لم يكن العرب يعتقدون أن ثورة إسلامية على رأسها رجال دين (إسلامي) معممون ستكون أسوأ من نظام أسرة بهلوي وكان الاعتقاد بالنسبة للشيخ زايد رحمه الله ولدولة الإمارات العربية ولدول الخليج العربي كلها أن الإمام الخميني سوف يبادر ،كبداية علاقة لبلاده مع أشقائه في الدين والجوار والعلاقات التاريخية، إلى إعادة الحق إلى أصحابه وإرجاع جزر طمب الكبرى وطمب الصغرى و(أبو موسى) إلى أهلها وفتح صفحة جديدة مع «الأشقاء» على الشاطئ الغربي من الخليج الذي لو أن هذا حصل فعلاً فلربما ما كان هناك اعتراض على أن يكون اسمه الخليج الفارسي!!.
كانت أولى مبادرات الشيخ زايد تجاه ثورة الخميني المنتصرة وتجاه إيران ما بعد زوال عنجهية الشاه محمد رضا بهلوي ،الذي كان يطرب لوصفه بأنه «شرطيُّ الخليج» والذي رغم ضعف شخصيته واضطرابه النفسي كان يتصرف على أساس أنه الوريث الشرعي لأمجاد فارس القديمة التي دفنها العرب في قادسية العراق بعد انطلاق رسالة الإسلام إلى أربع رياح الأرض، أنه أرسل طائرته الخاصة لتعيد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من طهران التي كان قد ذهب إليها بعد انتصار الثورة الخمينية بأيام لكسب ودِّ شيعة لبنان الذين بدأوا يتحركون ضده أكثر من مسارعته لحجز مقعد في المعادلة الإقليمية المستجدة بعد انهيار عرش الطاؤوس ومجيء أصحاب العمامات السوداء من آيات الله وحجج الإسلام ليحكموا واحدة من أهم دول المنطقة.
لقد حاول أبو عمار أن يعود إلى العرب عموماً والى الخليجيين بصورة خاصة بما يشعرهم بزوال غمامة عنجهية وخيلاء محمد رضا بهلوي ولقد بذل جهوداً مضنية ليعود من لقائه بالإمام الخميني إلى الشيخ زايد ولو بمجرد وعدٍ بردِّ الحق إلى أصحابه وبعودة الجزر الثلاث التي احتلها الشاه خلال لحظة مريضة من التاريخ العربي المعاصر إلى أهلها لكنه لم يستطع بل وهو أحسَّ بأن هناك إصراراً على تسمية «الخليج الفارسي» وأن هناك إصراراً على التمسك بما احتله الجيش الشاهنشاهي وأن هناك فوق هذا كله تطلعات مذهبية تجاه المقامات الشيعية في النجف وكربلاء والعراق كله.
وهكذا فقد أدرك العرب أن حالهم مع هذا النظام الإيراني المعمم كحال المستجير من الرمضاء بالنار وأن التطلعات الإمبراطورية الشاهنشاهية تجاه المنطقة العربية وفي مقدمتها منطقة الخليج قد جرى فَرْدُ العمامة الخمينية السوداء فوقها وأنه جرى تحويل المذهب الشيعي الشريف إلى غطاء للأطماع الفارسية القديمة في هذه المنطقة وتحويل الشيعة العرب إلى جاليات إيرانية باقتلاعها من بلدانها وربطها ب»قم» بدل النجف الأشرف وإلحاقها بدل دولها وأنظمتها بطهران وبالولي الفقيه.
وهنا وللرد على كل من تساوره في هذا المجال أية ظنون سيئة فإنه لابد من التأكيد على أن التشيع الذي بدأ عربياً لم يكن مرفوضاً ولا محارباً من قبل أهل السنة وأن الأئمة الأربعة أبا حنيفة النعمان والمالكي والشافعي والحنبلي كانوا من محبي آل البيت وان كل هذا التحول الذي نراه الآن قد بدأ بعدما سخَّر إسماعيل الصفوي دعوة بريئة وكريمة لأطماعه السياسية وبعدما «اخترع» حكاية «الولي الفقيه» ليبرر الارتداد على ما كان سائداً على أساس عودة المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد ما امتلأت جوراً وظلماً.
لقد ذهب محمود أحمدي نجّاد المصاب بجنون العظمة وبأنه وريث عقلية ال»بروسبولس» وأباطرة الفرس القدماء إلى «أبو موسى» من أجل تعزيز مكانته في صراعه المتصاعد مع مرشد الثورة علي خامنئي ومن أجل إشعار الإيرانيين المصاب بعضهم بمرض الحنين إلى الماضي الإمبراطوري الفارسي البعيد ،الذي لن يعود، بأنه هو الذي سيأخذهم إلى ذلك الماضي الذي وصل فيه أجدادهم إلى شواطئ المتوسط الغربية.
نقلاً عن جريدة “الرأي الأردنية”صالح القلاب”