اذا أن هذه الانتفاضة العظيمة جاءت على خلفية سياسات الاضطهاد القومي من جهة ومحاولة الشعب العربي التخلص من هذه السياسات من جهة أخرى ، ألا أن السلطات الإيرانية و كعادتها وبدل من تحمل مسؤوليتها إزاء ما جري من ظلم واضطهاد بحق شعبنا العربي، أخذت تضع اللوم والمسؤولية على عاتق العامل الخارجي ، في حين القوى الوطنية والقومية الاهوازية قد رفضت هذه الاتهامات جملة وتفصيلا. إذن ما هو السبب الرئيسي الذي كان وراء اندلاع هذه الانتفاضة ما هي العوامل الرئيسية الكامنة خلفها؟ وفي الإجابة على هذا الأسئلة وغيرها يمكن القول إن ما حدث ما هو إلا تراكمات كمية تحولت وبفعل سياسة الاضطهاد القومي الإيراني المستمر بحق شعبنا إلى تراكمات كيفية عبرت عن نفسها على شكل مظاهرات سلمية شاركت فيها قطاعات واسعة من أبناء شعبنا العربي الاهوازي .
إن المتتبع لسياسة الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران وخاصة في عهد الجمهورية الإسلامية يدرك جيداَ إلا أنها ورغم تبنيها للعقيدة الإسلامية إلا أنها تعاملت مع قضية القوميات وبخاصة قضية الشعب العربي الاهوازي في منتهى القسوة والشدة ويأتي هذا التعامل الشديد واستخدام العنف لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر ، الثروة النفطية الهائلة الموجودة في هذا الإقليم التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد ايران ، الموقع الجيوبولوتيكي والاستراتيجي للإقليم بسبب مجاورته للمناطق العربية ، ومطالبة أبناء شعبنا المستمرة في تقرير مصيرهم بأنفسهم بعيدا عن التدخلات الفضة للحكومة المركزية في إدارة شؤونهم الداخلية .
ورغم أن البترول ينتج بكميات هائلة في مقاطعة الاهواز إلا أن هذا النفط أصبح بالنسبة للحكام الإيرانيين نعمة ولكن بالنسبة للشعب العربي الاهوازي نغمة ، حيث لم تخصص الحكومة الإيرانية لا في العهد السابق و لا في عهد الجمهورية الإسلامية إلا مبالغ زهيدة جدا من أموال هذا الكم الهائل من البترول لصالح التنمية ، وعندما حاول عدد من أعضاء مجلس الشورى الإيراني العرب ولأول مرة عام 2005 طرح موضوع تخصيص 1.5 من حصة النفط لصالح تطوير الإقليم رفض مجلس الشورى الإسلامي هذا المقترح ولم يحاول حتى عرضه للمناقشة، وبالتالي لا نجد عجبا حينما قال الموفد الخاص للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة أثناء زيارته للإقليم عام 2005 لقد” أصبت في الصدمة وأنا أشاهد الأوضاع الاجتماعية والصحية والسكانية المتردية في هذا الإقليم ” . وفي مقابلة أجرها آنذاك مراسل جريدة شهر وند الفارسية السيد خسروشيرواني بتاريخ 17 4 | 2005 مع المرحوم المناضل السيد محمد نواصري حول الأسباب الرئيسية لاندلاع هذه المظاهرات قال إثناءها “إن احد الأسباب الكامنة وراء اندلاع هذه الانتفاضة هو الاستيلاء المستمر على الأراضي العربية من قبل حكومة الجمهورية الإسلامية، فمنذ عام 1991 وحتى اليوم صادرت الحكومة أكثر من 200 ألف هكتار من أجود الأراضي الزراعية العائدة للفلاحين العرب وان العديد من القرى العربية قد اختفى عن الوجود ” .
وقال بدوره مجري هذه المقابلة السيد خسرو شيرواني انه، ” استنادا إلى الإحصائيات الرسمية وشبه الرسمية المختلفة أن من بين( 5.500000) خمس ملايين ونصف المليون سكان الإقليم هناك 75% هم من العرب ، حيث لا توجد لهذه الملايين الكثيرة من المواطنين العرب حتى مدرسة عربية واحدة ، ولم نشاهد وطوال تاريخ هذه المحافظة تعيين محافظ عربي واحد قط ، وفي الوقت الذي يتكلم معظم مواطني هذا الإقليم اللغة العربية لا تزال اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية المتداولة ،و استنادا إلى الإحصائيات الرسمية إن 25% من شباب هذه المنطقة هم من المدمنين على المخدرات وهم إما يسكنون القرى أو المناطق الفقيرة المنتشرة حول المدن ، كما إن جمهرة كبيرة من المواطنين العرب المعدمين قد تركوا أراضيهم والتي هي مصدر رزقهم الوحيد قسرا نتيجة الحرب العراقية ولا يزالون يعيشون ظروف قاسية رغم أنهم يسكنون فوق بحيرة من الذهب الأسود ” .
وأثناء معرض رده في تلك المقابلة عن أسباب اندلاع هذه الانتفاضة قال السيد النواصري : ” أن المقدمات الأولية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه الانتفاضة قد تكونت تاريخيا على تناقض أساسي وهو وجود سلطة مركزية شديدة من جهة والخصوصيات القومية التي تتسم بها بعض المناطق الإيرانية من جهة أخرى، هذا العاملان يشكلان المحور الأساسي لهذا التناقض “، ويضيف السيد النواصري “إن الرسالة المنسوبة إلى ابطحي والتي نشرت على بعض مواقع الأنترنيت الأحوازية والتي تؤكد على تغير النسيج السكاني كانت بمثابة عود الثقاب التي أشعل نيران هذه الانتفاضة والتي بدأت على شكل تجمع احتجاجي سلمي للمواطنين العرب في حي “الدايرة ” إلا أن تواجد قواي البوليس وتصديه بقوة لمنع هذه التجمع من التعبير سرعان ما تبدل إلى مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والمواطنين، ويبدو أن الحكومة ليس لديها أي برنامج للتعاطي مع المطالب القومية للشعب العربي، حيث أن فقدان مثل هذه الأجندة كان السبب في استخدام العنف المفرط من قبل قوى الأمن، هذا من جهة وانتشار الانتفاضة إلى معظم المناطق الاهوازية من جهة أخرى” .
ويضيف السيد النواصري، منذ ” إن تولى هاشمي رفسنجاني الرئاسة في البلاد والى يومنا تم و عبر ” مركز الدراسات الاستراتيجية ” وسياسة ما يسمى “باستصلاح الأرض ” تم مصادرة ما يقارب أكثر من 200 ألف هكتار من أجود أراضي الفلاحين العرب التي شملها الإصلاح وكان نتيجة هذه السياسة هجرة عشرات الآلاف من الفلاحين العرب من الريف إلى المدينة وكون أن الفلاحين العرب المهاجرين لا يملكون مكونات التأهيل من حيث الدراسة وقوة العمل، من هنا فإننا نشاهد ازدياد معدلات البطالة وانخفاض المستوى التعليمي وارتفاع معدلات الإدمان وكذلك ازدياد حدة الخلافات والمواجهات بين المواطنين العرب و النظام ” .
وحول طبيعة الانتفاضة وأهدافها وهل هي تدعوا إلى الانفصال قال السيد نواصري و “أن كانت القلة من المتظاهرين قد رفعوا شعارات انفصالية ، إلا أن السمة العامة لهذه الانتفاضة لم يكن تهدف إلى الانفصال وأنني الخص ما تدعوا إليه هذه الانتفاضة باختصار جدا وبجملة واحدة وهو أن هذه الانتفاضة تدعوا إلى رفع التمييز والظلم القومي المضاعف الذي يمارس بحق الشعب العربي الاهوازي، وهي بالتالي مطالب سياسية واقتصادية وثقافية، وإما في المجال السياسي فان مطالب الانتفاضة ينحصر في مشاركة العرب كمواطنين من الدرجة الأولى في إدارة شؤونهم وبالتالي فعي ليست مطالب تعصب قومي أو انفصالية كما يدعي خصومهم ” .
وحول الإجابة على سؤال كيف تجلت مطالب هذه الانتفاضة في شعاراتها قال السيد النواصري” إن معظم شعارات هذه الانتفاضة كانت تدور حول الحفاظ على الهوية القومية وإدانة سياسة التفرنس التي تمارس بحق الشعب العربي الاهوازي.
وحول اتهام الحكومة الإيرانية على أن ما جرى ويجري هو عبارة عن مؤامرة أحكيت خيوطها في الخارج قال السيد النواصري، إن ” مبدأ المؤامرة كان موجودا على الدوام إلا أن الأنظمة الشمولية وكعادتها ليست على استعداد للإجابة على المشكلات والمعضلات الداخلية، من هنا فأنهم يبحثون عن ابسط الحلول واقصرها ، لذلك فان البحث عن جذور المعضلات على إنها مؤامرة خارجية هي من بين هذه الحلول، لقد حدثت في السنوات الأخيرة انتفاضة مماثلة في مناطق كردستان و صحراء التركمان تدل على إنها نتيجة سياسات داخلية لا دخل للعامل الخارجي فيها ” وعلى ما ضوء ما ورد إذا أردنا تقيم نتائج هذه الانتفاضة يمكن القول إنها حققت عدة مهام منها:
– الوحدة الوطنية، حيث شاركت قطاعات واسعة من جماهير شعبنا بكافة قواها الوطنية والقومية في هذه المظاهرات.
– الشمولية، حيث شاركت كافة المحافظات الاهوازية في هذه المظاهرات.
– تأثير الفعل السياسي داخل إيران، حيث هزت أركان النظام وأوجدت في داخله شرخا إزاء تعامله مع هذه الانتفاضة كما هزت صورته الأخلاقية والعقائدية أمام الرأي العام العربي و الإسلامي.
– أوصلت صوت شعبنا العربي الاهوازي إلى العالم لا سيما إلى دوائر القرار العالمي والى هيئة الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها.
– خلقت تعاطف غير مسبوق من قبل القوميات الإيرانية للتعاطي مع قضية شعبنا .
– أصبحت رمزا لنضالنا الوطني الراهن حيث تحي ذكرها الجماهير كل عام في داخل البلاد وخارجها باعتبارها يوم لحماية “الأرض ” من قبل الطامعين
– رغم مرور ثماني سنوات على انطلاقاتها ألا أن شعلتها لم تنطفي .
أن انتفاضة شعبنا كانت لدرجة من الاندفاع والشدة حيث استشهد في اليومين الأول والثاني من هذه الانتفاضة وحسب اعترافات صحافة الحكومة الإيرانية أكثر من 60 مواطنا وجرح أكثر من 270 مواطن أخر، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 1000 مواطن، وأعلنت الحكومة الإيرانية حالة الطواري في كافة المناطق وأقامت حكم عسكريا بقي مستمرا حتى الوقت الراهن، كما أن حملات المداهمات والاعتقالات و الإعدامات بحق المواطنين العرب وخلال ثمان أعوام على اندع مستمرة مما جعل عدد المعتقلين والمفقودين و المعدومين في تصاعد مستمر.
هذا و سوف تبقى انتفاضة الخامس عشر من نيسان شعلة مضيئة على طريق النضال من اجل إثبات الهوية العربية التي تحاول الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في ايران طمسها وبالتالي فهي بحاجة إلى مزيد من الدراسة والبحث للاستفادة من معطياتها العظيمة وهذه مسئولية هامة يتحمل وزرها كل النخب والقوى الوطنية والديمقراطية التي تناضل من اجل استعادة حقوق شعبنا العربي المناضل .
جابر احمد
نيسان 2013