تطرح الکثير من الاسئلة و الاستفسارات بشأن الحرب التي تدور رحاها الان في غزة و عن عدم وضوح الموقف العربي منها وعن الذي أوصل الامر الى هذا المنعطف الدموي في غمرة الشهر الفضيل، خصوصا وان للعرب دور و حضور و تأثير على الساحة الدولية و على مراکز القرار نفسها، لکن الذي فات الذين يطرحون هذه التساؤلات و التي وصلت البعض منها إلينا بصورة مباشرة، ان الحقيقة التي يجب الانتباه إليها جيدا، هي ان العرب لم يکن لهم يد او تأثير او أي شئ آخر بإتجاه دفع الاوضاع في غزة الى الاشتعال.
العودة بالذاکرة الى مجريات حرب تموز 2006، و السبب الرئيسي الذي کان خلفها، لوجدنا ان حزب الله قد قام في هذا العام”أي 2006″، بما اسماه عملية الوعد الصادق والتي أدت الى أسر جنديين إسرائيليين، وهو مادفع بإسرائيل مباشرة لإقتحام الجدار الحدودي و دخلت الى الاراضي اللبنانية حيث کانت قوات حزب الله مترصدة للإسرائيليين، حيث قتل على أثرها 8 جنود إسرائيليين، لکن في اليوم التالي شن الجيش الاسرائيلي هجوما جويا على جنوب لبنان مستهدفا محطات الکهرباء و مطار بيروت و شبکة من الجسور و الطرق وزاد من ضغطه و عدوانه العسکري بحيث أصبحت الحرب تدميرية و أدت الى خسائر مادية و بشرية استثنائية.
ومن الواضح أن هکذا قرار خطير و حساس لم يتخذه حزب الله إعتباطا و دون إذن و مشورة مسبقة من نظام ولاية الفقيه، والملفت جدا للنظر، أنه و بعد النهاية المأساوية لهذه الحرب الضروس التي کلفت لبنان و شعبه کثيرا، تم طرح حزب الله اللبناني وکأنه بديل للنظام العربي الرسمي بإعتبار و زعم انه قد شن حربا ضد اسرائيل و قاتلها لفترة33 يوما، وفي هذا الامر تبجيل و تمجيد غير مباشر لنظام ولاية الفقيه وهذا الامر للأسف کان له صداه و تأثيره حتى إندلاع أحداث الربيع العربي و تورط إيران و حزب الله في المستنقع السوري، ويومها”أي أيام حرب تموز 2006″، کان العرب منهمکين و منشغلين بالعمل من أجل إيقاف هذه الحرب و التقليل من الخسائر الجسيمة التي لحقت بلبنان و شعبه من جراء عملية غير مأمونة العواقب کهذه.
إختطاف ثلاثة من المستوطنين الاسرائيليين و قتلهم بتلك الصورة التي سمعناها، کان أيضا سيناريو مشابه تماما لسيناريو حرب تموز 2006، حيث ان قرار الاختطاف کان قرار متخذا في طهران ذاتها وکان الهدف من ورائه واضحا، ذلك أن عامل الضغط الکبير الذي بات نظام ولاية الفقيه يعاني منه بسبب من تورطه في سوريا و العراق و اليمن و البحرين والسعودية بالاضافة الى صعوبة و حساسية موقفه في المفاوضات النووية الجارية بعد إتفاقية جنيف المبدأية، ناهيك عن شعوره بالغيرة و الاحباط و اليأس عندما وجد أن العرب قد نجحوا في تحقيق قرار صلح بين السلطة الفلسطينية و حرکة حماس.
کل هذا وضع نظام ولاية الفقيه في موقف و وضع حرج دفعه لإشعال نار الحرب في غزة بعد إيعازه بإختطاف المستوطنين الثلاثة. النظام الايراني، وعند التدقيق في حربي تموز 2006 في لبنان و تموز 2014 في غزة، نجد أن العرب کانوا ولازالوا دائما سباقين للبناء و للعمل من أجل إستتباب السلام و الامن و الاستقرار و کل أسباب الحياة العادية، فإن نظام ولاية الفقيه، کان ولايزال و سيبقى سباقا الى هدم کل مايبني العرب من خلال تلك الحروب الهوجاء التي يتسبب في إشعالها لمقاصد و غايات مشبوهة و مبيتة، کما انه يستهدف من وراء إثارته لهذه الحروب المشبوهة التأثير على السلام و الامن و الاستقرار و أسباب الحياة العادية للناس.
کما ان نظام ولاية الفقيه و بالاضافة لکل الذي ذکرناه، يحاول ليس إستغلال الشيعة العرب، وانما مختلف الاطياف و الشرائح العربية في سبيل جعلهم جسرا له کي يصل من خلاله و بوسيلته الى الضفة الاخرى بأمان، ومن الضروري جدا مضاعفة الجهود أکثر من أجل توعية العرب بصورة عامة من المخاطر و التهديدات المحدقة بهم من جراء مخططات و ممارسات هذا النظام وان على العرب ليس فقط أن يغلقوا الابواب بوجهه فقط فحسب وانما حتى الشبابيك أيضا.
العلامة السيد محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.