نقصد بظاهرة التسنن في المجتمع الاهوازي، تحول الفرد المسلم من المذهب الشيعي الامامي إلى المذهب السني و هي ظاهرة بدأت منذ بدايات التسعينات من القرن المنصرم في اقليم الاهواز وازدادت انتشارا في اوساط فئة الشباب بشكل خاص خلال العقدين الاخيرين.
وهذه الظاهرة التي تتداخل فيها الاسباب الدينية والسياسية والاجتماعية أصبحت واقعا لا يمكن انكاره او تجاهله لما له من تاثيرات اجتماعية و سياسية على صعيد المجتمع الاهوازي او ابعاد هذه الظاهرة على مجمل الحراك السياسي و الثقافي يجب ان تبحث بشكل تخصصي من زاوية علم الاجتماع الديني من قبل كافة الناشطين و المهتمين بالشان العام الاهوازي. و تشهد هذه الظاهرة انتشارا واسعا كردة فعل تجاه النظام الايراني الذي يدعي زعامة المذهب الشيعي و يقمع و يضطهد ابناء نفس المذهب من عرب الاهواز فقط بسبب تمايزهم القومي و الثقافي و تنتشر هذه الظاهرة يوما بعد يوم في ظل فقدان النظام شرعيته الدينية و الشعبية و فشل مشروعه الديني في تحقيق شعاراته الاساسية في العدالة و الحرية و تطبيق الشريعة الاسلامية .
هل اصبح التسنن ظاهرة اجتماعية ؟
عرّف ” دوركايم ” الظاهرة الاجتماعية بأنها ” ضرب من السلوك ثابتاً كان أو غير ثابت يمكن أن يباشر نوعاً من القهر الخارجي على الأفراد، أو هي سلوك يعمم المجتمع بأسرة , وتختلف عن الصور التي تتكون منها الحالات الفردية “.(1)
ووفق هذا التعريف فان التسنن ظاهرة اجتماعية أصبحت واقعا ملموسا في انحاء مختلفة من اقليم الاهواز . فهي بعد ان كانت في مرحلة من المراحل حالات فردية أصبح اليوم ظاهرة منتشرة في أغلب المناطق خاصة في السنوات الأخيرة .
و الدلائل التي تشيرالى انها تجاوزت الحالات الفردية و اصبحت ظاهرة واضحة للعيان ، كثيرة و عديدة أهمها :
1- اغلب التهم الموجهة للمعتقلين و الناشطين السياسيين غالبا ما تكون من بينها تهمة الوهابية – على حد وصف السلطات – و المقصود بها تغيير المذهب من التشيع الى التسنن و الطريف في الامر ان حتى بعض العلمانيين لفقت لهم هذه التهمة ضمن التهم الباطلة التي تلصقها محاكم الثورة بالناشطين الاهوازيين و ذلك من اجل ربط اي نشاط عربي اهوازي بالخارج و بالتالي ادانته قضائيا و قمعه .
2- جهود النظام الحثيثة للحد من انتشار هذه الظاهرة من خلال المؤسسة الدينية و منابرها المنشرة و كذلك من خلال الاعلام المرئي و المسموع و المقروء و شبكات التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية و بث الدعاية المستمرة .
لقد دأبت السلطات على انشاء المواقع و المدونات المختلفة و بث الدعاية المضادة و الاكاذيب و تزوير الاخبار و الحقائق و التركيز على ربط قضية الشعب العربي الاهوازي بالوهابية على حد زعهم و تعمل تلك الوسائل الاعلامية التي يشرف على اغلبها اجهزة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري او وزارة الاستخبارات على ابراز العامل المذهبي دون التطرق الى معاناة الشعب العربي الاهوازي و عامل الاضطهاد القومي العنصري المستمر و من ابرز هذه المواقع هو موقع راهنما (http://www.rah-nama.ir/ ) الذي مخصص للقضية الاهوازية و يبذل القائمون عليه جهدا كبيرا و تستند مواضيعهم و دعايتهم على تقارير استخباراتية بحت او ملفات و اعترافات المعتقلين و السجناء السياسيين الاهوازيين المأخوذة منهم تحت التعذيب حيث تحاول السطات ان تظهر المعتقلين بانهم مخدوعين و نادمين على ما فعلوه من نشاط و بذلك تزيف و تزور الحقائق و الاحداث ضاربة عرض الحائط كل اخلاق و قيم المهنة الاعلامية بعرض هكذا اعترافات و تقارير و مقابلات ماخوذة من متهمين تحت التعذيب الجسدي و النفسي .
في مقابلة اجريت مع آية الله محسن حيدري امام الجمعة في مدينة الاهواز و العضو في مجلس الخبراء و عضو مجلس قيادة الحرس الثوري في منطقة الاهواز و هو ابرز عناصر النظام الايراني في اقليم الاهواز في فصلية “راهنما ” التي تصدر عن الموقع المذكور اعلاه يقسم اسباب ظاهرة التسنن الى ثلاث : ثقافية و اقتصادية و سياسية ، و يشير ضمنا الى الفقر و الحرمان و الاضطهاد الذي يعانيه الشعب العربي الاهوازي و لكنه في المقابل يعزو الظاهرة الى تاثيرات خارجية . (2) في هذا السياق ايضا قامت السلطات باقامة دورات تدريبية سنوية حول نقد الوهابية ( المقصود التسنن ) من قبل مؤسسة الدعاية الاسلامية في الاهواز منذ ثلاث سنوات .(3)
على صعيد متصل نجد تحذير آيت الله شفيعي العضو في مجلس الخبراء من موجة الوهابية و وصفها بانها مثل الاختبوط تتقدم الى الامام و دعا الحكومة الى مواجتها بحزم .(4) اما الحوزات الدينية فشغلها الشاغل هذه الايام محاربة هذه الموجة و بهذا الخصوص يؤكد الشیخ «عبدالصادق هردان» مدير حوزة الامام الصادق في الاهواز على انتشار ظاهرة التسنن بقوله ان هذه الظاهرة بدأت بالانتشار منذ عشر سنوات و قال بان الاحزاب السياسية القومية تستغل الفقراء و المعوزين و توزع المعونات عليهم لتغيير مذهبهم و يتم ذلك بدعم من دول الخليج و يشير الى اغتيال رجل الدين ” هشام الصيمري ” الذي قتل على حد زعمه بيد احدى التيارات الوهابية المتطرفة في الاهواز . (5)
اما قائد فيلق ولي العصر في الحرس الثوري اللواء حسن شاهسوار صرح لوكالة فارس للانباء ان ظاهرة ما اسماها بالوهابية تشكل تهديدا محدقا بنا في الاهواز متهما جهات خارجية تعمل على نشر الظاهرة عن طريق الاعلام و الفضائيات و الانترنت .(6)
نشوء الظاهرة :
في بدايات التسعينيات من القرن الماضي بدأت الدعوة الدينية كحركة اصلاح ديني في المجتمع العربي الأهوازي من قبل بعض الناشطين السياسيين من اجل ازالة الشوائب و الخرافات من المذهب الشيعي الذي غلبت عليه الطقوس و الشعائر بدل القيم الاساسية السامية في الاسلام على يد نظام الجمهورية الاسلامية و استمرت الحركة على هذا المنوال لتتحول فيما بعد إلى الدعوة لاعتناق المذهب السني و قد اخذت هذه الحركة مناح عديدة بعضها ديني و الآخر سياسي و قد بدأت هذه الحركة بالنشوء و الانتشار من منطلقات عدة سنأتي بها في سياق مناقشة توجهات النخب و الاطياف الفكرية و السياسية و الثقافية على الساحة الاهوازية .
لعل ابرز المنطلقات و الاسباب في نشوء هذه الظاهرة هي فشل المشروع الديني لنظام الجمهورية الاسلامية في تحقيق شعاراته و اهدافه في الحرية و العدالة الاجتماعية و الحقوق العامة لسائر الشعوب في ايران و بالنسبة لعرب الاهواز ازدياد التهميش و الفقر و المعاناة و التمميز العنصري اكثر من ذي قبل و ازدياد الممارسات الشوفينية للنظام الجديد الذي انتهج نفس النهج الشاهنشاهي بشكل اكثر قسوة حيال عدم الاعتراف بقضية شعب الاهواز العادلة و انتهاج اسلوب القمع و التمييز و التهميش و سياسات التفريس و محاربة الهوية العربية مما حدا بالكثير من الشباب العربي الواعي ان يبحث عن بديل لهذا المشروع الجديد المتستر برداء المشروع الديني .
كان عامل المذهب يعتبر عائقا أمام الحركة السياسية الاهوازية من وجهة نظر هولاء الناشطين حيث ان مبدأ التقليد من المراجع كان يحتم على المقلدين في المذهب الشيعي اتباع آراء المراجع في كل صغيرة و كبيرة و بالتالي أي فتوى من رجال الدين تلزم المواطن العربي الشيعي أن يقف حتى ضد مصلحة شعبه نظرا لطبيعة المعتقد الشيعي حيث ينص على أن من لم يقلد المرجع لا صلاة و لا صيام له و من هذا المنطلق كان الناشطون السياسيون يرون بأن عامل المذهب هو ما يربط هذا الشعب بالنظام الايراني و لذا قطع هذه الصلة و العمل على تغيير المذهب الشيعي أو إضعافه لدى الشعب العربي الأهوازي يمهد لقطع كل الصلات و الاواصر مع النظام في سبيل تحرير الشعب و توعيته بالنسبة لقضيته و حقوقه و حقه في تقرير مصيره و استرجاع حقوقه .
لقد مرت هذه الحركة الدينية السياسية بثلاثة مراحل :
• مرحلة اصلاح في المذهب الشيعي
• مرحلة التحول إلى التسنن
• مرحلة الانشقاق و التحولات الجذرية
لقد شهدت الحركة لجوء اولئك الناشطين إلى قراءات مختلفة للنصوص الدينية ، فالبعض يعطيها تفسيرا تاريخيا يعزز خطابه القومي الرومانسي و يفسر احداث التاريخ الاسلامي كأنها تدور حول الصراع بين العرب و الفرس على وجه التحديد و البعض الآخر يعطيها تفسيرا دينيا أوطائفيا بحت و يصور الامر كأنه صراع بين الدولة الاسلامية و الشعوبية أو بين مذهبين أو ملتين على ان أي منهم على حق في اتباع مذهبه و لا يخرج التفسير التاريخاني للنصوص الدينية عن قضية الامامة و الخلافة و تسييس النصوص الدينية بغرض اثبات وجهات النظر المختلفة . و مرت هذه الحركة التي انطلقت من مبدأ اصلاح المذهب الشيعي من خلال التركيز على التشيع العلوي بدل التشيع الصفوي من خلال التأثر بافكار علي شريعتي و عبدالكريم سروش و غيرهما ممن يطلق عليهم المثقفين الدينيين او المصلحين الشيعة ، الى ان تأثرت بالنقاش الدائر في العالم العالم الاسلامي بين السنة و الشيعة حتى افترقت مجاميع الشباب الذين يبحثون عن الاصلاح الى مناحي و توجهات مختلفة ، فمنهم من تحول الى التسنن و منهم من وصل الى مرحلة نقد المذهبين و تجاوز الحالة المذهبية الطائفية و الاقتناع بالفكر العلماني بعد ان انتشرت الكتب و المقالات و الكراسات حول النقد الديني و التعرف على المفكرين و الفلاسفةو الباحثين العرب الكبار المتخصصين في هذا المجال كمحمد عابد الجابري و صادق جلال العظم و محمد اركون و سيد القمني و نصر حامد ابوزيد و غيرهم .
اهم النقاط التي كان يبني عليها دعاة التسنن خطابهم عموما يعتمد على عدة مرتكزات حسب ما ورد في مقال في موقع ايلاف للسيد كاظم مجدم أحد مؤسسي حزب الوفاق في الاهواز :
” 1ـ كانوا يعتقدون بأن الإسلام والعروبة جزءان غير منفصلين ومكونان أساسيان للهوية العربية. ويعتبرون التشيّع هو عبارة عن القراءة والنسخة الفارسية من الدين الإسلامي التي تفتقد إلى العروبة،بل أن التشيّع إنما صنيعة شعوبية مجوسية ومشروع قومي فارسي وعنصري.
فإذا ما اتجه الشعب الأهوازي نحو إعتناق المذهب السني وطرد العنصر الشعوبي/ الصفوي(التشيّع) سيُحلْ التناقض الموجود بين الإسلام والعروبة لدى عرب الأهواز وبالتالي يجد الإنسان الأهوازي هويته القومية العربية.
2ـ يقولون بأن حلقة الوصل الوحيدة بين عرب الأهواز وسائر شعوب جغرافية إيران هو المذهب الشيعي وعلى هذا الأساس فكل عامل يقطع أو يضعِفْ همزة الوصل هذه،فمن شأنه أن يطرد العناصر الإيرانية الدخيلة ويسرّع في عملية التحرير.
3ـ وكذلك فإن مكافحة هذا المذهب المزوّر ـ حسب زعمهم ـ يجب أن يبدأ بمكافحة رجال الدين الشيعة ومراجع التقليد على كل الصعد،لأن لهؤلاء انتماءات شوفينية فارسية/صفوية فبقائهم مرهون ببقاء النظام ومؤسساته الطائفية،لذلك فهم عبارة عن أبواق النظام لتوجيه سياساته الاستبدادية وهم أدوات الدعاية لمشروعية النظام.
4ـ مذهب التشيّع ـ حسب ادعائهم ـ فرقةٌ سياسية تأسست على أساس عداء العرب وثقافتهم،وأن الخطاب الشيعي مملوءٌ بالأفكار والمفاهيم والعبارات المعادية للعرب وحضارتهم وفيه الكثير من التمجيد لكل ما هو فارسي.
5ـ يقولون إن رجال الدين الشيعة أشبعوا المذهب الشيعي بأبشع أنواع الخرافة والبدع حيث سيطروا بذلك على عقول وقلوب الناس وعملوا على نهب أموالهم وأملاكهم،فعلى سبيل المثال يلجأ رجال الدين هؤلاء الى إستخدام “الخمس” و”حق الإمام” بهدف سلب أملاك وأموال البسطاء من الناس،وهم كثرة بطبيعة الحال،من جهة.وأن الدور التخديري لهذا المذهب يساعد الحكام المستبدين بشكل كبير على بسط سطوتهم ونفوذهم بين الناس دون مقاومة تذكر،من جهة أخرى.
6ـ يعتقدون بأن المذهب الشيعي ظاهرة جديدة على الشعب العربي الأهوازي وتاريخ التشيع في المنطقة يقتصر على فترة قصيرة معاصرة.
7ـ ومن الناحية السياسية يرون بأن دول الخليج ((السنية)) لا تقبل بظهور دولة شيعية مجاورة لهم،تحتوي على 15% من احتياطي النفط في العالم والثروات الطبيعية الهائلة كالغاز والماء والمحاصيل الزراعية،وبما أن الإقليم يقع في منطقة إستراتيجية جغرافياً في شمال الخليج وشعبه يعتنق المذهب الشيعي فإن الدول الخليجية السنية ستعرقل مشروع الاستقلال.
8ـ كما أنهم يرون بأنّ الخطاب القومي العربي بكل قراءاته:القومي الاجتماعي السوري،البعثي،الناصري،… بأنه سني التوجه والمضمون،فمن أجل كسب دعم الدول القومية العربية يجب أن نتجه نحو التسنن. ثمّ أن المساعدات المادية والمعنوية للشعوب العربية في جميع أنحاء العالم تـُجمع من خلال الجماعات السنية وبشكل خاص السلفية ومن أجل كسب الرأي العام العربي وكسب دعم تلك الجماعات يتوجب على الناشطين السياسيين الأهوازيين أن يبينوا بأنهميعملون على ترسيخ المذهب السني في أوساط الشعب العربي الأهوازي. (7)
تطور الظاهرة :
في الواقع يمكن القول ان هذه الظاهرة ولدت من بطن المعاناة و الاضطهاد اليومي و هي ظاهرة أهوازية بامتياز نظرا لاسباب نشوءها و تطورها و انتشارها التي غالبا ما نجدها نتيجة لما يتعرض له هذا الشعب من سياسات اضطهاد و تجهيل و بث الخرافة و قمع الحريات باسم المذهب و الدين . و ان كانت هناك مؤخرا بعض التأثيرات الخارجية الضيئلة من قبل بعض الاعلام الموجه ، الا انه في النهاية توجد هناك لهذه الحركة بيئة جاهزة و مجتمع يتعرض لشتى صنوف الحرمان و الاضطهاد من قبل نظام يحكم باسم المذهب و يمارس قمعا و اضطهادا عنصريا ضد ابناء هذا المذهب بسب قوميتهم فقط .
مع ظهور لجنة الوفاق (حزب الوفاق فيما بعد ) في منتصف التسعينات التي تزامن تشكيلها من قبل نخبة من الشباب العربي المثقف مع صعود الحركة الاصلاحية في ايران و في ظل اجواء الانفتاح النسبي في فترة رئاسة خاتمي (1997 _ 2005 ) قدمت حركة الوفاق المتمثلة بحزب الوفاق و المؤسسات الثقافية و منظمات المجتمع المدني التي كانت ناشطة في تلك الحقبة ، قدمت كما هائلا من الانتاج الثقافي و النشاط المدني فضلا عن مساهمتها و عملها الدؤوب في ارساء خطاب الديمقراطية و المجتمع المدني و المطالبة السياسية بالحقوق القومية التي استمرت عمليا حتى حظر حزب الوفاق رسميا عام 2006 . و جرت في هذه الحقبة نقاشات و حوارات عديدة بين الناشطين حول ظاهرة التسنن التي لم تكن واسعة الانتشار كما هو اليوم حيث يرى المراقبون للشأن الاهوازي أن غياب حزب الوفاق و قمع و حظر الحركات السياسية و المدنية و المؤسسات الثقافية و بالتالي غياب الصوت الديمقراطي الحداثوي من أهم اسباب بروز و انتشار و توسع الخطاب الديني بمختلف اشكاله و مذاهبه و توجهاته .
موقف القوى الديمقراطية والعلمانية في الأهواز :
دارت نقاشات كثيرة و واسعة بين مختلف الأوساط السياسية والفكرية سواء داخل حزب الوفاق أو خارجه حول هذه القضية الهامة والمصيرية، و كانت تتداول الآراء في الجلسات الخاصة أكثر منها في الجلسات العلنية حيث أن السلطات تبدي حساسية مفرطة تجاه حركة التسنن بشكل عام و لكن على مستوى الناشطين كانت هناك مداولات و سجالات فكرية و عقائدية و ثقافية و سياسية حول هذه الظاهرة كان رد فعل القوى الديمقراطية والعلمانية يتلخص على النحو التالي :
” 1ـ إن شعبنا العربي الأهوازي أول من عانى ويعاني من تسييس الدين واستخدام المذهب لأغراض سياسية،حيث خدع في بداية الثورة بالشعارات الدينية البراقة التي رفعها نظام الجمهوريةالإسلامية كالعدالة والمساواة والتي لم يحصدوا منها سوى التمييز والاضطهاد والقمع.كما أن التوجه نحو مذهب التسنن أعطى الحجة للسلطة لقمع الكثير من الناشطين بحجة محاربة الوهابية وقد خلقت الحركة ردة فعل شعبي كبير لدى شرائح الشعب المختلفة واستغلت السلطة ردود الأفعال تلك،وعملت على تبرير سياساتها بغطاء ديني ومحبة آل البيت والشعارات الشيعية التي تحرك مشاعر الجماهير. وبذلك أصبح كل من ينادي “بالإصلاح الديني” يُتهم بالوهابية ويحارب رسميا وشعبيا.
2ـ لا نكران بأن المذهب الشيعي تعرض إلى التسييس ولكن المذهب الشيعي في أساسه ليس صنيعة شعوبية كما تثبت ذلك المعطيات التاريخية،بل أنه يعتبر مذهب فكري اجتهادي في الإسلام،نشأ عن الاختلاف والاجتهادات الفكرية والدينية وتمخض عنه فرق وطوائف كثيرة،سواءٌ من خلال المعتقدات المذهبية أو من خلال تسييس المذهب.
3ـ إن القوى الديمقراطية والعلمانية في الأهواز تطالب بفصل الدين عن السياسة ويحذرون من استخدام الدين كأداة ووسيلة للوصول الى المشاريع السياسية،الأمر الذي سيترتب عليه الضرر بالدين وبمفاهيمه المترسخة في المجتمع كما سيؤدي الى المس بمصداقيته والشك بالأخذ بتعاليمه في عيون وعقول الشباب….
4ـ إن الدين أو المذهب عنصر من عناصر الهوية وبتغيير المذهب لا تتغير هوية الشعب بكاملها،كما أن التسنن وحده لا يعني العروبة فإن التشيع لا يعني الفارسية(الأعجمية) والذين يريدون تغيير المذهب لا يجب أن يدخلوا من باب السياسة بل يجب عليهم أن يعملوا في إطار الوعي الثقافي والديني وخارج مجال السياسة.
5ـ تبني الخطاب السلفي،يدخلنا في متاهات الصراع الشيعي ـ السني الطائفي العقيم و يبعدنا عن جوهر الصراع وهو سياسي بحت.
6ـ إن قضية ثقافية اجتماعية كالخرافة،مرتبطة ببنى المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعيشية،فالخرافة مسألة معقدة وشائكة وسببها ليس المذهب الشيعي وما يحمل في طياته من طقوس وشعائر فقط،بل هناك أسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية ومعتقدات بدائية تساعد على ترسيخ الخرافة وتوسيعها،وعلى ذلك فإننا لا نستطيع إزالتها بتغيير المذهب بل بالتوعية الثقافية والاجتماعية،ناهيك عن ضرورة السعي الى تغيير الظروف السياسية والمعيشية والاقتصادية.
7ـ العروبة جزء من هويتنا ووجود المذهب الشيعي لا يلغي هويتنا العربية،فالهوية الإنسانية متعددة الأبعاد وكلما كانت الهوية منفتحة كلما اغتنت من الهويات الأخرى وبالعكس،كلما انغلقت على ذاتها كلما اصطدمت مع ذات الآخر.
8ـ التشيع ليس الصلة الوحيدة التي تربطنا بالشعوب الإيرانية بل هناك وحدة المصير والمصالح المشتركة مع سائر الشعوب في إيران.
9ـ التاريخ الأهوازي حافل بالمآثر والتراث والعناصر التاريخية الشيعية ومن أهم الحقب التاريخية للشعب الأهوازي ظهور دولة المشعشعيين العربية الشيعية الذين أسسوا أول كيان مستقل وعربي على أرض الأهواز.
10ـ إن كسب تعاطف ودعم الرأي العام العربي لا يتم عن طريق الجماعات السلفية التي تنشر الإرهاب والعنف ولا عن طريق الأنظمة الدكتاتورية المستبدة،بل أنها تتم عن طرق مخاطبة الشريحة الواعية والمثقفة من أبناء الشعوب العربية والإسلامية التي تلتقي معنا في نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ومكافحة الظلم والاستبداد والقمع. ثم أننا يجب أن نعمل على كسب الرأي العام الدولي من خلال إبراز و((إستثمار)) قضيتنا بأننا رغم اشتراكنا مع الإيرانيين بالتشيع فان النظام يمارس الاضطهاد ضدنا لأننا عرب وهذا يشكل دليلا قاطعا لأحقية مطالبنا المشروعة.
11ـ أما ما يجعل عملية التسنن بعيدة عن المنطق والعقل هو إن الدعوة إلى التسنن يحدث شرخا وانقساما كبيرا بين فئات الشعب الواحد،(خاصة بين مثقفيه من جهة وسائر شرائحه)ويؤدي إلى ردات فعل راديكالية وعمياء إضافة إلى أن شعبنا يعاني من انقسامات قبليّة وعشائرية ومناطقية كثيرة وهذا الأمر سيزيد التفتيت والتمزق الحاصل في مجتمعنا العربي أصلا.. (8)
رد الحركة السلفية على القوى الديمقراطية :
ان الخطابات و الردود و التبريرات من قبل التيار المتسنن و الحركة السلفية على وجه الخصوص كانت و مازالت يغلب عليها الطابع الشفوي ما عدا تلك التي وجدتها بشكل مكتوب على مدونة منبر الاهواز الحر منشورة من قبل الاستاذ كاظم مجدم رئيس اللجنة المركزية لحزب الوفاق سابقا و يرتكز ردهم هنا الذي جاء ردا على خطاب الوفاق في عدة نقاط :
” اولاً: وجود نظرية أساسية قديمة بين العرب و المسلمين بعد ضياع سلطانهم بأنه لا يصلح أمرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها ولم يصلح إولها الفكر القومي ولا القبليّة ولا منشورات حقوق الأنسان ولا الدعوة الادينية و أنما أصلحها ألاسلام و التوحيد و شعارها الخالد لا اله الا الله محمد رسول الله.
ثانياً: فشل الفكر القومي المتمثل اليوم بالبعث و الفكر الناصري من تحقيق طموح الأمة وعودة مجدها وعزها، حيث حكم الفكر القومي الأمة و لم يحقق شيئا بل كان السبب الرئيسي في فشلها و نكستها و لا نريد الخوض في الجزئيات في هذا المجال.
ثالثاً: أمكانية أستعطاف بعض الشعوب الأسلاميه من غير العرب مع العرب و ذلك برفع الشعار الواحد وترك النعرات القومية و العرقية ألتي خلقت للعرب أعداء حتي من أهل الأسلام و أهل القبلة أنفسهم.
رابعاً: محاولة جلب العون والمساعدة من قبل أهل السنة في العالم العربي لهذا الشعب حيث لا يحصل ذلك بالعلمانية والقومية و إنما عامة الشعب العربي يتكون من الشريحة المتديّنة حيث لو عرفت نفسك اليهم كأهوازي قومي عربي لا يهتمون بك ويستقبلونك كما لو قلت لهم أني عربي كنت من الشيعة وألان اصبحت من أهل السنة.
خامساً: وجود حالة من التزكية النفسة في الدين وفي أموره من أمثال الالتزام بالطهارة والعفة والصدق والأمانة والحياء و جوب الوفاء والخوف من ألله وترك المغريات والمنكرات تمكنك من الحصول على رجال ثقة تستطيع الأعتماد عليهم في جميع مجالات العمل السياسي والاجتماعي والثقافي حيث لا تستطيع أن تثق بأنسان لم تكن له أمانة وصدق و وفاء وحياء… ولم يوفر هذه الصفات والسجايا الحسنة غير الدين وأموره العبادية والروحية وقد واجهنا وعانينا الكثير من هذه العوامل المذكورة أعلاه حيث هنالك أشخاص كانوا (على سبيل المثال)من أهل الفكر القومي والوطني ولكن لم تكن لهم أمانه وصدق، و لا يمكن أن تحصل على هذه الصفات الحسنة إلا بالتخلص من الأفكار السبئية والرواسب الرافضية و العودة إلي الاسلام.
سادساً: التاكيد على فهم القرآن و دركه وتعليمة وتعهده حفظاً للغة العربية وصيانة لها من الضياع في هذا الأقليم حيث يمكن لقارىء القرآن قرائت جميع الصحف والكتب المطبوعة بالعربية بسهولة كما للقران من دور أساسي في حفظ لغة العرب لأنه أصلها و مرجعها الاساسي و لا يحصل هذا المهم و هو تعليم القرآن إلا بالدعوة الأسلامية و تبينها أيدولوجية في العمل.
سابعاً: خلق حالة من الفجوة و الخلاء الكامل بين أبناء شعبنا في الحكومة و محاولة سد الباب علي اصدار الفتاوي أليّ طغتنا في القديم بالصميم و ما فتوي محمد الكرمي الشيعي علينا ببعيد.
ثامناً: إن محاولة تخليص شعبنا من الخرافات والشوائب و الجمود الفكري و تخلصيهم من سلطة الملالي و نجاتهم من الطبقية البغضية لا تحقق إلاّ بالخلاص من ألاصل فيها إلا و هو الفكر السبئي الرافضي و محاربته في جميع المجالات.
وفي النهاية نقول بأننا نعلم علم اليقين بأن الشعب المسكين لا يرضى بهذه الأفكار وإنه سيحاربنا النظام ولكن هذا هو الذي حصل و يحصل لكل من يريد الأصلاح، فقد واجه محمد صلي الله عليه وسلم و هو خير البرية أشد العذاب والقسوة من قومه وجاهد و هاجر وتحمل ولكنه لم يتراجع قيد أنملة وفي النهاية انتصر ولنا ولكل مسلم فيه أسوة حسنه وهكذا كان حال جميع دعاة ألاصلاح من أمثال شيخ الاسلام أبن تيميه وصلاح الدين وغيرهم ولكن في النهاية حققوا ما كانوا يصبون اليه ولو قال الناقدون بأن هذه أمور قديمة لا تمشي في هذا العصر نقول آتونا بشىء جديد أفضل من هذا فيه هذه المبادىء السامية. ” (9)
اتجاه متطرف :
ان عموم حركات التسنن جاءت في معظمها كردة فعل شعبية تجاه الاضطهاد المستمر من قبل النظام الايراني الذي يتستر بعباءة الدين و جاءت هذه الحركة لتتبنى التسنن تحقيقا لاهداف سياسية في اسقاط مشروعية النظام الذي يتبنى المذهب الشيعي و يزعم قيادته في العالم و لتبرهن للشعب العربي الاهوازي ان هذا النظام يستخدم المذهب كوسيلة لتحقيق اهدافه الشمولية و يتلاعب باحاسيس و معتقدات الناس من اجل مصالحه و قد نجحت هذه الحركة الى حد ما في توعية الناس ، لكن في الآونة الأخيرة ظهرت توجهات ذات نزعة سلفية متطرفة متأثرة بالخطاب الطائفي الدائر في المنطقة الذي تتم تغذيته من قبل الانظمة الرجعية و الجماعات المتطرفة السلفية من جهة و من الذين يغذون الخطاب الشيعي المتطرف من جهة أخرى .
و في هذا المضمار تسعى السلطات الايرانية جاهدة استثمار هذه التوجهات الفردية و تضخيمها والمبالغة بخطورتها لقلب المعادلة في الاهواز و تزييف جوهر الصراع و اظهاره كأنه صراع بين التشيع و النزعة الوهابية في المنطقة و ليس قضية انسانية و حقوق شعب مضطهد من قبل دولة قائمة على العنصرية الشوفينية ، و تبغي السلطات من وراء هذا تبرير القمع الوحشي المتواصل و التنكيل بالمناضلين على مختلف انتماءاتهم و ايجاد الشرخ بين الحركات الوطنية و تنظيماتها السياسية من جهة و بين الشعب من جهة أخرى، خاصة أن خطاب التيار الأصولي العربي في الاقليم المتمثل ببعض رجال الدين العرب الاهوازيين يلتقي مع ممارسات و معتقدات النظام الإيراني في كثير من المواقف، منها النضال القومي و التحرري و الموقف من الديمقراطية و حقوق المرأة و العقلانية و مبدأ فصل مؤسسة الدين عن الدولة و يعمل هذا التيار حاليا كذراع للسلطات في ترويج هذه الرؤية السلبية لقضية التسنن .
لهذا يجب على المطبلين للخطاب الطائفي التحريضي من السياسيين الاهوازيين خاصة ممن يظهرون في الاعلام أن يعلموا بانهم من حيث يعلمون او لا يعلمون فانهم بهذا الخطاب يقخدمون اهداف النظام الايراني في تغيير جوهر الصراع في الاهواز.
ان الاتجاه المتطرف الذي يشكل قلة قليلة جدا من الحركة السنية و تبلور نشاطه بشكل خاص بعد انتفاضة نيسان عام 2005 و من خلال الترويج لشعارات و خطابات غير محسوبة في تبني خطاب الجماعات المتطرفة في العالم الاسلامي ، جعل السلطات الايرانية ان تجد مبررات و خلق اكاذيب و افتراءات و دعاية سياسية كافية من اجل محاولة قلب الموازين بخطاب يتمثل بالترويج إلى أن ما يجري في الإقليم بأنه مجرد نشاط وهابي ينوي تجنيد أنصار له لتنفيذ عمليات إرهابية في الأهواز حيث أن هذه السياسة الخبيثة مدرجة في خطط مدروسة بهدف تحقيق أهداف داخلية ودولية تنطبق مع السياسات الإيرانية الرامية إلى احتواء الاحتجاجات الشعبية.
على الصعيد الداخلي تبث السلطات من خلال اعلامها و منابرها و اجهزتها الدعائية بأن ما يجري في الأهواز لا يمت بصلة للمطالب القومية بل يهدف إلى تغيير مذهب الاهوازيين الذين ينتمي غالبيتهم إلى المذهب الشيعي لتتمكن بهذا الشكل أن تخلق شرخا بين المنتفضين وعامة الشعب خاصة الطبقات الفقيرة و المهمشة و ذوي التعليم المحدود .
أما على الصعيد الخارجي تنوي السلطات من وراء هذه السياسة أن تظهر بمظهر الضحية بوجه العالم و تقول بان التطرف الإسلامي قد وصل إلى الأهواز وأنها منهمكة بمواجهة هذا التطرف الديني المتأثر بالصراع القائم بين الفكر المتشدد والغرب لتبرر قمع المنتفضين دون أن يحتج احد عليها كما أنها تهدف الى اضعاف دعم المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان والتعاطف الدولي مع ما يتعرض له الشعب الاهوازي من انتهاكات حقوق الانسان ، فمن هنا تأتي تصريحات المسؤولين الايرانيين متشابهة تماما حيث يروج جميعهم بان الأهواز تعاني من النشاط الوهابي على سبيل المثال جاء إطلاق اسم ” الوهابيين ” على الذين ارتدوا الزي العربي و شاركوا في الانتفاضة البيضاء التي انطلقت يوم عيد الفطر عام 2005.
و بهذا الشكل فان أي نشاط سياسي او ثقافي او مدني يقوم به العرب الاهوازيين يعتبر من قبل النظام بانه نشاط وهابي وهكذا تم القضاء على النشاط المدني و الثقافي و السياسي الذي حصل عليه الشعب العربي في عهد الإصلاحيين و تم حظر حزب الوفاق كما تم تجميد نشاط كافة مؤسسات المجتمع المدني التي كانت تهتم بالقضايا الثقافية العربية كالمسرح والشعر وإقامة المعارض والمهرجانات الموسيقية العربية ، لا بل شددت السلطات من ممارستها العنصرية لتشمل حتى أنشطة الناس العاديين حيث مابرحت الحكومة و أجهزتها الأمنية تقوم باعتقال المواطنين لأسباب واهية و يتم تعذيب المعتقلين بعنف و قسوة حيث مات العديد تحت التعذيب في مراكز اعتقال الشرطة و الامن.
تأثير الخطاب الشعبوي :
ان الخطاب الديني المبسط المشبع بالقومية الرومانسية من قبل ناشطين سياسيين تحولوا بين ليلة و ضحاها من علمانيين مزعومين الى دعاة للتسنن و قادة للصراع الطائفي و تقديمهم خطابا مشحونا بالطائفية من خلال ظهورهم على بعض القنوات الفضائية التي تتبني الخطاب الطائفي المتشدد يلقى قبولا لدى الشباب المتحمس قليل الخبرة و التجربة الذي يرى ممارسات السلطات القمعية و استمرار الاضطهاد و الحرمان من جهة و من جهة اخرى لا يجد امامه اي حركة سياسية او مؤسسة ثقافية او مدنية او اعلام حر او منبر يدافع عن قضيته و حقوقه و كرامته و بالمقابل يجد ان هذا الخطاب الديني المبسط يختزل القضية في قطع كل الروابط مع النظام الايراني و قرب الانتصار على الاعداء بالتلاحم مع العالم العربي السني و ليس الديمقراطي و يسوق هذا الخطاب اولئك السياسيون الذين يعتبرون الامر تكتيكا سياسيا من اجل استنهاض مشاعر الشباب العربي الاهوازي و كذلك كسب الدعم العربي السني و بهذا تم ايجاد بيئة حاضنة لنشوء و انتشار هذه الظاهرة في اوساط فئات الشباب على وجه الخصوص .
ان هذه الظاهرة لجديرة بالاهتمام حقا نظرا لما أحدثته من ردود افعال سواء من قبل المجتمع أو من قبل السلطات و تعاملها الامني البحت مع هذه الظاهرة التي تعتبرها تهديدا لشرعية النظام الديني و كيانه القائم على المذهبية و البعد الطائفي كأحد الاركان ألاساسية و الشرعية لوجود هذا النظام .
لقد تركت هذه الظاهرة و ما تزال ، آثارها على المستوى المذهبي و الاجتماعي و الثقافي ولعبت دورا لا بأس به في التحولات الاجتماعية و يجب دراستها من وجهة نظر علم الاجتماع الديني حيث انها ظاهرة تتداخل فيها عناصر الدين و المجتمع و الثقافة و السياسة أحيانا كثيرة.
لكن اليوم الخطورة تكمن في محاولة النظام تغيير جوهر الصراع من صراع بسبب الاضطهاد القومي إلى صراع طائفي ـ كما أشرت ـ من خلال بث الدعاية من خلال منابر المساجد و الحسينيات و وسائل الاعلام الموجهة للشعب العربي الأهوازي و يتم الترويج لفكرة ان من يطالبون بحقوقكم ما هم الا عملاء لدول الخليج و متسنين بسبب اعطائهم المال و الامتيازات الخاصة و يتم ذلك بضوء أخضر امريكي صهيوني من اجل بث الفرقة و الفتنة الطائفية في المنطقة و تروج السلطة من جهة أخرى أو تسمح لجهات متطرفة التي تعمل على انتشار ظاهرة التسنن لكي تزيد من الانقسامات في المجتمع الأهوازي الذي هو مقسم اصلا بسبب تكوينه القبلي و العشائري و المناطقي فتأتي الطائفية لتفتت المجتمع اكثر و تضعف التماسك الاجتماعي و تخلق صراعات جديدة مذهبية و طائفية هذه المرة و الشواهد على ذلك كثيرة حيث عمدت السلطات إلى انشاء مجموعات متطرفة من الباسيج تحت مسميات مختلفة نستطيع ان نذكر منها على سبيل المثال مجموعة انصار الزهراء في حي الثورة و مجموعة الحجتية في مسجد حجت في حي زيتون في مدينة الاهواز و مجموعة فدائيي الامام علي في عبادان التي قامت باغتيال احد الشباب المتسننين في عبادان و تدعم المخابرات هذه المجموعات بشكل مباشر و تخوفهم بان الحركة السنية السلفية الوهابية تريد القضاء عليكم و اذا ما قوت شوكتها ستذبحكم و تقمعكم كما حصل في العراق و البحرين و غيرها .
بالمقابل ان ما تقوم به بعض القنوات السلفية من توجيه خطاب طائفي إلى الشعب العربي الاهوازي يصب في مصلحة النظام الايراني و تسويق مبرراته و حججه في تغيير جوهر الصراع و تحويله من قضية اضطهاد قومي إلى قضية نزاع طائفي ( شيعي – سني ) و الشواهد على ذلك كثيرة منها :
• تقوم السلطات بإيعاز إلى خطباء المنابر من رجال الدين الشيعة في المساجد و الحسينيات و في المناسبات الدينية و الاجتماعية المختلفة لبث الفكرة التالية ضد الحركة الوطنية الوطنية :
” ان من يدعون انهم يطالبون بحقوقكم العربية ما هم الا فئة ضالة غيرت مذهبها و باعت دينها مقابل المال و الامتيازات و الاغراءات من قبل دول الخليج و على راسها المملكة العربية السعودية من اجل زرع الفتنة بين المسلمين و التفرقة بين الشيعة و السنة و يتم هذا بضوء أخضر من قبل امريكا و اسرائيل اللتان تعتبران حاميتان لهذه الدول النفطية الصغيرة و يطلقون عليها مصطح شيخ نشين أي المشيخات أو الامارات و لا يتعرفون بها كدول مستقلة في الخطاب الداخلي الاستهلاكي .
• و بالمقابل هناك من الاهوازيين من حيث يدري أو لا يدري يخدم توجهات النظام في خلق شرخ بين النخبة الاهوازية و بين مجموع الحركة الوطنية و بين الجماهير حيث يقوم هولاء البعض القليل ببث الدعاية المتطرفة التي تقوم على التكفير و التطرف و الحديث العلني عن تكفير الشيعة من قبل السلفية و بالتالي خلق صراعات جديدة في المجتمع قوامها خطاب الفئة الناجية من النار و الفئة الضالة و غيرها من المفاهيم التي تضعف التماسك الاجتماعي و تخلق نزاعا طائفيا في الاقليم متأثرا بالصراع الشيعي السني الدائر في العالم الاسلامي و الذي لا ناقة و لا جمل لنا فيه .
الآثار النفسية و الاجتماعية للظاهرة :
ان المتسنن الذي يعتقد انه اهتدى الى طريق الحق و الهداية من خلال العثور على الدين الصحيح و القويم و يعتقد بان هدايته حصلت عن طريق لطف الهي يجد نفسه في طمأنينة كل ما وجد انصارا جدد يؤمنون بفكرته و الاعلام الموجه يغذي هذه الطمأنينة خاصة و انه يجد بعض هذه الاعلام يدخل من باب التطرق الى معاناته و قضية وطنه و شعبه ، لذا ينجذب يوما بعد يوم اليها حيث انه يجد الاجوبة البسيطة و الجازمة لاغلب التساؤلات التي يواجهها من قبل المجتمع او اتباع المذهب السائد و لكنه في نفس الوقت يجد نفسه امام عقبتين : السلطة و المجتمع .
فالسلطة مذهبها الرسمي التشيع كما ينص الدستور الايراني ، و هذه الفقرة اضافة الى السلوك الطائفي للنظام و الاضطهاد القومي الممنهج الممارس ضد عرب الاهواز تجعل الشخص المتسنن معرضا لمواجهة السلطة اكثر من غيره كونه بتسننه يرفض احد الاسس الاساسية التي يستمد النظام شرعيتها منه ( التشيع ) لكن الملاحظ ان السلطات تخشى الناشطين الديمقراطيين اكثر من المتسنين و نستطيع ملاحظة هذا من خلال وضع المعتقلين و السجناء السياسيين و اصدار احكام السجن و الاعدام بحق كل من الفئتين ، فالسلطات بالرغم من قمع الكل بيد من حديد لكنها تشدد اكثر على الناشطين الديمقراطيين و المدنيين ، و يهدف النظام من وراء هذا هدفين اساسين :
اولا : تغيير جوهر الصراع كما قلنا و خلق حالة من الطائفية يدعي من خلالها انه الى جانب الشعب في مواجهة موجة الوهابية و ابقاء المجتمع في دوامة الصراع الديني الطائفي .
ثانيا : اسكات الصوت العقلاني الديمقراطي بكل تياراته ، الصوت الذي ينادي بالتركيز على قضية الوطن و الشعب و التنمية و الحداثة و حق الشعب في الحرية و الديمقراطية و تقرير المصير .
اما بالنسبة للمجتمع فيجد الشخص المتسنن نفسه في مواجهة اهله و اقرانه و بيئته التي نشأ و تربى و ترعرع على قيمها و عاداتها و تقاليدها و غالبا ما تحدث صراعات و صدامات نفسية و خلافات عائلية بين الابناء المتسنين و افراد عائلتهم و يحدث هذا الصراع النفسي بالطبع للعلمانيين و اليساريين و الليبراليين و لكن بوطأة اخف بسبب ان الصراع الطائفي فيه الجانب المقدس و العقائدي الذي يمتد ليلقي بضلاله الى كل جوانب حياة الانسان و يفسر كل الظواهر الاجتماعية وفق المقدس الديني فضلا عن تطور الخطاب الطائفي لدى بعض السلفيين نحو التطرف و التكفير التي هي ظاهرة خطيرة لم يعرفها الشعب العربي الاهوازي ، فالشخص المتطرف من حيث يدري او لا يدري يكفر اهله و مجتمعه مما يجعل هذه الظاهرة خطيرة النتائج ان تطورت و سارت بهذا الاتجاه .
المصادر :
(1) أميل دور كايم , قواعد المنهج في علم الاجتماع , ترجمة محمود قاسم , القاهرة , 1950 , ص41)
(2) للمزيد انظر فصلية “راهنما ” ، العدد الثامن ، مقابلة آية الله حيدري المصدر :
http://www.rah-nama.ir/
(3) المصدر : بايكاه خبري شوشان
http://www.shooshan.ir/index.php?option=com_k2&view=item&id=3598:%D9%86%D9%82%D8%AF-%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%AF%D8%B1-%D8%AE%D9%88%D8%B2%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86
(4) المصدر، ايسنا
http://www.ghatreh.com/news/nn10561233/%D9%87%D8%B4%D8%AF%D8%A7%D8%B1-%D9%86%D9%85%D8%A7%DB%8C%D9%86%D8%AF%D9%87-%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D8%AE%D8%A8%D8%B1%DA%AF%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%87-%DA%AF%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%B4-%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8%DB%8C%D8%AA-%D8%AE%D9%88%D8%B2%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86
(5) المصدر ، البرز نيوز
http://www.alborznews.net/fa/pages/?cid=19061
(6) المصدر ، وكالة فارس للانباء
http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13900804001298
(7) الأهواز.. بين التسيس الشيعي والمذهب السني – كاظم مجدم- إيلاف ،23ـ8ـ2007 ،
الرابط: http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2007/8/257721.htm
(8) المصدر نفسه
(9) رد “سلفي الاهواز” على نقد ومقترحات لجنة الوفاق الاسلامي ، كاظم مجدم ، 30 يوليو 2009 ، مدونة منبر الاهواز الحر ،
الرابط :
http://mojadam.maktoobblog.com/1554544/%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D9%81%D8%A9-%D8%AD%D9%80%D9%88%D9%84-%D8%AA%D8%B7%D9%80%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%B8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1/