ومن دون سوريا، كانت ادعاءات إيران بالهيمنة على المنطقة، وقدرتها على تحدي إسرائيل، ستذهب أدراج الرياح.
وبالتالي، كما صرح قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جيمس ماتيس، أمام الكونغرس في شهر مارس (آذار) الماضي، فإن سقوط الأسد سوف يكون «أكبر نكسة استراتيجية لإيران خلال 25 عاما». ولا يعد تحقيق ذلك مجرد حتمية إنسانية عقب قتل ما يربو على 10 آلاف مدني، بل يعد أيضا مصلحة استراتيجية كبرى لإسرائيل والولايات المتحدة.
لماذا إذن تبدي إدارة الرئيس أوباما وكذلك حكومة بنيامين نتنياهو فتورا، على أقل تقدير، تجاه أي تدخل عسكري حتى لو كان غير مباشر من أجل إسقاط الأسد؟ أحد أسباب هذا الفتور هو القلق مما سيأتي بعد ذلك الديكتاتور. وبالنسبة لأوباما، يعد أحد العوامل الكبرى في موقفه هذا هو حملته الرئاسية، وما زعمه من أن «مد الحرب يتراجع» في الشرق الأوسط. غير أن الحسابات المتعلقة بسوريا وإيران تعد كذلك أكثر تعقيدا مما يبدو في البداية، ذلك أن ما يربط بين الاثنتين ليس التحالف القائم بينهما فحسب، ولكن أيضا أن الولايات المتحدة وحلفاءها وضعوا هدفا مستقلا وعاجلا لكل منهما على حدة. فالهدف بالنسبة لسوريا هو إقصاء الأسد وإحلال نظام ديمقراطي محله، أما الهدف بالنسبة لإيران فهو منعها من امتلاك سلاح نووي. وقد اتضح أن الخطوات التي يمكن أن تحقق النجاح على إحدى الجبهتين لن تؤدي إلا إلى تعقيد الاستراتيجية الغربية على الجبهة الأخرى.
ويعد الشغل الشاغل لإسرائيل هو القيام بعمل عسكري، حيث يرى أنصار التدخل العسكري في سوريا (وأنا منهم) ضرورة أن تشارك الولايات المتحدة وحلفاؤها مثل تركيا في إيجاد مناطق آمنة للمدنيين والقوات المناوئة للأسد على طول الحدود السورية، وهو ما يتطلب غطاء جويا وربما بعض القوات «التركية». ولكن إذا تورطت الولايات المتحدة في عملية عسكرية في سوريا، فهل سيظل من الممكن تنفيذ هجوم جوي على مواقع إيران النووية؟ وماذا لو أقدمت إسرائيل على شن ذلك الهجوم بينما لا تزال العملية الموجهة إلى سوريا مستمرة؟
الإجابة الواضحة هي أن النتيجة قد تكون فوضى لا يمكن التحكم فيها، ولهذا فحينما سألت مؤخرا مسؤولا إسرائيليا كبيرا عن احتمال حدوث تدخل غربي في سوريا، كانت الإجابة: «نحن نركز على إيران. أي شيء قد يسبب تشتيتا عن إيران لن يكون مفيدا كما قد يبدو».
وبالطبع، فإن أوباما حريص على تحاشي القيام بعمل عسكري في إيران بأي حال من الأحوال، غير أن الاستراتيجية التي يتبعها هناك – والتي تتلخص في عقد صفقة دبلوماسية تقضي بإيقاف البرنامج النووي – تضيق أيضا من الخيارات المطروحة أمامه في سوريا. وأي صفقة مع إيران سوف تتطلب دعما من روسيا، التي يتصادف أن تستضيف الجولة التالية من المفاوضات. وروسيا، بدورها، تعارض إزاحة الأسد، الذي ظل لوقت طويل صديقا لها، من السلطة بأي شكل من الأشكال.
وإذا كان أوباما يرغب في الحصول على دعم فلاديمير بوتين في ما يتعلق بإيران، فربما يتعين عليه التقيد بالإجراءات التي قبل بها بوتين بشأن سوريا، مما يضع الإدارة الأميركية تحت رحمة موسكو. فأوباما ليس أمامه سوى أن يتضرع إلى بوتين، الذي يرمقه بنظرات جامدة، كي يدعم إقامة نظام ديمقراطي في سوريا، أو أن يوجه تحذيرا غاضبا إلى بوتين، بينما ترتسم على شفتي الأخير ابتسامة مليئة بالشك، بأن موسكو بذلك تمهد الطريق لنشوب حرب طائفية مأساوية.
والسبب الرئيسي في هذه المشكلة هو اختلاط وتضارب الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط. فهل تريد واشنطن إسقاط نظامي الأسد وخامنئي الديكتاتوريين اللذين يتسمان بالوحشية والعداء ويوجد بينهما تحالف وثيق، أم أنها تريد أن تتوصل معهما إلى صفقات تحتوي ما يمثلانه من تهديد؟ الإجابة هي أنها تريد الاثنين معا ولا تريد أيا منهما في الوقت ذاته، إذ تقول إدارة الرئيس أوباما إنها تسعى إلى تغيير النظام في سوريا، في حين أنها حددت الهدف في حالة إيران بإقامة علاقات ودية مع المرجعيات الدينية هناك في مقابل منع انتشار الأسلحة النووية.
ويحاول أوباما «تربيع هذه الدائرة» عن طريق السعي إلى إيجاد منهج دبلوماسي متعدد الأطراف تجاه كلا البلدين، ولكن إذا كان الهدف هو تغيير النظام في سوريا، فإن قرارات مجلس الأمن والخطط المكونة من ست نقاط على غرار تلك التي تقدم بها كوفي أنان سيكون مصيرها الفشل، وأي شيء آخر غير ممارسة مزيج من الضغوط الاقتصادية والعسكرية، عن طريق معارضي الأسد أو أطراف خارجية، لن يستطيع أن يضع نهاية لهذا النظام.
وهذا الانهيار، بدوره، قد يضعف النظام الإيراني نفسه الذي يسعى أوباما إلى عقد صفقة معه، لذا فليس من المستغرب أن تحاول طهران إضافة سوريا إلى المواضيع المطروحة للمناقشة في الجلسة الأخيرة من المفاوضات، أو أن يرغب أنان في إدراج إيران ضمن «مجموعة اتصال» جديدة تم تكوينها كي تلعب دور الوساطة من أجل التوصل إلى تسوية في سوريا.
وقد رفضت إدارة الرئيس أوباما كلا المقترحين، لأنهما يتعارضان مع تغيير النظام السوري. وهذه البلبلة قد تسعد فلاديمير بوتين، ولكن من المستبعد أن تحقق الكثير بخلاف ذلك.
* خدمة «واشنطن بوست» -نقلا عن الشرق الاوسط