10/05/2024

شارك الشعب العربي بفئاته المضطهدة مع ساير الشعوب الايرانية في ثورة 1979 والتي قضت على الحكم الملكي الطاغي آنذاك ، مبتهجا بوصوله إلى حقوقه المشروعة التي سحقت في عهد الشاه المقبور. بعد انتصار الثورة أسست الفئة الواعية من أبناء الشعب المؤسسات المدنية, كالمراكز الثقافية و السياسية في ألكثيرمن المدن مثل المحمرة وعبادان والأهواز، الفلاحية و الخفاجية، بهدف تعليم اللغة العربية و بث التوعية الثقافية، الاجتماعية و السياسية بين صفوف أبناء الشعب العربي في الإقليم. و كان من أشهر المراكز فعالية وحركة هو المركز الثقافي المنظمة السياسية في مدينة المحمرة الباسلة.

كان آنذاك آية الله شبير ألخاقاني و هو احد علماء المسلمين المعروفين الذي نشط في العمل السياسي القومي و جعل من جامعه مدرسة لنشر الفكر السياسي مع العمل الديني و اخذ دورا هاما للدفاع عن حقوق الشعب العربي في المنطقة . في هذه الآونة انتخب من قبل المراكز الثقافية و السياسية وفداَ و معه 12 ماده تعكس مطاليب الشعب العربي و بمباركة من قبل المرجع الديني ألخاقاني و رجال دين آخرين للسفر إلى طهران والحوار مع الدولة المركزية المؤقتة و آية الله خميني و وزراء آخرين و التقى هذا الوفد آية الله الخميني و رئيس الوزراء مهدي بازرقان و وزراء آخرون وقوبلت طلباتهم بالرفض القاطع و أكدا آية الله الخميني و بازرقان على الوحدة الإسلامية لإيران!

استفادة الوفد من الأجواء السائدة والمنفتحة في طهران و عمل مؤتمرات صحفية و لقاءات مع مندوبي الشعوب الأخرى وادرجت هذه اللقاءات في الصحف المحلية مثل طهران مصور، آيندكان و غيرها. وكانت هذه المطالب هي الحد الادنى لحقوق الشعب العربي في ايران وهي:

الاعتراف بالقومية العربية، تشكيل مجلس محلي في المنطقة، تشكيل محاكم عربية ، اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الإقليم واللغة الفارسية هي اللغة الرسمية في عموم إيران، التدريس في المدارس باللغة العربية ، تأسيس جامعة و التدريس فيها باللغة العربية ، حرية النشر و الإعلام و طبع الكتب و بث إذاعي من راديو وتلفيزيون، أولوية التوظيف لأبناء المنطقة، اشتراك المواطنين العرب في الجيش و سلك الشرطة المحلية ، تخصيص قسط كاف من الموارد النفطية لاعمار المنطقة، تسمية المدن و القرى و جميع الأحياء بأسمائها التاريخية العربية و المشاركة في الحكومة المركزية. بعد رجوع الوفد العربي من طهران اجتمع مع آية الله ألخاقاني و مجموعة من السياسيين العرب و اخبرهم عن النتائج و الرفض القاطع للحكومة . بعدها اخذ المبادرة الشيخ ألخاقاني و اتصل بآية الله الخميني و رئيس الوزراء و طلب منهم الايفاء بالوعود التي أعطوها قبل الثورة.

و كان الرد كالآتي، نصَبت الحكومة المركزية الأدميرال مدني (رئيس القوة البحرية آنذاك) كمحافظ و أمرته إغلاق المراكز و سحق المعارضة في الإقليم والحفاظ على الوحدة الإسلامية في ايران! بعد اجتماع مندوبي آية الله ألخاقاني و سياسيين آخرين و وجهاء من المدينة مع الأدميرال مدني في قائم مقامية مدينة المحمرة (29.05.1979 مساء)، اتفقوا على أن حل المشاكل المعلقة ودراسة المطالب المقترحة من قبل العرب في الأيام القادمة .

استفاق اهالي المدينة في الصباح الباكر من يوم الأربعاء 30.05.1979على أصوات اطلاق النار المكَثف و الانفجارات و مزامير سيارات الإسعاف و سيارات العسكرية وهي تنقل القوات البحرية و المرتزقة في شوارع المدينة. طوقت هذه القوة المراكز الثقافية و السياسية وتم اطلاق النار وبشكل عشوائي على المارة و أصحاب المحلات و استشهد العشرات على اثر ذلك. بعدها اغرقت القوات البحرية في نهر الكارون بعض القوارب التي تحمل العمال و الموظفين الذاهبين من منطقة كوت الشيخ إلى أعمالهم. و دوهمت المنازل من قبل المرتزقة و اعتقل المئات من الناس و أبعدوا إلى مدن اخرى مثل ديزفول و شوشتر. و سحق كل صوت سلمي ينادي بالحق وحكمت حالة الطوارئ و الأحكام العرفية في الإقليم و خاصة مدينة المحمرة، وخيمت غيمة سوداء حزينة على المدينة المزدهرة و الآمنة و سجل هذا اليوم بالأربعاء السوداء في تاريخ العرب و إيران. بعدها اكتشف أمر الأدميرال مدني بأنه كان عميلا لأمريكا و حقق الوحدة الإسلامية بعد ما سفك دماء العرب في الإقليم! بقت حالة الطوارئ والأحكام العرفية في الإقليم مستمرة و عملت الفئة الواعية من الشعب على تهدئة الأوضاع و العمل المكثف لنشر اول نشرة عربية باسم الكفاح و بموازاتها نشرت أيضا نشرة النضال و نشرات أخرى.

استمر العمل التثقيفي والغيرمنظم بين صفوف أبناء الشعب و اخذ يكتسب شرعيته أكثر و اكثر. وحدثت الكثير من المظاهرات والاحتجاجات وآخرها المظاهرة التي انطلقت من مدينة عبادان الى مدينة المحمرة واعتصمت في النهاية في جامع ألخاقاني احتجاجا على الأعمال اللا إنسانية من قبل قوات الامن. وهكذا كانت الحركة مستمرة في المدن الاخرى ولعب الشهيد سيد محمد العبودي دورا هاما في تكثيف هذه الاتصالات و الاتحاد بين المدن و كان شخصية مقبولة من قبل عامة ابناء الشعب و سجن 14 عاما في عهد الشاه المقبور.

تدخل القوة الأجنبية من خلال ارسال الأسلحة إلى بعض أبناء الشعب و افساد الأجواء بمتاجرة الأسلحة و لكي تضغط على إيران دعت هذه القوة منتسبيها من أبناء شعبنا لتفجير بعض الأمكنة و القيام بالعمل المسلح في المدن وكانت هذه احدى العوامل التي راح حصيلتها الكثير بالإعدامات العشوائية و سحق كل من شارك في العمل السياسي القومي و جرت أحكام عرفية و مداهمات للبيوت الآمنة مرة اخرى و جرت تجاوزات لا مثيل لها.

و استمر هذا الوضع إلى اندلاع الحرب الإيرانية العراقية في عام 1980 وانتهى في عام 1988. في زمن البناء بعد الحرب لم يحصل مشردي الحرب الذين دمرت ممتلكاتهم إلا على وعود كاذبة، واعتمد الناس على كفاآتهم الذاتية، من بنى لنفسه كوخا او من نصب خيمة و البعض شيدوا منازلهم. استمرت الحياة في الإقليم بحالة من التوتر والغضب الغير معلن عند الشعب وكانت في احيان كثيرة تظهر الاحتجاجات و يحصل الصدام و مناوشات مع قوة الأمن.

استمر الهدوء و السكون للعمل السياسي العربي الحذر في الإقليم، ليستفيق في مرحلة الإصلاحات والمعروفة في الثاني من خرداد(23أيار) ومجيء السيد خاتمي الى دفة الحكم. كانت الفئة الواعية من الشعب العربي لها تأثيرها في هذه المرحلة و أسسوا أول حزب عربي باسم حزب الوفاق الذي أسس أعضائه المؤسسات المدنية مثل المراكز الثقافية، المراكز النسائية، اتحادات الطلاب و تأسيس فرق موسيقية اشتركت في مهرجانات قطرية و عالمية (مثل فرقة الشوش) وكانت تنشط آنذاك 22 مؤسسة مدنية، و عملت القوة السياسية المنتمية للحزب و المستقلين بإخلاص و جدية على تنوير أبناء الشعب و التثقيف في الأدب السياسي، الاجتماعي والقومي و اهتمامهم بتعليم جيل الشباب اللغة العربية التي اهملت تماما من قبل النظام ،استطاع الحزب بعمله الدوءب المستمر ان يحصل على كل الكراسي في مجلس البلدية في مدينة الأهواز، ثلث المندوبين كانت من النساء و يحصل على مقعدا في البرلمان الإيراني في طهران و بناء فروعه في المدن الأخرى من الإقليم. في هذه ألآونة وبعد العمل المنظم ظهرت الكتاب، الشعراء، الفنانين و الصحفيين التي عملوا في مجالات مختلفة و كان لهم دور وتأثير لم يسبق له مثيل على الساحة السياسية ، الثقافية، الاجتماعية. حركة المرأة العربية كان لها بصماتها في هذه الأعمال و شاركت في جميع المجالات بعد ما كسرت حاجز الخوف و العلاقة السائدة العائلية المتسلطة على المرأة في المجتمع.

شارك الحزب و تيارات اخرى و مستقلين ومن خلال العمل المشترك وتحت اسم الوفاق. استمر هذا الوضع الى بداية سنة 2005 وبعد انتشار الرسالة المعروفة برسالة السيد ابطحي مساعد السيد خاتمي آنذاك و التي كانت تنقل عن البرنامج السرية للحكومة الإسلامية الإيرانية والهادف الى تقليل سكان العرب في الاقليم وضمن فترة زمنية لاتتجاوز العشر سنوات لايصاله الى الثلث وذلك من خلال تهجير العرب من المنطقه الى خارج الاقليم واحلال الفرس وغيرهم محل العرب و عرف هذا البرنامج بالتطهير العرقي(كذب ابطحي ما نسب له حول هذه الرسالة عدة مرات و آخرها في لقائه مع العربية-نت). على أثرها و بمساعدة بعض السياسيين هناك قامت مظاهرة عارمة في 15.04.2005و استمرت الاحتجاجات لعدة ايام ضد هذا المشروع و قٌوبلت بالعنف من قبل قوة الأمن و الشرطة وكانت حصيلة هذا الهجوم الهمجي عشرات القتلى والجرحى و القي القبض على المئات و عرفة بانتفاضة نيسان 2005.

وبعد فترة قصيرة من الزمن حصلت تفجيرات في الإقليم و كان هدف قوة الأمن من هذا تحميل هذا الأسلوب من المقاومة لشن الهجوم الكاسح و المبرر من قبلهم على كل من كان له يد في الحركة السلمية و المدنية و عملت مرتزقة النظام على بث التهم و شن الهجوم على أبناء الشعب و شكلت محاكم عسكرية و سريعة واعدم على أثرها 13 شخص من الذين اتهموا بالاشتراك في التفجيرات. وحكم على العشرات بالسجن المؤبد، والطويل المدى و إبعد آخرين من المنطقة و هرب المئات إلى الخارج خوفا من بطش قوة الامن و المتشددين الجدد. وسادت المنطقة أحكام عرفية و عسكرية ليس لها مثيل و خاصةً بعد مجيء السيد احمدي نجاد إلى دفة الحكم و هو الذي انتخب الوزراء و رؤساء المحافظات و كثيرا من المسوولين من حرس الثورة.

بعد هذه التجربة في العمل المدني والسياسي في الإقليم و بشكل سلمي لماذا اتخذ البعض طرق المقاومة الغير سلمية و التي جربت أكثر من مرة و نتائجها كانت عكسية على الشعب؟ واصحابها الآن يسعون بالكتمان و التحفظ على التعريف والدعاية لها، معتقدين إن تبني العمل الغير سلمي في الإقليم سيخدم النظام حسب تعبيرهم! تعبيراً قيم و اعترافاً شجاع و لكن لماذا لم يحدث هذا التغيير قبل سنتين أو أكثر، لكان العمل السلمي مستمر في إقليمنا إلى يومنا هذا. ومثلما مستمرة المؤسسات المدنية في العمل، مثل الدفاع عن حقوق الإنسان والمراكز الثقافية و النسائية و العمالية و الطلابية في أقاليم كردستان و آذربايجان و تركمانصحرا و في بلوشستان و نرى الاعتقالات و التعذيب و الحرمان في صفوفهم وهم مصرين على مواصلة العمل.

و بعد التجارب الكثيرة في العمل المستمر و لثمان عقود او اكثر. لماذا لم نستفد من تجربة عملية أعطت ثمارها في العقد الأخير والمعروفة بالوفاق في الاقليم ، لو لم تحدث……..؟

لكي لا تتكرر مجزرة الأربعاء 30 من آذار 1979 مرة أخرى و إزالة الغيوم السوداء، اليوم و بعد 35 عاما على مرور تلك اليوم، نرى أن العالم و القوميات الأخرى تطالب نفس المطالب التي طالب بها شعبنا آنذاك والمعروفة بال12 مادة لحل المشكلة القومية في المرحلة القادمة في حكومة تحترم الحريات و الحقوق المشروعة للأقليات القومية و الدينية ومبادئ حقوق الإنسان في إيران.

إنني هكذا أرى الصواب، إذا أردنا لشعبنا لم شمله و التفافه حول نخبه لتحقيق السلام والازدهار و الحياة السليمة و التقدم للأجيال القادمة، علينا و بجدية للعمل من اجل الوفاق الأخوي حول الممكن، الحضور و المشاركة الفعالة في المسرح السياسي- الاجتماعي و الاقتصادي -الثقافي في الإقليم.هذا لم يتحقق إلى عن طريق المشاركة في العملية السياسية و الظهور و التأثير في المعادلة السياسية و كسح المحافظين المتشددين التي سحقوا الحريات، الحقوق المشروعة لجميع القوميات في إيران، و لإعادة المكتسبات التي حققتها النخبة العربية في الإقليم (مذكورة آنفا، في عهد خاتمي) ولكي نتمكن من الاستمرار في العمل التثقيفي و بناء المؤسسات المدنية والحضور الفعال بين أبناء الشعب و حثهم على المشاركة في جميع الأمور الملحة في جواً آمن و بعيداً عن المخاطر و المزاولات البعيدة عن الواقع، ومن اجل دفع التوغل الغير شرعي في الإقليم لغير العرب و من اجل التصدي للتغيير الديمغرافي و الاحتفاظ، دعم وتقويت اللغة و الثقافة العربية، علينا أن نستفيد من الظروف الملائمة والمنابر المتاحة و الأجواء المنفتحة و لو محدودة ، بناء الثقة بين ابناء و نشطاء الشعب العربي و المؤسسات الحكومية و المسؤولين . مثل ما شارکت الجماهیر العربیئ بتشجیع فریق فولاد لكرة القدم و هذه تعترب اول خطوة و حركة جماعية مدنية للجماهير العربية. نتمنى المزيد من هذه المشارات و الاعمال المدنية و المسير و التوجه الى الرياضة و الاعمال الثقافية، الاعتراضات و الاحتجاجات الشعبية المدنية مثل ما جرى على نهر الكارون و امام كل انتهاكات و تقصير و بهذه الخطوات يمكن القول بأن المجتمع يتحسس بالانتماء المؤسساتي المدني العربي بعيدا عن التعلقات الاخرى.

و ايضا حث المسؤولين و إجبارهم عن طريق المشاركة و المحاصصة في المحافظة والمدن من قبل النخبة العربية لتغيير الأوضاع الاقتصادية المتردية هناك.

موسى المزيدي
29.05.2014

المصدر: مركز مشداخ الثقافي