كلمة د. كريم بني سعيد عبديان في مؤتمر بروكسل لحق تقرير المصير
على ضوء ما يعانيه الشعب العربي الأهوازي من اضطهاد قومي وحملة تطهير عرقي وقهر ثقافي واجتماعي واقتصادي، تحدث الدكتور كريم عبديان بني سعيد حول حق الشعب العربي الأهوازي في تقرير المصير في كلمته التي القاها اثناء تواجده في مؤتمر بركسل الدولي لمناقشة ” حق الشعوب الواقعة تحت نير الحكومات الديكتاتورية في تقرير المصير” وقام مركز دراسات الأهواز بترجمة ملخصة للكلمة بالتركيز على حديثه حول حق تقرير المصير للشعب العربي الأهوازي.
في ظل غياب الحماية المطلوبة لمنع انتهاكات حقوق الانسان التي تمارس ضد الشعوب الواقعة تحت حكم الانظمة الديكتاتورية ومنها الشعب العربي الأهوازي، يبدو أنه ليس هناك امام هذه الشعوب طريقا إلا ممارسة حقها الشرعي في تقرير المصير. ولكن بالنسبة لنا نحن أبناء الشعب العربي الأهوازي كيف يمكن لنا الوصول الى هذا الحق وكيف يمكن لنا جعله واقعا ممكنا؟
موقف الهيئات الدولية ازاء حق تقرير المصير
اذا ما القينا نطرة عابرة على موقف الهيئات الدولية بما فيها جميع مواثيق الأمم المتحدة ، كالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وقرار الجمعية العامة لعام 1970، وثيقة هلسنكي الختامية لعام1975، وميثاق منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الذي تم اعتماده في باريس لعام 1994 كلها تشير إلى حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ولكن اذا امعنا النظر في تفاصيل تعريف هذا الحق، سنلاحظ بأن هناك عدة تعاريف وتفسيرات ، مختلفة عن هذا الحق، بل نجد أحيانا حتى انها متعارضة ومتناقضة مع بعضها.
مؤتمر برشلونة
وتطرق تقرير خبراء الأمم المتحدة خلال مؤتمر برشلونة الذي عقدته الأمم المتحدة عام 1998، والذي انعقد تحت شعار “مفهوم حق تقرير المصير للحد من الصراعات” إلى مفهومين مختلفين لحق تقرير المصير وهما: حق تقرير المصير الداخلي وحق تقرير المصير الخارجي.
أنواع حق تقرير المصير
ويتعلق الاول وهو الداخلي بمشاركة حق تقرير المصير للسكان المنضوين تحت اطار الدولة الواحدة في صنع القرار على مستوى الدولة الممثلة لمكوناتها، وحقهم في ممارسة حقوقهم في المجالات الثقافية واللغوية والدينية ويتم ذلك عبر مراحل، منها ” الديمقراطية تحت الحكم الذاتي السياسي داخل حدود الدولة القائمة” أو “الديمقراطية التشاركية” أو” الفيدرالية” او ” الكونفدرالية” او “الحكومة المحلية” او ” الحكم الذاتي”، وكل ذلك ضمن اطار الدولة المعنية أو أي ترتيبات أخرى تتماشى وتتفق مع رغبات الشعب بشرط ان لا يتعارض مفهوم حق تقرير المصير مع سيادة الدولة وسلامة حدودها الإقليمية القائمة.
أما الثاني: فهو حق تقرير المصير الخارجي فيعني الحق الكامل لأي شعب من الشعوب في الانفصال والحق في إقامة دولة مستقلة جديدة.
مؤتمر اليونسكو
وفي خضم هذا الارتباك، في التعاريف حول حق الشعوب في تقرير مصيرها، قدم خبراء اليونسكو في مؤتمرهم الذي انعقد عام 1989 أسسا قالوا إنها تعتبر شروطا لمنح حق تقرير المصير للجماعات الانسانية التي تتميز بالمشتركات التالية:
1-التاريخ والعادات والتقاليد المشتركة 2-الهوية القومية أو الاثنية 3-التجانس الثقافي 4-الوحدة اللغوية 5-التقارب الديني أو الأيديولوجي 6-الاتصال الإقليمي 7-الحياة الاقتصادية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، أشار مؤتمر اليونسكو إلى أنه “لكل شعب سوآءا كان عدد ه كبيرا أو صغيرا الحق في إبراز هويته والتعبير عن ارادته كشعب يتمتع بكل الصفات المذكورة أعلاه.
حق تقرير المصير الخارجي
وهناك شروط تسمح للانفصال وحق تقرير المصير الخارجي وهي عندما يخضع “شعب ” ما لاستعباد الأجنبي وسيطرة أو استغلال أو استعباد داخل الدولة التي تشكل جزءا منه. والوثائق التي تنص على الانفصال باعتباره حقا فهي تكون في حال إذا كانت الدولة وحكومتها المتعاقبة تستمر في الاضطهاد والظلم لفترة طويلة ضد شعب من الشعوب وتنتهك حقوقه الإنسانية وتسلب الحريات الأساسية لأعضائه، وتقوم باستبعاد ممثليها من مراكز صنع القرار خاصة في المسائل التي تؤثر على رفاهية وأمن الشعب، وان تستمر بقمع عناصر هويتهم من ثقافة ودين ولغة وغيرها من اركان الهوية.
والأمثلة على الانفصال عن طريق حق تقرير المصير في الوضع الاستعماري غير الكلاسيكي تشمل: انفصال باكستان الشرقية عن باكستان الغربية في عام 1971 لتشكيل بنغلاديش، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق وتأسيس جمهوريات مستقلة في عام 1991، وتفكك جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية يوغوسلافيا عام 1991، تفكك تشيكوسلوفاكيا في عام 1993، انفصال إريتريا عن إثيوبيا في عام 1993، انفصال جنوب السودان عن جمهورية السودان في عام 2011 الخ.
مؤتمر السلام في يوغوسلافيا
اما القرارات الصادرة عن مؤتمر السلام في يوغوسلافيا، تنص على أنه: “مهما كانت الظروف يجب أن لا يتعارض حق تقرير المصير كليا مع الحدود القائمة عند الاستقلال إلّا إذا كانت الدول المعنية على خلاف حول ذلك “. منها على سبيل المثال لا الحصر الخلاف حول ممارسة انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان، أو عمليات الابادة الجماعية الممنهجة فأن في مثل هذه الحالات لها الحق في الانفصال عن الدولة التي ينتمون اليها.
اما الوثيقة رقم 2625 فلا يوجد فيها ما ينص على تشجيع ودعم أي عمل من شانه أن يؤدي الى تجزئة تلك الدول التي تعمل وفقا لمبدأ المساواة في الحقوق على المستوى الداخلي. وقد أيد فقهاء وخبراء القانون الدولي المقررات الواردة في هذه المواقف ولكن كان الاستثناء لما ورد في هذه الوثيقة هو استقلال بنغلاديش حيث ذكرت لجنة الأمم المتحدة الدولية للحقوقيين:” إذا تم رفض أحد الشعوب المكونة للدولة المساواة في الحقوق والتمييز ضدهم، فمن المسلم به أنه لهم حقهم الكامل في تقرير المصير “.
حق تقرير المصير للشعوب في إيران
أما بالنسبة لإمكانية تقرير المصير داخليا للأقليات العرقية غير المسيطرة والشعوب المضطهدة في داخل إيران فإن العديد من الايرانيين يتجنبون التطرق إلى هذا المفهوم، خوفا من أنه سيكون الخطوة الأولى نحو تفتيت إيران. وإذا ما تم الحديث عن هذا الأمر يتم الاشارة إلى حروب البلقان كمثال على ما يمكن أن يحدث لإيران إذا تم إعطاء الشعوب حكومات إقليمية أو قدرا من الحكم الذاتي.
كما ان إيران أنظمة ومعارضة يتحدثون عن مخاوف من أن الحكم الذاتي المحلي من شأنه أن يجعل إيران عرضة لنوع من التدخل في شؤونها الداخلية شهدتها خلال فترات معينة من التاريخ الإيراني وخاصة من قبل الروس والبريطانيين خلال سلالة القاجار وأثناء الحرب العالمية الثانية والحرب العراقية-الايرانية (180-1988). واستنادا على فكرة بلقنة إيران يتهم هؤلاء دعاة النظام الفيدرالي بـ “الخيانة ” وعدم الولاء للحكومة المركزية التي لا تشارك شعوبها الحكم ولا تداول السلطة ولا تحقق لهم الرفاه وتضطهد هم قوميا وثقافيا واقتصاديا وتهميشهم من المشاركة في ادارة شؤون البلد او حتى شؤون مناطقهم.
وبناء على هذه النظرة العنصرية تقمع الحكومة المركزية الاقليات العرقية والشعوب المختلفة مما يدفع باتجاه مطالبها نحو المطالبة بحق تقرير المصير للخلاص من الاقصاء والاضطهاد المستمر. ان المزيد من القمع والاقصاء السياسي واستمرار التهميش الاقتصادي والاجتماعي ضد عرب الأهواز قد يولد ردود افعال متطرفة التي تشهد في أماكن أخرى في المنطقة.
أما فشل المعارضة الإيرانية في الخارج وعدم التضامن مع حقوق عرب الأهواز وعدم الاعتراف والدعم لقضيتهم قادت العديد من الشباب إلى اليائس من حل لقضيتهم داخل إيران واللجوء الى خيار الاستقلال الكامل من إيران.
ونحن نعتقد أن مستقبل إيران وقيام دولة حديثة وتقدمية في هذا البلد تستطيع أن تكون عضو بناء في المجتمع الدولي لا يمكن أن يتحقق إلا بضمان الشراكة الطوعية كل مكونات المجتمع والمجموعات القومية التي تشكل إيران، حيث سيكون لدى الشعوب الفرصة لتطوير ثقافاتها ولغاتها وتاريخها واقتصادها، في ظل السيادة الوطنية, وحكومات فدرالية تضمن حق تقرير المصير.
حق تقرير المصير للشعب العربي الأهوازي
وردا على مزاعم العنصريين حول بلقنة إيران أقول إن الشوفينية الصربية كانت سببا للحروب، وليس الفيدرالية وعلى العكس من ادعاءات النظام والمعارضة ليس هناك دليل على أن الدول الفيدرالية هي أضعف من الدول المركزية، بل أن الحكومات الفيدرالية ساهمت في تطور أكبر دول ديمقراطية في العالم، كالهند، وحافظت على وحدة أراضيها على الرغم من التنوع الهائل من المجموعات العرقية والثقافية واللغوية والدينية.
والآن هناك تحذيرات لإيران مفادها بأنها ستواجه مصير يوغوسلافيا إذا لم يتم إعطاء الأقليات القومية المكونة له الاستقلال الذاتي التي كانت تتمتع بها لقرون قبل صعود رضا بهلوي الى السلطة. أما بالنسبة للشعب العربي الأهوازي، فإننا نرى بأن الفيدرالية على اساس اقليمي جغرافي ستساعده على التخلص من استمرار الاضطهاد القومي وتهميش الحكومة المركزية وتمكنه من السيطرة على ادارة شؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إننا نؤكد على أن زيادة الظلم واستمرار التهميش الاجتماعي والاقتصادي لعرب الأهواز سيؤدي إلى ردود الفعل المتطرفة كما يحدث حاليا في أماكن أخرى في المنطقة. إلى جانب قمع النظام وتعنته نجد أن فشل المعارضة الإيرانية في التضامن مع عرب الأهواز وعدم الاعتراف بمحنتهم والتخلي عن دعم قضيتهم قاد العديد من الشباب اليائس لدعم مطلب الاستقلال الكامل عن إيران.
وعلى ضوء ما تقدم من معلومات ونماذج حية من ممارسات التطهير العرقي والانتهاك الشامل لحقوق الشعب العربي الأهوازي في شتى المجالات على يد نظام الجمهورية الاسلامية وعلى ضوء المقررات الانفة الذكر من حق شعبنا و سائر الشعوب الايرانية ان تنسق مع بعضها البعض ، ومع المجتمع الدولي ودول الجوار وفقا للقوانين الدولية و ان تطالب و تضغط باتجاه المطالبة بحق تقرير المصير و ايجاد وضع قانوني دستوري من شأنه أن يخلص الشعوب من سيطرة الدولة المركزية عبر تكوين دولة فيدرالية تستجيب لمطالب الشعوب بإنشاء حكومات في اقاليمهم الى جانب ضمان حق تقرير المصير حيث انه في حال عدم الاستجابة لمثل هذا المطالب فمن حق هذه الشعوب ان تطالب وتحت اشراف المجتمع الدولي بالاستفتاء ، وعلى ضوء نتائج الاستفتاء ستقرر هذه الشعوب طواعية ان تستمر ضمن اطار ايران او الانفصال عنها و تكوين دول مستقلة .
لجنة الترجمة – مركز دراسات الاهواز
في 26/ 9/ 2014