yousef_azizi-1
فيما اتخذ الاعلام الرسمي الايراني حالة الصمت ازاء الاحداث التي شهدها اقليم عربستان خلال الاشهر الثلاث الاخيرة، خرجت علينا قناة "برس تي في" التابعة للحكومة الايرانية بتقرير مصور حول ما وصفته بالاعمال الارهابية للعرب في هذا الاقليم واظهرت صورة لثمانية عربستانيين اتهمتهم بالقيام باعمال عنف.

القضية الاهوازية في الاعلام الرسمي الإيراني بين التعتيم والتشويه

وهذه ليست المرة الاولى التي تبث هذه القناة الناطقة بالانجليزية تقارير حول ماتصفه بالارهاب في اقليم عربستان او كما يسمونه رسميا “خوزستان”. لكن لماذا لم يستخدم النظام الامني الايراني، قناة العالم العربية التي تبث للعالم العربي لهذا الغرض، ولماذا اختار هذا الوقت بالتحديد؟ في الجواب يجب ان اقول ان النظام الايراني لم يستخدم بوقه العربي اي قناة العالم لانه لايريد ان يطرح القضية الاهوازية على الرأي العام العربي كي لايذكرهم بوجود عرب مضطهدين في ايران وهو المتبجح دوما بالدفاع عن القضية الفلسطينية وسائر القضايا العربية. اي انه يتجنب بذلك إثارة احاسيس العرب القومية التي يمكن ان تتعاطف مع الشعب العربي المطوق بحصار حديدي في عربستان. ويعمل النظام الشمولي في ايران ومن خلال هذا الجدار الحديدي من اجل التعتيم على القضية الاهوازية. فهو منذ 33 سنة يعتقل ويقمع ويقتل الشعب العربي في عربستان من جهة ويدعي مساندة الشعب العربي الفلسطيني من جهة اخرى.

ونحن نعلم ان علاقة النظام الايراني مع الاعلام الحر – كحليفه السوري – تماثل “الحية والحساوي” كما يقول المثل الاهوازي، اي انه يعادي الاعلام الحر ويمنع دخول الاعلام المستقل الاجنبي والمحلي ليس الى اقليم عربستان وعاصمتها الاهواز فحسب، بل وحتى الى العاصمة الايرانية طهران. فالجمهورية الاسلامية معروفة بتعتيمها على اخبار العرب في اقليم عربستان بل واساسا لم تعترف رسميا بوجود 6 ملايين عربي في هذا الاقليم.

تأكيدا على عداء النظام الشمولي الديني في ايران للصحافة والاعلام نقول ان منظمة مراسلون بلاحدود وللعام الثاني، صنفت ايران كالدولة الاكثر عداءا للصحافة الحرة. ويرزح نحو 42 صحافي في السجون الايرانية من اصل 100 صحفي مسجون في العالم. كما تقع ايران في اسفل قائمة الدول في مجال حرية الصحافة والاعلام ولايتبعها في سلم كبت الحريات الا سورية واريتريا وكوريا الشمالية. وقد حجبت الحكومة الايرانية نحو 10 ملايين موقع على الانترنت.

علاوة على ذلك يستهدف الامن الايراني من بث التقارير المزيفة حول العرب في ايران ونضالهم كالتي بُثت من شبكة برس تي في، يستهدف الرأي العام والحكومات في الدول الغربية بشكل مباشر كي يرسم صورة مشوهة من النضال الاساسي لابناء شعبنا وهو نضال سياسي جماهيري سلمي بعيدا عن العنف. ويتعمد النظام الايراني في تقاريره التي يبثها او ينشرها في اعلامه الرسمي، بالمزج بين الشخصيات والفصائل المؤمنة بالعمل السياسي والثقافي الجماهيري، والاخرى التي تعتمد العمل المسلح، كي يضرب عصفورين بحجر واحد. اي يثير السلطات في الدول الاوروبية والامريكية بالضغط على العربستانيين الذين يقيمون كلاجئين في هذه الدول هربا من بطش النظام الاستبدادي في ايران.

لكن لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ لإن النظام الايراني اخذ يتضايق من العمل الاعلامي الواسع للنشطاء العربستانيين في الخارج والذين يحاولون توصيل صوت شعبهم الاسير الى العالم. فأهم ما يؤرق الحكومة الايرانية هو انعكاس اخبار الاعتقالات وعمليات الاعدام التي يتعرض لها المواطنين العرب في ايران، خاصة في الاعلام الفارسي ولدى الاحزاب ومنظمات السياسية المعارضة ومؤسسات حقوق الانسان العالمية والايرانية الناشطة في الخارج. واني اعرف ان المسؤولين الكبار في ايران يتابعون وبدقة اولا القنوات الفارسية الواسعة الانتشار في ايران كقناة بي بي سي فارسي وصوت امريكا الفارسي، وثانيا المواقع الاخبارية الفارسية المستقرة في الخارج. ويأتي ارسالها الامواج للتشويش على هذه القنوات اثر خوفها من حصول الناس على المعلومة التي يحجبها الاعلام الرسمي من المواطن الايراني. وهي تعلم ما قامت به اذاعة بي بي سي الفارسية في نشر اخبار الثورة الايرانية خلال عامي 1978 و1979، بل ودورها في قيام تلك الثورة التي عُرفت باسم الثورة الاسلامية. ولذلك صب قناة برس تي في، جام غضبه في تقريره هذا على قناة بي بي سي فارسي. كما ان ما تنشره منظمة العفو الدولي ومنظمة هيومن رايتس ووتش باللغة الانجليزية ومن ثم الفارسية والعربية يقض مضاجع المسؤولين الكبار في الجمهورية الاسلامية الايرانية وذلك بسبب بثه من قبل اهم الوكالات العالمية كرويترز و فرانس برس.

لقد قامت المنظمات المدافعة لحقوق الانسان خلال الاشهر المنصرمة بفضح اعمال النظام الايراني في قتل عدد من الشباب العربستاني تحت التعذيب واعتقال العشرات منهم. اذ كان الاعلام الفارسي قبل بضع سنوات شبه مغلق في وجه الاهوازيين لإسباب مختلفة لكنه اخذ يتجاوب اكثر فاكثر في الاعوام الاخيرة تجاه الخطاب الاهوازي المتعقل والرزين. كما ساهمت بعض القنوات العربية كقناة بي بي سي عربي والعربية وموقع ايلاف في بث اخبار الاعتقالات والاغتيالات في الاهواز، غير ان التغطية لم تكن في مستوى حجم الاعلام الفارسي رغم ان الاعلام العربي اكبر واوسع من الاعلام الفارسي. كما ان الاحزاب القومية والديمقراطية واليسارية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية في الدول العربية لم تنبس ببنت شفة ازاء ما يجري من قمع واضطهاد ضد بني جلدتهم في ايران وهو ما ينقده النشطاء الاهوازيون في الداخل والخارج.

ولم يرد النظام الايراني حتى على منظمات ايرانية كمجموعة “العدالة لإيران” التي ترأسها الحقوقية والسجينة السابقة شادي صدر والتي طالبته بتفسير عن اعتقال نحو 65 مواطن عربي ووفاة اثنين منهم تحت التعذيب خلال الاشهر الثلاث المنصرمة. بل جاء رد النظام الامني الشمولي في ايران بشكل تقرير مصور يمزج بين اغتيالات لاشخاص وتفجيرات وقعت قبل اربع سنوات، واعتقالات تمت خلال الاشهر الثلاث الماضية. فهو معروف – كحليفه السوري – بالتلفيق والكذب. فالذين يعتقدون بحق تقرير المصير لشعبنا العربي في عربستان – وانا منهم – يترجمون هذا الحق باقامة نظام فدرالي، ديمقراطي، تعددي يتم بفضل نضال كل الشعوب الايرانية وخاصة غير الفارسية منها. وتقع الحقوق الكاملة للمرأة الاهوازية في صلب هذا الحق.

وقد عارضت دوما استخدام العنف في نضال شعبنا، اؤكد مرة اخرى ان النظام القمعي في ايران هو الذي يجر بعض الشباب الى العنف لكن على هؤلاء الشباب ان تعلم بان هذا الامر هو لصالح النظام الذي يملك كل وسائل العنف وله اليد العليا في ذلك. كما على المجموعات العربستانية في المنفى ان تتحلى بروح المسؤولية ازاء ارواح شبابنا ولاتحرض على استخدام العنف.

فالوجه الحضاري لنضال شعبنا هو ما نشاهده في المظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية والعمالية التي تتم بين الحين والآخر رغم قساوة النظام الايراني في مواجهة هذا النضال السلمي. هذا سياسيا، وإما ثقافيا، نشاهد اقامة الامسيات الشعرية والموسيقية والنشاطات المسرحية واقامة المحاضرات التوعوية في المساجد وماشابه ذلك من امور. لذا يجب دمج النضال السياسي والثقافي حيث لايمكن الاستغناء لاي منهما.

 

يوسف عزيزي بني طرف

نقلا عن”موقع ايلاف

شاهد أيضاً

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة

فوز الأديبة الأهوازية الشابة سرور ناصر في المركز الاول للقصة القصيرة جابر احمد 2024 / …