تحاول الجمهورية الإيرانية منذ نشأتها على يد مؤسسها الخميني أن تكون لها المرجعية والزعامة ليس فقط على الشيعة وانما تدعي زعامة جميع المسلمين فيل مواجهة الغرب والاستكبار العالمي ومن هنا يطلقون في إيران على مرشد الجمهورية لقب ”ولي أمر المسلمين في العالم”.
أما التدخل الإيراني ومحاولاته لزعزعة الاستقرار في البلدان ذات الأغلبية الشيعية،-العراق والبحرین وكذلك في البلدان ذات الأقليات الشيعية مثل الكويت والسعودية ولبنان واليمن هو معروف. لکن اذا كانت ایران هي مرکزا للشيعة الفارسية، فمن المؤكد أنها ليست مركزا للشيعة العرب.
ومن المفارقات ان الشیعـه من غير العرب فی البلدان ذات الكثافة السكانية الشيعية مثل باكستان وأفغانستان وأذربيجان وماليزيا وغيرها، لايعترفون بمرجعية إيران ولايهمها بناء علاقة مع إيران على أساس طائفي لکن بعض الشيعة العرب- للأسف ـ ينظرون إلى إيران بأنها من تحميهم وأنها تمثل مرجعية لهم ومن هنا يأتي الدعم الإيراني السخي لتنظيمات شيعية مثل “حزب الله” اللبناني، والحوثيين في اليمن والملیشيات الشيعة في العراق والبحرين وغيرهم، هذا في حين أن التشيع في تلك البلدان هو أقدم من إيران نفسها. بل المذهب الشیعی العربی يمثل عقيدة حقيقية وليس حركة سياسية مثل التشيع الفارسي.
وكان قد تم الترويج للمذهب الشيعي قبل قيام الدولة الصفوية في بداية القرن 16، وتحديدا في عام 1502م من قبل الشاه اسماعيل الصفوي، وكان هناك عدد قليل جدا من المجتمعات الشيعية في إيران. وإتخذ الشيخ إسماعيل -ـ زعيم الاتراک القزلباش ـ المذهب الشيعي لمنافسة الامبراطورية العثمانية التركية، حيث كانت تخوض صراعا مع إيران. وكان الفرس على المذهب السني لفترة إمتدت إلى حوالي ألف سنه حتى الصفويين أنفسهم، کانوا سنة إلى وصولهم إلى الحكم فی بدایة القرن 13، وبعد تغيير المذهب وإعلان التشيع مذهبا رسميا بدأت عملية إستقطاب الوعاظ الشيعة، ومعظمهم من لبنان.
وكان الشيخ اسماعيل الصفوي قد تشيع على يد علماء جبل عامل في لبنان عام 1501م وان من المفارقات ان نرى اليوم “حزب الله” اللبناني ومناصريه ينظرون إلى مدينة قم كمركز لقيادة شيعة العالم مع ان الفرس لايعيرون اي اهتمام للشيعة كعرب ان كانوا من لبنان أو العراق او البحرين أو الأهواز أما تعاملهم العنصري مع الشيعة في الأهواز هو خير دليل وبرهان على النظرة الشوفينية ضد كل ماهو عربي .
التيارات الشيعية الفارسية منها الدينية والعلمانية، هي معادية للعرب تماما. لقد كانت السياسة المعادية للعرب السمة المميزة في كل الحقب والحكومات المتعاقبة من ملكية أو جمهورية، ودليل على ذلك هو تعامل هذه الأنظمة مع عرب الأهواز حيث يقعون منذ أكثر من ثمانية عقود تحت سيطرة الشيعة الفرس ويعدون أكثر الشعوب إضطهادا في الشرق الأوسط.
وإذا ما عدنا إلى الحركة الشعوبیة المناهضة للعرب فی سنة 132 هجريا نجد ان نظام الخمینی هو يعد امتدادا لتلك الحركة الشعوبية.
وفي منتصف القرن ١٩ الماضي ظهر في إيران خطاب معاد للعرب روج له المثقفون والنخبة والانتهازیون من الفرس حيث رأوا بان التخلف الإجتماعي والسياسي والإقتصادي الذي يعانون منه سببه العرب والإسلام بدلا من النظر في المرآة لكشف هذه الأسباب التي رافقت الفساد وعدم الكفائة في البلد حيث زعموا بأنه کانت هناك حضارة فارسیة ساسانیة متقدمة لكن العرب قضوا على هذه الحضارة الساسانية الزرادشتية قبل 14 قرنا.
اتذكر أني حضرت في واشنطن خطابا ألقاه البرفسور منصور فرهنك المقرب من الخميني وهو أول سفير للجمهوریة الاسلامیة فی الامم المتحدة، أكد فيه أن: ”الخميني كان عنصریا و یکره العرب وأنه كان يكن البغض والعداء للعرب بشدة شأنه شأن جميع حكام فارس السابقين.”
وفي حين أن هناك الدكتاتورية المطلقة وعدم التسامح مع أي نشاط حزبي مستقل فی ایران، فإن النظام يشجع ویساعد أکبر حزب عنصری أیدولوجی معاد للعرب وهو “ حزب بان ایرانیست” ، في مدينة الأهواز، عاصمه المحافظة ذات الغالبية العربية، فللحزب مكتب كبير في شارع نادری وسط المدينة بينما لم يسمح للأهوازيين العرب بفتح مدرسة لتعليم اللغة العربية و هي لغة القرآن.
فكيف يهتم بعض الشيعة العرب في البلدان الشقيقة في العراق ولبنان والبحرين واليمن وسوريا وغيرها بإقامة علاقات مع مثل هذا النظام هل هم يجهلون هذه الحقائق أم إن الدعم المالي أكثر أهمية من هذه الأمور.
في مثل هذه الظروف والتجارب من الأفضل للعرب الشيعة الرهان على اخوتهم العرب للحفاظ على ثقافتهم وإستقلالية مذهبهم وقطع الطريق أمام إيران التي تحاول التدخل في شؤونهم كما كان قائما بينهم لعدة قرون قبل مجيء الخميني الى الحكم وإعتماد نظام ولاية الفقيه الذي يتصور أنه يحمل رسالة ليس للإيرانيين فقط بل لكل العالم. السنة والشيعة العرب بإمكانم أن یعیشوا بشكل أفضل في ظل أنظمة ديمقراطية وسيادة القانون وإحترام حقوق الأقلیات العرقیة والمذهبیة.
أما مشروع ولایة الفقیه هو مرفوض بكل صراحة من قبل الفقهاء في النجف و بلدان أخرى، و حتی الإمام موسى الصدر والعديد من الزعامات الشيعية العربية في العراق ولبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية ترفض هذا النظام.
ومن هنا فان إحترام الأقليات الدينية والعرقية في البلدان العربية وتشريع قوانين لحمايتهم ومنحهم الحرية لممارسة شعائرهم كفيل بنزع سلاح ايران الأيدولوجي واستغلالها للخلافات وصيدها في الماء العكر.
يدعم نظام الجمهورية الاسلامية بقوة آداب وعادات القومية الفارسية ويهمل تلك التي تعود إلى الإسلام فعلی سبیل المثال تعلن إيران 15 یوم اكإجازة لعید “نوروز” في حين لم تتعد إجازة عید الفطر على مضض، الا يوما واحدا، كما تمنح إجازات في المناسبات التي تعود إلى الزرادشتية مثل “جهارشنبه سوری” و ” شب یلدا ” و غیرها.
أما فی الصحافة الرسمية یحاولون إلغاء الكلمات العربية وإستبدالها بأخرى: مثلاً يطلقون على ” الجمعة ” و هی یوم الصلاة إسم “آدينة”. و کذلك یحاولون إستبدال کلمة “السلام،” عند التحية بكلمات فارسية مثل “ درود” ، وحتی المهاجرین الفرس فی الخارج المعادين للعرب یمارسون ضغوطا علی وكالات الأنباء الدولية التي تبث باللغة الفارسية مثل صوت امریکا – VOA و-BBC لإستبدال تحية “ السلام” من قبل المذيعين بكلمات فارسية.
أما بعض المسلمین الفرس في الدول الغربية وعددهم بالآلآف إعتنقوا المسيحية ويعترف بعضهم وأنا قابلت الكثير منهم في أوروبا وأمريكا أن السبب يعود إلى أن الإسلام قد جاء من العرب.
تصر الجمهورية الاسلامية على أساس إنتماءها القومي والشوفيني المتطرف على إطلاق تسمیة “الخلیج الفارسي” و إنهم يكررون كثيرا “الخلیج الفارسي للابد” إذا ما أردوا ذكر إسم هذا الخليج ويروجون على هذا الاساس الى خطاب معاد للعرب على الرغم من أن جميع سكان جزر الخليج وجميع سواحلها هم من العرب.
أما دعم إيران للشيعة في بلدان مثل اليمن والعراق والبحرين والسعودية وسوريا والكويت ولبنان هو يعود إلى منافع سياسية وقومية وليس له حوافز دينية ولم يكن حبا للشيعة بل من أجل التنافس مع الدول العربية ذات الأغلبية السنية.
يرى البعض أن المنطقة تمر بأحداث تشبه تلك التي شهدتها أوروبا في أوائل القرن 17 وخاصة خلال «حرب الثلاثين عاما» بين البروتستانتية والكاثوليكية عندما خاضت بلدان متعددة إشتباكات على أساس طائفي وبعد فترة طويلة من الإقتتال كان الجميع خاسرا مثل الخسائر التي تخلفها الإشتباكات الطائفية في نقاط متعددة من المنطقة حاليا و سببها الرئيس إيران.
ولكن على الرغم من تظاهر الغرب بالغضب من إيران، نرى أنه يدعم إيران من خلف الكواليس، لكن لماذا؟
الغرب لايزال یتبع سياسة إنهاك واستنفاد قوة العرب والمسلمین، حيث أنه لايريد الغلبة للسنة أو الشيعة والحالة المنشودة لديه هي الهاء الجانبين واستنفاد الطاقات البشرية ورأس المال. وهذا مایریده اعداء العرب فی المنطقة و خارجها.
وقد أتبع الغرب نفس السياسة خلال الحرب الإيرانية العراقية حيث قدم الدعم للجانبين وبالتالي إستنزف الحرب طاقات الطرفين لمدة ثماني سنوات، في حين نشرت في وقت لاحق العديد من الكتب التي تستند إلى مصادر إستخباراتية تؤكد بأن إيقاف الحرب كان ممكنا بعد سنة من بدء الحرب بشكل يرضي كلا الطرفين. وفي الوقت الراهن، تجري متابعة نفس السياسة في الاستراتيجية الغربية فی المنطقه فی موضوع الحرب في سوريا حيث دخلت عامها الرابع وحصدت أرواح أكثر من ١٥٠ ألفا.
وعلى هذا الأساس بإمكان الشيعة العرب تعزيز صلات التقارب مع إخوتهم السنة لقطع الطريق أمام إيران والأنظمة الطائفية مثل نظام الأسد ونوري المالكي للوصول الى حلول ديمقراطية تكفل الحفاظ على حقوق الأقليات بدلا من إستمرار مثل هذا الإقتتال لثلاثين سنة!
د. كريم عبديان بني سعيد