، أما المالكي فرجل عادي جاء من خلفية عادية. والصدر اليوم رقم مهم في الساحة السياسية العراقية، وله من الأتباع الكثر، مما اضطر المالكي للتحالف معه والفوز برئاسة الوزراء. أما المالكي فسياسي رفيع اليوم بفضل منصبه فقط، ولعب الحظ لصالحه عندما وقع الخلاف بين كبار السياسيين العراقيين فاختير رئيس وزراء مؤقتا، ولم يخرج من الحكم منذ ذلك اليوم.
أستبعد صحة ما يتهم الصدر به المالكي، رغم غرابة ما نشاهده من أفعال المالكي التي تحزننا وتقلقنا، حيث يبدو مستعدا لفعل أي شيء متطرف أو غريب يبقيه في الحكم. فهو متهم بإرهاب هيئة الانتخابات، واعتقال منافسيه بتهم خطيرة، وطرد كبار الوزراء، والاستيلاء على كل المناصب السيادية العليا لنفسه، مع أنه جاء باتفاق على الحصص لأنه لم يحقق الفوز المطلوب في الانتخابات الماضية. ومضى بعيدا في نزاعاته إلى درجة تهديد وحدة البلاد، حيث يريد إخضاع القيادة الكردية لتعليماته. ومضى أبعد من ذلك في تحالفاته بإرضاء النظام الإيراني على أمل أن يدعمه المرشد الأعلى الإيراني في الانتخابات، فبادر بتمويل نظام الأسد ضد انتفاضة الشعب السوري، ودعم ميليشيات حزب الله، والآن يهدد المالكي جارته تركيا.
وحتى هذه الممارسات المفجعة التي يتهم بها المالكي، فإن فكرة تشييع دولة مثل العراق، أو تغيير عقائد أهل أي بلد في العالم، عمل مجنون تماما. لن يسنن أحد مجتمعا شيعيا ولن يفلح من أراد في تشييع مجتمع سني. هذه حقائق لا تخص العراق، بل تنطبق على كل مكان في عالمنا اليوم. الذي بيد المالكي فعله، تخريب النسيج العراقي، وإحداث انقسامات كبيرة فيه، وربما إشعال الحروب بين طوائفه وأعراقه، وهذه ستنقلب عليه شخصيا.
الدولة الحديثة اليوم تبحث عن قواسم لتعزز لحمة فئات مجتمعها لا تفكيكها، ليس فقط لأن هذا الواجب الوطني، أيضا لأنه عمل يبني أمة أكبر وأقوى. يستطيع المالكي تقزيم العراق بتقسيمه، أو بمحاصرة أتباع المذاهب والأديان والأعراق الأخرى وعزلهم، بهذا يكون أضعف دولته أيضا، وأدخلها في أتون حروب أهلية لعشرات السنين. لن يكون المالكي أكثر سطوة من صدام حسين الذي بلغت به النرجسية والديكتاتورية أن يختصر العراق الكبير في نفسه. كل ديكتاتور ابتدع مشروعه لبناء حكم فاشي بصيغة دينية أو قومية، معادلة فشلت في كل مكان وسقط كل ديكتاتور حاول ركوبها.