فلسنوات عدة كانت هذه القيادات تدعوا الشعب الإيراني إلى القيام ضد النظام الحاكم و التي تعترف بأنه نظام استبدادي و قمعي عنيف لم يختلف عن سابقه البهلوي. دولة تقوم على ايديولوجية احادية الفكر و سلطة تتأسس على ثيوقراطية لا يرتقي فيها أحد ان لم يكن موالياً لها.، فكيف يتم الدعوة إلى الاصلاح و دمقرطة هكذا النظام إن لم يتخلى عن اهم مرتكزٍ فيه و هو ولاية الفقيه؟ انه مطلبٌ صعبٌ لن يتحقق إلا باسقاط النظام نفسه.
قد يكون السبب لهذا الموقف هو عدم وجود قوةً حقيقية لهذه الحركات في صفوف الجماهير الإيرانية قادرة ان تحركها لاسقاط الدولة مقارنةً بالحركة الخضراء و التي حازت على الجماهيرية الكبيرة لوجود قيادات اصلاحية. و حتى ان فصيل المعارض في الداخل (الحركة الخضراء) لا يتفق في اهدافه مع الخارج، حيث ان الأول يدعوا لإصلاح تدريجي في السلطة لا النظام، اي ان لا يؤدي ذلك إلى اسقاط مقوماته السياسية او الأيديولوجية.
و لكن هناك سبب بنظر العديدين هو الأرجح لتلك الدعاوي إلى اصلاح النظام و ان كان لدوافع براغماتية بحتة…
و هو التخوف من تنامي حركة الشعوب الغير فارسية و التي باتت تحصد شرعية شيئاً فشيئاً لمطالبها التاريخية على الساحة المحلية و الدولية، و بالأخص إن لتلك الشعوب جهات تنظيمية و نشاط ثقافي من صلب ابناءها و الذين لا ينتمون لخارطة المعارضة الفارسية للنظام، بل انهم معارضين للدولة الإيرانية و التي شيدت على ابادة سلطاتهم المحلية في اقاليمهم و تملك مخزوناً تاريخيا من ذكريات الاضطهاد و التنكيل من الدولة الإيرانية على مدى العقود التسع الماضية.
ففي الفترة الأخيرة شهدنا تحركاً اهوازياً مميزاً سواء في المؤتمرات التي اقامها الأهوازيين دعماً للقضية في البلدان العربية و الأوروبية اغاظت اركان النظام الإيراني، او في الجانب الإنساني حيث حراك الأهوازيين الواسع و المستمر لإيقاف اعدام خمسة من الناشطين الثقافيين من ابناء مدينة الخلفية و التي وصلت صداها للمجتمع الدولي و انتزعت اعترافاً شرعية لوجوب ايقاف تلك الإعدامات، هذا الحراك سيساهم في المستقبل بدفع القضية إلى خطوات اكبر إلى الأمام. و في الخانة نفسها نشهد حراكي الاكراد و الآذريين في الإتجاه و المستوى ذاته ايضاً…
و لذلك فإن تلك المعارضة باتت مدركة للواقع الذي قد ينتج من الأصوات الداعية لإسقاط النظام، حيث فقدان السلطة المركزية و حصر الهوية الإيرانية الفارسية على الفرس و هو ما يهدد وحدة ايران السياسية في المستقبل، و التجربة الكردية في العراق ليست بمنأى عن الحدوث ايضاً في ايران…
فنجد رفع شعارات حماية كامل تراب الوطن امراً تجتمع عليه تلك الفصائل السياسية الفارسية حتى و ان كانت تختلف بين بعضها البعض. لكن تلك التيارات بمختلف مساراتها تواجه اشكالية خطيرة فهي ليست لديها اية جهة تدين لها الولاء لفكرتها عن ايران موحدة و لا لأطروحاتهم السياسية بين صفوف الشعوب الغير فارسية.
خطاب تلك الحركات ليست موجهة لتلك الشعوب، لأنها تأسست على مضامين أيديولوجيا القومية الفارسية و التي تستند على مكون العرق الآري الذي ينتسب إليه الفرس و بالتاريخ و الثقافة الفارسية كتاريخ و ثقافةً للأمة. و بالرغم من ان هناك شعوباً غير آرية موجودة و تحمل تاريخاً و ثقافة متميزة ذاتياً، فهي لا تعترف بها كشعوب و تتنكر لهويتها القومية.
حتى و ان اعترفت بتلك القوميات فسيكون من الجانب الأدبي فقط، فهي لن تتبنى مطالبها و ترجع حقوقها التاريخية الشرعية و التي الغاها رضا شاه البهلوي باحتلاله لتلك الأقاليم الغير فارسية رغماً عن ارادة سكانها. و لذلك فإن ليس لهذه الحركات تأثير يذكر او تأييداً عاماً لها بين صفوف تلك الشعوب.
هذا يمثل خطراً كبيراً على المفاهيم التي تؤمن بها المعارضة الإيرانية و هي تنظر إلى تنامي الوعي لدى تلك الشعوب في هوياتها القومية و استرجاع تاريخها و ازدياد حراكها الوطني في صفوف شبابها.
في السنوات العشر الماضية برزت دراسات اجتماعية ايرانية تؤكد على وجود ازمة الهوية الوطنية الإيرانية بين صفوف الإيرانية، و ان كانت تلك الدراسات تحاول ان تظهر الأثر خارجياً و ليست صحوة تاريخية لتلك القوميات، ألا إنه يؤكد زيف نظرية الأمة الإيرانية و الهوية الوطنية الإيرانية التي كانت تروج لها ايران منذ تأسيس دولتها الحديثة.
ان هذه المقولات تسير عكس اتجاه التاريخ، فلا يمكن للأفكار العنصرية الأحادية بأن تستمر بتصدي حقوق الشعوب المضطهدة و إلا فقد حكمت على نفسها بالفناء. و انها ما هي إلا اياماً معدودة و ستنتهي تلك الأيديولوجية العنصرية التي جثت على صدور تلك الشعوب معرضةً اياها لأقصى انواع الظلم و الجور، و تلقى في مزابل التاريخ حال نظيراتها النازية و الفاشية.