ومنذ سريان الحظر الأوروبي على شراء ونقل النفط الإيراني قبل شهر ونيف خسرت إيران نحو 133 مليون دولار يومياً من المبيعات النفطية، وفقاً لتقارير دولية، بحسب “الاقتصادية”.
وبالإجمال هبطت صادرات إيران النفطية بأكثر من 50% إلى 1.2 مليون برميل يومياً، وإذا ما استمر الحظر لعام آخر فمن المتوقع أن تخسر إيران نحو 48 مليار دولار أو نحو 10% من اقتصادها.
وهبطت العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية متدنية، حيث انخفضت بنسبة 5% خلال الأسبوع الماضي، وجاء ذلك بعد أن قال رئيس البنك المركزي الإيراني محمود بهمني إنه سيعلن عن رفع السعر الحكومي الثابت وهو 12260 خلال الأيام العشرة المقبلة لاستيعاب “التطورات الدولية”، حسبما أفادت صحيفة “دنيا الاقتصاد” الإيرانية.
وحسب مصرفيين إيرانيين، فإن السعر الرسمي لا يستخدم إلا كمرجع فقط. ويقول مراقبون إن الفجوة الهائلة بين السعرين أدت إلى شيوع الفساد المالي في الحكومة الإيرانية، حيث يعني الحصول على الدولار بالسعر الرسمي تحقيق أرباح هائلة.
وتعاني إيران التأثيرات الشديدة للعقوبات الاقتصادية الغربية التي تزداد وطأتها يوماً بعد يوم.
ويقول موقع رسمي إيراني إن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة “لا تقل في تأثيرها عن اجتياح عسكري للبلاد، وإنها تثبت أنه يمكن شل الحياة في بلد ما، دون الحاجة إلى غزو عسكري”.
وتأتي هذه التعليقات في أعقاب إقرار الكونجرس الأمريكي حزمة جديدة من العقوبات، تتضمن معاقبة الشركات العالمية التي تساعد إيران في أي من مجالات النفط والبتروكيماويات والتأمين والشحن والقطاع المالي، وبأي شكل من الأشكال المباشرة أو غير المباشرة.
وقال جهانجير أموزيغار، المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي، إن متابعة ما يحدث للعملة الإيرانية يمكن أن يلخص حجم تأثير العقوبات على إيران، بعد أن فقد الريال الإيراني نحو نصف قيمته منذ ديسمبر الماضي.
ويرى المحللون أن سعر صرف الريال الإيراني هو أكبر مصدر لقلق طهران، التي تواجه تحديات لم يسبق لها مثيل، حيث يعاني الاقتصاد البلاد من ركود قاتل ومستويات تضخم فلكية، ومستويات بطالة تصل بين الشباب إلى 30% في التقديرات المتواضعة، إضافة إلى تراجع إنتاج النفط وتصديره.
مصانع تعمل بنصف طاقتها
وتقر بيانات رسمية بأن المصانع الإيرانية تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية وسط موجة كبيرة من إفلاس الشركات، وتصل مستويات التضخم إلى 33%، في حين سجلت أسعار الدجاج واللحوم والحليب ارتفاعات تصل إلى 80% خلال العام الجاري.
وتقول منظمة “أوبك” إن صادرات النفط تراجعت إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو 2.3 مليون برميل، قبل فرض الحظر النفطي، وتشير إلى أن طهران تخسر نحو 133 مليون دولار يومياً بسبب ذلك الحظر.
ويقول محللون إن واشنطن تركت منفذاً واحداً لطهران، باستثنائها اليابان والهند والصين من الحظر النفطي، وتتعالى أصوات داخل الكونجرس الأمريكي هذه الأيام مطالبة بالضغط على هذه الدول لوقف شراء النفط الإيراني، وهو إن حدث فسيكون بمثابة خنق كامل للاقتصاد الإيراني.
ويرى المحللون أن أزمة الريال الإيراني ستدخل البلاد في متاعب وتحديات غير مسبوقة، وأنها ستكون العامل الحاسم في تقرير سياسة طهران في ملفها النووي، بل وتحديد مستقبل النظام الحاكم في طهران.
ويقول مراقبون إن الإدارة الأمريكية خاصة في هذه السنة الانتخابية تريد أن يكون الحظر مؤثراً في الوقت الذي لم يؤثر فيه على أسعار البنزين في الولايات المتحدة بفضل زيادة الشحنات النفطية من الخليج وارتفاع الإنتاج المحلي وتباطؤ الاقتصاد العالمي.
وأقر الكونجرس الأمريكي أخيراً عقوبات جديدة استهدفت قطاعي الطاقة وبناء السفن الإيرانيين، غداة كشف الرئيس باراك أوباما عن عقوبات جديدة تهدف إلى إرغام إيران على الوفاء بالتزاماتها الدولية بالنسبة لبرنامجها النووي.
وتستهدف الإجراءات الجديدة أي شخص أو شركة تتعامل مع قطاعي النفط والغاز الطبيعي الإيرانيين أو تقدم تأميناً لشركة النفط الوطنية الإيرانية أو تتعاون مع إيران في استخراج اليورانيوم أو تبيع ناقلات نفط إلى هذا البلد.
وتجعل هذه العقوبات قطاع الطاقة الإيراني محظوراً، وتضع على قائمة سوداء أي معاملات غير مسموح بها على ارتباط به، وفي نهاية المطاف تحرم إيران من العملات الصعبة والأموال التي تحتاج إليها لدعم برنامجها النووي.
وتأتي هذه العقوبات الجديدة تعزيزاً للعقوبات التي صادق عليها الكونجرس العام الماضي واستهدفت المؤسسات المالية الأجنبية التي تتعامل مع البنك المركزي الإيراني أو مع أي مؤسسات مالية إيرانية، تحت طائلة حرمان المتعاملين مع إيران من التعامل مع السوق الأمريكية الضخمة.
وقال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب ستيني هوير إن القانون سيحرم إيران من 80% من عائداتها بالعملات الأجنبية.
ومما يزيد الضغط على الاقتصاد الإيراني اتجاه المزيد من المشترين في آسيا إلى استيراد كميات قياسية من النفط الخام من غرب إفريقيا وخاصة من نيجيريا والتقليل من الاعتماد على المورد التقليدي لإيران.
وتوضح بيانات متاحة أن دولاً آسيوية استوردت خلال الربع الأول من 2012 أكثر من 1.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام من منطقة غرب إفريقيا، وخاصة من نيجيريا مقابل 1.97 مليون برميل خلال الفترة نفسها من 2011.
وفي الربع الأول من 2010 بلغت الكميات المستوردة من المنطقة 1.71 مليون برميل يومياً مقابل مليون برميل في 2009، و1.21 مليون برميل في 2008.
ثغرات
وفي الربع الثاني من هذا العام انخفضت واردات آسيا من نفط غرب إفريقيا إلى 1.71 مليون برميل يومياً، ولكنها كانت أعلى من الـ1.57 مليون برميل يومياً خلال الربع الثاني من 2011، وأقل من الـ1.73 مليون برميل يومياً في 2010.
وفي الشهرين الأولين من الربع الثالث لعام 2012 بلغت واردات آسيا من الخام 1.64 مليون برميل يومياً.
ووفق مسح لرويتزر استوردت الصين في يونيو 1.013 مليون برميل يومياً، وفي يوليو استوردت 889 ألف برميل يومياً، وفي أغسطس 857 ألف برميل يومياً، وفي سبتمبر يبلغ حجم الطلب 832 ألف برميل يومياً. وجاءت الهند كثاني أكبر مستورد آسيوي لنفط غرب إفريقيا، ففي يونيو 2012 استوردت 380 ألف برميل يومياً، و368 ألف برميل في يوليو، و644 ألف برميل في أغسطس، و475 ألف برميل في سبتمبر.
ويرى مراقبون أنه على الرغم من تشديد تلك العقوبات فلا تزال هنالك بعض الثغرات التي تتيح لإيران تصدير قسم بسيط من إنتاجها النفطي وبأسعار مخفضة من خلال اتباع بعض الخطط البديلة بحسب اعتقادهم، وفي هذا الشأن تعرض شركات خاصة غامضة بيع النفط الخام الإيراني بخصومات كبيرة إلى تجار نفط أوروبيين، إذ تبحث طهران عن سبل لاستعادة تدفقات صادراتها النفطية التي تأثرت بالعقوبات الغربية.
ويقول التجار الذين يشترون النفط الخام لحساب المصافي الأوروبية إنهم يتلقون يومياً اتصالات هاتفية تعرض عليهم الخام الإيراني وأحياناً تصاحبها وعود بتقديم وثائق مزيفة تظهر أن الخام من منشأ مختلف. وفي إطار سعيها لوقف هبوط الصادرات الذي سببته العقوبات الأمريكية والأوروبية تخلت طهران في وقت سابق عن سياسة صارمة لتسويق النفط من خلال شركة النفط الوطنية الإيرانية فقط لتسمح للشركات الخاصة بالقيام بهذا الدور.
وأوقفت العقوبات التي تهدف للضغط على إيران للتخلي عن برنامجها النووي كل مبيعات النفط الإيرانية إلى أوروبا تقريباً، وبدأ الاتحاد الأوروبي حظر استيراد النفط في الأول من يوليو. وخفضت تركيا التي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي مشترياتها أيضاً، ويتراكم حالياً النفط الإيراني الذي كان متجهاً إلى تركيا في البداية في ميناء سيدي كرير المصري على ساحل البحر المتوسط ويقوم عدد متزايد من الشركات الصغيرة بعرضه للبيع في سوق النفط الأوروبية.
وتضطر إيران تحت وطأة العقوبات الغربية الصارمة لاتخاذ إجراء مؤلم يتمثل في إغلاق آبار في حقولها النفطية الشاسعة الأمر الذي دفع الإنتاج لمستويات لم يبلغها منذ أكثر من عقدين وأفقد طهران إيرادات بالمليارات، وجاهدت إيران لبيع نفطها قبل بدء سريان حظر أوروبي وأبقت في الوقت ذاته على إنتاجها النفطي عند مستويات عالية تتجاوز ثلاثة ملايين برميل يومياً بعد أن خزنت الكميات غير المطلوبة في صهاريج على البر وناقلات في البحر.
لكن المبيعات النفطية تراجعت الآن إلى نصف ما كانت عليه قبل عام، كما أن أماكن التخزين تكاد تنفد، وكملاذ أخير تجري إيران صيانة “اضطرارية” للمكامن النفطية المتقادمة، حسبما تقول مصادر نفطية إيرانية وغربية وهو ما من شأنه خفض الإنتاج لما دون ثلاثة ملايين برميل يومياً.
وقال مصدر نفطي إيراني “نحن الآن في وضع مضطرون فيه لتقليل الإنتاج لذا سنطيل أمد إعادة تأهيل حقولنا النفطية”. وأضاف “لكن من الخطأ الظن أن هذا سيجعلنا نستسلم. إيران لن تستسلم”.
وليس من المتوقع أن تبوح إيران بالكثير، فحين بدأت مبيعات النفط في التراجع بسبب القيود التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم تقر إيران إلا في يونيو بأن صادراتها انخفضت انخفاضاً كبيراً. وفيما يتعلق بتراجع الإنتاج ـ وهو نتيجة حتمية لاستمرار تراجع الصادرات ـ استمرت إيران في التزام الصمت وبات الحصول على معلومات دقيقة أمراً في غاية الصعوبة.
وقال مسؤول نفطي إيراني “في العمليات سواء عمليات المنبع أو المصب الصيانة ليست بالأمر غير المتوقع. من الطبيعي جداً إجراء بعض الصيانات”. وأحجم عن التعليق عما إذا كانت إيران تغتنم الفرصة لإجراء صيانة في حقولها النفطية مع تراجع الصادرات الآن بنحو مليون برميل يومياً عن مستواها في العام الماضي.
ويرى خبراء نفط غربيون أن عدم توافر أماكن التخزين وهبوط المبيعات النفطية ربما أجبرا طهران على خفض الإنتاج بمئات الآلاف من البراميل يومياً على الأقل.
وقال مسؤول نفطي غربي كبير “هناك ضغوط بالقطع لكن من الصعب معرفة التفاصيل. الواضح أن الموقف في غاية التعقيد والحساسية ولا تعلن الأشياء على الملأ”.
ومما يزيد الأمر تعقيداً تغيير بعض القيادات في شركة النفط الوطنية، فقد تم تعيين محمد علي خطيبي مندوب إيران في مجلس محافظي منظمة “أوبك” مديراً لإدارة الشؤون الدولية بالشركة خلفاً لمحسن قمصري الذي تولى المنصب قبل نحو عام فقط. وتراجعت شحنات النفط باطراد مع تقليص المشترين وارداتهم امتثالاً للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب القلق من أن تكون إيران تسعى لإنتاج قنبلة نووية.
وأقرت إيران بأن صادراتها انخفضت انخفاضاً حاداً بما بين 20 و30% من الأحجام المعتادة حول 2.2 مليون برميل يومياً.
من جانب آخر، قال مصدر في صناعة النفط مطلع على خطط الشحن البحري الإيرانية إن صادرات إيران في يوليو انخقضت إلى 1.1 مليون برميل يومياً كحد أقصى بسبب العقوبات الغربية الصارمة المفروضة على ايران. وأوقفت اليابان وكوريا الجنوبية وهما من أكبر مستوردي النفط الإيراني كل الواردات الإيرانية بسبب العقوبات.
العربية.نت