في الوهلة الاولى لم أجد دليلا لرحيله الا الظروف القاسية للحياة و بعده من النشاط الثقافي و الادبي الذي كان يشتاق اليه كثيرا … فكان اول ما اشتكى منه لي بعد لقائه به في دبي هو عدم تمكنه من نشر كتابه ” الأمثال الشعبية الأهوازية…” حيث أنفق عشرين عاما من حياته لتاليفه.
وبعد إلتحاقه بنا في قناة العربية كان يحضر في المكتب حتى في أيام اجازته الاسبوعية حيث كان يجد في الكتابة ما يضخ في عروقه الدم و الحياة رغم بعد المسافة التي كان يقطعها متنقلا من امارة عجمان النائية الى دبي بوسائل النقل العامة ما يتطلب تحمله اشعة الشمس القاسية…
لم يكن لقاءنا في الامارات الاول … اول لقائي به كان في عام 1999 حيث المؤتمر الاول حول الاهواز وعقد في جامعة اصفهان الصناعية خلال الانفتاح السياسي النسبي الذي عم البلاد قبل أن يعود مرة اخرى المتشددون للهيمنة على جميع مفاصل الحكم… كنا طلبة متحمسين للقضية و نبحث عن حلقة وصل من الجيل الوطني السابق للحوار والحديث حول قضايا شعبنا و كان منصور أكبرها … جاء إلى اصفهان وعدد آخر من النشطاء …. زميلنا المسؤول عن إدارة المؤتمر محمد عموري يواجه الان حبل المشنقة مثلما واجهها منصور في الثمانينات ويبدو أن هذا المصير ضمن حلقات الوصل التي يرثها الاهوازيون جيلا بعد جيل في مقارعة النظام الفاشي.
واستمر التواصل الى أن انتقلت الى طهران حيث ” بيت العرب الأهوزيين” وكان من المؤسسين والناشطين … ولم تعقد اي مناسبة ثقافية أو أدبية لعرب الاهواز في طهران الا و كان الراحل منصور مشرف مساهما فيها …
بعد 11 عاما من الاقامة في الامارات العربية المتحدة لم يتمكن الراحل منصور مشرف من تحقيق أمله الكبير وهو نشر كتابه الامثال الشعبية مثلما أوضح لي أنه كان يبحث عن وظيفة أفضل من تلك التي لم تدر عليه الا تكاليف العيش في طهران حتى يتمكن من نشر كتاب الامثال الشعبية ليعود بعدها الى طهران…
قالت لي زوجته انه كان يردد دائما : ” لن أموت الا بعد ما نشرت كتابي ”
لقد ضحى الراحل بحياته و عصرته الظروف القاسية للحياة قبل تحقيق امنيته…. أقول قاسية فكان الراحل كلما يجد فرصة للحديث معي في قناة العربية يتحدث عن الشقاء الذي عانى منه و جله تمثل ببعده عن النشاط الثقافي و خدمة القضية الاهوازية.
كان احيانا يبوح بما في داخله بصوت عال وكنت أعود لأذكره بان زملاء ه يسمعون ما يقول لكنه كان يرد علي : لم اعد اكترث بذلك ”
بعد مشاورات واسعة رأى الراحل منصور مشرف أنه ربما يكون في الهجرة الى الغرب مخرجا لاجتياز المعاناة التي جلبت له و لعائلته الشقاء… لكن في اليوم الثاني بعد وصوله الى واشنطن توفي فجأة بنوبة قلبية فانطفى نور الجسم و لم ينطفي نور العقل حيث ترك لنا ذخرا قيما من التراث الثقافي الذي لم يفلح في تقديمه الى أبناء شعبنا و أصبحت الامانة بين ايدينا الان وتتطلب حشد الهمم لنشر كتابه ” الامثال الشعبية الاهوازية ” و قصصه القصيرة الساخرة ” اسويلفات بيناتنا “.
اما هدفه العائلي قد تحقق و كأنه ضحى بنفسه ليصبح جسرا امامهم للانتقال الى الغرب.. حيث كان يخطط لنقلهم الى اميركا بعد حصوله على اللجوء … وللاسباب المأساوية و ظروف وفاته منحت السفارة الاميركية في دبي تاشيرة لاعضاء اسرته لينتقلوا الى واشنطن للمشاركة في مراسم الدفن و ليمكثوا هناك .
قبل مغادرتهم البلد عقدوا مأتما له في دبي … كان ابنه الاصغر سينا متاثرا جدا وكان يترك الحفل مرارا ليجد مكان للخلوة للبكاء أما ابنه سهيل خاطب الحاضرين بقوله : كان أبي انسانا رائعا كان يحبنا كثيرا كان يحب الحياة كان معلما لنا دائما أتمنى أن لاتصيبكم مثل هذه المصيبة..
وزوجته المناضلة ” سعيده عدل گستر” كانت أكبر سند له وتعرف جيدا معاناة شعبنا وساعدت الراحل في تأليف كتابه ” الأمثال الشعبية ” روت لي أنها طبعت الكتاب مرتين بسبب أنها فقدت ما طبعته على جهاز الكومبيوتر مرة …و خلال مراسم الدفن وضعت على قبره الكوفية الحمراء و يعني هذا أنها تعرف أن الكوفية الحمراء تشكل رمزا للنضال لدى عرب الاهواز وأنها تؤمن بذلك …
وكان الاستاذ هادي طرفي زميلا للراحل منصور مشرف في قناة العربية و رافقه خلال الأيام الاخيرة لوفاته