فعلى سبيل المثال تفكك الاتحاد السوفييتي خلال سنوات التسعينات وفي العام الماضي تم اعلان استقلال جنوب السودان وأعلنت دولة فلسطين ولو من جانب واحد، وفي الشهر الماضي احتل الطوارق شمال مالي واعلنوه دولة مستقلة لهم باسم أزواد مع ان هذا الاحتلال سلب لاراضي دولة مستقلة، ومما يساعد الاكراد على الشعور بالانفصال الأزمة السياسية الراهنة في العراق أو بالأحرى احتكار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للسلطة، كما قلنا في مقال سابق، فالمالكي بدلاً من تقاسم السلطة في حكومة الوحدة الوطنية بعد انتخابات عام 2010 على أساس اتفاقية مشاركة في السلطة أخذ يعمل بصفته وزيراً للعدل والدفاع والداخلية ويسيطر بشكل كامل على أجهزة الأمن والتعيينات الوظيفية فيها فشعرت الطائفة السّنية بأنها على الهامش فلا تملك مراكز قيادية في البلاد، وبهذا فقد عطل المالكي اتفاقية المشاركة فظلت هذه الحكومة منقسمة دائماً في مناقشة قوانين البلاد، ولما خرجت القوات الامريكية من العراق في الثامن عشر من ديسمبر الماضي استبشر العراقيون خيراً لكن الوضع استمر على ماهو عليه ان لم يزدد سوءاً.
علاوة على ذلك فقد تبين من استفتاء بين الاكراد تم في عام 2005 ان ما نسبته %95 منهم قد اختاروا الاستقلال والأزمة القائمة حالياً بين حكومة كردستان في العراق وبغداد تشكل حافزاً لتنفيذ هذه الرغبة، وفي 21 مارس الماضي هدد الزعيم الكردي مسعود البرزاني باعلان الاستقلال، وقد بلغت بالبرزاني الجرأة ان أشار الى رئيس الوزراء المالكي بأنه يقود العراق نحو الديكتاتورية أي الحكم المستبد، ويسعى زعيم الاكراد للانفصال مستخدماً استراتيجية «الاستقلال الزاحف» الذي يعني اعداد البنية الأساسية على جميع المستويات انتظاراً لساعة الاعلان عندما تسمح الظروف الدولية بذلك، علماً بأن كردستان تمتلك مقومات الدولة أكثر من فلسطين وجنوب السودان، فهناك علم رسمي لكردستان مع سلام وطني واللغة الكردية تستخدم سواء في الحياة العامة أو عبر قنوات التلفزيون الفضائية مع استقلالية المؤسسات الكردية كالرئاسة والبرلمان والدستور والجيش (البشمرغة) في ظل اقتصاد مزدهر وممثلين عن كردستان يعملون مستقلين عن البعثات الدبلوماسية العراقية في الخارج، ثم ان هناك حدوداً تفصل الجزء الكردي عن الجزء العربي في الدولة العراقية، وفي الآونة الأخيرة أخذت كل من تركيا وامريكا تستقبل الزعيم الكردي كرئيس دولة فقد فُرشت السجادة الحمراء في تركيا ليطأ عليها البرزاني وهو تقليد دبلوماسي عادة ما يستخدم عند استقبال رؤساء الدول، كذلك استقبل الرئيس الامريكي اوباما الزعيم البرزاني بمفرده وليس ضمن وفد عراقي مما يرفع من قدر البرزاني لدرجة ان السيدة هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية كانت جالسة فقامت من مقعدها لمصافحته، وعلى مستوى العلاقات الثنائية تم تشكيل «مجلس الاعمال الامريكي الكردي» في واشنطن لمتابعة الاستثمارات الامريكية في «مناطق شمال العراق» التي تقع تحت سيطرة البرزاني، وتم الاتفاق مع شركة «اكسون موبيل» الامريكية للتنقيب عن النفط في كردستان، ولاشك ان هذا التحرك السياسي من جانب البرزاني قد أغضب المالكي الذي يرى ان الحكومة الفيدرالية هي التي تمتلك هذه السلطة لمنح الامتيازات لشركات النفط الاجنبية.
واذا كان لابد من ابداء الرأي الشخصي فان التجارب التاريخية قد أثبتت ان عملية انفصال اقليم من اقاليم الدولة تتسبب في صراع عنيف قد يستمر وقتاً طويلاً من الزمن تسود خلاله بين أبناء الشعب مشاعر الكراهية والانتقام قد تمتد لأجيال قادمة، واذا تكلمنا عن العراق فان انفصال كردستان قد ينجم عنه معارك عنيفة حول أهم مدنه وهي بغداد وكركوك وحول منابع النفط في الشمال والجنوب وسوف نشاهد الدم يراق هنا وهناك، ومن المحتمل ان ترمي القوى الاقليمية ثقلها في الفوضى المترتبة على تفكك العراق لمساعدة كل منها للطرف الحليف لها، وربما يتجاوز الصراع حدود العراق ولا ينبغي ان ينظر الاكراد لهذه النزعة الانفصالية اذا ما كان وراءها كارثة في المستقبل تقوض الجهود الهشة الراهنة لإضفاء الاستقرار السياسي في العراق، ثم لنفترض ان نالت كردستان استقلالها فمن يضمن الا يتحرك الاكراد في كل من تركيا وايران وسورية للمطالبة أيضاً بدولة لهم الأمر الذي تترتب عليه مخاطر جسيمة تحيق بارجاء المنطقة بأسرها.
أحمد الدواس