبي عارف من مواليد مدينة الفلاحية عام 1950 ونشأ وترعرع في هذه المدينة الباسلة .
أكمل دراسته الابتدائية فيها وفي سن مبكرة من حياته وبعد أن ضاقت به الأمور ترك مدينته وهاجر إلى دولة الكويت ومن هناك تكامل وعيه القومي والتحق ومجموعة من شباب الفلاحية في صفوف العمل الوطني الأهوازي ، و بعد الإعلان عن تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير عربستان – الأحواز انخرط في تشكيلاتها واستلم إدارة تنظيمها في فرع الكويت .
أثناء تواجده في الكويت عام 1969 عمل على تنظيم العديد من الشباب الأهوازيين المتواجدين في الكويت وضمهم إلى صفوف الجبهة ، كما أقام علاقات نضالية مع المناضلين العرب وخاصة الإخوة الفلسطينيين الموجودين في الكويت .
في الفترة الواقعة ما بين 1973 -1947 علمت السلطات الكويتية بنشاطه فأمرت باعتقاله وتم تسفيره آنذاك بناء على طلبه الى العراق .
في الفترة الواقعة ما بين 1974 – 1975 كان متواجداً في العراق حيث كان مقر الجبهة وتدرج في صفوف الجبهة حتى أصبح عضواً في لجنتها المركزية ثم عضواً في مكتبها السياسي وأحد الأعضاء البارزين في لجنة العلاقات الخارجية للجبهة .
وفي تلك الفترة وأثناء العمل التنسيقي مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التحق في مجال العمليات الخارجية ، فكان أحد الأعضاء البارزين في نشاطها الخارجي الذي كان يقوده الراحل وديع حداد .
بعد اتفاقية آذار التي وقعت بين العراق وإيران في 6 آذار/مارس عام 1975 اضطرت عناصر الجبهة الشعبية إلى الخروج من العراق والاستقرار في بلدان الخليج و اليمن الديمقراطية الشعبية وسوريا ، فكان المغفور له بالإضافة إلى كونه ممثلاً للجبهة في اليمن الديمقراطية الشعبية يعمل في إطار العمليات الخارجية مع وديع حداد وكان له دور بارز في تلك العمليات .
قضى الفترة الواقعة ما بين 1975 – 1979 متنقلاً بين بيروت وعدن و دمشق وقد بنى للجبهة علاقات محكمة مع حركة القوميين العرب ومع التنظيمات الفلسطينية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، وحركة فتح حيث كان على علاقة حميمة مع حركة فتح ومع الراحلين ياسرعرفات أبو عمار ومع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش .
وفي تلك الفترة وأثناء العمل التنسيقي مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التحق في مجال العمليات الخارجية وكان أحد الأعضاء البارزين في نشاطها الخارجي الذي كان يقوده الراحل وديع حداد .
أثناءها كان يتنقل بين بيروت وعدن ودمشق فتعرف بالإضافة إلى حركات التحرر الوطني العربية على بعض الحركات العالمية منها شباب بادرما ينهوف الألمانية وبعض رموز الحركات الثورية ’نذاك مثل كارلوس وغيرهم .
عام 1977 عاد إلى الكويت في مهمة وبجواز سفر عربي وحسب ما ذكر لبعض أصدقائه أنهم كانوا يخططون مع وديع حداد لاحتلال موانىء جزيرة خارج وإلقاء القبض على أكبر عدد من الموظفين الكبار في شركة النفط الإيرانية وذلك من أجل مبادلتهم بمسجونين أهوازيين ،لكنه و أثناء جمع المعلومات وعند سفره في منتصف الليل من الكويت إلى المطار متوجهاً إلى عدن أصبح موضع شك من قبل دورية أمن كويتية فألقي القبض عليه واقتيد إلى أحد المخافر ، وبعد التحقيق معه عثر في حوزته على مجموعة جوازات سفر فتم بالإضافة إلى التعرف على اسمه الحقيقي فتم إيداعه السجن ، وبعد فترة إطلاق سراحه بوساطة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسفير اليمن الديمقراطية في الكويت آنذاك بقي أبوعارف يتنقل بين بيروت ودمشق واليمن حتى عاد إلى وطنه بعد سقوط نظام الشاه السابق عام 1979.
أثناء عودته إلى وطنه كان على تواصل مع الإخوة الفلسطينيين عبر سفارة فلسطين وكانت تربطه مع ممثلها آنذاك السيد هاني الحسن علاقات جيدة .
في الفترة الواقعة ما بين 1980 حتى وفاته عام 2015 عاش داخل وطنه و كانت له علاقات حميمة مع جميع الأطراف والقوى المدنية الأهوازية المناضلة في الداخل.
كان أبو عارف صادق مخلص في علاقاته ونذر نفسه في خدمة قضيته والقضية الإنسانية عموماً . ومن هنا كانت وفاته خسارةً لشعبه و لأسرته و لكل محبيه.
جابر أحمد
نقلاً عن موقع الحوار المتمدن