انتخابات حرة.
تصريحه هذا جاء عشية توجه الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى جده تلبية لدعوة خاصة من العاهل السعودي للمشاركة في مؤتمر القمة الإسلامية الذي علق عضوية سوريا.
تلميحات جليلي في اللقاء التلفزيوني تؤكد أنه خلف الأبواب المغلقة في طهران، يكشف عن أفكار مختلفة جدا عن التي «بثها» لرفع معنويات الأسد.
في ضوء عدم الاستقرار المستمر في سوريا والموجة الأخيرة من عمليات الاغتيال الكبرى، تعمق النقاش بين أعضاء القيادة الإيرانية، حول حجم المساعدات التي تقدمها الجمهورية الإسلامية لحليفها العربي، وقد انعكس هذا الخلاف في سلسلة من المناقشات التي دارت مؤخرا في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. في تلك الجلسات كان اقتراح جليلي أنه سيوصي المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي كي يخفض إلى حد كبير حجم الدعم الذي تقدمه إيران إلى سوريا كنظام وزيادة الموارد التي تنفق لتمهيد الأرض السورية لليوم الذي سيلي سقوط النظام.
كان جليلي يتبنى التوجه البراغماتي الذي وضع في إحدى هذه النقاشات، وفيه أن احتمالات سقوط نظام بشار الأسد زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وصار لا بد بالتالي من الاستعداد لـ«اليوم التالي».
من ناحية أخرى، كان أفراد من «الحرس الثوري» مثل حسين طيب رئيس استخباراته يقودون خط الصقور في المناقشات، ويدعون إلى مضاعفة المساعدات للنظام السوري بما فيها المساعدات الاقتصادية والعسكرية.
في إحدى الجلسات تساءل جليلي: لنسأل، هل علينا مواصلة الاستثمار في القوات، والمساعدات المالية والتعاون الأمني لمساعدة حليفنا الاستراتيجي على البقاء على قيد الحياة، أو أنها معركة خاسرة وفي هذه الحالة يجب علينا الاستثمار في إيجاد بدائل أفضل من «الأسد» في سوريا؟
في الأسابيع الأخيرة تكثفت اجتماعات القيادة الإيرانية وكلها تركزت حول استعدادات إيران في حال ازداد الوضع تدهورا في سوريا، ودائما كان يجري تقديم تقييم متشائم في ما يتعلق بفرص الأسد على البقاء. في نهاية الجلسات قال جليلي، إن جهازه سيقدم توصية لمكتب «القائد»، تنص على زيادة الاستثمار في التحضير لإقامة علاقات سرية مع «عناصر صديقة» في سوريا، تكون فعالة عند سقوط النظام. وهذا يتطلب تخفيض المساعدات المرسلة إلى نظام الأسد.
هنا يلتقي جليلي في التوجه مع وزير الخارجية الإيراني على أكبر صالحي.
على هذا، كان رد الصقور الممثلين بحسين طيب، أن توصيته إلى رؤسائه ستكون بمضاعفة الدعم للنظام.
في المناقشات عرض وزير الاستخبارات حيدر مصلحي وكبار مسؤولي جهازه، معلومات ذات صلة بالحالة داخل سوريا، ولاحظوا بقلق أن حوافر المتمردين قوية، في حين أن الروح المعنوية بين القوات النظامية آخذة في التناقص.
الصقور في تلك المناقشات، وبينهم حسين طيب، رأوا في تدهور النظام ذريعة للطلب من القيادة الإيرانية مضاعفة مساعداتها السرية. وعبّر الصقور عن قلقهم من فقدان النظام السيطرة على المدن الكبيرة وبالذات دمشق، لذلك حذر أحد ضباط الحرس من أنه «من المهم زيادة وتيرة المساعدات للنظام قبل فوات الأوان». وكما قال، فإن عناصر من «حزب الله» بدأوا بالفعل تأمين المرافق الحساسة في سوريا، وانتشروا في نقاط ضعف النظام، وأضاف أن «الحرس الثوري» عزز قواته في سوريا من أجل الحفاظ على وجود ما، في حال انهار نظام الأسد.
في جلسة نقاش أخرى، كشف وزير الخارجية صالحي أنه وفقا لتعليمات الرئيس محمود أحمدي نجاد، فإن مكتبه ومنذ صيف 2011 يعمل على مسح شامل وإقامة علاقات سرية مع قادة سياسيين جدد محتملين، خارج دائرة الأسد الضيقة. وحسب صالحي، فإن هذه العناصر «صديقة» في النظام وفي المعارضة، ومن بينها شخصيات أمنية رئيسية.
ويبدو أن نشاط الخارجية الإيرانية مواز للتدابير التي يتخذها «الحرس الثوري» لتقويض خصوم إيران في المعارضة السورية خصوصا الليبراليون منهم والذين يدعمون قيام نظام ديمقراطي.
علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي للشؤون الدولية شارك في بعض هذه المناقشات، وفي إحداها عبَّر عن خوفه الأساسي، ففي رأيه أن انهيار نظام الأسد سيؤدي إلى قيام حكومة سنّية موالية للسعودية. هذا السيناريو، حسب ولايتي (يرافق أحمدي نجاد إلى المؤتمر الإسلامي في جده) قد يؤدي إلى تصعيد في المواجهة بين السنّة والشيعة، وبالتالي إضعاف نفوذ إيران الإقليمي. ونقل، أن خامنئي يعتبر نظام الأسد رصيدا استراتيجيا في المنطقة، وفي «نظره» يجب استمرار توفير المساعدة الاقتصادية والأمنية والمالية للأسد. لكن، أشار ولايتي، إلى أن هذا لا يمنع في الوقت نفسه من الاستمرار في الاستعداد لاحتمال سقوط النظام السوري.
وزير الاقتصاد، شمس علاء الدين حسيني تحدث في واحدة من هذه المناقشات، مركزا حول المساعدات الاقتصادية لسوريا، ووفقا له، فإنه سمح لأفراد «الحرس الثوري» الذين اكتسبوا خبرة كبيرة في تجاوز العقوبات أن يقدموا المساعدات والنصائح لأفراد من النظام السوري.
حتى الآن، لم يتخذ قرار حاسم بشأن سياسة المساعدات السرية والعلنية لسوريا، ما عُرف، أن جليلي في إحدى الجلسات لخّص وجهة نظره ونواياه وقال «إن الخوف الرئيسي في وجهة نظر الأمن القومي الإيراني هو من الفراغ السياسي الذي قد ينشأ مع انهيار نظام الأسد، وهذا ستحاول دول أخرى أن تملأه، وأعطى مثلا تركيا والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن هذه الدول ستحاول التأثير على قادة سوريا الجدد وإبعادهم عن إيران، وأشار أيضا وبقلق، إلى أن انهيار النظام السوري من شأنه القضاء على القناة السورية لتوريد الأسلحة والتمويل لـ«حزب الله» في لبنان، مما قد يؤدي إلى خسارة مزدوجة لإيران». وأضاف جليلي: «على المدى الطويل يبدو أن تقديم المساعدة إلى الأسد لا معنى لها، من هنا، أنصح بأن نتموضع مع الأفراد الذين سيحلون محله، على حساب استمرار تقديم المساعدة للنظام».
على هذا، رد حسين طيب المسؤول الأمني البارز في الحرس الثوري: «هذا هو الخطأ بعينه، وتوصيتي ستكون عكس ذلك تماما».
هناك ارتباك في إيران. الصورة واضحة، النظام السوري، حتى لو قضى على كل المتمردين عليه، يتهاوى. إيران الحليف الأكبر والأقرب ترى أن الثقوب تتسع في السفينة، مضى عليها أربعون عاما من دون صيانة. تغير القبطان ولم تتغير العقلية. هناك تسريبات بأن حوارا سريا جديا يجري بين واشنطن وطهران، وصل إلى حالة متقدمة، حول عدد من الملفات: الملف النووي، دور إيران في الخليج، أفغانستان، حماية مضيق هرمز، وسوريا. وأن هذا ما أغضب تركيا التي تطلب منها الولايات المتحدة أكثر من قدرتها.
لقد وضعت سوريا كل بيضها في السلة الإيرانية، أما إيران التي تعرف أنها المستهدفة بعد سوريا، فإنها فتحت سرا على واشنطن، وأغرت الصين بالعودة إلى النفط الإيراني، وسحبت دعواها ضد شركات روسية بعد تهديد موسكو. وها هي تحاول أن تغسل يديها من «الدم السوري». لكن، هل حَسَم النظام الإيراني بأنه وجد دواء البقاء من دون اعتلال يليه انهيار صحي خطير، الأمر مشكوك فيه!